:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، ديسمبر 18، 2009

أغورا: ملحمة من العالم القديم


المكان: مصر. والزمان: القرن الرابع الميلادي. المسيحية آخذة في الانتشار. والوثنيّون ليس أمامهم سوى واحد من خيارين: إمّا أن يؤمنوا برسالة المسيح وإمّا أن يتقبّلوا مصيرهم.
هكذا يبدأ فيلم أغورا الذي يتناول فصلا من فصول التاريخ الذي نُسي منذ زمن طويل. الفيلم يمزج بين الفلسفة والتاريخ والحبّ، ويروي كيف أن بإمكان أكثر أفكار الأصولية الدينية بدائيةً أن تؤثّر في حياة الناس وأن تولّد البغضاء والكراهية. كما يتناول الفيلم عددا من الأسئلة والأفكار الملحّة التي تتصّل بواقع البشر في ذلك الوقت وفي هذه الأيّام. متى يفسح التسامح الطريق للطغيان والتعصّب؟ وإذا لم تكن الأرض مركزا للكون، فهل في ذلك ما يجعل البشر اقلّ أهمّية؟ وهل يمكن أن يتعايش العلم والدين بسلام؟
منذ أيّام سيرجيو ليوني، لم يظهر فيلم يتحدّث كثيرا وبصوت عال بمثل ما يتحدّث فيلم "أغورا". وهذه ليست مفاجأة. فـ أغورا في اليونان القديمة كانت مكانا عامّا ومفتوحا تؤمّه مختلف طبقات الناس للتجمّع والتسوّق. في الإسكندرية خلال القرن الرابع الميلادي، كانت أغورا ما تزال مكانا عامّا ومفتوحا. لكنّ التجمعّات والأسواق كانت تناقش مواضيع تدور حول الآلهة وكانت تلك النقاشات تنتهي أحيانا بعواقب مأساوية.
الغرض من فيلم "أغورا" طموح، وربّما طموح جدّا. ومثل الكيس الثقيل الذي تستخدمه هيباتيا "ريتشيل فايس" للتدليل على مسار الأجسام الساقطة، فإن "أغورا" لا يرقى إلى الغرض الأصلي منه، لأن مخرجه اليهاندرو امينابار نسي أن الغرض الأساسي من أيّ فيلم هو أن يكون مسلّيا.
وفيلمه يحاول الموازنة بين اثنين من أقطاب الجذب، تماما مثل المسار البيضاوي للأرض حول الشمس. امينابار لم يستطع بوضوح أن يقرّر ما إذا كان فيلمه عن مدينة الإسكندرية أو عن سقوط الإمبراطورية الرومانية أو عن سفك الدماء الذي تسبّب به التعصّب الديني أو عن المسيحية أو عن امرأة يحبّها رجلان أو عن علم الفلك. هذا الغموض محيّر ومربك، لأنه في كلّ مرة يحقّق الفيلم تعاطفا اكبر مع شخصيّاته، يتدخّل امينابار بصريا ليقدّم أفكارا ونظريات مطوّلة عن الأرض والنجوم.
"أغورا" هو فيلم عن الإيمان بالكمال في السماء وعلى الأرض. المسيحيون يعبدون إلها واحدا، ورمزية الصليب أكثر خطورة على البشر من الآلهة التي تحمل الزهور على رؤوسها. هيباتيا تفشل في فهم السماء لأنها تعتقد أن السماء كاملة ومحكمة. وامينابار يعتقد أن البحث عن الكمال المثالي هو أعظم الأخطار.
إن جوهر فيلم "أغورا" هو عن الكواكب الصامتة التي تدور حول الشمس وعن اضطراب مدينة الإسكندرية حول المكتبة. الجنود الرومان يحاولون السيطرة على الحشود الصاخبة. والكهنة والنبلاء يتجادلون بلا نهاية. وهيباتيا تعلّم الطلاب نظام بطليموس عن مدارات النجوم. والمسيحيون يحرقون الناس في الأماكن العامّة ثم يمارسون أعمالهم الخيرية العظيمة بعد ذلك.
وبما أن هذا الفيلم يتحدّث عن الثنائية القطبية، فإن لدى هيباتيا عاشقين وهي تتأرجح بينهما، مع الحفاظ على مسافة معقولة من كلّ منهما في حركة لا تنتهي من الجذب والصدّ. وهناك أوريستيس الشابّ "أوسكار إيساك" الذي يتعقّب هيباتيا مصرّحا بحبّه لها. وأيضا هناك العبد ديفوس "ماكس مينغيلا" الذي يحترق بحبّه القوي، لكن الصامت، لـ هيباتيا.
إذا استخدمنا المجاز في عملية دوران الأرض حول الشمس، عندها يصبح ديفوس هو الأوج بالنظر إلى انه الحبيب البعيد كونه أحد سفّاحي فرقة جنود المسيح. وأوريستيس هو القاع، فهو الأقرب إلى هيباتيا اجتماعيا وفكريا. ديفوس رجل فعل وغضب كما انه مفتون بالعنف. في حين أن أوريستيس رجل كلمات وتسويات كما انه حسّاس وهشّ.



