:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، مايو 30، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • الحزن على فقد إنسان عزيز ورائع لا يجب أن يفوق الفرحة بمعرفته.
    لا أعرف من صاحب هذه المقولة المعبّرة، لكنّي قرأتها في مكان ما وحرصت على حفظها ومحاولة تمثّلها. فهي تساعدنا على تذكّر الأوقات الجميلة والإيمان بأن من نحبّهم ممّن رحلوا عنّا سيظلّون دائما معنا وستبقى ذكراهم العطرة حيّة في قلوبنا حتى نهاية الحياة.
  • ❉ ❉ ❉

  • ولد موسى أساريد في الصحراء الكبرى. كان راعيا لإبل والده قبل أن ينتقل الى باريس. وهو اليوم يدرس إدارة الأعمال في جامعة مونبلييه. في حديث معه، تناول أساريد طبيعة العيش في الصحراء وقارنها بالحياة في عاصمة اوربّية كبيرة فقال: عندما كنت صغيرا، أقنعت والدي بالسماح لي بالذهاب إلى المدرسة. كلّ يوم تقريبا كنت أمشي مسافة 15 كيلومترا. وذات يوم أعطاني المعلّم سريراً لأنام عليه وتكفّلَ شخص آخر بإطعامي.
    أنا من الطوارق، مسلم بلا تعصّب. أرتدي العمامة، وهي نسيج قطني ناعم يسمح لك بتغطية وجهك في الصحراء عندما تهبّ الرمال، وفي نفس الوقت يمكنك من خلاله الرؤية والتنفّس. إنه أزرق وجميل. وبالنسبة للطوارق، الأزرق هو لون العالم ولون السماء ولون سقف بيتنا.
    الطوارق شعب بدويّ قديم من الصحراء، منعزل وفخور بنفسه، "أمراء الصحراء" كما ينادونهم. مجموعتهم العرقية هي الأمازيغية. من عاداتهم، أنك عندما تبلغ السابعة من عمرك، يسمحون لك بالابتعاد عن المخيّم، حتى تتعلّم الأشياء المهمّة: تنفُّس الهواء والاستماع وتركيز البصر والتنقّل بواسطة الشمس والنجوم وترك الجمل يقودك إلى حيث يوجد ماء إن ضللتَ طريقك.
    في الصحراء، كلّ يوم وقبل غروب الشمس، تنخفض درجة الحرارة ويعود الرجال والحيوانات ببطء إلى المخيّم وتَبينُ ملامحهم على خلفية سماء وردية وزرقاء وحمراء وصفراء. إنها لحظة ساحرة يذهب فيها الجميع إلى الخيمة ويغلون بعض الشاي ويجلسون في صمت. إذا كنت وحدك في ذلك السكون فإنك تسمع دقّات قلبك، لا يوجد مكان أفضل لتجد فيه نفسك. "عندنا كلّ شيء صغير يجلب السعادة، كلّ لمسة لها قيمة، نشعر بفرح هائل بمجرّد لمس بعضنا البعض وبكوننا معا"!
    وعن تجربته في العيش في أوربا يقول أساريد: عندما قدمت الى هنا لأوّل مرّة صدمتني بعض الأشياء. رأيت الناس مثلا يلهثون في المطار. في الصحراء لا يركضون إلا إذا جاءت عاصفة رملية! رأيت أيضا ملصقات لفتيات عاريات، لماذا هذا الافتقار إلى الاحترام تجاه المرأة؟! ثم في الفندق رأيت أوّل صنبور في حياتي، كان الماء يتدفّق وشعرت كأنني أريد البكاء، ذلك أن كلّ يوم في حياتي كان يدور حول العثور على الماء! عندما أرى النوافير الزخرفية هنا وهناك، أشعر بألم شديد في داخلي".
    وعمّا يفتقده في باريس يقول: أفتقد حليب الإبل ونار الحطب والمشي حافي القدمين على الرمال الدافئة والنظر الى النجوم كلّ ليلة".
  • ❉ ❉ ❉

