:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، يونيو 14، 2025

كلمات الزعيم


  • كان دان جورج زعيما لإحدى قبائل الهنود الحمر وممثّلا وموسيقيّا وشاعرا. وُلد في شمال فانكوفر عام ١٨٩٩ وتوفّي عام ١٩٨١. وقد كتب هذه الكلمات ونشرها في مارس ١٩٧٢، ولم تلبث أن تحوّلت كلماته إلى نموذج للأدب السياسي الرفيع والدعوة الى التسامح والقبول والثقة.

    ◦ طوال حياتي، عشت بين ثقافتين مختلفتين. وُلدت في بيئة تؤمن بالعيش في بيوت مشتركة. كان طول منزل جدّي ثمانين قدما، وكان يقع على الشاطئ. وقد سكن جميع أبناء جدّي وعائلاتهم في هذا البيت. كانت غرف نومهم مفصولة بأغطية مصنوعة من الأعشاب، لكن ناراً واحدة مفتوحةً في المنتصف كانت تلبّي احتياجات الجميع من الطعام.
    وفي بيوت كهذه، في جميع أُسر القبيلة، تعلّم الناس العيش معا واحترام حقوق بعضهم البعض. وتَشاركَ الأطفال أفكار الكبار ووجدوا أنفسهم محاطين بأعمامهم وأخوالهم وأبناء عمومتهم الذين أحبّوهم ولم يشكّلوا لهم أيّ تهديد.
    وُلد أبي في منزل كهذا وتعلّم منذ صغره كيف يحبّ الناس ويشاركهم حياتهم. وبالإضافة الى هذا القبول المتبادل، كان هناك احترام عميق لكلّ ما يحيط بهم في الطبيعة. أحبَّ والدي الأرض وجميع مخلوقاتها وكانت الأرض بمثابة أمّه الثانية.
    كانت الأرض وكلّ ما فيها هبةً من الروح الأعظم. وطريقة شكر هذا الإله هي استخدام عطاياه باحترام وحكمة. أتذكّر وأنا صغير صيدي للسمك مع أبي في النهر، وما أزال أتخيّل صورته وقت شروق الشمس فوق قمّة الجبل مع بواكير كلّ صباح.
    أتخيّله واقفا هناك على حافّة الماء، رافعاً ذراعيه فوق رأسه وهو يردّد بهدوء: شكرا لك، شكرا لك". وهذا ترك انطباعا عميقا في ذهني الصغير. ولن أنسى أبدا خيبة أمله عندما رآني ذات مرّة أصطاد السمك من أجل المتعة فقط.
    قال: يا بني، لقد وهبك الروح الأعظم هذه الأسماك لتكون إخوتك، لتطعمك عندما تجوع. لذا يجب أن تحترمها وألا تقتلها لمجرّد المتعة". كانت هذه هي الثقافة التي وُلدت فيها، ولسنوات كانت الشيء الوحيد الذي عرفته وخَبِرته حقّا.
    ولهذا أجد صعوبة في تقبّل الكثير مما أراه من حولي. أرى الناس يعيشون في أكواخ أكبر بمئات المرّات من تلك التي عرفتها. لكن سكّان شقّة لا يعرفون حتى سكّان الشقة المجاورة ولا يكترثون لأمرهم. كما يصعب عليّ فهم الكراهية العميقة السائدة بين الناس.
    من الصعب فهم ثقافة تبرّر قتل الملايين في حروب الماضي، وهي الآن تجهّز قنابل لقتل أعداد أكبر. من الصعب عليّ فهم ثقافة تنفق على الحروب وعلى أسلحة القتل أكثر مما تنفق على التعليم والرعاية الاجتماعية والصحّة والتنمية.