هيباتيا تبدو امرأة عاطفية في سعيها لفهم القوانين التي تحكم حركة الكواكب. إنها امرأة متشكّكة أيضا. كان والدها يحبّ امرأة. وهي كانت ثمرة ذلك الحبّ. لكن إن تزوّجت فمعنى ذلك تخلّيها عن دراساتها وتعليمها. وهي تريد أن تكون حرّة. نضالها الدائم كي تبقى حرّة وأمينة مع نفسها هو أمر يثير المشاعر أكثر من تدمير مكتبة الإسكندرية.
عندما يحاول أوريستيس إقناعها بحبّه لها، تقترح عليه أن يبحث عن وسيلة إلهام مناسبة كالموسيقى مثلا. عندها يعلن أوريستيس عن حبّه لها على الملأ ويعزف لحنا عاطفيا على الناي. وفي اليوم التالي ترسل له هيباتيا شالا ملوّثا بدم الحيض وتسأله ما إذا كان هذا يتناسب مع رغبته في الحبّ المثالي. بالنسبة لها فإن حبّ الفلسفة والرياضيات هو الحبّ المثالي.
فيلم أغورا ينقسم إلى جزأين: الأوّل عن ثورة المسيحيين وسقوط مكتبة الإسكندرية. والثاني عن ثورة المسيحيين الثانية التي تنتهي بمذبحة اليهود وتدمير السلطة المدنية لـ روما والموت العنيف لـ هيباتيا.
اليهاندرو امينابار لا يتعاطف كثيرا مع أبطاله الذكور. فهم ضعفاء وفي حالة شكّ دائم ولا يمكن أن يقدّموا الحماية والحبّ لـ هيباتيا دون أن يلوّثوها أو يقتلوها.
"أغورا" عبارة عن قصّة رجال يخذلون المرأة التي يحبّونها. وهيباتيا تموت عذراء. والعناق المميت لقاتلها يعبّر عن الرغبة أكثر من الانتقام.
إنه فيلم غريب. فيه عظمة المشاهد الأخيرة من فيلمي "سقوط الإمبراطورية الرومانية" و"قائمة شيندلر". لكن الإسكندرية ليست روما أو كراكوف. مصر كانت دائما شوكة في خاصرة الإمبراطورية الرومانية. وبينما انتظر فرنسيّ عشرين عاما كي يصبح عضوا في مجلس الشيوخ في روما، استغرق الأمر أربعمائة سنة من مصريّ. وكانت مصر قد تفسّخت بالفعل عندما وصلها القيصر. وبعد خمسة قرون أصبحت وعاء تجمّعت فيه كلّ عوامل اضمحلال وانهيار الإمبراطورية الرومانية.
السفّاحون المسيحيون يملكون الشوارع مثل النازيّين. وفهمهم الديني للمسيح يملي عليهم أن يصلبوا جميع الكفّار وأن يطيعوا طاعة مطلقة وعمياء زعيمهم الملهم سيريل.
عاشقا هيباتيا الاثنان يشكّلان مزيجا غريبا من الأفكار الرومانسية المثالية. ديفوس هو الأقرب إلى كونه عاشقا حقيقيا. وهو الذي سوف يقتل هيباتيا كي يوفّر عليها آلام التعذيب. أوريستيس لديه أفكار طالب فلسفة يوناني منحطّ. انه يقضي وقتا في قتل المسيحيين قبل أن ينضمّ إلى صفوفهم ويصبح حاكما على الإسكندرية. وفي نهاية المطاف يخون هيباتيا كي يواجه القوّة المتنامية لزعيم المسيحيين سيريل.
ريتشيل فايس غير مقنعة، إلا أن ضعفها غامض. لماذا دخلت هيباتيا المعترك العامّ كي تتحدّي زعيم المسيحيين سيريل؟ لماذا لم تركّز على دراستها فحسب؟ ما فعلته مثال لتدخّل المثقف في الشؤون العامّة وهي ستدفع ثمنا باهظا في النهاية بسبب التزامها المثالي بأفكار الكمال والحرّية.
ومثل آنا بوليتكوفسكايا في روسيا، لن تستسلم هيباتيا. وموتها كان تعبيرا عن الضياع الفاحش للشباب والموهبة. وهكذا تحققت نهاية الزمن في الإسكندرية.
"أغورا" هو وثيقة سياسية عن التسامح. اليهاندرو امينابار يعتقد أن حضارتنا ما تزال رخوة. فمنذ 1500 عام ذبلت الإمبراطورية الرومانية وسقطت بسبب إفلاسها وفسادها الداخلي وبسبب التعصّب الديني.
التعصّب الديني يملك دائما إجابات مبسّطة على الأسئلة المعقّدة. وهذا متجذّر في رغبتنا في الكمال وفي السموّ الروحي.
مجتمعنا الحديث له أصنامه الجديدة المتمثّلة في العلوم والتكنولوجيا. وامينابار يحذّرنا من خطورة الاعتقاد بأن هذه الأصنام ستجعل حياتنا سعيدة وكاملة. لا توجد سعادة، بل ثمّة جنون وتدمير وتعصّب في سعينا للبحث عن الكمال. "مترجم بتصرّف".

