:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، يونيو 18، 2005

يوميات ماليزية - 12

رغم كثرة الأديان والملل والعقائد في ماليزيا، فقد ظهر هناك نبي جديد زعم انه أوحي إليه بجملة من الأوامر والزواجر والنواهي الإلهية!
ولم يكن النبي الجديد سوى الشيخ اشعري محمد زعيم جماعة دار الأرقم الإسلامية.
السلطات لم تتحمل هذه المزحة السمجة فأحالت القضية إلى دار الإفتاء كي تكفي نفسها مئونة التعامل مع النبي المزعوم.
لكن الشيخ اشعري أصر على مزاعمه ووجد له بعض الاتباع والمريدين في أوساط البسطاء والجهال. فقررت السلطات وضعه رهن الاعتقال المنزلي إلى أن يعدل ويتوب عن آرائه الغريبة.
وقبل أيام رفعت عنه السلطات العقوبة واتضح انه أصيب أثناء فترة عزله المنزلي بمرض عصبي أدى في النهاية إلى شل لسانه عن الكلام.
الوحيد الذي كان يفهم إشارات الشيخ ويترجمها للصحافيين كان صديقه وناشر كتبه.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد مغادرته منزله لاول مرة منذ سنوات تجنب الشيخ الحديث عن قصة النبوة واكتفى بالقول من خلال مترجمه انه ألف أثناء فترة اعتقاله المنزلي عددا من الكتب في الفقه والشرائع كما فرغ للتو من تأليف كتاب عن السونامي أكد فيه أن سبب الكارثة يعود إلى غضب الله على البشر لامعانهم في ارتكاب الذنوب والمعاصي والآثام!
هذه التطورات في قضية الشيخ اشعري تزامنت مع نشر مقال مطول للأكاديمي الماليزي والباحث في مجال حقوق الإنسان فارس نور.
في المقال يرسم نور صورة كئيبة لمستقبل ماليزيا، والسبب تنامي وتيرة الاستبداد الديني في البلاد. ويورد الكاتب تفاصيل حادثة اقتحام مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم "حراس الأخلاق" لأحد النوادي الليلية واجبار العازفين فيه على وقف الموسيقى، ومن ثم عزل المسلمين عن غيرهم ثم اخذ افراد الفئة الأولى وحشرهم في شاحنة ألقت بهم أخيرا، رجالا ونساء، في زنزانات أحد السجون النائية.
ويختم الدكتور نور كلامه بملاحظة متشائمة مؤداها أن ماليزيا قد تصبح قريبا نسخة طبق الأصل من نظام طالبان الظلامي، إذا استمر بعض الساسة في محاولة استثمار تصرفات بعض الجماعات الدينية المتطرفة التي تريد اخذ القانون بيدها وتجريم الكتاب والمثقفين والتدخل في قناعات المواطنين وفي حياتهم الشخصية من خلال قوانين تلك الجماعات التي تزعم أنها مستمدة من تعاليم الإسلام!