  • من الصعب عليّ فهم ثقافة لا تكتفي بكره إخوانها ومحاربتهم، بل تهاجم الطبيعة وتسيء معاملتها. أرى إخوتي البيض يجوبون مدنهم ويزيلون عنها الطبيعة ويجرّدون التلال من غطائها ويتركون ندوباً بشعة على وجوه الجبال. أراهم يمزّقون الأشياء من حضن أمّنا الأرض كما لو كانت وحشا يرفض مشاركة كنوزه معهم. وأراهم يلقون السمّ في المياه، غير مُبالين بالحياة التي يقتلونها هناك بينما يخنقون الهواء بأبخرة قاتلة.
    أخي الأوربّي أذكى من شعبي، لكنّي أتساءل إن كان قد تعلّم الحبّ أصلا. ربّما لا يحبّ إلا ما يخصّه، لكنه لم يتعلّم أبدا حبّ ما هو خارجه. وهذا بالطبع ليس حبّا على الإطلاق، فالإنسان يجب أن يحبّ الخليقة كلّها وإلا فلن يحبّ شيئا منها. يجب أن يحبّ الإنسان حبّا كاملا وإلا سيصبح أدنى منزلةً من الحيوانات. إن القدرة على الحبّ هي ما يجعل الإنسان أعظم المخلوقات جميعا، فهو وحده من بين جميع الحيوانات قادر على أن يحبّ بعمق.
    يا أصدقائي! ما أشدّ حاجتنا لأن نُحِب وأن نحَبّ. وعندما قال المسيح: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كان يتحدّث عن جوع. ولم يكن جوع جسد، بل جوعا يبدأ في أعماق الإنسان، جوعا للحبّ.
    الحبّ شيء لا بدّ أن نمتلكه أنا وأنت لأن أرواحنا تتغذّى عليه، ولأننا بدونه نصبح ضعفاء. بدون الحبّ يضعف تقديرنا لذواتنا، وبدونه تتلاشى شجاعتنا. بدون الحبّ، لا نستطيع النظر إلى العالم بثقة، بل نلجأ إلى أنفسنا ونبدأ بتدمير ذواتنا شيئا فشيئا.
    أنت وأنا بحاجة إلى القوّة والفرح اللذين ينبعان من إدراكنا أننا محبوبون. بالحبّ نبدع وبه نسير بلا تعب. وبه وحده، نستطيع التضحية من أجل الآخرين.
    كانت هناك أوقات تمنّينا فيها جميعا وبشدّة أن نشعر بيد تطمئننا. وكانت هناك أوقات شعرنا فيها بالوحدة وتمنّينا بشدّة أن تحيطنا ذراع قويّة. لا أستطيع أن أصف لكم كم أفتقد وجود زوجتي عند عودتي من رحلة. كان حبّها أعظم فرح لي وكانت هي قوّتي ونعمتي الكبرى.
    أخشى أن ثقافتنا لا تقدّم الكثير لكم. لكن ثقافتنا تقدّر الصداقة والرفقة ولا تنظر إلى الخصوصية كشيء يستحقّ التمسّك به، لأن الخصوصية تبني الجدران، والجدران تعزّز انعدام الثقة. عشنا في مجتمعات عائلية كبيرة، ومنذ الطفولة تعلّم الناس العيش مع الآخرين.
    لم تقدّر ثقافتنا اكتناز الممتلكات، بل كان حبّ التملّك أمرا مخجلا بين أفراد شعبي. كان الهنديّ ينظر إلى كلّ شيء في الطبيعة على أنه ملك له ويجب أن يشاركه مع الآخرين وأن يكتفي بأخذ ما يحتاجه فقط. الجميع يحبّون العطاء كما يحبّون الأخذ. لا أحد يرغب في الأخذ فقط طوال الوقت.
    لقد أخذنا شيئا من ثقافتكم. وليتكم أخذتم بعض ما في ثقافتنا من جوانب جميلة وطيّبة. وقريبا سيفوت الأوان للتعرّف على بعض ما عندنا، فالدمج قادم إلينا، وقريبا لن تكون لدينا سوى قيمكم.
    لقد نسي الكثير من شبابنا العادات القديمة. وكثيرون خجلوا من عاداتهم الهندية بسبب الازدراء والسخرية. إن ثقافتنا تشبه غزالاً جريحا زحف بعيدا باتجاه الغابة لينزف ويموت وحيدا.
    الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعدنا حقّا هو الحبّ الصادق. يجب أن تحبّوا بصدق وأن تصبروا معنا وأن تشاركونا. وعلينا أن نحبّكم حبّا صادقا يغفر وينسى، حبّا يغفر المعاناة الفظيعة التي جلبتها ثقافتكم علينا عندما اجتاحتنا كموجة هادرة ضربت الشاطئ بعنف. علينا أن نحبّكم حبّا ينسى ويسمو، على أمل أن نلمح في عيونكم حبّا متبادلا مليئا بالثقة والقبول.

    Credits
    strongnations.com

    الجمعة، يونيو 13، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • لطالما كان البحر مسرحا للوحوش والقصص الغريبة منذ القدم. وعلى عكس اليابسة، يتحوّل المحيط ويتحرّك باستمرار، مع تيّارات قد تُغيّر مسار السفينة، وعواصف قد تُهدّد بالغرق والحطام. حتى الماء نفسه، ماء البحر والمحيط، غالبا ما يكون باردا ومظلما، وشربه بكميّات كبيرة قد يقتل. فماذا عن الكائنات التي يُعتقد أنها تعيش هناك؟
    وحوش البحر التي سكنت خيال الأوروبّيين في العصور الوسطى وعصر النهضة كانت مخلوقات لها أسنان شرسة وثعابين طويلة تلتفّ حول السفن وحوريّات بحر فاتنة الجمال.
    أسطورة إنسان البحر تعود إلى عام 5000 قبل الميلاد، عندما عبد البابليون إلها له ذيل سمكة يُدعى أوانيس. وعلى الأرجح كان هذا اوّل تصوير لحورية البحر. وفي العصور الكلاسيكية القديمة أيضا، صُوّرت أتارغاتيس، الإلهة الرئيسية لشمال سوريا، كإنسان له جسم سمكة.
    وفي القرون التي تلت ذلك، ادّعى كثيرون رؤية حوريّات بحر. وقيل إنه عندما أبحر كولومبوس عام 1492 من إسبانيا، كانت مهمّته العثور على طريق تجاري غربي إلى آسيا، لكنه بدلا من ذلك اكتشف شيئا أكثر غموضا. ففي يناير من عام ١٤٩٣، وقريبا من جمهورية الدومينيكان، رصدَ ثلاث حوريّات بحر. وكتب عنها وصفا قال فيه: ليست جميلة كما هي في الأذهان، إذ أن لها وجوها تشبه وجوه الرجال". وفي عام ١٦٠٨، ادّعى هنري هدسون أن العديد من بحّارته رصدوا حوريّة بحر بدت كامرأة ذات شعر أسود طويل، لكن ذيلها يشبه ذيل الدلفين.
    وتصف مخطوطة نرويجية تعود إلى القرن الثالث عشر وحشا طويل القامة له أكتاف ولكن بدون أيدٍ، وهو يرتفع من الماء، و"كلّما ظهر الوحش أيقن الرجال أن عاصفة ستتبعه".
    والآن هناك ما يؤكّد أن حوريّات البحر الثلاث التي رصدها كولومبوس عام 1493 كانت خراف بحر، لأن خروف البحر له ثديان في صدره وجسم يتناقص تدريجيا إلى ذيل يشبه السمكة، وقد رُبط دائما بحوريّة البحر. وظنّ كولومبوس والعديد من المستكشفين أن هذه الثدييات المائية كانت حوريّات بحر من لحم ودم. ولم يكن ذلك سوى ضرب من الخيال.
  • ❉ ❉ ❉

