:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، ديسمبر 20، 2017

التفكير الإيجابيّ: نظرة مختلفة

مؤخّرا، قرّر زميل أن يحضر درسا من دروس تطوير الذّات. سألته عن الرسم الذي سيدفعه فقال: ألف وخمسمائة ريال، ومدّة الدرس ساعتان، وسيكون موضوعه عن التفكير الايجابيّ.
قلت: هذا مبلغ كبير؛ أكبر من الفائدة المرتجاة من مثل هذه الدروس، وما سيقوله المدرّب ستجده في كتاب صغير في المكتبة لا يتجاوز سعره الثلاثين ريالا.
وكنت قرأت بعض المعلومات عن التفكير الايجابيّ واقتنعت بما يقوله منتقدوه من انه قد لا يكون أكثر من مجرّد فقاعة. فمعلّمو تطوير الذّات يزعمون انه لكي تغيّر حياتك، عليك أن تغيّر أفكارك. وكلّ ما عليك فعله هو أن تضع قائمة بالأشياء التي تريد تحقيقها، ثم تجلس وتنتظر وصولها إلى عتبة دارك.
والتفكير الايجابيّ يزعم انه يمنحك المفتاح لتحقيق مستقبلك المنشود، أي أن واقعك الجديد سيتحقّق من أفكارك. لكن المشكلة انه يعلّمك أن تتجاهل مشاعرك الحقيقية.
التفكير الايجابيّ، كما يقول منتقدوه، يقفل على وعيك داخل فقاعة، وأنت توجد فيها لوحدك مبتسما ومملوءا بالحياة والسعادة. والعيش داخل الفقاعة قد يُشعرك بالسعادة لبعض الوقت، لكنها ستنفجر في النهاية لأنك في كلّ مرّة تجبر نفسك على أن تكون ايجابيّا، فإن السلبية تنمو بداخلك.
بوسع الإنسان أن يُنكِر أو يقمع الأفكار والانفعالات السلبية، لكنها لن تبتعد عنه. فالحياة مليئة بالتحدّيات، ومواجهتها كلّ يوم تولّد أنواعا شتّى من الأفكار والمشاعر، كالغضب والحزن والخوف الخ. وتجنّبك لما تعتبره سلبيّا والتمسّك فقط بكلّ ما هو ايجابيّ خطأ فادح.
إذ عندما تُنكر مشاعرك الحقيقية، فإنك تقول لجزء منك: أنت سيّئ وأنت ظِلّ ولا يُفترض أن تكون هنا. ومع مرور الوقت، تبدأ ببناء سور في عقلك وتصبح روحك متشظّية. وعندما ترسم خطّا بين ما هو مقبول داخل نفسك وما هو غير مقبول، فإنك ترفض خمسين بالمائة ممّا أنت عليه.
والأمر أشبه ما يكون بأن تهرب من ظلّك، وهي رحلة مضنية قد تُوْدي بالإنسان إلى المرض والقلق والاكتئاب.
إننا نحاول جهدنا أن نكون سعداء، وكلّما كانت محاولاتنا قويّة، كلّما نما الإحباط في دواخلنا. والإحباط والإنهاك هما أفضل وصفة للاكتئاب الذي قد يصبح الإنسان عرضة له عندما لا يستطيع تحقيق نموذج النجاح الذي يبيعه له معلّمو تطوير الذّات.
إن خوض الإنسان حربا مع ذاته الحقيقية يصيبه بالإرهاق والتعب، ثم يصبح نهبا للاكتئاب لأنه لا يعود في حالة وئام مع طبيعته الحقيقية.
صحيح أن السعادة في الحياة غاية ينشدها كلّ إنسان، لكن المشكلة هي أنك عندما تضع السعادة في رأس قائمة أولوياتك، فإن هذا يمكن أن يجلب لك الضرر. وكلّما حاولت، بإرادة واعية، أن تفعل شيئا ما، كلّما كانت نسبة نجاحك اقلّ، فالجهد الذي نبذله عادة لنُشدان السعادة هو غالبا الثمن الذي يجعلنا تعساء.
أحيانا نفعل كلّ ما في وسعنا للقضاء على الأفكار السلبية في حياتنا، مثل الشعور بعدم الأمان والخوف من الفشل والحزن الخ. وهذا الجهد الذي نبذله هو غالبا الذي يجلب الإحساس بعدم الأمان والقلق وانعدام السعادة.
إننا نقضي وقتا كبيرا من حياتنا ونحن نحاول بجهد أن نتجنّب المشاعر والأفكار السلبية، في حين أننا يجب أن نتعلّم الاستمتاع بحالات عدم اليقين ونقبل الشعور بعدم الأمان أحيانا ونعوّد أنفسنا على تقبّل الفشل ونتعلّم أن نتصالح مع المعاناة ونقدّر الموت.
لكي تحقق السعادة، يجب أن تجرّب الانفعالات السلبية، أو على الأقلّ تتعلّم كيف تتجنّب الهروب منها. الحياة تمنحنا التوازن، والأوقات السعيدة لا تدوم إلى الأبد، وليس هناك إنسان يحصل على كلّ ما يريده. لذا يجب أن نتقبّل الفشل والحزن أحيانا لكي يمكننا أن نستمتع بالنجاح والأوقات السعيدة.
يقول آلان واتس: لا احد أكثر جنونا من الإنسان الذي يظلّ عاقلا في كلّ الأوقات، انه يشبه جسرا من الفولاذ يفتقر للمرونة وحياته صلبة وقاسية. والمياه العكرة لا تصفو إلا عندما نتركها تصفو من تلقاء نفسها".
الحزن والفرح، الفشل والنجاح، الخوف والارتياح. بدون هذه الثنائيات، فإن العالم سيبدو ساكنا ومحنّطا وبلا إيقاع.
لذا يجب أن ننظر إلى الأشياء كما هي ونستخدم ما هو متاح لنا ونستعدّ للأسوأ الذي قد يمنحنا مستقبلا أفضل.
هذه ليست دعوة للتشاؤم أو التفكير السلبيّ مقابل الايجابيّ، بل للتفكير بشكل مختلف.

Credits
huffpost.com