:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، أكتوبر 28، 2017

ملكة الشرق

في مسرح تدمر الكبير، حيث كان الناس يحتشدون قبل ألفي عام لمشاهدة مسرحيات يوربيديس وسوفوكليس، حدثت قبل أشهر مفارقة لافتة. فقد حوّل مقاتلون متشدّدون، ومعظمهم مراهقون، المكان إلى ساحة لحفلات إعدام جماعية لأفراد من الجيش السوريّ النظاميّ.
وكانت هناك مفارقة أخرى، ففي هذه المنطقة التي كانت تحكمها ملكة قويّة في العصور الخوالي، أصبحت النساء اللاتي لا يخضعن للأفكار المتزمّتة لهذه الجماعات يُعاقَبن ببيعهنّ في سوق الرقيق.
ربّما لهذا السبب تكتسب قصّة الملكة السورية زنوبيا أهمية خاصّة هذه الأيّام، إذا ما تذكّرنا جرائم هذه الجماعات ضدّ النساء ورفضها للحداثة واضطهادها لأتباع الديانات الأخرى وإلغاءها للتاريخ.
كما أن قصّة زنوبيا تسلّط الضوء على الأدوار المهمّة للنساء في المجتمع والسياسة وتدحض الفكرة القائلة أن انجازات العالم القديم يُعزى فيها الفضل تحديدا وحصرا إلى الغرب.
وسيرة حياة زنوبيا تذكّر أيضا بنساء أخريات خُضن ميادين السياسة وحكمن دولا وممالك في الشرق القديم، مثل بلقيس، ومثل الملكة أروى بنت احمد الصليحي التي كانت أوّل ملكة في الإسلام وحكمت اليمن لأربعين عاما، ومثل تين هينان ملكة الطوارق التي وحّدت قبائل الامازيغ وأسّست لهم أوّل مملكة في الجبال تحت زعامتها في القرن السابع الميلادي.
أسماء زنوبيا كثيرة: زينب، الزبّاء، وبات زاباي "بالآرامية". المؤرّخ غيبون أسهب في وصف جمالها وقوّة شخصيّتها. وتشوسر ذكرها في "حكايات كانتربري". والطبريّ أكّد على نسَبها العربيّ وأشار إلى أن اسمها "زينب".
ومنذ القرن الرابع عشر، ظهرت أعمال أدبية ومسرحية كثيرة تتحدّث عن هذه المرأة وعن حياتها. وهي أحيانا تنافس كليوباترا في جمالها وتأثيرها. والحقيقة انه من الصعب فصل الحقيقة عن الأسطورة في سيرتها. لكن يمكن القول أنها كانت إحدى أنبل وأذكى النساء في الشرق.
والد زنوبيا كان قاضيا على تدمر، وعائلتهم تمتّ بصلة قرابة لبعض قبائل الصحراء العربية. وكانت ثقافتها مزيجا من العربية واليونانية.
بدأت تدمر كواحة ومركز للتجارة في صحراء سوريا الشرقية. ثم انفتحت المدينة على العالم، وأصبحت القوافل القادمة من الصين والهند والجزيرة العربية تمرّ عبرها في طريقها إلى روما. وبعد ذلك، ضمّها الرومان إلى إمبراطوريّتهم، ونالت المدينة تحت حكمهم قدرا كبيرا من الاستقلال الذاتيّ الذي لم يُمنح لأيّة مدينة من قبل.
وهناك قصّة تُروى عن والد زنوبيا، الزعيم الصحراويّ الكبير الذي كانت له زوجات وأبناء كثر. إذ يقال انه كان بحاجة إلى ابنة كي تبرم بالنيابة عنه الاتفاقيات مع القبائل المجاورة. ولم يمضِ وقت طويل حتى رُزق بزنوبيا.
كانت امرأة مثقّفة تجيد لغات عديدة، بالإضافة إلى اللغتين العربية والآرامية. وقد أحضرت من أثينا معلّما يونانيّا مشهورا كي يكون معلّمها ومستشارها. وبمساعدته أسّست مدرسة للفلسفة في مدينة آفاميا المجاورة.


