:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، نوفمبر 10، 2023

محطّات

  • هناك نوع من اللوحات الفنّية التي تصوّر مشاهد هادئة تثير شعوراً بالسلام والاستبطان والاتصال الروحي. وتُظهر هذه اللوحات التي تنتمي الى فترات ومدارس فنّية مختلفة الطرق المتنوّعة التي اكتشف بها الفنّانون موضوع التأمّل، ومن خلالها يدعون المتلقّي الى التفكّر في أسرار الوجود والتواصل مع الذات ومع العالم من حولهم.
    ومن أشهر تلك اللوحات "الراهب" لأوديلون ريدون. ابتكر ريدون، وهو فنّان رمزي فرنسي، العديد من الأعمال التي تستكشف موضوعات الروحانية والتأمّل الداخلي. وتصوّر لوحته هذه راهبا يجلس في حالة تأمّل وهو محاط بصور أثيرية تشبه الحلم.
    هناك أيضا لوحة "رقم 5" لجاكسون بولوك. هذه اللوحة التعبيرية التجريدية لبولوك قد لا تصوّر التأمّل تماما، لكن توليفها النشط والتلقائي يمكن أن يثير تجربة تأمّلية. طبقات الطلاء المعقّدة والأنماط الديناميكية تدعو المتلقّي إلى الانغماس في حالة من التأمّل.
    هناك أيضا لوحة "5 دوائر" لكازواكي تاناهاشي. وتاناهاشي فنّان ياباني معاصر ومعروف بأسلوبه المميّز ولوحاته المستوحاة من فلسفة الزِن. سلسلة لوحاته الدائرية ترمز إلى التنوير والوحدة والطبيعة الدائرية للوجود.
    وهناك أيضا لوحة "دوام الذاكرة" لسلفادور دالي، وتصوّر ذوبان ساعات في منظر طبيعي حالم. وعلى الرغم من أن اللوحة قد لا تتضمّن عنصر تأمّل بشكل مباشر، إلا أن طبيعتها السوريالية والاستبطانية تدعو الناظر إلى استكشاف سيولة الوقت ومرونة الإدراك.
    ومن اللوحات الأخرى التأمّلية سلسلة لوحات "سوسن الماء" لكلود مونيه. وغالبا ما ترتبط هذه السلسلة التي تصوّر زنابق الماء في حديقة الرسّام في جيفرني بالهدوء والتأمّل. فالألوان الناعمة وضربات الفرشاة اللطيفة تخلق جوّا هادئا، وتدعو المتلقّي لأن يغمر نفسه في جمال الطبيعة والسلام الداخلي.
    هناك أيضا تمثال "المفكّر" لأوغست رودان. على الرغم من أن هذه المنحوتة الشهيرة لا تتعلّق بالتأمّل تحديدا، إلا أنها تصوّر شخصا في وضع تأمّلي ومستغرقا في التفكير. وهو يجسّد الطبيعة الداخلية للتأمّل والسعي وراء المعرفة والتأمّل الذاتي.
    أيضا هناك لوحة "ليلة مرصّعة بالنجوم" للفنّان فنسنت فان جوخ: على الرغم من أن هذه اللوحة الشهيرة لا تتحدّث بشكل صريح عن التأمّل، إلا أنها تصوّر سماءً ليلية مليئة بالنجوم الدوّامة وقرية هادئة في الأسفل. الفرشاة التعبيرية والألوان النابضة بالحياة تخلق جوّا حالما يمكن أن يلهم التأمّل والاتصال بالكون الواسع.
    وهناك أيضا لوحة "الموجة العظيمة قبالة ساحل كاناغاوا" لكاتسوشيكا هوكوساي. هذه اللوحة اليابانية الشهيرة تصوّر موجة عاتية على وشك الاصطدام بعدّة قوارب. وعلى الرغم من أن الصورة لا ترتبط مباشرة بالتأمّل، إلا أنها غالبا ما تفسر على أنها رمز لقوّة الطبيعة وعدم ثبات الحياة مع ما تثيره من تأمّل وشعور بالرهبة في نفس الناظر.
    وأخيرا هناك لوحة "التوليف الثامن" لفاسيلي كاندينسكي. كان كاندينسكي رائداً للفنّ التجريدي وكان يؤمن بالإمكانات الروحية للفنّ. لوحته هذه نابضة بالحياة ومعقّدة وتستخدم الأشكال والألوان والخطوط الهندسية لإنشاء تركيبة ديناميكية. ويمكن اعتبارها تمثيلا مرئيّا للعالم الداخلي للفنّان وسعيه إلى الانسجام الروحي.



