:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، مارس 29، 2017

!اقتل البوذا


في الكثير من أرجاء العالم، ما تزال البوذيّة تتضمّن طقوسا ومعتقدات يُنظر إليها باستغراب، مثل التناسخ أو الإيمان بأن الإنسان بعد موته يظهر في شكل آخر؛ حيوان أو نبات الخ، مع الاحتفاظ بسماته الشخصية الأصلية.
أيضا ممّا يعاب على البوذية استغراقها الزائد عن الحدّ في الحديث عن فكرة الموت، لدرجة أنها خصّصت له كتابا اسمه كتاب الموتى.
ومن الاعتقادات الأخرى الغريبة في البوذية أنه كان هناك بوذا آخر يُدعى اميتابا، ولا احد يعرف إن كان قد عاش على الأرض أو أنه موجود في كون موازٍ، وانك إذا ردّدت اسمه دائما فإنك ستذهب إلى مكان يُدعى "الأرض الطاهرة" حيث يمكنك أن تتعلّم أشياء كثيرة من معلّمي البوذية الأقدمين.
وبوذا الحقيقي الذي يعرفه الناس يظهر في الكتب على هيئة غزال أو فيل أو قرد. والحكايات الفولكلورية التي تمتلئ بها بعض تلك الكتب عن حيوانات ومخلوقات أسطورية تفكّر وتتكلّم لا تخلو قراءتها من بعض المتعة، تماما مثل أن تقرأ كتاب كليلة ودمنة أو كتاب الحيوان للجاحظ.
وبعض الأفكار الأساسية التي تقول بها البوذية مثل التناسخ والارتباط والكارما كانت وما تزال محلّ انتقاد من الكثيرين. الدالاي لاما نفسه أبدى تشكّكه مرّة في فكرة التناسخ وتساءل عن جدواها. وهناك أيضا من عاب على البوذية أن أفكارها ذكورية وترى أن الرجال وحدهم هم من يبلغون أعلى مراتب الروحانية.
وحتى فكرة الاستنارة التي حقّقها بوذا بالانفصال والتخلّي عن زوجته وطفله كانت دائما موضع تساؤل وشكّ. وبنظر البعض أن الروحانية الحقيقية لا يجب أن تتنكّر لقيم العائلة ولا تفرّق بين الرجال والنساء.
لكن عندما ننحّي مثل هذه الأفكار الجدلية جانبا، فإن البوذية تقدّم طرق تفكير جديرة بالنظر، بحسب ما يقوله بعض الكتّاب والمفكّرين. ذات مرّة امتدح اينشتاين البوذية بكلام قد لا يخلو من مبالغة عندما قال إنها يمكن أن تصبح دين المستقبل، لأن ليس فيها لاهوت ولا أفكار قاطعة ولا إله. وبوذا نفسه أكّد على انه ليس إلها ولا يجب أن يعامَل كذلك.
وحتى فريدريك نيتشه الذي لم يكن على وفاق مع الأديان وصف البوذية ذات مرّة بأنها أفضل من المسيحية بكثير، على الرغم من أنها تظلّ بنظره "ديانة عدمية".
وهناك من يرى أن البوذية تغطّي الطبيعيّ والروحانيّ معا. كما أنها تحاول أن تفهم العالم من حولنا. والمعرفة فيها تُكتسب من خلال التجربة الشخصية، وليس بالاعتماد على نصوص مقدّسة وتعاليم معلّمين.
كما أنها ترفض المفاهيم والأفكار المطلقة ولا تطلب إيمانا أعمى. الإيمان فيها أمر ثانوي، والاهمّ منه هو المعرفة والتجربة.
أيضا الناس في البوذية لا يرجون خلاصا مثل ذلك الذي تعد به المسيحية أتباعها. وحتى بوذا نفسه لا يضمن شيئا من ذلك. هو فقط يساعدك على أن تجد طريقك الخاصّ إلى السعادة والحرّية.
