المشاركات

عرض المشاركات من أكتوبر 26, 2025

خواطر في الأدب والفن

صورة
يذكر ويليام كروغر في إحدى رواياته قصّة ضابط شرطة في بلدة تقع في براري مينيسوتا، وهو من أصول أمريكية أصلية، وتربطه علاقة وثيقة مع شامان محليّ يعلّمه الصيد بالطريقة القديمة. في الخريف التالي، اصطاد الجنديّ والشامان غزالا أبيض الذيل. وكان صيد غزال يتطلّب من الجندي أن يكون قريبا بما يكفي لسماع أنفاس الفريسة. كانت تجربة غريبة، فبعد أن اصطاد غزاله الأوّل، أدرك ضرورة أن يغنّي لروح الحيوان الذي اصطاده وأن يشرح له سبب عنفه معه، وأن يَعِد هذا المخلوقَ الجميل بأن جسده سيُطعَم لأناس سيكونون ممتنّين له كثيرا. وهذه الصلاة المغنّاة تأخذ في الغالب هذه الصيغة: شكرا لك أيّها الروح الأعظم على هذا الصيد المشرّف. سيكرِّم أهلي وأصدقائي تضحيتك بالتغذّي على لحمك. وستبقى ذكرى يومك الأخير في نفسي للأبد. عسى أن يحتضن الخالق روحك، إذ يعلم أنك قد أنجزتَ غايتك وحقّقتَ قدرك. شكرا لك يا ربّي على مشاركتي في طبيعتك الرائعة ومخلوقاتك. هب لي دائما الحكمة والاحترام في السعي واحفظني متواضعا في الحصاد. وأرجوك أن تحتضن روح هذا الحيوان وأن تبارك هذه الهبة من اللحم لعائلتي وأصدقائي. وأرجوك أن تُبقي هذه الذكرى معي ل...

خُطى الآخرين

صورة
في قصيدته "درب العِجل" (١٨٩٥)، يتحدّث الشاعر الأمريكي سام فوس عن قصّة معبّرة تتضمّن حكمة عميقة. وملخّص القصيدة/القصّة أن عِجلا سار ذات يوم عبر غابة بدائية. واستمرّ يسلك ذلك الطريق صباح كلّ يوم، ثم يعود منه في المساء الى حظيرته. ومع توالي الأشهر والسنوات، ترك العجل أثرا على شكل طريق متعرّج. وبعد أن مات، تبع أثره كلب، ثم خروف يجرّ أجراسا ويسحب بقيّة القطيع خلفه كل يوم. وسار في إثرهم العديد من الخيول والدوابّ تحت أشعة الشمس. ثم مشى عبر ذلك الطريق أناس كثيرون. وكانوا يعبّرون عن ضيقهم من تعرّجاته وانحناءاته بكلمات غاضبة. لكنهم برغم ذلك واظبوا على اتّباع مسار العجل ورأوا أن من الأسهل عليهم استخدام ذلك الطريق المعتاد بدلا من شقّ طريق جديد. ومرّت الأعوام وأصبح الطريق شارع قرية، ثم شارع مدينة مزدحما. وسرعان ما أصبح شارعا رئيسيا لمدينة مشهورة وقامت على اطرافه المتعرّجة بنايات وصروح شاهقة. واستمرّ الناس يمشون على خطى ذلك العِجل. وهكذا قاد أناساً كثيرين عجل واحد مات منذ زمن يصعب تذكّره. واستمرّوا يتبعون طريقه الملتوي دون أن يفكّروا في تغييره. وفي نهاية القصيدة، يشير الشاع...

خواطر في الأدب والفن

صورة
"وإذ أنزلُ من الجبال، يمتدّ الوادي أمامي وأسمع هدير أمواج البحر. وأتجوّل بصمت وأنا غير سعيد إلى حدّ ما. وأتساءل "إلى أين؟". هذا هو رثاء المتجوّل من أغنية لحّنها فرانز شوبيرت البالغ من العمر وقتها تسعة عشر عاما على شعر لـ ج. شميدت يقول فيه: الغريب يبحث عن موطن روحيّ في كلّ مكان، لكنه محكوم بالتجوال إلى الأبد". ألّف شوبيرت موسيقاه عام 1821. وقبل ذلك بثلاث سنوات، رسم كاسبار دافيد فريدريش لوحته المشهورة "المتجوّل فوق بحر الضباب"، والتي يمكن اعتبارها تفسيرا للحن شوبيرت. وكثيرا ما ظهرت اللوحة على أغلفة الكتب التي تتحدّث عن الرسم الرومانسي الألماني. ويظهر فيها رجل يقف على صخرة عالية، معطياً ظهره للناظر وحاملا عصا ومرتدياً معطفا. وعند قدميه نرى مشهداً طبيعيّا، إذ تنبثق السحب عن الوادي كاشفةً عن تلال صخرية. وعلى مسافة أبعد، في الأفق، تلوح سلسلة جبال يلفّها ضباب الصباح. أجزاء الضباب في الصورة لا تكشف عن التلال الخضراء والغابات الكثيفة، بل عن سفوح الجبال الكثيفة والصخور المتعرّجة. ويبدو الرجل كما لو أنه سيّد هذا المكان وفي الوقت نفسه خاضع له. المعروف ...