لا أعرف من صاحب هذه المقولة المعبّرة، لكنّي قرأتها في مكان ما وحرصت على حفظها ومحاولة تمثّلها. فهي تساعدنا على تذكّر الأوقات الجميلة والإيمان بأن من نحبّهم ممّن رحلوا عنّا سيظلّون دائما معنا وستبقى ذكراهم العطرة حيّة في قلوبنا حتى نهاية الحياة.
❉ ❉ ❉
أنا من الطوارق، مسلم بلا تعصّب. أرتدي العمامة، وهي نسيج قطني ناعم يسمح لك بتغطية وجهك في الصحراء عندما تهبّ الرمال، وفي نفس الوقت يمكنك من خلاله الرؤية والتنفّس. إنه أزرق وجميل. وبالنسبة للطوارق، الأزرق هو لون العالم ولون السماء ولون سقف بيتنا.
الطوارق شعب بدويّ قديم من الصحراء، منعزل وفخور بنفسه، "أمراء الصحراء" كما ينادونهم. مجموعتهم العرقية هي الأمازيغية. من عاداتهم، أنك عندما تبلغ السابعة من عمرك، يسمحون لك بالابتعاد عن المخيّم، حتى تتعلّم الأشياء المهمّة: تنفُّس الهواء والاستماع وتركيز البصر والتنقّل بواسطة الشمس والنجوم وترك الجمل يقودك إلى حيث يوجد ماء إن ضللتَ طريقك.
في الصحراء، كلّ يوم وقبل غروب الشمس، تنخفض درجة الحرارة ويعود الرجال والحيوانات ببطء إلى المخيّم وتَبينُ ملامحهم على خلفية سماء وردية وزرقاء وحمراء وصفراء. إنها لحظة ساحرة يذهب فيها الجميع إلى الخيمة ويغلون بعض الشاي ويجلسون في صمت. إذا كنت وحدك في ذلك السكون فإنك تسمع دقّات قلبك، لا يوجد مكان أفضل لتجد فيه نفسك. "عندنا كلّ شيء صغير يجلب السعادة، كلّ لمسة لها قيمة، نشعر بفرح هائل بمجرّد لمس بعضنا البعض وبكوننا معا"!
وعن تجربته في العيش في أوربا يقول أساريد: عندما قدمت الى هنا لأوّل مرّة صدمتني بعض الأشياء. رأيت الناس مثلا يلهثون في المطار. في الصحراء لا يركضون إلا إذا جاءت عاصفة رملية! رأيت أيضا ملصقات لفتيات عاريات، لماذا هذا الافتقار إلى الاحترام تجاه المرأة؟! ثم في الفندق رأيت أوّل صنبور في حياتي، كان الماء يتدفّق وشعرت كأنني أريد البكاء، ذلك أن كلّ يوم في حياتي كان يدور حول العثور على الماء! عندما أرى النوافير الزخرفية هنا وهناك، أشعر بألم شديد في داخلي".
وعمّا يفتقده في باريس يقول: أفتقد حليب الإبل ونار الحطب والمشي حافي القدمين على الرمال الدافئة والنظر الى النجوم كلّ ليلة".
❉ ❉ ❉
ذات يوم أراد زيوكسيس رسم صورة لهيلين أميرة طروادة وأجمل امرأة في العالم القديم. لكنه لم يجد نموذجا بمثل جمالها. لذا اختار خمسا من أجمل النساء ثم مزج بين ملامحهنّ ليخلق صورته الذهنية عن الجمال المثالي.
كان زيوكسيس، مع باراسيوس، أشهر رسّامَين في اليونان القديمة. وقد جرت منافسة بينهما لتحديد أيّهما الأفضل وطُلب من كلّ منهما أن يرسم لوحة دون أن يراها الآخر. وعندما كشف زيوكسيس عن لوحته اتضح انه رسم فيها عناقيد عنب بدت واقعية جدّا لدرجة أن الطيور حطّت من السماء لالتقاط بعضها.
ثم طُلب من باراسيوس أن يزيح الستارة التي تخفي لوحته. ودُهش منافسه والحضور عندما اكتشفوا أن الستارة نفسها كانت عبارة عن لوحة متوهّمة. وفي النهاية فاز باراسيوس بلقب أفضل رسّام لأنه نجح في خداع، ليس الطيور، بل البشر أنفسهم.
في لوحة ماغريت فوق، نرى زجاج نافذة مكسورا وملقى على الأرض. وفي شظايا الزجاج يمكننا أن نرى انعكاس أجزاء من نفس المشهد مع غروب الشمس. في هذه الحالة، لا تُستخدم الستائر إلا للإشارة الدقيقة إلى تلك الأسطورة. شظايا الزجاج تبدو كما لو أنها يمكن أن تقطعك، ولكن في نفس الوقت تشعر بالرغبة في التقاطها والتعجّب من انعكاس غروب الشمس عليها.
ماغريت بارع في تحطيم الحقيقة وتجزئتها إلى قطع صغيرة من أجل الكشف عن الطرق التي يمكن من خلالها إعادة تجميعها معا. وبرسمه ستارة واقعية كعمل من اعمال الخداع البصري، يُظهر مهارته الفنّية ويضعها في الوقت نفسه في سياق آخر ساخر.