  • على الرغم من الاعتراف الذي حظي به الرسّام اندرو وايت من زملائه، إلا أنه واجه انتقادات من جانب التعبيريين التجريديين مثل روثكو وبولوك وغيرهما. ووصفه بعض النقّاد بأنه "فنّان غير معاصر ومكرّس للواقعية الريفية". ولكن مهما كان قدر الحنين إلى الماضي في أعماله، فإنه لا يطالب بالعودة إلى الحقول، بل تتناول لوحاته بدايات الأرض وأسلوب الحياة الذي شكّل جزءاً حقيقياً من تجربته الفنّية.
    وبعض لوحات وايت تتضمّن عناصر وسمات طوطمية، كجذوع الأشجار وحظائر الأبقار والحقول الباهتة. وهو يضفي عليها قداسة وتسامياً، ليس لأنها تشكّل مُثلاً رعوية، بل لأن لها انعكاسات راسخة في أعماق المناظر الطبيعية.
    موضوع الشكل الطوطمي Totemic Figure في فنون أمريكا الشمالية يرتبط أساسا ببدائية معيّنة كرّسها رسّامو مدرسة نيويورك. وقد أخذ هؤلاء من ثقافات السكّان الأصليين عناصر ثقافية وأشكالا تعبيرية معيّنة، مثل الرقصات الطقوسية والمنحوتات وسواها، ووظّفوها في أعمالهم.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • مصطلح اضطراب نقص الطبيعة (Nature-Deficit Disorder) يعني تقلّص استخدام الحواسّ، وصعوبات الانتباه وحالات السمنة وارتفاع معدّلات الأمراض العاطفية والجسدية نتيجة انفصال الانسان عن البيئات الطبيعية. وتُعزى الأسباب الى التغيّرات الاجتماعية والتكنولوجية، كانتشار الاتصالات الإلكترونية وسوء التخطيط الحضري واختفاء المساحات المفتوحة وزيادة حركة المرور في الشوارع وتراجع أهمية العالم الطبيعي في التعليم. وكحلّ للمشكلة يقول العلماء أن علينا أن نعيد اكتشاف أننا جزء من الطبيعة بالوقوع في حبّها. وعندما نحبّها فإننا سنحميها، فالناس يحمون ما يحبّونه وما يشعرون أنهم جزء منه.
    وأوّل من صاغ هذا المصطلح هو ريتشارد لوف في كتابه الصادر عام 2005 بعنوان "آخر طفل في الغابة". وقد أشار إلى أننا جميعا، وخاصّة الأطفال، نقضي وقتا أطول داخل البيوت، ما يجعلنا نشعر بالغربة عن الطبيعة، وربّما نصبح أكثر عرضة للمزاج السلبي أو قلّة القدرة على التركيز.
    العلماء يقولون إن البشر، باعتبارهم كائنات بيولوجية، يتكيّفون مع التواجد في بيئات معيّنة للجري واللعب والصيد وما الى ذلك. ويضيفون إن البيئة المزدهرة والغنيّة بالحياة البرّية تفيد الصحّة البدنية والنفسية. فالأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الطبيعة يكونون أكثر نشاطا ومرونة ذهنية ويتمتّعون بصحّة أفضل.
    المساحات الطبيعية المفتوحة تُعدّ شريان حياة مهمّا للآلاف. لذا سَنّت بعض الدول قوانين تؤكّد على حقّ الإنسان في بيئة نظيفة وصحّية، وضرورة أن يُحمى هذا الحقّ لضمان صحّة ورفاهية الأجيال القادمة. وجعل البيئة الصحّية حقّا قانونيا سيُمكّن الناس من تشكيل المساحات الحضرية بما يتناسب مع احتياجاتهم وظروفهم، وسيمكّن السلطات المحليّة من دعم المجتمعات المحليّة من خلال مساعدتها على حماية هذه المساحات، وتوفير الوصول إلى الطبيعة حيثما دعت الحاجة.
    إن الخروج من البيت لممارسة أيّ نوع من المشي مفيد لصحّتك. تجوّل على طول قناة أو ضفّة نهر وراقب الطيور، أو توجّه إلى أقرب حديقة وتأمّل الأشجار العتيقة الضخمة هناك. اخلع حذاءك وجواربك واشعر بالعشب تحت قدميك، أو استلقِ وتأمّل حركة السحب. تحدَّ نفسك بمغادرة المنزل أو المكتب وقضاء بعض الوقت في أوّل بقعة صغيرة تجدها من الطبيعة، سواءً كانت رقعة قاحلة أو أرضا عشبية. في كلّ الأحوال، لا تنسَ أن تُبقي جزءا من الطبيعة قريبا منك. حتى لو لم تكن لديك حديقة، فإن زراعة النباتات المنزلية أو تركيب وحدة لتغذية الطيور على النافذة سيساعدك على الشعور بمزيد من التواصل مع العالم الطبيعي، مع كلّ ما يجلبه لك من خير وفائدة.