  • الستائر هي أحد المواضيع المفضّلة عند رينيه ماغريت. وهي ترتبط بأسطورة أخرى حول أصل الرسم ذكرها المؤرّخ بليني الأكبر في أحد كتبه. تتحدّث القصّة عن زيوكسيس الذي كان رسّاما إغريقيا رائدا عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، لكن لسوء الحظ لم تعش أيّ من لوحاته إلى اليوم. قيل إنها كانت صورا واقعية وصغيرة الحجم وانه كان بارعا في توظيف الضوء والظلّ.
    ذات يوم أراد زيوكسيس رسم صورة لهيلين أميرة طروادة وأجمل امرأة في العالم القديم. لكنه لم يجد نموذجا بمثل جمالها. لذا اختار خمسا من أجمل النساء ثم مزج بين ملامحهنّ ليخلق صورته الذهنية عن الجمال المثالي.
    كان زيوكسيس، مع باراسيوس، أشهر رسّامَين في اليونان القديمة. وقد جرت منافسة بينهما لتحديد أيّهما الأفضل وطُلب من كلّ منهما أن يرسم لوحة دون أن يراها الآخر. وعندما كشف زيوكسيس عن لوحته اتضح انه رسم فيها عناقيد عنب بدت واقعية جدّا لدرجة أن الطيور حطّت من السماء لالتقاط بعضها.
    ثم طُلب من باراسيوس أن يزيح الستارة التي تخفي لوحته. ودُهش منافسه والحضور عندما اكتشفوا أن الستارة نفسها كانت عبارة عن لوحة متوهّمة. وفي النهاية فاز باراسيوس بلقب أفضل رسّام لأنه نجح في خداع، ليس الطيور، بل البشر أنفسهم.
    في لوحة ماغريت فوق، نرى زجاج نافذة مكسورا وملقى على الأرض. وفي شظايا الزجاج يمكننا أن نرى انعكاس أجزاء من نفس المشهد مع غروب الشمس. في هذه الحالة، لا تُستخدم الستائر إلا للإشارة الدقيقة إلى تلك الأسطورة. شظايا الزجاج تبدو كما لو أنها يمكن أن تقطعك، ولكن في نفس الوقت تشعر بالرغبة في التقاطها والتعجّب من انعكاس غروب الشمس عليها.
    ماغريت بارع في تحطيم الحقيقة وتجزئتها إلى قطع صغيرة من أجل الكشف عن الطرق التي يمكن من خلالها إعادة تجميعها معا. وبرسمه ستارة واقعية كعمل من اعمال الخداع البصري، يُظهر مهارته الفنّية ويضعها في الوقت نفسه في سياق آخر ساخر.
  • ❉ ❉ ❉

  • في مقابلة معه، أجاب الناقد جيفري يوجينيدس على السؤال التقليدي: لو نظّمت حفل عشاء للكتّاب وطُلب منك دعوة ثلاثة كُتّاب أحياء أو أموات فمن ستدعو؟
    فأجاب: أوّلا سأتصل بشكسبير. وسيسألني: من سيأتي أيضا؟ فأجيبه: تولستوي". فيقول: أنا مشغول هذه الليلة". ثم سأتصل بكافكا فيوافق على الحضور "شرط ألا أدعو تولستوي". فأقول له: لقد دعوتُ تولستوي بالفعل"، وسيأتي كونديرا، وأنتما تجيدان اللغة التشيكية". فيصحّحني كافكا قائلا: أنا أتحدّث الألمانية".
    وعندما يسمع تولستوي عن قدوم كونديرا، ينسحب. لذا اتصلُ أخيرا بجويس الذي كثيرا ما يكون متاحاً. وعندما يصل إلى المطعم، يطلب كافكا طاولة في الخلف، لخشيته من أن يتعرّف عليه أحد. فيقول جويس: إذا كان هناك من سيتعرّف عليه أحد، فهو أنا". ثم ينحني كونديرا ويهمس في أذني: قد يتعرّف علينا الناس أيضا لو تجوّلنا بعصا".
    ويصل النادل ليسأل كافكا عن الأطعمة التي يتحسّس منها، فيناوله قائمة مكتوبة. ثم يستأذن في الذهاب إلى الحمّام. وحالما يذهب، يقول كونديرا: مشكلة كافكا أن ليس له ذيل كافٍ". ونضحك معا. ثم يطلب جويس زجاجة نبيذ أخرى. وأخيرا، يستدير وهو يهمّ بالمغادرة وينظر إليّ من خلال نظارته الداكنة. ويقول: حالياً أقرأ كتابك الجديد".
  • ❉ ❉ ❉