❉ ❉ ❉
فأجاب: أوّلا سأتصل بشكسبير. وسيسألني: من سيأتي أيضا؟ فأجيبه: تولستوي". فيقول: أنا مشغول هذه الليلة". ثم سأتصل بكافكا فيوافق على الحضور "شرط ألا أدعو تولستوي". فأقول له: لقد دعوتُ تولستوي بالفعل"، وسيأتي كونديرا، وأنتما تجيدان اللغة التشيكية". فيصحّحني كافكا قائلا: أنا أتحدّث الألمانية".
وعندما يسمع تولستوي عن قدوم كونديرا، ينسحب. لذا اتصلُ أخيرا بجويس الذي كثيرا ما يكون متاحاً. وعندما يصل إلى المطعم، يطلب كافكا طاولة في الخلف، لخشيته من أن يتعرّف عليه أحد. فيقول جويس: إذا كان هناك من سيتعرّف عليه أحد، فهو أنا". ثم ينحني كونديرا ويهمس في أذني: قد يتعرّف علينا الناس أيضا لو تجوّلنا بعصا".
ويصل النادل ليسأل كافكا عن الأطعمة التي يتحسّس منها، فيناوله قائمة مكتوبة. ثم يستأذن في الذهاب إلى الحمّام. وحالما يذهب، يقول كونديرا: مشكلة كافكا أن ليس له ذيل كافٍ". ونضحك معا. ثم يطلب جويس زجاجة نبيذ أخرى. وأخيرا، يستدير وهو يهمّ بالمغادرة وينظر إليّ من خلال نظارته الداكنة. ويقول: حالياً أقرأ كتابك الجديد".
❉ ❉ ❉
◦ نحبّ رائحة مطر الصحراء لأن رائحة الوطن تفوح منه عندما يمتزج بالتراب. أتذكّر أننا كنّا نأكل التراب الذي ننحت منه بيوتا وشجرا ونحن صغار. كان طعم التراب كطعم الوطن؛ الوطن الذي نتذكّره على ألسنتنا كلّما افتقدناه. بايرون أسباس
◦ يقال أن كلّ الشعر يدور حول الموت. وأعتقد أن في ذلك حقيقة عميقة تتعلّق بكيفية وسبب عيشنا وفنّنا. لقد فقدتُ أشخاصا أعزّاء عليّ في هذا العالم. وهناك لحظات أتذكّرهم فيها وأجد نفسي أبكي بحرقة. أكتب قصائد للتذكّر ولتخليد ذكراهم ولأعبّر عن مشاعر فقدهم كطريقة لي، وللآخرين أيضا، للتنديد بغيابهم. لن أزعم أبدا أن هذا يشفيني، لكن من حسن حظّي أنني أجد لغة لأفعل هذا، وهو ما يريحني. غالبا ما تكون القصائد وسيلة لإلهاء النفس عن الواقع، هناك جمال عظيم في الإلهاء والفن. صناعة الجمال هي بحدّ ذاتها إلهاء. كوامي داوس
◦ أُبلغَ مريض يعاني من سرطان الحنجرة عن جهاز أشعّة سينية جديد يمكن أن يعالج حالته. ولم يكن هذا الرجل يجيد القراءة ولا الكتابة ولا يملك أدنى فكرة عن الأدوات أو الممارسات الطبّية. وعندما جلس في عيادة الطبيب لأوّل مرّة ووُضع في فمه جهاز قياس درجة الحرارة، ظنّ أنه يخضع لعلاج بالأشعّة السينية. وأدرك الطبيب ذلك وترك مقياس الحرارة في فم المريض لعشر دقائق ثم اعتذر منه وطلب منه العودة بعد يومين. وبعد ثلاثة أسابيع من الزيارات المتكرّرة والعلاج بمقياس حرارة، اختفى السرطان تماما من جسد الرجل! أويل أندرسن
◦ هناك طريقة تعلّمك بها الأرض الاهتمام والصبر والرحمة. إذا أردت أن تستمدّ الفرح والوفرة من الأرض، فعليك أن تقترب منها. عليك أن تعرف البقعة الرطبة والبقعة الجافّة وأن تعرف كيف تقرأ الطقس. وعليك أن تنصت. حينها ستعجب الأرض بك. لكنها ليست حبيبة سهلة المنال، ولا ينبغي لها أن تكون. إنها تقول: كي تملكني عليك أن تفوز بي! ليا بينيمان
◦ لا سعادة ولا بؤس في الدنيا. ليس هناك سوى مقارنة حال بأخرى. من ذاق مرارة الحزن العميق هو الأقدر على تذوّق السعادة المطلقة. ولا بدّ أن نشعر بمعنى الموت لنقدّر متع الحياة. عيشوا إذن وكونوا سعداء، يا أبناء قلبي الأعزّاء، ولا تنسوا أبدا أنه إلى أن يكشف الله لنا عن المستقبل، فإن كلّ حكمة إنسانية تكمن في هاتين الكلمتين: انتظروا وتفاءلوا". ألكسندر دوما
Credits
magritte.com
suite101.com
magritte.com
suite101.com