الخميس، ديسمبر 17، 2009

وليام بليك: الفوضوي الحالم

عندما ولدت، تأوّهت أمّي وبكى أبي
قفزت إلى هذا العالم الخطير
اعزل، عاريا، مزقزقا بأعلى صوتي
مثل شيطان مختبئ في غيمة!

بعد مرور قرنين ونصف على ولادته، ما يزال وليام بليك حيّا من خلال ميراثه البصري وقيمه الفكرية. عاش حياة ثريّة وكانت عين عقله مليئة بصور الأبطال من الرجال والنساء والقدّيسين ذوي اللحى الطويلة البيضاء والوحوش المجنّحة والمخيفة.
ومع ذلك كان أسلوب حياته اليومي متّسما بالكفاح والفاقة.
وخلال السنوات السبع الأخيرة من حياته، عندما كان يرسم الكوميديا الإلهية ويصوّر شخصيات شكسبيرية، كان هو وزوجته يمرّان بأوقات صعبة. كانت غرفة معيشتهما في شقّتهما بـ لندن هي أيضا غرفة نومهما ومطبخهما واستديو الرسّام في وقت وحد.
احد الجوانب المثيرة في سيرة حياة وليام بليك يتمثّل في حقيقة أن النقّاد والناس ما يزالون منقسمين بشدّة حول شخصيّته وقيمة أعماله.
البعض يرى انه كان شخصا غريب الأطوار. أو هذا على الأقلّ ما وصفه به بعض معاصريه. وبينما قد لا يرقى الوصف لمستوى المرض العقلي، فإنه كانت هناك دائما درجة من الشكّ عن هذا الرجل الذي قيل مرّة انه ادّعى انه كان يرى الملائكة في الأشجار.
عندما مات بليك سنة 1827 كان مفلسا، ثم لم يلبث أن أصبح نسيا منسيا.
لكن حدث أمر غريب خلال المائة والثمانين عاما الأخيرة. فـ بليك الهامشي والضئيل دخل إلى مؤسّسة الفنّ والأدب بقوّة وأصبح شخصية ثقافية لها مكانتها ووزنها.
ورغم أن بليك مات عام 1827 فقيرا في سنّ السبعين، فإنه استطاع بعد موته أن يكتسب شعبية بأكثر مما كان يحلم به.
وأكثر من ذلك فإن نجاحه كفنّان وشاعر يتجاوز النواحي المالية. فشعره يدرّس لتلاميذ الثانوية كما أن له تأثيرا واضحا في الثقافة الشعبية.
في فيلم التنّين الأحمر يستشهد بطل الفيلم بلوحة بليك التي تحمل نفس الاسم والموجودة اليوم في متحف بروكلين للفن الحديث. ويندر فعلا أن تجد لمعاصري بليك، مثل توماس لورانس وجوشوا رينولدز وبنجامين ويست، مثل هذا النفوذ في أوساط الثقافة الشعبية.