  • الاقتباسات جُمل موجزة ومكثّفة وملهِمة وسهلة التذكّر. ومشاركتها مع الآخرين دليل على أن المقتبس يحبّ القراءة وينشر الفائدة والإيجابية وإعمال العقل. وكالعادة، ومن وقت لآخر، أضع هنا بعض الاقتباسات التي قرأتها في بعض الأماكن وأثارت اهتمامي أو إعجابي، راجياً أن تُعجب القارئ.

    ◦ نحبّ رائحة مطر الصحراء لأن رائحة الوطن تفوح منه عندما يمتزج بالتراب. أتذكّر أننا كنّا نأكل التراب الذي ننحت منه بيوتا وشجرا ونحن صغار. كان طعم التراب كطعم الوطن؛ الوطن الذي نتذكّره على ألسنتنا كلّما افتقدناه. بايرون أسباس

    ◦ يقال أن كلّ الشعر يدور حول الموت. وأعتقد أن في ذلك حقيقة عميقة تتعلّق بكيفية وسبب عيشنا وفنّنا. لقد فقدتُ أشخاصا أعزّاء عليّ في هذا العالم. وهناك لحظات أتذكّرهم فيها وأجد نفسي أبكي بحرقة. أكتب قصائد للتذكّر ولتخليد ذكراهم ولأعبّر عن مشاعر فقدهم كطريقة لي، وللآخرين أيضا، للتنديد بغيابهم. لن أزعم أبدا أن هذا يشفيني، لكن من حسن حظّي أنني أجد لغة لأفعل هذا، وهو ما يريحني. غالبا ما تكون القصائد وسيلة لإلهاء النفس عن الواقع، هناك جمال عظيم في الإلهاء والفن. صناعة الجمال هي بحدّ ذاتها إلهاء. كوامي داوس

    ◦ أُبلغَ مريض يعاني من سرطان الحنجرة عن جهاز أشعّة سينية جديد يمكن أن يعالج حالته. ولم يكن هذا الرجل يجيد القراءة ولا الكتابة ولا يملك أدنى فكرة عن الأدوات أو الممارسات الطبّية. وعندما جلس في عيادة الطبيب لأوّل مرّة ووُضع في فمه جهاز قياس درجة الحرارة، ظنّ أنه يخضع لعلاج بالأشعّة السينية. وأدرك الطبيب ذلك وترك مقياس الحرارة في فم المريض لعشر دقائق ثم اعتذر منه وطلب منه العودة بعد يومين. وبعد ثلاثة أسابيع من الزيارات المتكرّرة والعلاج بمقياس حرارة، اختفى السرطان تماما من جسد الرجل! أويل أندرسن

    ◦ هناك طريقة تعلّمك بها الأرض الاهتمام والصبر والرحمة. إذا أردت أن تستمدّ الفرح والوفرة من الأرض، فعليك أن تقترب منها. عليك أن تعرف البقعة الرطبة والبقعة الجافّة وأن تعرف كيف تقرأ الطقس. وعليك أن تنصت. حينها ستعجب الأرض بك. لكنها ليست حبيبة سهلة المنال، ولا ينبغي لها أن تكون. إنها تقول: كي تملكني عليك أن تفوز بي! ليا بينيمان

    ◦ لا سعادة ولا بؤس في الدنيا. ليس هناك سوى مقارنة حال بأخرى. من ذاق مرارة الحزن العميق هو الأقدر على تذوّق السعادة المطلقة. ولا بدّ أن نشعر بمعنى الموت لنقدّر متع الحياة. عيشوا إذن وكونوا سعداء، يا أبناء قلبي الأعزّاء، ولا تنسوا أبدا أنه إلى أن يكشف الله لنا عن المستقبل، فإن كلّ حكمة إنسانية تكمن في هاتين الكلمتين: انتظروا وتفاءلوا". ألكسندر دوما