مجتمع تدمر كان وثنيّا في غالبيّته، لكن كان المسيحيون واليهود يشكّلون جزءا من نسيجها الاجتماعيّ والدينيّ. وثمّة احتمال بأن زنوبيا نفسها كانت من يهود العرب بحسب بعض الروايات.
وقد تزوّجت في ما بعد من اوديناتوس "أو أذينة" ملك تدمر بعد أن وافقت على أن تصبح زوجته الثانية. لكن في ما بعد، أي في عام 267، اغتيل الزوج مع أحد أبنائه فنصّبت نفسها ملكة على تدمر. وكان غريبا أن يحدث مثل هذا في قلب العالم الذكوريّ للصحراء العربية.
وخلال ثلاث سنوات من حكمها لتدمر، شنّت زنوبيا هجوما على مصر اليونانية. وبحلول عام 270، كانت قد استولت على أكثر أراضي مصر وسوريا وآسيا الصغرى، أي حوالي ثلث أراضي الإمبراطورية الرومانية. ثم لم تلبث أن أعلنت استقلالها عن روما.
وقد انزعج الرومان من قرارها بالانفصال. وبينما كانت تعزّز سلطتها، توالى على حكم روما ثلاثة أباطرة. لكن عندما تسلّم الإمبراطور اورليانوس السلطة، اثبت انه أكثر مقدرة من أسلافه.
في البداية، كان اورليانوس منشغلا بحملاته في الغرب، ولمّا انتهى وجّه أنظاره نحو تدمر وزنوبيا. كان يدرك خطورة استيلائها على مصر، لذا أرسل احد جنرالاته لاستعادتها على الفور.
ثم أتى اورليانوس بنفسه إلى سوريا، وأحكم الحصار على تدمر. وقد سعت زنوبيا إلى طلب المساعدة من الفرس الساسانيين الذين كانوا يشاطرونها كراهيتها للرومان.
وذهبت إلى فارس بالفعل على ظهر جمل، لكن اورليانوس علم بهربها فأمر بأسرها. وقُبض عليها في منطقة قرب نهر الفرات وسُلّمت إليه. وبعد أن علم أهل تدمر عن أسر ملكتهم، فتحوا أبواب المدينة طوعا أمام الجيش المنتصر.
وكما تقضي أعراف الرومان الفاتحين، أُخذت زنوبيا المنهزمة مع أبنائها إلى روما بعد أن قُيّدت يداها ورقبتها بسلاسل من ذهب وعُرضوا في شوارع المدينة.
لكن اورليانوس احترم عدوّته السابقة ولم يسمح بإذلالها وأعفاها من المصير الذي يلقاه عادة أعداء روما المنهزمين الذين كانوا يعادون إلى السجن بعد عرضهم أمام الناس ثم يتمّ خنقهم في طقوس خاصّة.
وبدلا من ذلك، مُنحت زنوبيا منزلا عاشت فيه حياة هادئة حتى أواخر أيّامها، ورأت أبناءها يتزوّجون من أنبل عائلات روما، أو هكذا تقول الأسطورة.
ومن حسن الحظّ أن كتابات أشخاص مثل بوكاتشيو وتشوسر وغيبون هي التي أبقت على قصّة هذه المرأة حيّة في الأذهان عبر العصور المتعاقبة.
في أواخر تسعينات القرن الماضي، بثّ التلفزيون السوريّ مسلسلا عن حياة زنوبيا شاهده الكثيرون في أرجاء العالم العربيّ. وبعد سنوات من بثّ ذلك المسلسل، تحوّلت سوريا إلى واحد من أكثر الأماكن عنفا ومأساوية في العالم.
الفظائع الرهيبة التي ارتكبتها أطراف الحرب هناك تتناقض مع أجواء تلك الدراما التي مات لاعبوها قبل ألفي عام وما يزال لها صلة بعالم اليوم.
زنوبيا هي قصّة امرأة عربية أصبحت أيقونة بتجسيدها القوّة الفكرية والبطولة الأخلاقية للنساء في الشرق. فقد تحدّت قوّة روما، أعظم امبراطورية في ذلك الوقت. وكادت تنجح في تأسيس دولة مستقلّة عندما طلبت من الرومان أن يعترفوا بها كشريكة مساوية في الحكم.
ربّما كانت طموحات زنوبيا اكبر من إمكانياتها. لكن فكرة أن تكون إمبراطورة عربية أنثى مساوية لسلطان روما ما تزال تثير الفضول وتشغل أحلام الكثيرين. ويبدو من المناسب هذه الأيّام أن تعاد هذه المرأة إلى مكانها الذي تستحقّه في الذاكرة الشعبية.
في زمن تالٍ، وبالتحديد عام 1400م، اكتسحت جيوش المغول تدمر ونهبتها قبل أن تختفي هذه المملكة نهائيا في غياهب النسيان. ولم تُكتشف أطلال المدينة إلا في القرن الثامن عشر، لتتحوّل بعد ذلك إلى واحد من أشهر وأهمّ المواقع الآثارية والتاريخية في المنطقة.

