:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، سبتمبر 05، 2015

رحلة إلى العملاق الثلجي


الصورة فوق متخيّلة. وهي تُظهر كيف كان سيبدو حجم وشكل ولون كوكب أورانوس من الأرض لو انه يقع على نفس المسافة التي يبعد بها القمر عن الأرض.
عندما تنظر إلى هذه الصورة المركّبة ربّما يعتريك شعور بالرهبة، تماما مثل ما حصل معي وأنا أتأمّلها. لاحظ كيف أن جوّ الليل اكتسى ضوءا مشوبا بزرقة شاحبة. والأزرق هنا لا يشيع إحساسا بالطمأنينة أو الارتياح، وإنما بالضيق والكآبة وربّما الخوف.
ثم قارن هذا المنظر السوريالي الغريب بالقمر الذي نعرفه والذي يثير منظره وضوؤه في النفس إحساسا بالبهاء والأمان والسكينة. الشاهد من هذا الكلام هو أن الخالق الجميل قدّر كلّ شيء في هذا الكون بقدَر وأحصى النسب والاحتمالات بدقّة ولم يترك شيئا للحظّ أو الصدفة.
في موضوع سابق قبل بضعة أشهر، ذهبنا في زيارة سريعة إلى كوكب الزهرة أو "أرض جهنّم". واليوم نترك الزهرة خلفنا ونتّجه أكثر فأكثر إلى الأطراف البعيدة جدّا للنظام الشمسيّ؛ إلى العوالم الغازيّة الضخمة حيث الجوّ أكثر برودة وضوء الشمس اشدّ خفوتا، لنتوقّف عند العملاق الثلجيّ المسمّى أورانوس.
لكن في البداية: من أين أخذ هذا الكوكب اسمه؟
أورانوس هو اسم إله السماء الإغريقيّ. وفي أساطير الفلك، كان اسم الأرض غايا باليونانية. وغايا "أو الأرض" كانت أمّ الجبال والوديان والجداول وكافّة التشكيلات البرّية الأخرى. وكانت متزوّجة من أورانوس الذي كان هو نفسه ملك الآلهة، إلى أن أطاح به ابنه ساتورن "أو زُحل".
وأورانوس، الكوكب، هو واحد من تلك العوالم الغريبة التي تبدو منسيّة تقريبا في المخطّط الكبير للنظام الشمسيّ، على الرغم من اسمه غير العاديّ والذي كثيرا ما يخطئ الناس في نطقه. فلنعتبره شقيق نبتون النائي جدّا في نظامنا الشمسي. ومع ذلك فهو يستحقّ الاستكشاف لأن من شأن دراسته أن تعطي فكرة عن تشكّل العوالم الغازيّة في نظامنا.
وأورانوس هو سابع أبعد كوكب عن الشمس. ولأنه بعيد جدّا عن الأرض، فإنه لا يتحرّك بسرعة في السماء الليلية. لذا فإن العديد من الفلكيين القدماء ظنّوا انه نجم. بل وحتى العلماء الذين أتوا في ما بعد، ومنهم مكتشفه وليام هيرشل، اعتقدوا في البداية انه مذنّب.
المركبة فويجر 2 سبق أن حلّقت بالقرب منه عام 1986 في رحلتها الطويلة عبر النظام الشمسيّ وجمعت الكثير من المعلومات والصور. وعندما وصلت أوّل تلك الصور إلى الأرض في يناير 1986، شعر العلماء بخيبة أمل عندما رأوا فيها كوكبا أزرق شاحبا وبلا ملامح. لكن تلك المعلومات والصور ساعدت في تحديد مهامّ مستقبلية لدراسة هذا الكوكب الغامض.
أورانوس هو الكوكب الوحيد في نظامنا الشمسيّ الذي لا يدور حول محوره. كما انه، وخلافا لبقيّة الكواكب، مائل بمقدار 99 درجة، أي أنه يدور على جانبه. وبسبب ميلان محوره بشدّة، فإن طقسه غير مألوف، وتثور في أجوائه عواصف ربيعية عملاقة يمكن أن تصل أحيانا إلى حجم أمريكا الشمالية.
ويسود اعتقاد بأن جسما ضخما ارتطم بهذا الكوكب منذ أزمنة سحيقة. وعلى ما يبدو كان الارتطام قويّا جدّا لدرجة انه غيّر تماما وإلى الأبد اتّجاه دورانه.
لكن هناك نظرية أكثر حداثة تقول إن الميلان الشديد لمحور أورانوس قد يكون ناجما عن قمر كبير جُذب ببطء بعيدا عنه من قبل كوكب كبير آخر. ويُحتمل أن يكون هذا حدث منذ فترة طويلة جدّا عندما كان نظامنا الشمسيّ ما يزال في بدايات تشكّله.
وعلى الرغم من أنه يمكن رؤية أورانوس بالعين المجرّدة في السماء ليلا، تماما مثل الكواكب الكلاسيكية الأخرى، أي عطارد والزهرة والمرّيخ والمشتري وزُحل، إلا انه ساد ولفترة طويلة اعتقاد خاطئ بأنه نجم بسبب ضوئه الخافت ودورانه البطيء.


