:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، مارس 12، 2024

المحارب والتنّين


كلّ عام وأنتم بخير. ورمضان كريم.
في فيلم "فارس الظلام The Dark Knight" يرد هذا الاقتباس: إما أن تموت بطلاً أو تعيش طويلاً بما يكفي لترى نفسك وقد أصبحت الشرّير". وهذا الكلام ربّما يعكس فكرة مؤدّاها أن السلطة والنفوذ يمكن أن يغيّرا الشخص بمرور الوقت الى أن ينتهي به الأمر في أسفل طريق مظلم. وكثيرا ما يُستخدم هذا المفهوم لاستكشاف تعقيدات الأخلاق وعواقب أفعال وتصرّفات الفرد.
وهناك مثال على هذا وهو حادثة غرق السفينة الشهيرة تايتانك الذي أودى بحياة الآلاف في ذلك اليوم المشؤوم. وكانت شجاعة المهندسين والقبطان والأمن وغيرهم ممّن كانوا في السفينة مضرب المثل لأنهم ضحّوا بحياتهم وتركوا النساء والأطفال يأخذون قوارب النجاة.
وكان على متن تلك السفينة أيضا بروس إيزماي، صاحب شركة "وايت ستار لاين" التي صنعت التايتانك. وتردّدت شائعات عن هروبه من السفينة متنكّراً في ملابس امرأة. لكنه في الواقع لم يهرب ولم يتنكّر بزيّ امرأة ابدا، لكنه غادر السفينة في قارب النجاة الأخير. ومع هذا وُصف في جميع أنحاء العالم على أنه جبان القرن العشرين!
ويقول عدد قليل من شهود العيان انه بقي في السفينة ورافق النساء والأطفال إلى قوارب النجاة ثم غادر في آخر قارب للنجاة خوفا على حياته. وربّما لو بقي في التايتانك وضحّى بنفسه لدخل التاريخ كبطل. لكنه لم يفعل. والآن يتذكّره الناس فقط على أنه جبان وهارب وشرّير. لذا "إمّا أن تموت بطلاً أو تعيش طويلاً بما يكفي لترى نفسك وقد أصبحت الشرّير!"
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، يُحكى أن تنّينا كان يُرهب احدى القرى لسنوات. كان يأتي ليلاً ويُحدث فوضى ثم يطير مبتعدا بعد أن يأخذ معه فتاة صغيرة في كلّ مرّة. ثم أتى محارب شجاع وعرض على أهل القرية أن يذهب لقتل التنّين في مخبأه وإعادة الفتيات الصغيرات.
ويغامر المحارب الشجاع بالذهاب إلى البريّة للعثور على التنّين، ليكتشف وجود عدد لا يُحصى من التنانين هناك. لكنه أصبح ماهرا في قتالها بسبب اتباعه أساليب وحشية ومدمّرة. وكان يطوّر أساليبه ويتعلّم كيف يصبح شرّيرا حتى يتمكّن من البقاء على قيد الحياة ويستمرّ في مهمّته.
وأخيرًا، يتوصّل الفارس إلى مخبأ التنّين ويدمّره في معركة ملحمية ودموية خلّفت على جسده ندوبا كثيرة. ويعيد المحارب الشجاع الفتيات الصغيرات إلى القرية ويعيّن على الفور سلطانا ويمجدّه الشعب.
ثم يقوم ببناء جدار حول القرية لمنع التنانين من دخولها، ويضع جميع الفتيات الصغيرات في برج حراسة حيث يمكن حمايتهنّ من هجمات تلك الوحوش. ويأمر بفرض حظر تجوّل وينشر الحرّاس ليتأكّدوا من عدم تجاوز الناس للجدران الآمنة أو الخروج ليلاً لئلا يفتك بهم تنّين.
ولم يمضِ وقت طويل حتى شعر القرويون بأنهم في سجن وبدءوا في التعبير عن امتعاضهم. وهنا يذكّرهم المحارب الشجاع بالفظائع التي سبّبها لهم التنّين وكيف أن هذه الإجراءات الاحترازية هي من أجل سلامتهم.
لكن القرويين يستاؤون أكثر فأكثر من المحارب ويتمرّدون على ما يجري. غير أن المحارب الخبير يعبّر لهم مرّة أخرى عن أسفه ويبلغهم أنه يتصرّف فقط لمصلحتهم. بالنسبة لهم كان المحارب قد تحوّل من بطل منقذ الى طاغية شرّير!
وفي نهاية المطاف، يظهر محارب شابّ شجاع من داخل البلدة المسوّرة ويذهب لمقاتلة السلطان المستبدّ قاتل التنّين، فيهزمه ويخرج منتصرا ومصابا بالندوب. لكنّه يقرّر أن يضع قواعد لفرضها على أهل البلدة لكي يتجنّبوا أخطاء الماضي.
إنه الموت والولادة المتكرّرة بلا نهاية التي يمرّ بها أيّ مجتمع، يُهزم الأعداء القدامى ويظهر أعداء جدد. والمحاربون الشجعان الذين يموتون أبطالا أثناء القتال ينجون من المستقبل المؤلم الذي يصبحون فيه أشرارا.


Credits
shmoop.com