  • Credits
    magritte.com
    suite101.com

    الأربعاء، مايو 28، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • من نصائح رجل حكيم: إذا قارنت نفسك بالآخرين، فقد تصبح مغرورا أو متذمّرا، لأنه دائما ما يكون هناك من هو أعظم منك ومن هو أدنى. تجنّب الأشخاص الصاخبين والعدوانيين، فهم مزعجون للروح. استمتع بإنجازاتك وخططك. وحافظ على اهتمامك بمسيرتك المهنية مهما كانت متواضعة، فهي ثروة حقيقية في ظلّ تقلّبات الزمن.
    تَوخَّ الحذر في أعمالك، فالدنيا مليئة بالخداع. ولا تدع هذا يصرفك عن الفضيلة، فكثيرون يسعون إلى مُثل عليا، والحياة في كلّ مكان مليئة بالبطولات. كن على سجيّتك. لا تتظاهر بالحبّ ولا تستخف به، فهو دائم الخضرة كالعشب في وجه كلّ جفاف وخيبة أمل.
    غذِّ قوّة روحك لتحميك من المصائب المفاجئة. لكن لا ترهق نفسك بأوهام قاتمة، فكثير من المخاوف تولد من التعب والوحدة. وإلى جانب الانضباط السليم، كن لطيفا مع نفسك. أنت ابن هذه الأرض، تماما كالأشجار والجبال، ولك الحقّ في أن تكون هنا.
    انطلقْ بهدوء وسط الضجيج والعجلة، وتذكّر أن الهدوء قد يكون في الصمت. وكن على وفاق مع الجميع قدر الإمكان ودون خضوع. تحدّث عن حقيقتك بهدوء ووضوح واستمع إلى الآخرين، حتى البلداء والجهلاء منهم.
    وسواء أكان الأمر واضحا لك أم لا، فإن الكون يسير كما ينبغي. لذا كن في سلام مع الله، أيّا كان تصوّرك له. ومهما كانت أعمالك وطموحاتك في صخب الحياة، حافظ على سلامك الروحي. فرغم كلّ ما في هذا العالم من زيف وتعب وأحلام محطّمة، إلا أنه يظلّ عالما جميلا.
    وأخيرا، كن مبتهجا وابذل جهدك لأن تكون سعيدا.
  • ❉ ❉ ❉

  • كان الوقت خريفا، وكان القمح قد حُصد، والذرة بنيّة اللون ومتماسكة وجاهزة للحصاد. كانت هناك الكثير من البذور المتناثرة على الأرض، وهو ما يعتمد عليه الصيّادون في موسم صيد طيور الدرّاج. وعلى جانب الطريق، كان الصيّادون يتجوّلون في الحقول بألوان برتقالية زاهية. لا تثير هذه الألوان حماسي، ومع ذلك أشعر بانجذاب إليها بحكم التعوّد.
    كانت المهمّة إصلاح مضخّة بحاجة إلى تغيير نظامها الكهربائي. كان الوقت مبكّرا، ودفء الشاحنة أبقاني في حالة من النعاس. وكانت اهتزازات الطريق السريع تحرّك جسدي كلّه.
    ومن طرف عيني، لاحظت انطلاق طائر درّاج من بين العشب الطويل. كان ذا لون بنّي فاتح على خلفية حقول ذرة صفراء صدئة. كان لون الرأس الأزرق المخضر، والأبيض والأحمر حول الرقبة، ولون ريش الذيل ضبابيّا. انطلق فجأة من بين الأعشاب وضرب باب الراكب مُحدثا صوتا.
    ما رأيناه خلفنا كان سحابة عائمة من الريش، تدور كإعصار من تيّار الهواء خلف الشاحنة. فجأة، أشرق اللون الأزرق المخضر من ضوء الفجر الخافت خلفنا. وبدا أن بعض الريش يرتفع أكثر فأكثر، كأنه عامود قبل أن تتوقّف حركته، وبدأ الريش وبعض أجزاء صغيرة من الجسم تتساقط كما تتساقط الأشياء الأخفّ من الهواء.
    تمتم أبي بكلمات مبهمة، ثم بطّأ من سرعته وسار بمحاذاة الطريق السريع. كانت رائحة الريش على بعد أكثر من ربع ميل خلفنا، وما أن توقّفنا حتى فتحت باب الراكب ووجدت أثرا صغيرا لارتطام بالكاد يلاحَظ في الطلاء.
    كان الدرّاج يطير باتجاه موطنه أو بعيدا عنه. لكنه على ما يبدو خرج عن الطريق بتهوّر. لطالما اعتقدت أن وجود شيء جميل يتطلّب نوعا من التهوّر. نجمة، باقة زهور، وجبة معدّة بإتقان. قرأت أن الطلاء الأحمر كان في يوم من الأيام مزيجا من الحشرات، وأن البنّي كان في الأساس تنويعاً على البرتقالي الداكن، ومصنوعا من الكاروتين "صبغ نباتي". في خضمّ ندمي، قرّرت إعادة تجميع ذلك الطائر على القماش، مستخدما خطوطا دراماتيكية مبالغا فيها ومستغلّا قوّة الألوان الزاهية.
    أنا آسف على صدفة المكان وعلى حادثة الموت اللحظي تلك. داستن بارسونز
  • ❉ ❉ ❉