Credits
allempires.com

الاثنين، أكتوبر 23، 2017

جون فريدريك لويس في مصر


كان جون فريدريك لويس (1805-1876) رسّاما انجليزيا مشهورا. وهو معروف، أساسا، بسلسلة لوحاته التي استلهمها من فترة إقامته في مصر والتي دامت عشر سنوات. وكثيرا ما توصف تلك الصور بأنها تجسيد حيّ للمَشاهد الواقعية التي رآها الرسّام أثناء إقامته في القاهرة.
وبعض النقّاد يشيرون إلى انه كلّما تمعّنت في لوحات لويس تلك، كلّما أدركت أنها ليست فقط عن الآخر، أي عن الحياة في مصر في منتصف القرن التاسع عشر، بقدر ما هي أيضا عن الذّات، أي عن الرسّام نفسه. السرد في هذه الصور أكثر من الدراما الشرقية.
ورؤية لويس عن مدينة القاهرة وأهلها تظهر واضحة في لوحاته على عدّة مستويات. فهي من ناحية، ذكرى عن ماضي الرسّام كفنّان مغترب، كما أنها انعكاس لدوره كوسيط ثقافيّ بين الحضارتين الشرقية والغربية اللتين عاش في إطارهما.
زار جون فريدريك لويس القاهرة في زمن كانت فيه الثقافة الإسلامية تكشف عن نفسها للأوربّيين لأوّل مرّة. وباستثناء لوحته "نساء في القاهرة"، فقد رسم كلّ لوحاته المهمّة عن تجربته في مصر بعد أن غادرها، أي في السنوات الخمس والعشرين التي سبقت وفاته في عام 1876. والعديد من تلك اللوحات التي نفّذها بعد عودته إلى انجلترا رسمها من تجاربه ومن ذاكرته. لذا كان هناك دائما شكّ في أصالة صوره وفي الدوافع من ورائها.
والسؤال الذي كان يثار دائما هو: لماذا انتظر لويس ربع قرن قبل أن يرسم الأماكن التي عاش فيها في مصر؟ هل أراد أن تكون اللوحات شهادته البصرية على ما رآه، خاصّة انه لم يترك بعد وفاته أيّة سجلات أو أدلّة مكتوبة عن حياته في القاهرة؟
بعد أن عاد لويس إلى بلده كان يرسم من ذكرياته أو من الاسكتشات والصور التي جلبها معه من رحلته. وهذه أصبحت صورا ثابتة قام بإعادة ترتيبها في عقله، ومنها أيضا ظهرت صور أخرى مشابهة.


كان الفنّان مفتونا بمصر وقد أحبّ أهلها كثيرا. وعاش هناك، مثل آكلي الّلوتس، حياة حالمة وكسولة ومخدّرة. وأعظم المتع التي وجدها في ذلك البلد كانت الحياة في الصحراء والعيش في الخيام. كان يدخّن ويأكل مع العرب ويتحاور معهم، وكانت له تأمّلاته الهادئة في النجوم التي تزيّن سماء الصحراء العربية في الليل.
وعندما تزوّج في الإسكندرية من شابّة انجليزية تُدعى ماريان هاربر، أصبح لويس يجد صعوبة في الاستمرار في العيش في مجتمع شرقيّ، ولذا قرّر أن الوقت قد أزف كي يعود إلى وطنه.
وعندما عاد هو وزوجته، كانت انجلترا قد تغيّرت كثيرا. رسوماته التي أكملها في لندن كانت تناسب موضة ذلك الزمان، ففيها جانب سرديّ كما أنها تصوّر مواضيع حقيقية. وقد ضمّن لوحاته إيحاءات شاعرية وتأثيرات زخرفية. ألوانه الساطعة ونسيجه الفخم وتجاربه مع الضوء كانت تعكس الفخامة والبذخ والرفاهية التي ارتبط بها الشرق في عقول الغربيين.
لوحته الوحيدة التي رسمها في مصر كان اسمها نساء في القاهرة ، وفيها يعرض أفضل ما لديه من مواهب. المنظر في هذه الصورة وصفيّ وشرقيّ. إلى اليسار، نرى باشا وسيماً يجلس في ديوانه المزيّن بأثاث فخم ورائع الألوان. وإلى يمينه، يستلقي غزال صغير. وإلى يساره، تجلس ثلاث نساء وخلفهم خادمة سمراء.
وفي منتصف الصورة، يقف حارس مخصيّ بصحبة جارية جديدة. والباشا يحني جسمه إلى الأمام كي يتفحّص المرأة. المروحة المصنوعة من ريش الطاووس، والغزال المروّض، والنسيج الرائع الألوان، كلّ هذه العناصر تضيف غموضا إلى هذا المنظر الشرقيّ الخالص. واهتمام الرسّام بالشكل واللون والنسيج والضوء يجعل كلّ تفصيل في اللوحة يبدو بمنتهى الدقّة.