في العام 1789 كتب وليام بليك أغاني البراءة، وهي مجموعة من القصائد الغنائية القصيرة. في ذلك الوقت لم تعد رؤاه ساكنة، بل تحوّلت إلى كائنات بأجنحة تكشف عن رؤى مظلمة. كان العالم الذي يراه بليك يمرّ بتحوّلات دراماتيكية أيضا. الثورة الأمريكية، التي اندلعت عندما كان بليك ما يزال طالبا في الفن، تمكّنت من تحرير 13 مستعمرة واستقلّت عن ملك كان يسقط في وهدة الجنون. والثورة الفرنسية جاءت بالتنوير وبالأفكار الإنسانية عن العدالة والحرية والمساواة.
كان بليك يقوم بكلّ شيء. كان يكتب القصائد ويرسمها. وخلال أربعة عقود تقريبا تطوّرت لغته الصورية وشعره كثيرا.
سبب شعبية بليك يكمن، على الأقل جزئيا، في قصيدته عن القدس التي أصبحت نشيدا خلال الحرب العالمية الأولى. وقد جرت العادة أن يظهر كلّ سنتين شخص يقترح دمج تلك القصيدة في النشيد الوطني لانجلترا.
وبليك محبوب من اليساريين بسبب الإصلاح الاجتماعي الذي تحدّث عنه في إشارته إلى "الطواحين الشيطانية المظلمة". واليمينيون أيضا يحتفون به باعتباره نموذجا للوطنية المتّقدة. وعشّاق الرياضة أيضا يحبّونه لأن أوّل سطر في تلك القصيدة يشير إلى القدمين.
لكن لا توجد رسالة سياسية يمكن تمييزها بسهولة في القصيدة أو في معظم أعمال بليك، كما تقول شيرلي دنت مؤلفة كتاب "بليك الراديكالي". "إنها قصيدة رجعية وراديكالية بنفس الوقت. وهي تمنح أشياء كثيرة لأناس كثيرين. وهناك شيء ما في الشعر نفسه يجعله متناقضا".
الذين يدّعون أن بليك وطني بإفراط يجب أن يتذكّروا انه كتب القصيدة عندما كان ينتظر المحاكمة على ما قيل إنها ملاحظات مهينة منه تجاه الملك وعلى تغنّيه بنابليون.
أعمال بليك تتضمّن ميثولوجيا معقّدة وشخصيات غيبية ورؤى فانتازية عن الريف البريطاني وإشارات إلى الأساطير ونقدا للرقّ وثناءً على التصوّف المسيحي.
ويبدو أن صورته باعتباره غير منتمٍ إلى التيّار السائد أسهمت في تعزيز جاذبيّته الشعبية.

