:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، يونيو 29، 2009

تقاطع طرُق

يحدث من وقت لآخر أن يتلقّى العقل الباطن عشرات الرسائل التي يتطلب فكّ شفراتها السرّية أن يتفحّص الإنسان مشاعره وينظر بتمعّن إلى داخل ذاته.
قبل ليلتين، رأيتُ في ما يرى النائم زميلا توفي قبل حوالي أربعين يوما في حادث سيّارة.
كان قد خرج هو وإحدى قريباته في الصباح الباكر. وفي عرض الطريق داهمهما سائق أرعن قطع الإشارة الحمراء واصطدم بسيّارتهما.
في الحلم رأيته وهو ما يزال حيّا. غير انه كان حزينا مثقل النفس. كانت نظراته باردة وفكره مشوّشا كأنّما كان يفكّر بشيء ما.
سلّمتُ عليه وسألته عن حاله وعن رحلة عبوره إلى العالم الآخر. لكنه ظل ساهما. فاجأني صمته المحيّر وملامحه الجامدة.
لم اخبره انه لزمنا شهر كامل لإتمام إجراءات نقل جثمانه إلى بلده لدفنه بسبب بؤس القوانين والأنظمة التي لا تكتفي بتعذيب الناس وهم أحياء وإنما تلاحقهم بعد موتهم وحتى نهاية الأبدية.
ولم اخبره أن رفيقته نجت من الحادث بأعجوبة، لكنها قد تعاني من آثار إصابتها البليغة في الدماغ إلى ما لا نهاية.
ولم اخبره أن زوجته أرسلت تطلب دفنه هنا أو حرق جثّته وإرسال رمادها إليها بعد أن أعياها الانتظار.
ولم أرِدْ أن أثقل عليه بإخباره أن أولئك الذين كانوا قريبين جدّا منه في حياته لم يتأثروا كثيرا برحيله، بل ولم يكلّف أكثرهم نفسه عناء المجيء إلى المستشفى وإلقاء نظرة الوداع عليه.
في الصباح جلست أفكّر في مغزى ظهوره في الحلم بتلك الكيفية التي ظهر عليها.
طبعا أعرف اقلّ القليل عن تفسير الأحلام. ولست ممّن يحرصون على متابعة البرامج التي تناقش مثل هذه الأشياء. لكني أتذكّر أنني قرأت ذات مرّة أن رؤية إنسان متوفى في الحلم بهيئته الحيّة يعدّ غالبا بشارة خير. لكن رؤيته وهو ميّت يعتبر نذير شؤم وخطر.
وبالتأكيد ليست هذه هي المرّة الأولى التي أرى فيها إنسانا متوفى. حلمتُ في الماضي ببعض أقاربي الذين رحلوا إلى الدار الآخرة. وأتصوّر أن جزءا من وظيفة هذا النوع من الأحلام هو انه يدفع الحالم إلى أن يتعامل مع من رحلوا باعتبارهم أصبحوا واقعا خارجيا بالنسبة له وأن عليه أن يتقبّلهم ويتعامل معهم على أنهم أحياء في ذاكرته وجزء من حياته الداخلية.
لكن هل لظهور الرجل في الحلم علاقة بسبب وفاته وظروف موته الصادم والمفاجئ؟ هل من رسالة ضمنية؟ إشارة، إيحاء ما؟
والحقيقة أن كل ما كان يجمعني بذلك الزميل كان رباط الإنسانية وحده، إذ لم نكن متماثلين لا في الدين ولا في الوطن ولا في الثقافة. ومع ذلك كنت اقدّره واحترمه كثيرا لرقيّه الإنساني وأدبه الجمّ وأحسب انه كان يبادلني نفس ذلك الشعور.
وما زلت أتذكّر ما قاله لي قبل شهر من وفاته. فقد اتصل ذات يوم يقترح عليّ الذهاب معه إلى إحدى الإدارات لمساعدته في انجاز بعض الأعمال. وبالفعل ذهبنا إلى الجهة التي حدّدها.
وفي الطريق تبادلنا الحديث حول مواضيع شتّى. وعندما بلغنا احد التقاطعات استرعى انتباهنا ازدحام حركة المركبات والناس. وقيل لنا أن حادثا مروريا قد وقع وانه تسبّب في حصول إرباك في حركة السير. وعندها التفت إليّ لينبّهني إلى ضرورة اخذ الحذر أثناء القيادة فالناس عندنا، كما قال عن حقّ، يسوقون سياراتهم بطريقة غريبة. والكثيرون منهم يسيئون استخدام الطريق ولا يتردّدون في كسر الإشارة وانتهاك الأنظمة والتعليمات بطريقة متهوّرة وغير مسئولة.
في ما بعد، بدا لي كلامه أشبه ما يكون برؤيا كابوسية. ترى هل كان يتنبّأ من حيث لا يدري بما سيحدث له بعد أربعة أسابيع فقط؟!
هذه الحادثة بتفاصيلها وآثارها أثرت فيّ كثيرا ودفعتني إلى التفكير في جدوى بعض القوانين والممارسات، كما أثارت في نفسي تساؤلات قديمة عن الطبيعة البشرية وعن معنى الحياة وقيمة الإنسان.