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض الاقتباسات..
    ◦ كيف يمكن لشخص أن يكون هنا في يوم ثم يرحل فجأة في اليوم التالي؟! الصديق العظيم شخص نعتزّ به، سواءً بقي معنا في هذه الحياة أو انتظرَنا في الحياة الأخرى. وأفضل أصدقائنا يعرفون أننا كنّا نحبّهم في حياتهم وسنستمرّ في تذكّرهم بقلوبنا بعد رحيلهم. صحيح أنهم رحلوا عن أنظارنا لكنهم لم يرحلوا أبدا عن قلوبنا. حبّ الصديق القريب من القلب لا ينتهي بالموت، بل يستمرّ إلى الأبد. مجهول
    ◦ عملي في الكتابة لم يكن احتمالا ولا خيارا، كما قد تُقرّر أن تكون محاميا أو طبيب أسنان. حدث ذلك فجأة عام ١٩٥٦، بينما كنت أعبر ملعبا للكرة في طريق عودتي من المدرسة. ألّفت قصيدة في رأسي ثم دوّنتها، وبعد ذلك أصبحت الكتابة كلّ ما أرغب به.
    ومن خلال المجلات الأدبية وبعض أساتذتي اكتشفت بابا مخفيّا. كان أشبه بباب في تلّة جرداء شتوية أو عشّ للنمل. في الخارج، بالنسبة للمراقب غير المطّلع، لم تكن هناك حياة تُرى، لكن إذا وجدتَ الباب ودخلت، ستكون هناك حركة عارمة. كان هناك عالم مصغّر كامل من النشاط الأدبي يجري أمام عينيّ مباشرة. مارغريت آتوود
    ◦ لا أخشى الموت، أخشى المعاناة، وأخشى الشيخوخة، لكن خوفي الآن تضاءل بعد أن عايشتُ شيخوخة أبي الهادئة والهانئة. أخشى الضعف وغياب الحبّ. لكن الموت لا يخيفني. لم يُخِفني في شبابي وظننتُ حينها أن ذلك يعود إلى كونه بعيدا. حتى الآن وقد بلغتُ الستّين، لم يأتِ الخوف بعد. أحبّ الحياة، لكنها أيضا كفاح ومعاناة وألم. وأعتبر الموت راحة مستحقّة. كارلو روفيلي
    ◦ قد لا تتحكّم في جميع الأشياء التي تحدث لك، ولكن يمكنك أن تقرّر ألا تضاعف من تأثيراتها. حاول أن تكون قوس قزح في سحابة شخص آخر. لا تتذمّر. أبذل قصارى جهدك لتغيير ما لا يعجبك. إن لم تستطع التغيير، غيّر طريقة تفكيرك. قد تجد حلّا جديدا. مايا انجيلو
    ◦ غايا أو الأرض، كما أراها، ليست أمّا حنونة تتسامح مع المخالفات، وليست فتاة هشّة رقيقة في خطر من بشر وحشيين. إنها صارمة وقوية، تُبقي العالم دافئا ومُريحا لمن يلتزمون بالقواعد، لكنها قاسية في تدميرها لمن يخالفها. جيمس لوفلوك
    ◦ لا أستطيع كتابة تاريخ مدينتي، مع أن أهلها وأفكارها وأشجارها وجدرانها وحرّيتها ومطرها، كلّها تشغلني. تفتنني الجدران بشتّى أنواعها، فالمساحة التي نسكنها ليست محايدة، بل تشكّل وجودنا. المناظر الطبيعية تتسلّل إلى أعماقنا وتترك أثرا، ليس فقط على شبكية العين، بل على أعمق طبقات شخصيّاتنا.
    تلك اللحظات التي ينكشف فيها لون السماء الرماديّ المزرقّ فجأةً بعد هطول مطر غزير، تبقى معنا، وكذلك لحظات التساقط الهادئ للثلوج. وقد تنضمّ الأفكار إلى الثلج من خلال حواسّنا وأجسادنا لتلتصق بجدران المنازل. وبعد ذلك، تختفي المنازل والأجساد والحواسّ والأفكار. لكن لا أستطيع كتابة تاريخ المدينة، كلّ ما أستطيعه هو محاولة استعادة بضع لحظات وأماكن وأحداث وبضعة أشخاص أحببتهم. آدم زاغايوسكي