الخميس، يونيو 16، 2005

يوميات ماليزية - 11

قلت لإلهام، وهو شابّ ملاوي مثقف وعلى خلق: لاحظت أن للصينيين نفوذا كبيرا هنا..
رأيناهم في الفنادق والمجمعات الكبرى يتبوّءون المناصب الإدارية العالية ويملكون الكثير من المؤّسّسات والشركات التجارية الكبيرة. فهل تحسّ بالغيرة نحوهم؟
صمت قليلا ثم قال: ولماذا نشعر بالغيرة؟ كل إنسان ميسّر لما خلق له، وهم أناس اجتهدوا وعملوا وكافحوا واستحقّوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه. أنا لا احسدهم على الإطلاق وان كنت أتمنى أن أحقّق بعض ما حقّقوه. ثم لا تنس أن ما أصابوه من نجاح انعكس إيجابا على تقدّم البلد وتنميته.
في المساء أخذنا سائق صيني في جولة مسائية إلى المتحف الوطني والحيّ الصيني والمعبد البوذي الكبير في وسط العاصمة. ووجدتها فرصة لكي اسأله عن رأي الصينيين بأهل الملايو فقال: الغيرة موجودة وإن كانت حدّتها قد خفّت كثيرا عن السابق.
واضاف: على امتداد سنوات التعايش الطويل في ما بيننا، لم يكن هناك سوى نقطة توتّر وحيدة حدثت العام 1969م. في ذلك الوقت وتحت تأثير الشعور الواهم بالغبن عند بعض إخواننا من أهل الملايو قامت جماعات منهم بمهاجمة محلات ومتاجر الصينيين في بعض المدن وأضرموا فيها النار.
وأسفرت تلك الأعمال في النهاية عن مقتل بضعة ألوف من الجانبين بالإضافة إلى الخسائر والأضرار الأخرى التي طالت ممتلكات الصينيين. لكن الحكومة تمكّنت في ظرف يومين من تطويق النزاع واخماد الفتنة.
ومنذ ذلك الحين والجميع يعيشون في سلام ووئام بفضل السياسة الحكيمة التي تتبعها الحكومة تجاه جميع الماليزيين.
لكن هل جميع الصينيين أثرياء؟
واقع الحال انهم ليسوا جميعا كذلك، وليس كل أهل الملايو فقراء.
لكن معروف عن الصينيين منذ القدم شطارتهم في التجارة وعقليتهم الاقتصادية الفذّة.
وقد اكتشف البحّارة الصينيون في حقب مبكّرة أن أهميّة ماليزيا لا تكمن في كونها نقطة عبور استراتيجية فحسب، وإنما في أهميّتها التجارية أيضا، فكانوا يبادلون بضائعهم مع الملاويين بالذهب والبخور والتوابل.
حدث هذا حتى في ذروة نشاط القراصنة في البحر الهندي وبحر الصين الجنوبي اللذين تقع على مفرقهما شبه جزيرة الملايو.
وترسّخت العلاقات اكثر بين الصينيين واهل الملايو عندما تزوّج سلطان ملقـا من أميرة صينية.
بالمناسبة، هذه الأيام لا تدخل فندقا أو مطعما أو متجرا يملكه الصينيون في كوالالمبور إلا وتلمح عند بوابته السجّاد الأحمر القشيب وأواني الزهور التي ُنسّقت بعناية وثبّتت في أطرافها أشرطة زاهية من قماش أحمر زيّنت حوّافه برسومات وموتيفات صينية صفراء ومذهبّة.
حتى تماثيل الأسود الرابضة في الزوايا نالها شئ من هذه الديكورات المبهجة والمظاهر المترفة التي تدلّ على مدى الذوق والرهافة التي يتميّز بها الصينيون.
سألنا عن المناسبة فقيل لنا: إنها سنة الديك! السنة الصينية الجديدة. والديك عند خبراء الفلسفة الطاويّة وعلم الفلك الصيني يرمز، ابتداءً، للمتاعب والعقبات.
لكن الديك يعدك بحظ أوفر في المال والجاه والوظيفة إذا أحسنت التعامل مع تلك المشاكل وتحلّيت بالحكمة وتجنّبت الحلول الارتجالية..