يقول الكاتب المسرحي جاك شيبرد: كان ذكاء بليك يجذب الانتباه فلم يتقيّد بالفكر الأكاديمي لذلك الزمن. كان واحدا من أولئك الناس النادرين الذين يتمتعون برؤية شاملة. بدأت قراءته عندما كنت طفلا وكانت لوحاته معلقة على جدران الكنيسة التي كنا نذهب إليها. وقد وجدت صوره كريهة وفاتنة، مريحة ومخيفة بنفس الوقت. كنت أحبّ كرهي لها. كان لها تأثير هائل. ومع الأيام انجذبت إلى فلسفة بليك الخطرة".
جون ويتيكر مؤلّف كتاب "بليك وأساطير بريطانيا" يقول: مكانة بليك كفنّان وشاعر لم تنشأ سوى منذ الحرب العالمية الثانية. والكثير من الناس يتحمّسون له حتّى دون أن يقرءوا شعره أو ينظروا في فنّه".
معتقدات بليك المسيحية القويّة وتصوّفه الذي يصعب فكّ طلاسمه يمكن أن يدفع المرء للاعتقاد بأن بليك يمكن أن يتواءم مع هذا العصر العلماني. غير أن هذا ليس هو واقع لحال.
الناقد فالديمار يانوتشاك لا يفهم ما يقال عن المكانة شبه الإلهية التي يبدو أن بليك استطاع تحقيقها. "الرجل لم يكن يستطيع أن يرسم جيّدا. وشخصياته متهاوية. إننا نحبّ كثيرا الأشخاص الغريبي الأطوار، خصوصا القدامى منهم. في هذا العصر اعتدنا على فكرة الفنّان الغريب الأطوار الذي لا يتمسّك بالقواعد. لقد اسقط الجمهور الحديث جزءا كبيرا من تسامحه على عصر آخر. لذا هناك من يعتبر بليك إنسانا فطريا ورائدا من روّاد الفن. ويضيف يانوتشاك: لقد كان الرجل مجنونا. كان يزعم انه يتحدّث إلى الملائكة. في عصرنا هذا، لو قال احد مثل هذه الكلام لانتهى به الأمر إلى السجن. ثم إن الكثير من أشياء بليك مملّة جدّا".
لكن جون ويتيكر يرى أن من الخطأ وصف بليك بالمرض النفسي، رغم ما يفترضه بعض الأكاديميين من أعراض الهوس والاكتئاب وغيرها من الحالات الطبية. إن رؤية الملائكة ما هي سوى أمور مجازية. أن تقول إن الرجل كان مجنونا، هذا تبسيط مخلّ للأمور. ربّما كان يعاني، مثل الكثير من الفنانين، من درجات من الحالات العقلية المتطرّفة نسبيا".
ويتيكر يصرّ أيضا على أن لا علاقة لـ بليك بعالم المخدّرات، ولا يوجد دليل أبدا على انه كان يتعاطى مخدّرات إطلاقا".
كان بليك متعاطفا مع الثورة الفرنسية التي أصبحت محورا لاهتمامه وموضوعا للعديد من قصائده. وقد وضعته دعوته ودفاعه عن الحرّيات السياسية والحقوق المدنية على طريق الصدام مع حكومة وليام بيت القمعية. وهناك من النقاد من ذهب إلى أن بليك حاول عمدا إخفاء آرائه السياسية والفكرية خلف قناع التصوّف كي يتجنّب رقابة الحكومة وغضبها.
كان الشاعر يرى أن الطبيعة هي خيال بذاتها وأن الخيال بدوره يقود إلى الرؤيا والحكمة. وكان يفضّل الخيال على عالم المادّة، كما اعتبر أن مهمّته الشخصية تتمثّل في توظيف الخيال لإضفاء طبيعة تنبؤية على أعماله.
هل كان بليك إنسانا مجنونا أم عبقريا؟
يقول الشاعر وليام ووردزوورث محاولا الإجابة عن هذا السؤال: لا يوجد شكّ في أن هذا الإنسان المسكين كان مجنونا. لكن هناك شيئا ما في جنونه يشدّني أكثر من عقلانية بايرون ووالتر سكوت".
اليوم يمكن العثور على بليك الرسّام في العروض الدائمة في تيت غاليري. وليس صعبا أن تقرأ اسمه في قائمة تتحدّث أيضا عن كونستابل وتيرنر وغينسبورو.
كما أن شعره يعلّم في المدارس. وكثير من التلاميذ ظلّوا يشتكون من صعوبة وغرابة قصائده.
وحتّى بالنسبة إلى أولئك الذين لا تربطهم علاقة مباشرة بالشعر والفنّ، ما يزال بليك بالنسبة لهم شخصية شاهقة. وقد احتلّ مؤخّرا المرتبة الثامنة والثلاثين في الاستفتاء الذي أجرته إذاعة البي بي سي عن أعظم مائة شاعر بريطاني.
الغريب في الأمر أن شعراء ورسّامين مثل ووردزوورث وكولريدج وكونستابل وتيرنر لم تشملهم تلك القائمة.

