:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، فبراير 29، 2012

أعظم اختراع بشري


منذ ملايين السنين والإنسان لا يكفّ عن الاكتشاف والابتكار. لكن أيّ ابتكار بشري منفرد هو الأهمّ حتى اليوم؟
طُرح هذا السؤال على مجموعة من الكتّاب والمفكّرين والباحثين، وتباينت إجاباتهم بحسب اهتماماتهم وتخصّصاتهم. البعض قال: العَجَلة. والبعض الآخر قال: الكتابة. وهناك من أشار إلى النار والأبجدية والطائرة والكهرباء وطرق البحث العلمي.
الصحافية والروائية البريطانية سامانثا واينبيرغ كتبت المقال التالي، وفيه تتحدّث عن أعظم ابتكار بشري من وجهة نظرها..

قبل ما يقرب من ألفي عام، جلس ثلاثة كهول في حدائق قصر تشانغ في الصين يتجادلون حول سؤال واحد: ما هو أعظم اكتشاف توصّل إليه الإنسان؟
قال احدهم وهو يضرب بقبضته على الطاولة المنحوتة أمامه: الأدوات المصنوعة من الحجر. وقال الثاني: بل الورق. وصاح الثالث وهو يحاكي بيده حركة تقطيع في الهواء: بل المقصّ"!
هذه القصّة الصغيرة هي نفسها اختراع. فنحن لا نعرف بالضبط متى ولا كيف حلم الإنسان بالحجر أو الورق أو المقصّ، لأنه في ذلك الوقت؛ أي زمن سلالة هان الصينية، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الطرق لتسجيل الأحداث. لم تكن هناك صور فوتوغرافية بعد (اخترع لوي داغير التصوير الفوتوغرافي عام 1836)، ولا تسجيلات صوتية (استُخدم مسجّل الصوت لأوّل مرّة عام 1857)، ولا أيّ طريقة موثوقة لتخزين ونقل المعلومات.
الأدوات المصنوعة من الصخر أو الحجر كانت على الأرجح أقدم الاختراعات الجديرة بهذا الاسم. وقد استخدمت لأوّل مرة في العصر الحجري القديم؛ وبالتحديد قبل مليونين ونصف المليون سنة، وكانت تمثّل علامة مهمّة في تقدّم البشرية. فبأدوات بسيطة مصنوعة من "برد" قطعة من الحجر بأخرى لإنتاج حوافّ حادّة، بدأ الإنسان القديم في تشكيل العالم وفقا لاحتياجاته: بناء مساكن بدائية، اصطياد وسلخ الحيوانات البرّية للغذاء والكساء، بالإضافة إلى كلّ ما يتفرّع عن ذلك من احتياجات. والطريقة التي نعيش بها اليوم ما كانت ممكنة من دون تلك الأدوات الحجرية الأولى.
ولكن هل عامل القِدَم وحده يؤهّل الأدوات الحجرية لأن تكون أهمّ من غيرها؟
المقصّ، وما في حكمه من أدوات كالسكاكين والسيوف والرماح والفؤوس وحتى المقاصل، كانت تُستعمل بشكل مستمرّ منذ ابتُكرت لأوّل مرّة في بدايات العصر المعدني، أي قبل حوالي أربعمائة ألف عام. ونحن اليوم نستخدم هذه الأدوات الحادّة في الكثير من أمور الحياة، من تقطيع الغذاء إلى صناعة الأجهزة الالكترونية التي تزدحم بها حياتنا اليومية.
لكن ماذا عن الورق؟
اخترع الورق موظّف في البلاط الإمبراطوري الصيني يُدعى تشاي لون عام 105م. واعتُبر الاختراع ثمينا جدّا لدرجة أن الأسر التي تعاقبت على حكم الصين أبقت عليه سرّا لمدة ستّة قرون. لا شيء يدعو إلى الاستغراب ونحن نرى أحفاد التنّين اليوم يتعاملون مع أكداس النقد بشهيّة عالية. وبفضل الورق أصبحنا نعرف الآن عن اختراعه.
القدرة على الاحتفاظ بسجلّ مكتوب هو أساس التعلّم الشامل. ونعرف الآن أن الإنسان ابتكر الأبجدية حوالي عام 2000 قبل الميلاد (أي في نفس الوقت الذي ابتكر فيه جهازا آخر مفيدا هو المظلّة).
لم يكن من السهل آنذاك تحريك الألواح الحجرية الثقيلة، أو تصنيع لفائف البردي والحفاظ عليها بأعداد كبيرة. وقد أدّى اختراع الورق في ما بعد إلى ظهور الكتب والمطابع والصحف والمجلات والنصوص المقدّسة والفنّ والتصوير والموسيقى المتوارثة عبر الأجيال.