  • كلمة انعكاسي reflexive هي إحدى تلك الكلمات الملتبسة لأنها تشبه إلى حدّ كبير كلمة تأمّلي reflective. ونعلم أن كوننا تأمّليين يعني أننا نتمتّع بالاستبطان أو التفكير أو التأمّل. و"انعكاسي" كلمة مشابهة، على الرغم من أنها تأخذ خطوة أخرى إلى الأمام أبعد من مفردة "تأمّلي". أن نكون انعكاسيين، بالمعنى السوسيولوجي، يعني أن نتأمّل ونفكّر في موقعنا الخاصّ في العالم.
    يقول عالم الاجتماعي آلفين غولدنر: إن الهدف النهائي لعلم الاجتماع الانعكاسي هو تعميق وعي عالم الاجتماع بمن هو وما هو، في مجتمع معيّن وفي وقت محدّد”.
    علماء الاجتماع يتحدّثون أحيانا عن "المشي في أحذية الآخرين" وعن "رؤية الصورة الأكبر". وهذان عنصران مهمّان في المخيال السوسيولوجي. ولكن من أجل القيام بأيّ من هذين الشيئين، يجب على المرء أوّلاً أن يكون انعكاسيّا. فإذا كنت تريد المشي في أحذية الآخرين، فيجب عليك أوّلاً أن تعرف ما هو الحذاء الذي ستمشي به، وإلا فلن تتمكّن من الشعور بالبثور والأورام التي يتعرّض لها الآخرون. وبالمثل، لكي ترى الصورة الأكبر، يجب أن يكون لديك فهم للرؤية الأضيق التي ترى من خلالها العالم.
    أن تتعلّم كيف تكون انعكاسيّا قد يكون أمرا صعبا. فالكثيرون منّا يشعرون بالارتياح تجاه واقعنا المسلّم به، ولا يرغبون في تركه. علاوة على ذلك، فإننا في كثير من الأحيان لا ندرك أننا نرى العالم من خلال مجموعة معيّنة من العدسات، وأن الآخرين يرون العالم من خلال عدساتهم الخاصّة. بل قد نعتقد أن كلّ شخص لديه نفس الخبرات والفرص التي لدينا. ومن خلال تبنّي هذا المنظور والفشل في التصرّف بشكل انعكاسي، فإننا نجعل أنفسنا غير قادرين على رؤية العقبات وانعدام المساواة والمشاكل التي قد يواجهها الآخرون.

  • يُحكى أن الرجل الذي اخترع النار لأوّل مرّة أخذ أدواته وذهب الى بعض القبائل التي ترتجف من البرد ليعلّمهم فنّ ومزايا إشعال النار. وسرعان ما تعلّموا وبدءوا في استخدام النار في الطبخ والتدفئة وخلافها. لكن قبل أن يقولوا للرجل شكرا على صنيعه، اختفى فجأة. لم يكن يريد أيّ شكر. أراد فقط أن يستفيد الناس من اختراعه.
    وذهب إلى قبيلة أخرى محاولا إثارة اهتمامهم أيضا باختراعه الجديد. لكنه واجه عقبة هناك. فقد بدأ الكهنة يلاحظون تزايد شعبية الرجل وتضاؤل تأثيرهم على الناس. لذلك قرّروا أن يدسّوا له السم ليتخلّصوا منه، وفعلا تمكّنوا من قتله. لكن بدأت الشكوك تساور الناس بأن الكهنة هم من فعلوا ذلك. وفكّر الكهّان في حيلة ذكيّة للتغلّب على هذا المأزق.
    فرسموا صورة كبيرة للرجل ووضعوها على المذبح الرئيسي في المعبد. وابتكروا طقسا يكرّم من خلاله الرجل القتيل. وعاما بعد عام تكرّس هذا الطقس وأصبح الناس يأتون من كلّ مكان لتكريم المخترع العظيم الذي ابتكر أدوات اشعال النار. وطُبّقت تلك الطقوس بأمانة. لكن لم يكن هناك نار. فقط شعيرة، ذكرى، تبجيل وامتنان!

    Credits
    wassily-kandinsky.org