الاثنين، يونيو 13، 2005

يوميات ماليزية - 10

للعرب في كوالالمبور حضور لافت، على الرغم من أنّنا لاحظنا خلوّ أكشاك الصحف في كافة المناطق التي تجوّلنا فيها من الصحف العربية.
وكان من حسن الطالع أن ُنحرم ايضا من مشاهدة القنوات الفضائية العربية التي لا تبثّ عادةً سوى أنباء الكوارث وكلّ ما يجلب للإنسان الصداع والاكتئاب.
إرتحنا ولو إلى حين من تهويلات الجزيرة وبلاوي الزرقاوي وسحنة ارييل شارون!
في آخر يومين لنا في كوالالمبور، كان بالإمكان مشاهدة برامج قناتي السعودية وأبو ظبي.
بالمناسبة، في ماليزيا ثلاث قنوات تلفزيونية محلية تبثّ بلغة الملايو، وقناة للصينيين وأخرى للهنود. لكن بالإمكان أيضا مشاهدة بثّ أرضي لقناة ديسكفري الأمريكية وكذلك قناة ناشيونال جيوغرافيك التي تبثّ برامجها مترجمةً إلى لغة الملايو.
في شارع فوكيت بيتالينغ المزدحم عادةً بالمارّة والمتسوّقين خرج علينا من أحد المطاعم شاب سوري مرحّبا، وأقسم علينا بتناول القهوة في مطعمه.
حكى لنا عن مشوار الغربة الطويل الذي قاده في البداية إلى بلدان أمريكا اللاتينية ثم إلى الشرق الأوسط مرةً أخرى إلى أن حطّت به الرحال أخيرا في كوالالمبور التي بدأ فيها حياة جديدة.
تناولنا قهوتنا عنده وحلفت عليه بأخذ الأجرة فوافق بعد لأي وتمنّع.
وفي مكان آخر من نفس الشارع طلع علينا شابّان يمنيان دعيانا لزيارة محلّ العطورات الذي يملكانه فشكرناهما على كرمهما ووعدناهما بزيارة أخرى لم تتحقّق.
ثم قابلنا في أحد محلات السوبرماركت شخصا أفغانيا لفتتنا وسامته وأناقته البالغة.
قال انه يملك ذلك المحل وانه يعيش في ماليزيا منذ خمسة عشر عاما. ثم فوجئت به ودون سابق إنذار يشنّ هجوما عنيفا على حامد كرازاي واصفا إياه بالدمية والعنصري!
سألته: وما رأيك بطالبان؟ يبدو انك تحنّ إلى أيام كندهار وجحور تورابورا.
قال: لا والله. لا أعاد الله طالبان وسنينها! لكن يا أخي تصوّر انه لا يوجد أمن في البلاد حتى الآن باستثناء المنطقة التي تتواجد فيها مكاتب حكومة كرازاي. ثم إن الرجل قرّب منه جماعته وأفراد قبيلته وأبعد بقية القبائل والطوائف، وهذه ليست أفغانستان التي نحلم بها ونتطلع للعودة إليها لكي نبنيها ونسهم في نهضتها.
وفي بهو أحد الفنادق في منطقة تايمز اسكوير قابلنا يونس، وهو شاب إريتري على مستوى عال من الأخلاق والثقافة.
قال لنا انه يحضّر لدرجة الماجستير في علم الاجتماع بالجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور، لكنه يستغل ساعات فراغه في أداء بعض الأعمال مقابل أجر.
حدّثنا عن الجامعة التي يدرس بها فقال: يرأس الجامعة أستاذ سعودي فاضل هو الدكتور عبدالحميد أبو سليمان وهو رجل متفتّح العقل وواسع الأفق. والجامعة الإسلامية العالمية تتبنّى نظاما أكاديميا متحرّرا ومنفتحا إلى حدّ كبير، لدرجة أن مكتبتها تزخر بأمّهات الكتب عن الماركسية والوجودية وغيرهما من الأفكار والفلسفات المعاصرة. وهذه الكتب متاحة للجميع من أساتذة وطلبة علم وباحثين.
يونس ملمّ أيضا وبشكل كبير على ما يبدو بالأدب السعودي الحديث.
حدّثنا مطولا عن غازي القصيبي وسعد البازعي وعبدالله الغذّامي وعن كتابي الخطيئة والتكفير والمرأة واللغة.
ثم قال: عندكم أيضا كاتب متميّز يكتب القصة القصيرة بتمكّن ووعي اسمه عبده خال.
وأضاف: لو كان هذا الكاتب مصريا أو شاميا لكان اليوم يحظى بمكانة قريبة من مكانة يوسف إدريس أو عبدالسلام العجيلي، لكن يبدو أن إعلامكم مقصّر أو أن بيئتكم الثقافية لا تحتفي كثيرا بالمبدعين والمبرّزين.
قلت له وأنا أصافحه مودّعا: يا سيّدي، ليست بيئة الثقافة هي السبب.
السبب هو فكر التطرّف والهوس الديني الذي يحرّم الفنون ويدمغ كل صاحب فكر حرّ بالكفر والضلالة!