  • الإيمان بحياة بعد الموت كان موضوعا لإحدى مطبوعات فان غوخ الحجرية المتقنة، وقد اختار لها عنوان "عند بوّابة الخلود". رُسمت اللوحة في لاهاي عام ١٨٨٢، وتصوّر رجلاً عجوزاً جالساً أمام نار ورأسه مدفون بين يديه. قبيل وفاته، أعاد فان غوخ رسم هذه الصورة بالزيت أثناء تعافيه في مشفى سان ريمي. ويبدو الشخص المرسوم منحنياً وقبضتاه مضمومتان على وجهه الذي يلفّه الإحباط الشديد. الصورة تنطق بالحزن واليأس الشديدين لولا العنوان الذي اختاره لها فان غوخ، أي "عند بوّابة الخلود". وهي تُظهِر أنه حتى في أعمق لحظات حزن الرسّام وألمه، كان متمسّكاً بإيمانه بالله وبالخلود، وهي الفكرة التي حاول التعبير عنها هنا بوضوح.
  • ❉ ❉ ❉

  • قراءة قصّة قصيرة لبورخيس تشبه قراءة شعر جيّد. فكما هو الحال في القصائد العظيمة، تتطلّب قصصه إعادة القراءة مرارا وتكرارا. وهو يكتب مستخدما أنماطا موسيقية متنوّعة وتعدّد أصوات، على غرار باخ وإيشر. وقصصه متداخلة في مستويات متعدّدة من المعاني المتكرّرة والمتغيّرة توحي دائما بمتاهة متعدّدة الأبعاد، وتأخذك إلى حافّة المعرفة وما بعدها. الشيء السيّئ الوحيد في قراءة بورخيس هو أنه يتركك تشعر بأن لا شيء يستحقّ الكتابة أو يمكن الكتابة عنه بعد أن تقرأه.