Credits
blakearchive.org
thetimes.co.uk

الأربعاء، ديسمبر 16، 2009

أشهر عشر نساء خلّدهن الرسم


كان جون سنغر سارجنت أشهر رسّام للبورتريه في زمانه. وقد رسم هذا البورتريه الاستثنائي في بدايات اشتغاله بالرسم.
كان يتمنّى أن يكسبه الشهرة. وقد تحقّق له ذلك، لكن ليس بالطريقة التي كان يتصوّرها.
تعرّف سارجنت إلى فيرجيني غوترو ، وهي سيّدة مجتمع مشهورة وجميلة وزوجة مصرفي فرنسي بارز. وظلّ يطاردها لسنتين كي توافق على طلبه بأن تكون الموديل لهذه اللوحة. واختار الرسّام طريقة وقوفها بعناية فرسمها في وضع جانبي بجسد زجاجي وبشرة عاجية. وعندما أتمّ اللوحة وعرضها في صالون باريس في العام 1884، أثارت ما يشبه الفضيحة.
فقد صُدم الناس بمكياج المرأة الأبيض الشاحب. وصُدموا أكثر لأن احد شريطي فستانها، في اللوحة الأصلية، كان منحسرا عن كتفها، وهي علامة اعتبرت غير لائقة في ذلك الوقت.
وقد دفع ذلك فرجيني إلى اعتزال المجتمع، بينما اضطرّ سارجنت إلى إعادة رسم شريط الكتف بعد أن انتهى المعرض. ثم غادر باريس بعد ذلك الصخب مباشرة. لكنّه كان يصرّ دائما على أن البورتريه كان أفضل لوحة رسمها.
في ما بعد، أي في العام 1916، باع الرسّام اللوحة إلى متحف المتروبوليتان الذي ظلّت فيه إلى اليوم.



هذه اللوحة، البرتقالية كثيرا، يمكن أن تكون أكثر شهرة من الفنان الذي رسمها. كما أنها أشهر لوحات فريدريك ليتون نفسه وهي بنفس الوقت تجسيد لأسلوبه الكلاسيكي.
وهناك الكثير من نقاط الشبه التي تجمعها بلوحة الليل لـ مايكل انجيلو، والموجودة في كنيسة ميديتشي بـ فلورنسا.
وحسب كلام ليتون، فإن طريقة تصميم اللوحة لم تأت وفق تخطيط مسبق. بل جاءت بالصدفة عندما رأى موديله دوروثي دين وهي ترتاح على إحدى الأرائك بتأثير التعب والإرهاق.
دوروثي كانت ممثّلة انجليزية، وقد ظهرت لاحقا في العديد من لوحات الرسّام.
وهو كان يعتبرها المرأة التي تطابق ملامحها نموذجه المثالي.
وقد كانت معروفة بوصفها أجمل امرأة في انجلترا في نهاية القرن التاسع عشر.
ويشاع أن الرسّام كان على علاقة حبّ معها قبل وفاته. لكن لم يكن مقدّرا لهما أن يتزوّجا أبدا بسبب فارق السنّ بينهما. فـ ليتون كان في السبعين ودين في الثامنة والعشرين من عمرها.
وقد عُرضت هذه اللوحة للبيع في المزاد في ستّينات القرن الماضي، أي في وقت كان من الصعب أن تباع فيه لوحة من العصر الفيكتوري. لذا لم تحقّق سعر الحدّ الأدنى الذي حُدّد لها وهو 140 ألف دولار.
لكن اللوحة اكتسبت شعبية هائلة مع انتعاش الفنّ الفيكتوري. وقد نجت من النسيان عندما اشتراها متحف في بورتوريكو حيث ظلّت فيه إلى اليوم.



تصدّر هذا البورتريه الأخبار عام 2006 عندما بيع في مزاد بـ نيويورك بأكثر من 40 مليون دولار. وقد كان واحدا من سلسلة من خمس لوحات رسمها فان غوخ كإشادة بصديقه بول غوغان.
مدام جينو كانت تسكن في آرل وكانت متزوّجة من جوزيف جينو. كما كانت تمتلك مقهى مشهورا هناك كان فان غوخ يتردّد عليه أثناء إقامته في آرل.
كان ذلك في نفس الفترة التي قطع فيها الرسّام إحدى أذنيه.
وقد رسمها عندما كان يمرّ بحالة حزن شديد بعد انتهاء علاقته بـ غوغان وبعد أن اُدخل إلى المصحّة العقلية.



