:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، يناير 29، 2006

إطلالة على الموسيقى الإيرانية

التعرّف على ملامح وسمات الموسيقى الفارسية يقتضي أولا إلقاء نظرة على موسيقى الدول المجاورة لايران، بالنظر إلى أن البلدان التي أثّرت في تلك الموسيقى أو تأثرت بها كانت جزءا من إيران في الأزمنة القديمة، أو بحكم القرب الجغرافي منها.
وبالإضافة إلى العلاقة مع البلدان المجاورة، هناك عاملان آخران يؤكّدان التأثير الموسيقي المتبادل، وأولهما موقع إيران الكائن في منتصف المسافة تقريبا بين الشرق والغرب. والثاني يتمثل في العبور المتكرّر لأراضي فارس من طرف قبائل متعدّدة تنتمي إلى ثقافات وخلفيات حضارية مختلفة. وكل ذلك ترك أثرا مهما على الثقافة الفارسية بشكل عام.
يشير الباحث الموسيقي الإيراني فتح الله ناصح بور إلى أن السجلات التاريخية القديمة تؤكّد وجود موسيقى ذات سمات مختلفة، ولكن متكاملة، في فارس القديمة. وأقدم تلك السجّلات ختم قديم يعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد ُعثر عليه عن طريق الحفر في بلدة شوغاميش القريبة من ديزفول. ويظهر الختم اقدم أدوات موسيقية في العالم وتتكوّن من آلتي الهارب والطبل الموسيقيتين.
ومن ناحية أخرى، هناك ما يشير إلى تأثّر الموسيقى الفارسية بالموسيقى الهندية التي يعتقد أن لها صلة وثيقة بموسيقى سيلان وباكستان وبنغلاديش.
وهذا ليس بالاكتشاف الجديد إذ أتى على ذكره المؤرّخ المعروف ابو الريحان البيروني.
والتأثير الذي تركته الهند على الموسيقى الإيرانية واضح تماما من موسيقى اريان التقليدية التي تشكّل قصّة الغجر الهنود اشهر سماتها.
ويتحدث ناصح بور عن بهرام الذي طلب من زوج والدته الذي كان ملكا على الهند أن يرسل 1200 موسيقي إلى إيران لكي يمتّعوا الإيرانيين بموسيقى الهنود.
ويمكن تعقّب الأثر الذي لعبه الهنود في الموسيقى الإيرانية من خلال الآلات الموسيقية الهندية الشائعة في الموسيقى الإيرانية مثل الفان والداراي.
لكن تأثير الموسيقى الإيرانية على موسيقى الهند يعدّ اكثر وضوحا، ويعزى ذلك إلى وجود موسيقيّين إيرانيين في بلاط الملك الهندي اكبر شاه، واشهر أولئك الموسيقيين أمير خسرو دهلوي الشاعر والموسيقي والمغني الشهير.
والموسيقى الهندية اليوم تعتمد على أسلوبين أحدهما يسمى الهندوستاني وهو شائع في شمال الهند وتعود جذوره إلى الموسيقى الإيرانية.
ولا يمكن إغفال الدور الحاسم الذي لعبته الصين في التبادل الثقافي والموسيقي مع الأمم المجاورة ومن بينها إيران. فهناك أدوات موسيقية إيرانية عديدة تم نقلها إلى الصين ومن ثم تأثرت هناك ببعض خصائص الموسيقى الصينية. ومنها آلة السورنا وآلة الباربات أو العود الإيراني الذي انتقل في فترة لاحقة إلى اليابان.




ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن ثقافة الاوغور الأتراك تأثرت هي الأخرى بالثقافة الإيرانية وبالآلات الموسيقية الفارسية مثل الطار والكوشتار والداب الخ..
ويعتقد على نطاق واسع – يقول الناقد الموسيقي الإيراني - أن الشرق هو مصدر الآلات الموسيقية الغربية المعروفة اليوم.
فقد اخذ المسلمون معهم إلى أوربا معظم تلك الآلات عبر جنوب شرق بيزنطة وشمال أفريقيا خلال القرون الوسطى.
وعندما وصلت آلة الباربات الموسيقية الإيرانية والمعروفة عند العرب بالعود، عندما وصلت إلى أوربا أصبحت تسمى اللوت Lute ، وبعد أن أجريت عليها بعض التعديلات تحوّلت إلى آلتي الغيتار والماندولين.
بل لقد ثبت أن الكلمة الفرنسية التابور مشتقة من كلمة التابيرا الإيرانية. والتابور كان آلة موسيقية استخدمت في أوربا خلال القرون الوسطى.
لكن ما هو التأثير الذي تركه الأوربيون على الموسيقى الإيرانية خلال القرنين الأخيرين؟
يقول ناصح بور: يمكن القول أن هذا التأثير يعود إلى الحقبة القاجارية في إيران، عندما تمّ إدخال الآلات الموسيقية العسكرية الأوربية إلى إيران مع البنادق والمدافع وأنظمة الجيوش الأوربية.
وفي ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية عندما كانت إيران على علاقة وئام مع روسيا القيصرية ، وصل وفد روسي إلى تبريز بصحبة أوركسترا من 30 عازفا أدّوا حفلا موسيقيا على شرف وليّ العهد آنذاك عبّاس ميرزا الذي اعجب بالعزف وقرّر على الفور تشكيل فرقة اوركسترالية متخصّصة في عزف الموسيقى العسكرية.
وتلك كانت بداية تأثر الموسيقى الإيرانية بالأنساق الموسيقية الأوربية. وبعدها أضيف قسم جديد لمدرسة دار الفنون حيث أصبحت تدرّس الموسيقى العسكرية لاول مرة.
واصبح الفيولين أو الكمان أحد الآلات الموسيقية الأوربية التي أصبحت شائعة في عهد ناصر الدين شاه بعد تأسيس دار الفنون.
وفي مرحلة لاحقة دخلت الأوبرا خريطة الموسيقى الإيرانية للمرة الأولى على يد الموسيقيين القوقاز المقيمين في إيران في ذلك الوقت.
وقد كشفت الدراسات الحديثة النقاب عن أن اصل الموسيقى اليونانية يعود إلى الشرق.
أما الموسيقى التركية فيجمعها بالموسيقى الفارسية الكثير من السمات المشتركة لدرجة يصعب معها أن نضع فاصلا أو حاجزا بينهما. ويمكن القول إن الموسيقى الإيرانية تشكّل أحد الأسس المهمة للموسيقى التركية.
وعقب انهيار الدولتين الآشورية والبابلية في القرن السادس قبل الميلاد حصل اندماج ما بين حضارتي فارس والهلال الخصيب لتكوّنا حضارة اكثر قوّة وثراءً.
وقد تأثرت الموسيقى المصرية بالموسيقى الفارسية، ومن مظاهر ذلك التأثر حضور آلات موسيقية فارسية في الموسيقى المصرية مثل الكمان "الكمنجة بالفارسية" والسانتور "وهو آلة قريبة الشبه من القانون"، بالإضافة إلى شيوع المقامات الموسيقية الإيرانية المشهورة في موسيقى مصر مثل مقامات الشاهراجا والسيكا والاصفهاني والنهاوند والسوزناك والرست والباستينيجار.

هامش:
موسيقى إيرانية: حسين عليزاده ، عزف على السانتور ، سيما بينا ، فارامارز بيفار ، هايدي ، محمّد رضا شجريان ، شاكيلا ، شهرام ناظري ، آزام علي