ومن أفكار البوذية الشائعة والجديرة بالتأمّل التي وجدت طريقها إلى كتب تطوير الذات، وإن بصيغ وأشكال مختلفة، انه "لا يوجد طريق إلى السعادة، السعادة هي الطريق". وهو يشبه قولا قديما مفاده أن "الحياة هي الرحلة وليست الوجهة". وهذا صحيح إلى حدّ كبير. والمعنى هو انك لا يجب أن تعيش حياتك بانتظار نتائج نهائية، بل اكتشف أوقات الفرح والحزن على طول الطريق كي تكتشف ماذا تعني الحياة.
وهناك فكرة أخرى تقول "إن الصديق غير المخلص أو الشرّير يجب أن يُخشى أكثر من الحيوان المتوحّش. فالحيوان قد يجرح جسدك، لكن الصديق الشرّير قد يجرح روحك". والمعنى هو أننا يجب أن نحيط أنفسنا بأناس مخلصين يدعموننا ويقبلوننا كما نحن. لكن عندما نربط أنفسنا بأولئك الذين يتسبّبون لنا بالآم ومعاناة فإننا نجرّد أنفسنا من فرصة أن نكون سعداء.
وهناك قول آخر مفاده انه "في السماء لا يوجد شرق وغرب". والمعنى هو أن البشر هم من يخلقون الفروقات والتمايزات من عقولهم ثم يعتقدون أنها حقيقة. أيضا تعني الفكرة أن الناس جميعهم متساوون، أما التمايز فمن اختراع البشر. ومن منظور الكون، نحن جميعا متساوون ونستحقّ الحياة والسعادة.
ومن الأقوال الأخرى الشائعة في البوذية أن "الإنسان لا يعاقَب من اجل غضبه، وإنّما بسببه". والمعنى هو أن الحقد والغضب لا يضرّان الشخص التي تُوجّه إليه غضبك. هو فقط يستهلك عقلك ويسرق سعادتك. وأن كلّ المشاعر لها ما يبرّرها، لكن أفضل شيء نستطيع فعله هو أن نتحرّك إلى الأمام ونتخلّص من المشاعر السلبية.
والعديد من تعاليم بوذا تعتمد على مفهوم الارتباط، فـ "أنت تفقد فقط ما تتمسّك به". والمعنى هو أننا لا نعود بحاجة لأن نخشى افتقاد الأشياء إذا ما أزحنا ارتباطاتنا الشعورية بها. فالحبّ والفرح غير المشروط يأتي من القبول الكامل بالتجربة، حتى وإن كانت قصيرة. وحتى المتع المادّية يجب أن لا يربط الإنسان نفسه بها حتى لا يصبح عبدا لها فيحزن ويندم عندما يفتقدها. والإنسان لا يصبح حرّا إلا عندما يتحرّر من ارتباطه بالأشياء والمتع المؤقّتة والمشاعر الزائلة.
وهناك قول آخر مفاده أن "لا احد ينقذك غير نفسك، أنت من يجب أن يمشي الطريق". والمعنى هو أن حياتك هي ملكك لوحدك. ولا يمكن لأيّ احد أن يرى العالم من منظورك الخاصّ غيرك. وبدلا من الاعتماد على الآخرين كي يقودوك في حياتك، يجب أن تمشي طريقك بنفسك. إننا جميعا نملك إمكانية أن ننمو وأن نتطوّر. وعندما نكون واعين بأفكارنا وبمسار رحلتنا، فإننا نفتح الأبواب لتجارب أفضل. ويترتّب على ذلك ضرورة أن تصبح شفّافا مع نفسك وأن تستيقظ من سباتك، فتغادر الجماعة وتمشي على قدميك ولا تذهب للبحث عن شخص ناجح كي تكرّره.
وأخيرا، هناك في البوذية حكمة جميلة وشائعة وذات مغزى تقول: إذا قابلت البوذا على الطريق فاقتله. والبوذا هنا ليس بوذا الأصليّ أو القديم بل أيّ واعظ أو معلّم روحانيّ. والمقصود هنا طبعا ليس معنى القتل حرفيّا، بل أن لا تتّبع ما يقوله لك المعلّمون أو المرشدون، وبدلا من ذلك حاول أن تختار طريقك بنفسك.

Credits
psychologytoday.com