في هذا البورتريه يرسم سلفادور دالي زوجته وملهمته والمرأة التي كان يصفها بأنها وسيط بين عالم العباقرة والعالم الحقيقي.
كانت غالا تكبر دالي بعشر سنوات. ومع ذلك كان يعشقها كثيرا، وهذا واضح في لوحاتها التي رسمها لها في ثلاثينات القرن العشرين عندما كان يوقّع لوحاته باسمه واسمها معا.
عُرف دالي بحياته الخاصّة غير المستقرّة وبمغامراته العاطفية. وقد ذكر أكثر من مرّة أن غالا هي التي أنقذته من الجنون ومن الموت المبكّر في ذلك الوقت.
لكن السنوات الأخيرة من علاقتهما شابها كثير من المرارة بسبب مغامرات غالا الكثيرة التي لم تراع فيها حساسية دالي ووقوعه فريسة للشكّ والإحساس بعدم الأمان.
ومعظم لوحاته التي رسمها لها في ما بعد كان يرسمها بضوء معتم وغامض.
بورتريه غالا، هنا أيضا، ينقصه التعبير الطازج والعميق الذي ميّز لوحات دالي السابقة لزوجته.
ومع ذلك، تظلّ غالا المرأة التي ألهمت دالي رسم مجموعة من أفضل وأشهر لوحاته.



توصف هذه اللوحة بأنها موناليزا الشمال أو موناليزا الهولندية. وهي إحدى تحف فيرمير المشهورة. ونقطة الارتكاز فيها القرط اللؤلؤ الذي ترتديه الفتاة.
اللوحة ليست بورتريها بالمعنى المتعارف عليه، وإنما دراسة عن رأس امرأة.
الموديل الظاهرة في اللوحة غير معروفة. لكن يقال أنها ماريا ابنة فيرمير الكبرى، أو قد تكون ماغدالينا ابنة الرجل الذي كان يوفّر له الدعم والرعاية.
وفي بعض الأوقات راجت فكرة تقول إن فيرمير استخدم خادمة كموديل للوحة. وقد تكرّست هذه الفكرة أكثر بعد ظهور بعض الروايات الخيالية مؤخّرا، وأشهرها رواية تريسي شيفالييه التي حملت نفس اسم اللوحة وتحوّلت إلى فيلم.
لكن لا توجد حتى الآن أدلّة تاريخية تدعم هذه الفرضية.
ورغم أن فيرمير رسم 35 لوحة فقط، إلا انه يعتبر احد أعظم رسّامي العصر الذهبي الهولندي.
وأثناء حياته، لم يحقّق شهرة كبيرة، غير انه اكتسب احتراما وتقديرا واسعين بعد وفاته.
تقنيات فيرمير المبتكرة، وخاصّة براعته في استخدام الضوء، ألهمت الكثير من الرسّامين المعاصرين مثل دالي وغيره.



كانت فريتزا فون ريدلر واحدة من نساء كثيرات استخدمهنّ غوستاف كليمت في لوحاته التي هيمنت عليها فكرة المرأة المسيطرة.
المرأة في هذه اللوحة المشهورة تبدو في وضعية جلوس بينما ترتدي فستانا من الدانتيل الأبيض.
كان كليمت ابنا لرجل كان يشتغل بالمنقوشات الذهبية والفضّية. وقد استفاد كليمت من خبرة أبيه فأضفى على لوحاته عناصر زخرفية فخمة.
هذه اللوحة أيضا عامرة بالأشكال الهندسية المختلفة والموشّاة بالألوان الذهبية والفضيّة.
ورغم انه لا يُعرف الكثير عن فريتزا فون ريدلر، إلا أن اللوحة أصبحت في ما بعد واحدة من أشهر لوحات كليمت وأكثرها تأثيرا على معاصريه من الفنّانين الشباب. وهي موجودة اليوم في احد متاحف فيينا بالنمسا.



في هذه اللوحة، يرسم جيمس ويلسر والدته العجوز.
تقول بعض القصص إن الموديل التي كان الفنان ينوي رسمها لم تصل في موعدها فانتدب والدته للمهمّة.
وهناك قصّة أخرى تقول إن السيّدة ويسلر التي كانت آنذاك في السابعة والستين من عمرها كان يفترض أن تُرسم واقفة في اللوحة. غير أنها لتعبها فضّلت أن تجلس في الوقت المتبقي من الرسم.
استخدمت اللوحة كثيرا في الثقافة الشعبية وفي الروايات والسينما والعاب الفيديو وخلافه.
ويُنظر إليها كرمز متميّز للأمومة.
وفي أربعينات القرن الماضي ظهرت اللوحة على طابع بريدي مع شعار، احتفالا بالأمّهات الأمريكيات وتكريما لهنّ.