اليوم نحن نعيش بدايات ما يمكن أن يصبح مجتمعا بلا ورق. إن المعرفة هي، في حدّ ذاتها، قيمة لا تُقدّر بثمن. وأحيانا تكون خطرة. لكن على شبكة الإنترنت، تصبح المعرفة والمعلومة أكثر من هذا بكثير. هذا الصباح، مثلا، أنجزت كلّ الوظائف الحيوية، التي يمكن لموظّف أن ينجزها، من منزلي: تحقّقت من توقّعات الطقس، واشتريت تذكرة قطار، وتسلّيت بلعبة اليكترونية، وبعثت برسالة تهنئة بمناسبة عيد الميلاد إلى أحد الأصدقاء في مكان ما من العالم.
بفضل شبكة الإنترنت، يمكنني الآن الجلوس في المنزل والتواصل مع من أريد والقيام بدور الوالدين في نفس الوقت. كما يمكنني تبادل أشرطة الفيديو مع الأهل والأصدقاء في جميع أنحاء العالم سواءً أحبّوا ذلك أم لا. وأستطيع أيضا أن أرسل في ثوانٍ مقالة إلى عالم شابّ يعيش في جزر القمر، في منتصف الطريق من تنزانيا إلى مدغشقر.
لقد غيّرت شبكة الإنترنت جذريّا ما لا يقلّ عن اثني عشر ميدانا من ميادين الحياة: التعليم، الأخبار، نشر الكتب، الموسيقى، التمويل، الربط الشبكي، المواعيد، التبرّعات الخيرية، التسوّق، تعلّم اللغات، رسم الخرائط، الطبّ والطريقة التي نتحدّث بها إلى أصدقائنا.
لكن قبل كلّ شيء، نشرت الانترنت الوعي بين الشعوب بأهمّية الحراك من أجل التغيير الديمقراطي في البلدان التي ظلّ الخوف يتحكّم بسكّانها على مدى عقود طويلة. لقد مكّنت شبكة الإنترنت الشعوب المضطهدة من التواصل والعثور على الدعم في الداخل والخارج والتحلّي بالشجاعة من اجل الإطاحة بطغاتهم، وساعدتهم على أن يحلموا، على الأقلّ، بأن فجرا أكثر إشراقا بانتظارهم. إسأل شابّا مصريّا أو تونسيّا أو يمنيّا أو ليبيّا أو سوريّا، مثلا، عن أعظم ابتكار بشري، وسيختارون، هم أيضا، شبكة الانترنت.
لو أن هذا المقال كُتب قبل 22 عاما، للزم ذلك وقتا أطول، ولكان عليّ أن أطوف حول المكتبات وأنقّب في الموسوعات وأفتّش في مقتطفات الصحف وأزعج مجموعات من الناس بأكوام من الأسئلة. وبدلا من ذلك، جلست في المنزل أمام نار هادئة (اكتشف الإنسان القديم النار قبل حوالي مليون وأربعمائة ألف سنة)، وأعددت لنفسي كأسا من الشاي (اكتُشف الشاي لأوّل مرّة في القرن العاشر قبل الميلاد)، ثم انكببت على جهاز كمبيوتري المحمول (1983)، وسجّلت ما أردته من معلومات وبيانات بعد أن تجوّلت في أرجاء شبكة الويب العالمية.
الورق يغطّي الحجر، والحجر يسحق المقصّ، والمقصّ يقطع الورق. لكن الانترنت تبزّ هذه الأدوات جميعا.