  • Credits
    vincentvangogh.org
    dustinparsons.info

    الاثنين، مايو 26، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • هل كان لأفكار فريدريش نيتشه أثر في صعود هتلر والحزب النازي الى السلطة وما جرّه ذلك من كوارث ومآسي على ألمانيا والعالم؟ يجيب الكاتب ريتشارد غِيب على هذا السؤال بقوله: من الخطأ إلقاء اللوم على نيتشه أو هيغل بسبب خطايا ألمانيا في القرن العشرين، لأن في هذا تبسيطا مُخِلاّ لما حدث. فكلا الرجلين كانا من أهل الأدب، وكانا يتجنّبان العنف والقسوة المطلقين. وإذا فُهمتَ أفكارهما في سياقها التاريخي الصحيح، فستدرك أنهما كانا يسعيان إلى تحقيق ما اعتبراه خيراً أعظم. "السوبرمان أو الإنسان الخارق"النيتشوي ومفهوم هيغل عن وحدة الفكرة المطلقة كلاهما حجّة لبشرية متطوّرة ومستنيرة.
    لكن المشكلة تكمن في أن أفكار هذين الفيلسوفين المحنّكين قُرئت وفسّرت من قِبَل أشخاص رأوا فيها ما هو مهمّ لهم. ففي سياقها الإنساني، غالبا ما تُشوّه الأفكار وتُستخدم لأغراض أنانية. وهذه مشكلةٌ رئيسيةٌ للمثقّفين، فهم يفتقرون إلى الحسّ السليم عن العالم الخارجي، وأفكارهم تصبح هشّةٌ للغاية في سياق المال والحرب والسلطة. وعند انتزاع الفكر ومحاولة تطبيقه في عالم البشرية المعيب، فغالبا ما تُقتل روح الشيء، ما يؤدّي إلى نتائج كارثية.
    إن قراءة نيتشه، بحسب غِيب، تعني الوقوع تحت تأثيره. كتاباته، الزاخرة بالصور الملحمية والقوّة العاطفية، تشكّل خطرا، لأن فيها تمجيدا للبطولة والعفوية اللتين تستدعيان شيئا عميقا في قلب الإنسان البدائي، ألا وهو الحيوان. فهل يُدهشنا أن كثيرا ممّا كتبه قد لامسَ أسوأ ما في النفس البشرية؟!
    نادى نيتشه بالسوبرمان. فاستجاب موسوليني وهتلر للنداء. ولا يهمّ إن كان نيتشه يحتقرهما على الأرجح، باعتبارهما منحرفَين عن عقيدته، وكان سيعارضهما بشدّة. ولا يهمّ حتى لو لم يكتب نيتشه قطّ، فعلى الأرجح سيصل هذان الشخصان الى السلطة على أيّ حال وبالكيفية التي وصلا بها. وقد وجدا في كلامه فائدة لهما، وهو ربّما لم يكن يقصد ذلك.
    لكن نيتشه قد يكون أخطأ في تمجيده للقوى الفردانية المتطرّفة وتأكيد الذات. ففي عالم البشرية الحقيقي المليء بالأرواح الكئيبة ذات الأهواء الحيوانية الكامنة تحت ستار التحضّر، توجد قوى خطيرة قد تؤدّي، إن لم يُكبح جماحها، إلى كارثة.
    إن المبادئ الإنسانية الخيّرة مثل محبّة الجار والتواضع هي تحديدا ما يقيّد الجانب المظلم من الإنسان. ما الذي تُشعله غريزة القوّة في قلب الإنسان؟ الأفضل أم الأسوأ؟ ولأيّ غاية ينبغي أن توجَّه القوّة في نهاية المطاف؟ لا يجيب نيتشه مباشرة على هذه الأسئلة، مع أنه يمكن للمرء أن يفترض ويستدلّ.
    كان الرجل مولعا بالكتب والجامعات، ونشأ محاطا بحبّ أنثوي شغوف في أسرة مسيحية متديّنة. مهنيّا، عمل أستاذا جامعيا، ثم كاتبا منعزلا، ولم تكن له عائلة ولا علاقة حبّ تليق باسمه. كما أنه لم يخدم كجنديّ قط، ولم يقتل أحدا في حياته، ولم يرَ أحدا يموت موتا عنيفا. ولو كان الأمر مختلفا، لكان أكثر حذرا في تمجيد فضائل الأقوياء والمتسلّطين.
    قراءة نيتشه غالبا ما تسحرنا، فنثره يتمتّع بجمال وقوّة لا علاقة لهما بمنطق فلسفته، فهو صاخب بروح الشعر. وكفيلسوف، ربّما أجاد الكتابة أكثر مما أفاد نفسه، فالمرء يُفتن بشغفه وعاطفته أكثر من استدلاله. ونيتشه يشبه هوميروس روحيّا، إذ يُشيد الأخير بأوديسيوس على الرغم من قتله أشخاصاً أبرياء. ومع ذلك، ومهما كان السبب أو الحاجة، فإن قتل إنسان يُعدّ دائما أمرا خطيرا ومأساويّا لمن يمتلكون حسّا أخلاقيّا وضميرا حيّاً.