ضوء الشمس في اللوحة يدخل عبر فراغ المشربيّات خلف الرجل ويسقط على الأرائك والألبسة الملوّنة. والمكان يدلّ على الفخامة والثراء. والمنظر بأكمله يعطي انطباعا بأن لويس كان يرسم ما رآه فعلا وليس شيئا من نسج الخيال. وهؤلاء النسوة، أي زوجات الباشا اللاتي يبدين مسترخيات في منزلهنّ الباذخ والمحميّ، لسن محرومات أو غير سعيدات. وحضورهنّ هنا كشاهدات على وصول امرأة جديدة إلى البيت يدلّ على أن هذا كان أمرا مسموحا به وغير مستهجَن.
في ذلك الوقت، كان المجتمع الفيكتوريّ الانجليزيّ يقدّر ويتفهّم الدراما المتضمّنة في هذه الصورة. فالنساء غالبا ما يقدّمن تنازلات، كما أن الرجال والنساء معا يتبنّون أحيانا معايير مزدوجة.
غير أن هناك ملاحظة مهمّة. فالباشا الشابّ لا يبدو من ملامحه انه مصريّ أو متوسّطيّ. واعتمادا على بعض الرسومات التي تصوّر لويس في تلك الفترة، يظهر الرسّام بشعر اسود وأنف مستقيم وبلحية وشاربين وملامح تشبه ملامح الباشا الظاهر في الصورة. أي أن الباشا يمكن أن يكون الرسّام نفسه.
بعد سنوات سيعود لويس لرسم المنظر نفسه مع بعض الاختلافات في لوحة بعنوان رسالة معترَضة . وفيها يظهر الباشا بعد أن تقدّمت به السنّ جالسا في نفس ديوانه الوثير مع الغزال والنساء. وملامح الباشا الآن قريبة من ملامح لويس كما وصفه احد معارفه من تلك الفترة. "كانت له لحية بيضاء تسترخي بِنُبل على صدره وتستثير شعورا بالاحترام وتمنحه مظهر الباشاوات".
لكن الفكرة في اللوحة الأخيرة مختلفة بعض الشيء. فبدلا من وصول امرأة جديدة كي يقوم بفحصها، يجب على الباشا أن يقرّر ما سيفعله في أمر خادمة قُبض عليها متلبّسة بحمل باقة ورد ورسالة. في منتصف اللوحة تقف المرأة المسئولة عن الحريم وهي تمسك بيد الخادمة المشتبه بها، بينما تمسك باليد الأخرى الأزهار والرسالة الغامضة، مع نظرة متشكّكة.