الأحد، يونيو 12، 2005

يوميات ماليزية - 9

قبل ستّة وثلاثين عاما نشر كاتب من أهل الملايو كتابا يتحدّث فيه عن اوجه العجز والقصور في عقلية الملاويين.
كان الكتاب ذا طابع هجومي وكان يتضمن نقدا شديدا وقاسيا لطريقة تفكير أهل الملايو وركونهم إلى الكسل والتراخي ورضاهم بالأعمال الدنيا والأكثر جهدا كالصيد والزراعة فيما غيرهم يسيطرون على التجارة والاقتصاد وهما عصب الحياة ومفتاح النفوذ.
وانتهى الكاتب إلى أن على أهل الملايو أن يغيّروا أسلوب تفكيرهم وان يشرعوا في عملية اختبار لذواتهم وهويتهم (Soul Searching)، وان يتبنوا التفكير النقدي الذي يبصرهم بعيوبهم لكي يتغلبوا على واقعهم ويؤسّسوا لانفسهم وجودا في عالم المستقبل.
وهذه الأيام يثار الحديث مرة ثانية عن ذلك الكتاب وعن الجدل الذي صاحبه. وقد دعا بعض الكتّاب على صفحات الصحف إلى إعادة الاعتبار لمؤلفه الذي اتهم وقتها بالتنكّر لقومه والإمعان في جلد الذات.
بعض الكتاب الاعتذاريين قالوا إن المؤلف استخدم أسلوب جلد الذات لتنبيه أهل الملايو لكي يصحوا من غفلتهم ويغيّروا واقعهم ويلتمسوا لانفسهم مكانا افضل يليق بثقافتهم وتاريخهم.
اليوم وبعد ستّ وثلاثين سنة على نشر ذلك الكتاب، لا بدّ وان الملاويين يشعرون بالكثير من الرضا والفخر بعد كل هذه التحوّلات السياسية والحضارية التي حقّقوها لبلدهم طوال العقود الثلاثة الماضية.
فهناك نخبة سياسية مستنيرة وواعية قادت البلاد باتجاه الديمقراطية والحداثة وحافظت على وحدة البلد واستطاعت صوغ علاقات من الاخوة والتسامح مع بقية الأطياف التي تشكّل النسيج الاجتماعي والاثني والثقافي لماليزيا.
كان بروز مهاتير محمد أحد مظاهر التغيير الذي طرأ على العقلية الملاوية، وبنفس القدر يمكن القول إن رئيس الوزراء الحالي عبدالله بدوي هو الآخر أحد تجليات هذا التحوّل الكبير في حياة أهل الملايو.
عبدالله بدوي تبنّى فور توليه منصبه برنامجا اسماه الإسلام الحضاري، أو (Hadhari Islam) كما يسمّونه هنا، والبرنامج يؤكد على مبادئ محددة أهمها التسامح والتنوع والتعدّدية واستيعاب الآخر المختلف.
من تنكو عبدالرحمن أول رئيس للوزراء بعد الاستقلال (1957) إلى تون عبدالرزاق ومرورا بمهاتير وعبدالله بدوي، استطاع شعب الملايو بالتعاون مع القوميات الأخرى تحقيق ما يشبه المعجزة في هذا البلد الذي يضمّ مزيجا من الأجناس والأديان واللغات والتقاليد.
ومع ذلك عاش الجميع ولقرون طويلة في مناخ من التسامح والوفاق بعيدا عن التناحر والصراعات.