    جون ميلتون كتبَ أن السيطرة الواقعية والفعّالة على الشرّ والفوضى تعتمد بشكل كبير على "القوانين غير المكتوبة للتربية الفاضلة والتنشئة الدينية والمدنية". وعندما ينفصل مجتمع عن ماضيه سعيا وراء مجد متوهّم، فإنه يكون على وشك السقوط في الهاوية. وكما أظهرت الثورتان الفرنسية والروسية والدكتاتورية النازيّة والعديد من حالات العنف السياسي الأخرى في المائتي عام الماضية، فإن حلم حرق كلّ شيء لبناء "مجتمع جديد" أو "إنسانية جديدة" من وسط الرماد قد ثبت أنه كابوس.
    ويختم غِيب كلامه بالقول: سأحبّ الإنسان كما أجده، قاسيا كان أم ليّنا، خيّرا أم شرّيرا، وليس شيئا يمكن "التغلّب عليه". وعلى عكس نيتشه، رأيتُ أشخاصا يموتون موتاً عنيفا من شدّة الألم، وأحيانا التقيتُ بمن قتلوهم. ولهذا السبب، لا يسعني إلا أن أشعر بالاشمئزاز والازدراء عندما أقرأ نيتشه. كلّنا مخلوقات ناقصة وضعيفة، بمن فيهم هو نفسه. حتى أصحاب العقول الجامحة لا يمكن أن يكونوا أحرارا، فمن عواطفهم المندفعة تتشكّل أغلالهم.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • كُتِبَ نصف التاريخ في ممرّات الجبال. وما يقع فوق هذه السروج العميقة من السلاسل الجبلية ينتمي في معظمه إلى الأساطير. وحتى الآن، لا يُعرف الكثير عن قمم الجبال، لأن البشر لا يسكنونها. كانت مرتفعات التضحية القديمة قمم تلال، لا قمم جبال. وكان البشر يرضون بالسفر عبر الوديان ويتجنّبون عبور الممرّات الوعرة إلا عند الضرورة.
    لذا بدت المنحدرات العالية مسكنا مناسبا للآلهة القديمة، للعمالقة والأقزام، لمخلوقات التنّين التي تشبه أنفاسها الانهيارات الجليدية، للأشباح التي كان صوتها صدى، لاحتفالات الشيطان، وأحيانا - وكما يقتضي قانون الأسطورة -، لمدن ساحرة، خفيّة وجميلة.
    كان القرغيز كلّما مرّوا بجبل يقال له "مُستغاثا"، يتوقّفون للدعاء، إذ يقال أن سبعين قدّيسا يسكنونه. ويُحكى أن رجلا ولِيّاً تسلّق ذلك الجبل يوما، فوجد على سفحه حديقة من أشجار البرقوق يسير عليها شيوخ بِلحى وملابس بيضاء. قطف الرجل ثمرة وأكلها. وأخبره أحد ذوي اللحى البيضاء أنه كان خيرا له أن يفعل ذلك، فلو احتقر الثمرة كما فعلوا لكان مصيره البقاء معلّقاً مثلهم في ذلك المكان، يمشون في الحديقة ذهابا وإيابا حتى ينقضي الزمان.
    ثم اندفع إلى الحديقة فارس على حصان أبيض وأمسك بالرجل المقدّس وركض به إلى أسفل الجبل، تاركا إيّاه في الوادي مذهولا مشوّشا لا يتذكّر إلا ما رآه. وتُروى قصّة أخرى عن أربعين فارسا عملاقا اندفعوا إلى أسفل الجبل وهزموا جيشا صينيّا.
    وعلى قمّة هذا الجبل، الذي لم يستطع تسلّقه لا الرجل المقدّس ولا ذوو الملابس البيضاء ولا أيّ من الرحّالة والمغامرين الذين أتوا فيما بعد، تقع مدينة قديمة بُنيت في عصر ذهبي كان فيه الجميع يعيشون في سعادة وسلام. ولم يتواصل سكّان تلك المدينة مع الأمم المجاورة، لذا لم يجرّبوا أيّا من مصائب الحياة ومتاعبها. بساتينهم كانت تثمر طوال العام وأزهارهم لا تذبل أبدا ونساؤهم لا يشِخنَ، والبرد والظلام والموت كلّها مجهولة لهم. وهكذا أصبحت أسوار "مستغاثا" أحد معاقل عالم الشباب الأبدي.
  • ❉ ❉ ❉