وعبر زجاج النافذة الكبيرة في الخلفية، يلوح منظر لقبّة ومنارة احد المساجد. وفي كوّة بأعلى الجدار الأيسر، هناك مزهرية يابانية عليها صورة محارب ساموراي.
هذه التفاصيل المهمّة التي تتداخل مع الدراما في أسفل اللوحة كانت تثير إعجاب المجتمع الفيكتوريّ، وكان الناس هناك يُسرّون بقراءتها. ولا بدّ أنهم فهموا مغزى الرسالة، وهي أن المرأة، سواءً كانت في القاهرة أو في لندن، في الشرق أو في الغرب، تخضع لنفس النظام الأبويّ. ولويس بعينه المتامّلة والفاحصة كان يعبّر عن مثل هذه الأشياء ببراعة من خلال فرشاته الدقيقة والكاشفة.
قبل وفاته ببضع سنوات، استخدم الرسّام زوجته ماريان كموديل للوحة بعنوان قيلولة . وهي عبارة عن بورتريه جميل تظهر فيه الزوجة وهي نائمة في غرفة مع طاولة تصطفّ فوقها ثلاث مزهريات. إحداها تحتوي على أزهار الخشخاش التي ترمز عادة للنوم والسلوى، والثانية تحتوي على أزهار السّوسن البيضاء التي غالبا ما ترمز للطهر والحشمة والجمال.
لكن ماريان النائمة ترتدي نفس الفستان الأخضر والوشاح الأحمر الذي ترتديه الخادمة في اللوحة السابقة. في لوحات لويس، العناصر المتداخلة حاضرة دائما. ترى هل هذه مصادفة أم أمر مقصود، وماذا يعني؟
وفي لوحته كاتب الرسائل، نرى رجلا مُسنّاً يكتب رسالة. وإلى جواره تجلس خادمته التي تسند جسدها على صندوق مزخرف تُحفظ فيه الأوراق وأدوات الكتابة. وهناك أيضا امرأة أخرى ترتدي البرقع مع فستان بألوان برتقالية ورمادية.
تركيز الرسّام على النسيج والقماش واللون والضوء أمر مألوف. لكنْ خلف فتحات المشربية هناك رجل. هل وضعه الرسّام في ذلك المكان بالمصادفة أم أن له دورا يلعبه في القصّة؟ هل هو حارس؟ جاسوس؟ وهل هذه رسالة حبّ؟ هل يكون هذا الرجل هو لويس نفسه الذي يلاحظ عالَما يعيش ضمنه لكنه لا يلعب فيه دورا حقيقيا؟


كان جون فريدريك لويس يُكثِر من استخدام المرايا في لوحاته. وهو يستخدمها كأداة لإضافة عناصر جديدة إلى المشهد ولاستعادة مناظره المبكّرة عن النساء. في لوحة بعنوان نساء في القسطنطينية، هناك مرآة على الجدار. وهو يضمنها في اللوحة لكي يوسّع المشهد ويضيف إليه المزيد من العناصر. وربّما كان الفنّان يقصد أن حياة هؤلاء النسوة أكثر تعقيدا من المظاهر الباذخة وحالة الشعور بالأمان التي توحي بها صورهنّ.
في نفس اللوحة نرى قطّة صغيرة ترفع مخلبها باتجاه مروحة من ريش الطاووس تمسك بها صاحبة المنزل على سبيل المداعبة. وضوء الشمس يخترق النافذة ويسقط على فراء القطّة وعلى الأريكة البيضاء. التفاصيل المدهشة والفانتازية للويس جعلت لوحاته ذات شعبية كبيرة بين أوساط الجمهور في زمانه الذين كانوا مفتونين بمناظره الغرائبية والمشمسة عن بلدان بعيدة.
كان الرسّام قد ذهب في عام 1840 إلى اسطنبول "أو القسطنطينية كما كانت تُسمّى آنذاك" وأقام بها عاماً قبل أن يذهب إلى مصر. ولم يرسم لوحته السابقة إلا بعد ستّ سنوات من عودته إلى انجلترا.
توفّي جون فريدريك لويس في أغسطس من عام 1876. وبعد موته بعام قامت زوجته ببيع كافة متعلّقاته من رسومات ودراسات وكتب وصور وأزياء في مزاد علنيّ. لكنه ما يزال يعيش إلى اليوم كإنسان وكفنّان من خلال رسوماته.
مناظره عن القاهرة هي بمثابة شهادته عن مدينة رائعة عاش فيها عشر سنوات بعد أن أحبّها وألِف أهلها. وقد ترجم ما رآه هناك إلى صور كان من السهل على المجتمع الفيكتوريّ أن يفهمها ويقدّرها. كما أن حياته ونوعية أفكاره أسهمت في إضفاء الكثير من اللمسات الغريبة والغامضة والفاتنة على لوحاته.

Credits
eduref.org