  • Credits
    theartstory.org
    faithinnature.co.uk

    الأربعاء، يونيو 11، 2025

    تاريخ متفائل للبشرية


    يعتقد الكثيرون أن الحضارة الإنسانية هي مجرّد قشرة تُخفي تحتها مزيجا غامضا وكريها من المشاعر والعواطف والرغبات العدوانية المكبوتة، وأن في داخل كلّ إنسان شرّا يجب الحذر من إيقاظه كي يبقى الجنّي في القمقم.
    المؤرّخ الهولندي روتغر بريغمان يحاول في كتابه "تاريخ متفائل للبشرية" نقض هذه الفكرة ونفي الافتراض القائل بأن البشر أشرار بطبيعتهم، مؤكّدا أن العالم ما يزال بخير، فعندما تحلّ كارثة، فإن الناس "يهرعون لمساعدة بعضهم بعضا حتى لو خاطروا بحياتهم".
    وبرأيه حدث مثل هذا الشيء بعد أن غمر إعصار كاترينا مدينة نيو أورلينز بالمياه، إذ نشرت الصحف وقوع بعض حوادث العنف، ولكن الأهم من ذلك أن المدينة اكتسحتها موجات غامرة من الشهامة والإحسان والانسانية. وهذا دليل آخر على أن الأزمات تُظهر أفضل ما لدى البشر من صفات وخصال. "عندما تقع أزمة، كأن تسقط القنابل أو ترتفع مياه الفيضان، نصبح نحن البشر في أفضل حالاتنا."
    ويشير المؤلّف الى خرافة سائدة مفادها أن البشر بطبيعتهم أنانيّون وعدوانيون وسريعو الذعر. وهذا ما يُطلق عليه أحيانا "نظرية القشرة الخارجية"، وملخّصها أن الحضارة ليست سوى قشرة رقيقة تتشقّق عند أدنى استفزاز. ويعلّق بقوله: العكس هو الصحيح، إختر طريق التعاطف وستدرك أن خيطا رقيقا هو ما يفصلك عن الغرباء. التعاطف يأخذك إلى ما هو أبعد من ذاتك، حتى لا يصبح القريب أكثر أهمية من بقيّة العالم. وإلا لماذا تخلّى بوذا عن عائلته؟ ولماذا أوصى يسوع تلاميذه بترك آبائهم وأمّهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم وإخوتهم وأخواتهم؟!
    ويشير الكاتب إلى أن أوّل ما يجب فهمه عن الجنس البشري هو أننا، من الناحية التطوّرية، ما زلنا أطفالا. فنحن كنوع، لم نظهر إلا للتوّ. تخيّل لو اختزلنا تاريخ الحياة على الأرض لعام واحد فقط قياسا للأربعة مليارات عام. بحلول منتصف أكتوبر تقريبا من العام، كانت البكتيريا تحتفظ بالمكان لنفسها. ولم تظهر الحياة كما نعرفها ببراعمها وأغصانها وعظامها وأدمغتها إلا في نوفمبر. أما نحن البشر فقد دخلنا إلى الوجود في 31 ديسمبر من العام، حوالي الساعة 11 مساءً. ثم قضينا حوالي ساعة نتجوّل كصيّادين وجامعين للغذاء، ولم نخترع الزراعة إلا في الساعة 11:58 مساءً. وكلّ ما نسمّيه "تاريخاً" حدث في الثواني الستّين الأخيرة قبل منتصف الليل: الأهرامات والقلاع والمحرّكات البخارية والسفن الصاروخية وما الى ذلك.
    وخلافا لداروين، يذكر بريغمان أن البشر لم يتطوّروا على مبدأ البقاء للأصلح، بل على مبدأ البقاء للأكثر تعاطفا وودّا. ويضيف: لقد أصبحنا جرواً بشريّا (Homo Puppy)، فأدمغتنا صارت أصغر من أدمغة بعض أسلافنا، وأسناننا وفكوكنا أكثر طفولية. ويعود ذلك جزئيّا إلى أننا أصبحنا بارعين في التعاون. لقد بتنا آلات تعلُّم اجتماعية للغاية. وقد ولدنا لنتعلّم ونتواصل ونلعب، وهذا ما يجعلنا أقوياء كنوع.
    وبحسب الكاتب، كان التكديس والاكتناز من المحرّمات في مرحلة الصيّادين وجامعي الثمار. وعلى مدار معظم تاريخنا، لم نكن نجمع الأشياء لأنفسنا، بل نتشاركها مع الآخرين. وقد أثار هذا دهشة المستكشفين الأوروبّيين الذين أبدوا استغرابهم من كرم الشعوب التي قابلوها. كولومبوس مثلا قال عن بعض الأمم التي قابلها في رحلته الى العالم الجديد: عندما تطلب شيئا ممّا عندهم، فإنهم لا يرفضون أبدا، بل يعرضون مشاركته مع أيّ شخص".
    ثم يشير الكاتب الى أن "الجرو البشري" يمتلك هوائيّا موجَّها باستمرار الى الآخرين. فنحن بارعون في التواصل مع الغير ونستمتع بذلك، بوعي وبلا وعي على حدّ سواء، وتتسرّب المشاعر من أجسادنا طوال الوقت بانتظار أن تلتقطها الجِراء الأخرى. وتحتاج عقولنا إلى التواصل بنفس الطريقة التي تحتاج بها أجسادنا إلى الطعام.