ارتبط بابلو بيكاسو بعلاقة حبّ مع ثيودورا ماركوفيتش، أو دورا مار، دامت عشر سنوات.
كانت مار مصوّرة وشاعرة على قدر كبير من الجمال. واشتهرت بكونها ملهمة بيكاسو الخاصّة ورفيقته وشريكة أفكاره.
كانت علاقتهما عاصفة وغير تقليدية. وقد عانت مار كثيرا من تقلّب مزاج بيكاسو وعصبيته. لكن حبّها له كان حبّا غير مشروط.
بيكاسو عُرف بدأبه على إيذاء عشيقاته. وقد رسم مار بأشكال غريبة وأحيانا مروّعة.
وكانت دورا مار غالبا ما تنفي حبّ بيكاسو الأثيري لها بقولها: إن جميع بورتريهاته لي هي محض أكاذيب. كلّها صور لـ بيكاسو ولا توجد بينها واحدة تمثلني".
إحدى صورها تلك كسرت كلّ الأرقام القياسية عندما بيعت في مزاد في لندن بمبلغ يربو على 95 مليون دولار أمريكي، ما جعلها إحدى أغلى اللوحات في العالم.



كانت اديل بلوكباور زوجة لـ فرديناند بلوكباور، وهو رجل صناعة ثريّ كان يرعى الرسّام غوستاف كليمت ويدعم أعماله.
وقد نشأت بين اديل وكليمت علاقة عاطفية بدأت العام 1899 واستمرّت عدّة سنوات.
ونتيجة لذلك، أصبحت سيّدة المجتمع الوحيدة التي رسمها كليمت مرّتين. كما استخدمها كموديل في اثنتين من لوحاته الأخريات.
هذه اللوحة تعتبر نموذجا لأسلوب كليمت الفنّي من حيث غلبة الطابع الزخرفي وكثرة المساحات الذهبية والفضيّة فيها.
وقد نهب النازيون اللوحة بعد غزوهم للنمسا ولم تعد إلى الورثة الشرعيين إلا منذ سنوات. وفي عام 2006 بيعت اللوحة إلى احد غاليريهات نيويورك بمبلغ 135 مليون دولار متجاوزة بذلك السعر الذي حقّقته لوحة بيكاسو بعنوان صبيّ مع غليون، أي 104 مليون دولار.



ليس هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن الموناليزا ممّا لا يعرفه معظم الناس.
ليوناردو هو الرسّام، لكن هويّة المرأة التي تصوّرها اللوحة ما تزال لغزا بالنسبة للكثيرين.
وهناك تكهّنات متطرّفة تقول إن السيّدة ما هي إلا ليوناردو نفسه في شكله الأنثوي.
غير أن أكثر النظريات قبولا هي تلك التي تقول إن المرأة ذات الابتسامة الغامضة هي ليزا جيرارديني زوجة فرانشيسكو بارتولوميو، الرجل الذي كلّف دافنشي برسم البورتريه.
من الحقائق شبه المؤكّدة أيضا انه عندما جلست جيرارديني أمام ليوناردو لرسمها كان عمرها 24 عاما وكانت أمّا لطفلين.
وجانب من شهرة اللوحة يعود إلى حقيقة أنها سُرقت من متحف اللوفر في باريس في عملية سطو مثيرة قام بها ايطاليون متعصّبون كانوا يطالبون بإعادتها إلى ايطاليا. غير أن اللوحة استعيدت بعد سنتين من تلك العملية.
السيّدة الغامضة ما تزال تقيم إلى اليوم في اللوفر وراء جدار زجاجي لا يخترقه الرصاص.
وقد صُممت للوحة غرفة بمواصفات خاصّة بلغ إجمالي تكلفتها أكثر من سبعة ملايين دولار.

موضوع ذو صلة: قائمة أغلى عشرين لوحة في العالم