:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، سبتمبر 15، 2019

صور من العصر الجليدي الصغير

كان الرسّام هندريك ايفركامب (1585-1634) المعلّم الذي لا ينافَس في رسم مناظر الثلج. وقد أرست صوره المعايير الأساسية لتصوير الحياة على الثلج في رسوم الطبيعة الهولندي خلال القرن السابع عشر.
لوحته الموسومة (طبيعة شتوية مع متزلّجين) من عام 1608 هي مثال على براعته وإتقانه. والأشخاص الذين يظهرون فيها ينتمون لمختلف طبقات المجتمع الهولندي. وجميعهم منهمكون في كافة أنواع الأنشطة التي يمكن تخيّلها ويمكن أن تمارَس على الجليد.
فالأطفال يتقاذفون كرات الثلج في ما بينهم والفلاحون يبحثون عن طعام إضافي يردّ عنهم غائلة الجوع الذي كان مألوفا وقتها في الشتاء، ووسيلتهم في ذلك نصب الفِخاخ لاصطياد الطيور. وفي اللوحة أيضا نرى الماء يُحمَل في دلاء من حفرة. وكلّ شيء ممتزج بتناغم وحميمية في الأجواء الشتوية للأراضي المنخفضة خلال ما عُرف بالعصر الجليديّ الصغير.
وطبقا للمؤرّخين، فإن ذلك العصر يغطّي الفترة من القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر، حيث كانت درجات الحرارة في أوربّا اشدّ انخفاضا بكثير مما هي عليه هذه الأيّام وكانت أيّام الشتاء وقتها أطول وأشدّ قسوة.
وبشكل عام تأثّرت الحياة بقوّة بهذه الظاهرة المناخية. ولا غرابة في أن الحديث عن المناخ وقتها في بلد مثل الجمهورية الهولندية "آنذاك" كان مهيمنا على أحاديث الناس واهتماماتهم الاجتماعية.
وقد خبِر هذا الشعب الذي يتألّف في الأساس من رجال بحر وتجّار وفلاحين ذلك التغيير الدراماتيكي الكبير في المناخ وأصبح لزاما عليهم أن يعتادوا على فصول شتاء طويلة وقارسة البرد.
لكن العصر الجليديّ الصغير لم يكن تجميدا على الدوام، بل كانت تأتي فصول صيف اقلّ برودة وأكثر تحمّلا. وفي الحقيقة كانت هناك علاقة قويّة بين ذلك التغيير المناخي الكبير وبين رسم الأجواء المثلجة في لوحات ذلك الزمن.
ويمكن القول أن لوحات الرسام الألماني بيتر بريغل في منتصف القرن السادس عشر والتي تصوّر الحياة في بعض القرى والبلدات في ذروة الشتاء كانت مرتبطة هي أيضا بالتغيير المناخيّ في أوربّا في ذلك الوقت.
ولا بدّ وأن الرسّام ايفركامب كان يعرف تلك اللوحات التي رسمها بريغل وأتباعه في أمستردام مثل هانز بول وسواه. لكن ايفركامب ذهب إلى ابعد من ذلك، وفي الواقع يمكن القول انه الرسّام الذي حوّل مناظر الثلج إلى نوع مستقلّ وقائم بذاته من الرسم. وايفركامب كان ينتمي إلى الجيل الأوّل من رسّامي الطبيعة الهولندية، كما كان هو أيضا احد الروّاد في رسم السماء التي تعلو بلده.
في لوحاته المبكّرة التي تأثّر فيها بتقاليد الطبيعة الفلامنكية، كان ايفركامب يميل إلى وضع قلعة أو بناء مرتفع في أفق المنظر الطبيعيّ. لكن في حوالي عام 1609 بدأ يرسم مناظره بأفق منخفض، كما أن الامتداد الواسع للثلج بدا وكأنه يمتدّ نحو الأبدية، أي أن تصوير حالات الجوّ - وخاصّةً المزاج الذي يستثيره البرد - أصبح يهيمن أكثر على لوحاته.
ومعظم مناظر ايفركامب الثلجية تتوهّج بشعاع الشمس الشاحب الذي اعتاد الناس رؤيته في أيّام الشتاء. ومن الملاحظ أن السماء لا تمطر ثلجا أيدا في لوحاته.
ولأنه كان يرسم الثلج دائما، فإننا نرى في صوره أسطحا ناعمة ومشعّة تعكس ألوان الأشياء التي تجاورها. وقد اثبت ايفركامب على الدوام انه رسّام قويّ الملاحظة للطبيعة والناس. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن أتباعه من رسّامي الطبيعة الهولندية الذين صوّروا حالات المناخ التي سادت ذلك الجزء من أوربّا أثناء ما عُرف بالعصر الجليديّ الصغير.

Credits
rijksmuseum.nl