    ولا يتّفق المؤلّف مع نظرية غوستاف لوبون في كتابه "علم نفس الجماهير" التي تقول إن سلوك الإنسان المتحضّر ينهار أثناء الكوارث ويتحوّل الى لصّ وخارج عن القانون، مثل اعتقاد هتلر أن قصف مدن انغلترا بكثافة سيُضعف الروح المعنوية البريطانية بسهولة.
    ومع ذلك، فإن تعاطي سكّان لندن مع بعضهم البعض أثبت عكس ذلك، واتّسم بالشجاعة والاهتمام المتبادل في مواجهة خطر مروّع. وكان تشرشل وآيزنهاور قد اقتنعا بحجّة لوبون، مع أن قصفهما المكثّف للمدن الألمانية أسفر عن النتيجة نفسها، وهي تعميق الروابط المجتمعية وتعزيز الروح المعنوية والتضامن بين الألمان.
    ويذكر بريغمان أنه في السنوات التي كان روسّو يؤلّف فيها كتبه، أقرّ بنجامين فرانكلين بأنه "لا يمكن لأيّ أوروبّي ذاق طعم الحياة الوحشية أن يتحمّل العيش في مجتمعاتنا بعد ذلك". ووصف كيف أن الرجال والنساء البيض "المتحضرّين" الذين أسرهم الهنود وأطلقوا سراحهم فيما بعد كانوا دائما ينتهزون أوّل فرصة سانحة للهروب مرّة أخرى إلى الغابات.
    لقد هرب المستعمرون إلى البرّية بالمئات، بينما نادرا ما حدث العكس. ومن يلومهم؟! فبعيشهم كهنود، تمتّعوا بحرّيات أكثر مما كانوا يتمتّعون به كمزارعين ودافعي ضرائب. أما بالنسبة للنساء، فكانت الجاذبية أكبر. قالت امرأة مستعمِرة اختبأت من مواطنيها الذين أُرسلوا "لإنقاذها": هنا، ليس لي سيّد. سأتزوّج إن شئت وأعود عزباء متى شئت. هل توجد امرأة عزباء مستقلّة مثلي في مدنكم"؟"
    ويقول الكاتب إن البشر كائنات جماعية، فنحن ننجذب بشدّة لمن يشبهوننا، ولا نحبّ، بل قد نشعر بالاشمئزاز من الغرباء. حتى الأطفال يظهرون هذا السلوك. ومن هنا تبدأ كراهية الأجانب. ويضيف أن افتراضاتنا عن بعضنا البعض لها تأثير. فإذا اعتقدنا أن معظم الناس طيّبون، فسنعامل بعضنا البعض بشكل أفضل ممّا لو اعتقدنا أن هناك مشكلة ما في معظمهم. كما أن افتراضاتنا تحدّد أفعالنا، ويتجلّى ذلك فيما يُعرف بتأثير بيغماليون، وخلاصته أنه إذا عاملَ المعلّم الأطفال كما لو أنهم أذكياء، فسيصبحون أذكياء فعلا. والعكس صحيح.
    ويشير المؤلّف إلى حنّة آرندت باعتبارها واحدة من الفلاسفة النادرين الذين اعتقدوا أن معظم الناس في أعماقهم طيّبون، وأكّدت أن حاجتنا كبشر إلى الحبّ والصداقة أكثر من أيّ ميل نحو الكراهية والعنف.
    ويضيف: عندما ننعزل في خنادقنا، نفقد رؤية الواقع. ويغرينا الاعتقاد بأن أقليّة صغيرة محرِّضة على الكراهية تمثّل البشرية جمعاء، مثل حفنة من متصيّدي الإنترنت المجهولين المسؤولين عن معظم الإساءات على تويتر والفيسبوك".
    ومع ذلك، يدرك بريغمان أن البشر ليسوا ملائكة، وهم لا يتصرّفون بخبث إلا إذا غُسلت أدمغتهم. وحتى في معسكر أوشفيتز، اعتقد النازيّون أن التاريخ يقف الى جانبهم. وكان أدولف آيخمان، وهو أحد أبرز مخطّطي الهولوكوست، قد أقنع نفسه بأنه قام بأعمال عظيمة ستعجب بها الأجيال. لقد تصرّف النازيّون بفظاعة، لكنهم ظنّوا أنهم يفعلون الخير. والشرّ المتخفّي في صورة الخير كثيرا ما يغوي البشر. "وهذا ليس عذرا، ولكنّه تفسير".
    ويتضمّن الكتاب أيضا بعض الأجزاء المتعلّقة بالقيادة. فيذكر الكاتب أنه غالبا ما يعتقد أصحاب السلطة أن الناس أنانيّون، لأنهم هم أنفسهم أنانيون. ويستشهد بأبحاث تُظهر أن بعض أصحاب السلطة يتصرّفون كما لو كانوا يعانون من تلف دماغي. إنهم "أكثر اندفاعا وأنانية وتهوّرا ووقاحة وغرورا ونرجسية ووقاحة من الأشخاص العاديّين، وهم يغشّون أكثر ويستمعون أقلّ ولا يهتمّون كثيرا بوجهات نظر الآخرين".
    علماء النفس لديهم مصطلح يُسمَّى "متلازمة العالم اللئيم"، وهو يشير الى أن الأشخاص الذين شاهدوا الكثير من الأخبار أصبحوا أكثر تشاؤما وأكثر قلقا، بل وأكثر اكتئابا. وعاما بعد عام، يصوغ الساسة أكداسا هائلة من التشريعات، مفترضين أن معظم الناس ليسوا صالحين. وعواقب هذه السياسة هي عدم المساواة والشعور بالوحدة وانعدام الثقة.
    والحلّ الذي يقترحه بريغمان يتمثّل في التخلّص من التسلسلات الهرمية. فمن الخطأ الفادح، برأيه، أن يشرف المديرون على الموظّفين، لأنهم لن يقوموا بعملهم إذا تُركوا لوحدهم. والناس يجب أن يُتركوا أحرارا في التصرّف بناءً على دوافعهم الذاتية.
    قد يبدو عنوان الكتاب "تاريخ متفائل للبشرية" مبالغا فيه بعض الشيء، لكنه متقن الأسلوب والبحث ويستحقّ القراءة على نطاق واسع، لأنه يدفع الناس إلى إعادة النظر في افتراضاتهم الشخصية عن رفاقهم من البشر. وقد تعمّق المؤلّف في الأرشيفات الأصلية للتجارب النفسية التاريخية، مثل تجارب ستانلي ميلغرام وفيليب زيمباردو، ووجد أن العديد من استنتاجات هذين وغيرهما في علم النفس خاطئة. ويتساءل: ماذا لو عاملتَ كلّ شخص تقابله كما لو أنه إنسان صالح؟!