  • الأفكار الجيّدة هي أكثر من الكلمات وأكثر من اللغة. وأحيانا قد تغنيك قراءة اقتباس مختصر عن قراءة العديد من الصفحات. هنا مجموعة من العبارات والأقوال التي قرأتها في أوقات مختلفة، ربّما في مجلّة أو كتاب أو مقالة أو ما إلى ذلك. وبعضها يستحقّ التفكير والتأمّل.

    ◦ ليس علينا دائما أن نبحث عن شيء نفعله. أحيانا يكون عدم القيام بشيء مفيدا جدّا. الانشغال الدائم هو أحيانا وسيلة للهروب من شيء آخر، من أنفسنا أحيانا، وأحيانا أخرى للهروب من فعل أشياء مهمّة تتطلّب التركيز أو القدرة على التغلّب على الخوف.
    وقد يكون عدم القيام بشيء مطلقا نقطة انطلاق رائعة، لأنه يمنعنا من القيام بأمور تافهة أو من إضاعة وقتنا في مساعٍ يعتبرها بعض الناس عقيمة، كالقراءة والتفكير والتحدّث على الهاتف ومشاهدة كرة القدم الخ. لديك مواهب عديدة: موهبة التفكير وموهبة الحكمة وموهبة الأفكار. استغلّ هذه المواهب وتعرّف عليها. فالجلوس بهدوء يتطلّب بعض الانضباط، والعالم يريدك أن تكون مشغولا. لكن ما نحتاجه أكثر هو الجلوس بهدوء. دان بيدرسن

    ◦ سيأتي زمن يُسلَّط فيه الضوء، وعلى مدى فترات طويلة، على أمور خفيّة في هذا الكون. إن حياة واحدة، حتى لو كُرِّست بالكامل للسماء، لا تكفي لدراسة موضوعٍ بهذا الاتساع. لذا لن تتكشّف هذه المعرفة إلا عبر عصور طويلة ومتعاقبة. وسيأتي وقت يُدهَش فيه أحفادنا لأننا لم نعرف أشياء صارت بديهية بالنسبة لهم. إن الكثير من الاكتشافات مؤجَّلة لعصور قادمة، بعد أن تنمحي ذكرانا من الأرض. فالطبيعة لا تكشف أسرارها دفعة واحدة وإلى الأبد. كارل سيغان

    ◦ تعيش الصورة من خلال الرفقة، تتّسع وتنمو في عينيّ المشاهد الحسّاس وتموت بنفس الطريقة. لذا، من الخطر نشرها في العالم. كم من اللوحات شوّهتها عيون عديمي الإحساس والعاجزين. مارك روثكو

    ◦ إن الفضاء المقدّس ضرورة مطلقة لأيّ شخص اليوم. فلا بدّ أن يكون لك غرفة، أو ساعة معيّنة من اليوم، حيث لا تعرف ما الذي نشرته الصحف في ذلك الصباح، ولا تفكّر في أصدقائك، ولا تعرف ما الذي تدين به لأيّ شخص ولا ما يدين به لك. هذا هو المكان الذي يمكنك فيه ببساطة التأكّد ممّا أنت عليه وما قد تكون عليه. هذا هو مَحضن الإبداع عندك. في البداية قد تجد أنه لا يحدث شيء هناك. ولكن إذا كان لديك مكان خاص أو خلوة، واستخدمتها، فستلاحظ في النهاية الفرق الذي ستُحدثه في حياتك. جوزيف كامبل

    ◦ كنت أنظر في المرآة، فأرى هذا الشخص يحدّق بي. لكنه لم يكن أنا، بل كان النسخة التي يتوقّعها الآخرون منّي؛ النسخة التي لا تخاطر ولا تحلم أحلاما كبيرة. طغى الخوف من المجهول على أيّ بصيص من شغف أو حبّ كان من الممكن أن يرشدني إلى حياة أكثر إشباعاً. بيانكا سباراسينو

  • Credits
    jcf.org
    mark-rothko.org