وهذا الكوكب هو عبارة عن عالم غازيّ أخضر مشوب بزرقة. وهو أصغر من كوكب المشتري وزُحل الضخمين. ومثل هذا الأخير، فإن له سلسلة من الحلقات المتّحدة المركز. وفي حين أنها ليست مميّزة من حيث الحجم كما حلقات زُحل، إلا أنها غير عاديّة، بل وفريدة من نوعها. والأكثر غرابة هو أن هذه الحلقات مموضعة جانبيّا كما هو وضع الكوكب نفسه.
ويُعتقد أنه يتألّف من الصخور والجليد، كما أن له نواة صلبة كبيرة. وبسبب الضغط الهائل في الكوكب، ثمّة احتمال بوجود كمّيات كبيرة من قطع الألماس الضخمة فيه أو على سطحه.
قطر أورانوس يبلغ أكثر من 50 ألف كم، أي حوالي 4 أضعاف قطر الأرض. وهو يبعد عن الشمس بحوالي 3 بلايين كيلومتر. ويلزمه 84 عاما كي يدور مرّة واحدة حول الشمس. وهذا يعني أن العام الواحد على الكوكب يساوي 84 عاما بزمن الأرض.
أما النهار على أورانوس فيستغرق 17 ساعة فقط بزمن الأرض. ولكن ميلان الكوكب أدّى إلى أن أحد قطبيه فقط هو الذي يواجه الشمس. لذلك، عندما تقف على القطب الشماليّ للكوكب، يمكنك أن ترى الشمس وهي ترتفع في السماء وتدور حول الكوكب لمدّة 42 عاماً بزمن الأرض قبل أن تغرب أخيرا تحت خطّ الأفق. وعند غروب الشمس وراء الأفق، تبدأ 42 عاما أخرى من الظلام.
ويتألّف أورانوس في الغالب من غاز الميثان الذي أعطاه لونه الأزرق المميّز. ويظهر في سمائه 27 قمرا يحمل معظمها أسماء شخصيّات من أعمال وليام شكسبير وألكسندر بوب. وأكبر هذه الأقمار هو تيتانيا، يليه أوبيرون فـ أرييل وميراندا وكورديليا وجولييت وكريسيدا وأوفيليا. وتتألّف هذه الأقمار في الغالب من الجليد والصخور.
وأورانوس يُعتبر أبرد كوكب في النظام الشمسيّ كلّه. ورغم أن نبتون أبعد عن الشمس منه بأكثر من بليوني كيلومتر، إلا أن أورانوس أشدّ من نبتون برودة. كما انه يمتصّ حرارة من الشمس بأكثر مما يشعّه منها. بل إن ما يشعّه من حرارة قليل جدّا.
ورغم ذلك، يرجّح العلماء إمكانية وجود محيط ضخم تحت سطحه. والمثير للاهتمام أنه يُعتقد أن درجة حرارة هذا المحيط قد تكون ساخنة للغاية، وربّما تبلغ 2760 درجة مئوية!
أورانوس كان أوّل كوكب في النظام الشمسيّ يتمّ "اكتشافه". والكواكب التي كانت معروفة وقت اكتشافه هي عطارد والزهرة وزُحل والمرّيخ والمشتري. وهذه الكواكب هي التي كان قد رآها علماء الفلك القدامى عيانا دونما حاجة إلى تليسكوبات أو مناظير وأطلقوا عليها أسماء آلهة.
أمّا أورانوس فلم يُكتشف إلا في وقت متأخّر جدّا، وبالتحديد في مارس من عام 1781، على يد عالم الفلك البريطاني وليام هيرشل وباستخدام أجهزة علمية.
في ذلك الوقت كان علماء الفلك يبحثون في السماء الليلية عن المزيد من الكواكب، وسرعان ما وجدوا أورانوس ونبتون. وتلا ذلك اكتشاف الكوكب التاسع بلوتو الذي أصبح الآن مصنّفا كنجم.
وكان من بين الأسماء التي اقتُرحت للكوكب في البداية "مينيرفا" إلهة الحكمة الرومانية و"هيرشل"، أي اسم مكتشفه. وفي محاولة منه لمجاملة ملك انجلترا آنذاك جورج الثالث، عرض هيرشل أن يطلق على الكوكب اسم كوكب جورج. لكن الفكرة لم تلاق استحسانا خارج انجلترا. ثم جاء الفلكيّ الألمانيّ يوهانس بود الذي دوّن معلومات مهمّة عن مدار الكوكب وأطلق عليه اسمه الحالي، أي أورانوس.
وكان اختيار هذا الاسم مناسبا كثيرا. فـ ساتورن "أو زُحل" هو اسم والد جوبيتر "أو المشتري". ومن المنطقيّ أن يحمل الكوكب الذي يليه إلى الخارج اسم والد ساتورن، أي أورانوس.

Credits
universetoday.com
space.com