    Credits
    rutgerbregman.com
    thephilosopher1923.org

    الاثنين، يونيو 09، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • كان رجلان يقيمان في نفس الغرفة في مستشفى، وكلاهما كانا يعانيان من مرض خطير. وكان يُسمح لأحدهما بالجلوس في سريره لمدّة ساعة عصر كلّ يوم لمساعدته في تصريف السوائل من رئتيه. كان سريره بجوار النافذة الوحيدة في الغرفة. أما الآخر، فكان عليه قضاء كلّ وقته مستلقيا على ظهره.
    كان الرجلان يقضيان ساعات طويلة في الحديث مع بعضهما. تحدّثا عن زوجتيهما وعائلتيهما ومنزليهما ووظيفتيهما وانخراطهما في الخدمة العسكرية وأماكن إجازاتهما. وفي عصر كلّ يوم، عندما ينظر الرجل الجالس بجانب النافذة الى خارجها، كان يصف كل ما يراه في الخارج لزميله.
    وبدأ الرجل الآخر الملازم لسريره ينتظر بشوق تلك الفترة التي لا تزيد عن ساعة يوميا لتوسيع عالمه وتلوينه بألوان العالم الخارجي.
    كان رجل النافذة يقول له إنها تطلّ على حديقة تتوسّطها بحيرة خلّابة، بينما يلهو البطّ والبجع في الماء، والأطفال يبحرون بقواربهم الصغيرة، والعشّاق يتمشّون متشابكي الأيدي وسط أزهار من كلّ شكل ولون. وكان يروي له كيف أن الأشجار الباسقة تزيّن المشهد وكيف يبدو منظر المدينة البديع من مسافة. وبينما كان رجل النافذة يصف كلّ هذا بتفاصيل دقيقة، كان الرجل على الجانب الآخر من الغرفة يغمض عينيه ويتخيّل المشهد الموصوف.
    وفي ظهيرة دافئة، وصف الرجل عند النافذة موكبا يمرّ. ومع أن الرجل الآخر لم يسمع الفرقة الموسيقية، إلا أنه استطاع أن يتخيّلها بينما كان رجل النافذة يصفها بكلمات بديعة. وفجأة، خطرت للرجل الملازم لسريره فكرة غريبة فقال في نفسه: لماذا يجب أن يحظى بمتعة رؤية كلّ شيء، بينما لا أتمكّن أنا من رؤية شيء؟! لا يبدو الأمر عادلا.
    وبينما كانت الفكرة تختمر في ذهنه، شعر الرجل المُقعَد بالخجل في البداية. لكن مع مرور الأيّام وغياب المزيد من المناظر، تحوّل حسده إلى استياء، وسرعان ما حوّله إلى كآبة. ثم بدأ يغرق في التفكير ووجد نفسه عاجزا عن النوم. أصبحت الفكرة التي تسيطر على حياته الآن أنه كان ينبغي أن يكون عند تلك النافذة.
    وفي وقت متأخّر من إحدى الليالي، بينما كان رجل النافذة يحدّق في السقف، بدأ يسعل. كان يختنق بالسائل في رئتيه. وفي الضوء الخافت، راقب الرجل الآخر المُقعد في الغرفة زميله الذي يكافح بجانب النافذة وهو يتحسّس زرّ الاستغاثة. كان يستمع من الطرف الآخر من الغرفة، لكنه لم يتحرّك ولم يضغط على زرّه الذي كان سيدفع الممرّضة للركض. وفي أقلّ من خمس دقائق، توقّف السعال والحشرجة ثم ساد صمت تام.
    وفي صباح اليوم التالي، وصلت الممرّضة النهارية لجلب الماء للغسيل. وعندما وجدت جثّة الرجل هامدة عند النافذة، صُدمت وسارعت بالاتصال بموظّفي المستشفى لإخبارهم بالأمر ونقل الجثمان. وبعد ساعات، طلب الرجل الآخر أن يُنقل إلى جوار النافذة. ورحّبت الممرّضة بطلبه، وبعد أن تأكّدت من راحته تركته وشأنه.
    وببطء وإحساس بالألم، استند الرجل المُقعد على مرفقه ليلقي نظرة أولى. أخيرا، سيحظى برؤية كلّ شيء بنفسه. ثم أدار رأسه ببطء وعناء لينظر من النافذة التي تجاور السرير حيث كان يجلس زميله.
    ودُهش عندما اكتشف أنه يقف بمواجهة جدار فارغ!
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • ذات مرّة، تجادلت سلحفاة وأرنب حول أيّ منهما الأسرع. وقرّرا حسم الخلاف بتنظيم سباق، واتّفقا على مسار ثم انطلقا. ركض الأرنب بسرعة لبعض الوقت. ثم، لما رأى أنه متقدّم جدّا عن السلحفاة، فكّر في أن يرتاح قليلا قبل مواصلة السباق. وجلس تحت شجرة وسرعان ما غلبه النعاس ونام. وبعد مضيّ وقت، تجاوزته السلحفاة التي كانت تسير ببطء وعبرت خط النهاية وفازت بالسباق. وعندما استيقظ الأرنب أدرك أنه خسر.
    العبرة الحقيقية فيما حدث ليست في السلحفاة، بل في الأرنب. فقد ارتكب خطأ فادحا عندما آمن بقدراته ثم لم يُثبِتها فعليّا. في الحياة الواقعية، قد تمتلك المهارة الرائعة التي يتّفق عليها الجميع، ولكن يتعيّن عليك إظهارها للفوز وتحقيق الانجاز. النجاح يعتمد على استخدام مواهبك، وليس فقط امتلاكها.
  • ❉ ❉ ❉

  • في نهاية الحرب العالمية الأولى، وأثناء توقيع معاهدة ڤرساي، صرّح فرديناند فوش أحد قادة قوّات الحلفاء خلال الحرب بقوله: هذا ليس سلاما، بل هدنة لعشرين عاما". وبعد عشرين عاما و60 يوما، بدأت الحرب العالمية الثانية التي أصبحت الصراع الأكثر دمويةً وتدميرا في تاريخ البشرية.
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض النصائح التي قد تحسّن جودة الحياة:
    إمشِ لمدّة نصف ساعة كلّ يوم. إجلس في صمت لعشر دقائق على الأقل يوميّا. إعلم أن الحياة ليست عادلة، لكنها لا تزال جيّدة وأن الحياة قصيرة جدّا لإضاعة الوقت في كره أيّ شخص. ليس من الضروري أن تنتصر في كلّ جدال، بل وافق على الاختلافات في الآراء والأفكار. تصالح مع ماضيك حتى لا يفسد حاضرك. لا تقارن حياتك بحياة الآخرين، فلكلٍّ ظروفه. ما يعتقده الآخرون عنك أمر لا يعنيك. مهما كان الوضع جيّدا أو سيّئا، فإنه سيتغيّر. الأفضل لم يأتِ بعد، آمِن بهذا. تواصل مع عائلتك كثيرا. تذكّر أنك محظوظ جدّا برغم كل شيء، فلا داعي للتوتّر. إستمتع بالرحلة.
  • ❉ ❉ ❉

  • هناك قاعدة في الفنّ مفادها أنه عندما توضع قواعد، يأتي شخص ما ويكسرها، ثم يوصف بالعبقري. وإذا كان هناك شيء مشترك بين الغالبية العظمى من الفنّانين المشهورين، فهو أنهم كسروا القواعد الراسخة وأحدثوا تغييرا في الثقافة. ويمكن القول إن آخر فنّ ثوريّ ومشهور كان أعمال جاكسون بولوك والفنّانين التجريديين الذين كانوا يفعلون آخر ما يمكن فعله على قماش الرسم؛ أي كسر القواعد الأخيرة.
    أما الفنّانون المشهورون الذين جاءوا بعدهم مثل آندي وارهول، فقد كانوا يسخرون في الغالب من المؤسّسة الفنّية ويكشفون الثغرات في منطقها ويوضّحون مدى سخافتها. وبعد الانتهاء من آخر شيء يمكن القيام به على القماش، بدأ الرسم على الجدران "أو الغرافيتي" وسيطرت الأفلام والتلفزيون على الثقافة.
  • ❉ ❉ ❉

  • الحبّ من طرف واحد يمكن أن يتحوّل إلى بذرة لكتاب جميل وآسر. لذا إذا لم يبادلك شخص ما الحبّ، فاكتب على سبيل النسيان أو السلوان قصيدةً أو سوناتا أو ملحمة أو كتابا، مثلما فعل بترارك ودانتي وغيرهما. كتاب "الكوميديا الإلهية" لدانتي هو رحلة مقارنة ورفقة واكتشاف؛ رحلة في أعماق الأرض. لكنه أيضا "قصّة حبّ"، ولكن ليس بالمعنى التقليدي.
    بياتريس هي محبوبة دانتي، كان يحبّها من طرف واحد، لكنها أيضا رمز للّاهوت، وهي ضرورية للرحلة عبر الجنّة. بل إنه على عتبة هذا المكان، اضطرّ دانتي إلى ترك مرشده الأوّل ڤيرجيل رمز العقل. لكن للحبّ معنى آخر في الكتاب، ففي السطر الأخير من القصيدة، يقول دانتي إن الحبّ "هو القوّة التي تحرّك كلّ شيء في الكون"، في إشارة إلى محبّة الله.
  • ❉ ❉ ❉

  • في سبعينيات القرن التاسع عشر، قام الجنرال الأمريكي فيليب شيريدان بجولة تفقّدية في ولاية داكوتا، وزار قرية باوني التي أبادتها قبائل السيو. كانت الباوني من بين "قبائل المعاهدة" التي كانت تعمل مع الجيش الأمريكي. وقد أدّى ذلك إلى انتقام رهيب من جانب السيو. وعندما عاد شيريدان شرقا، تحدّث عمّا رآه، ووصف الفظائع التي ارتكبها السيو. وسأله أحد المراسلين: ألم ترَ أيّ هنود صالحين هناك؟" وفي إشارة إلى الباوني القتلى، قال شيريدان: الهنود الصالحون الوحيدون الذين رأيتهم كانوا أمواتا". وقيل إن ذلك الاقتباس الخاطئ تحوّل الى عبارة أصبحت مشهورة وسيّئة السمعة بأن "الهنديّ الصالح الوحيد هو الهنديّ الميّت". وكان كلام شيريدان "الذي لم يقصده" بمثابة بيان ساعدَ في الترويج للإبادة الجماعية ضدّ القبائل الهندية الأصلية.
  • ❉ ❉ ❉

  • في إحدى أشهر قصائدها تقول ميري أوليڤر:
    ماذا لو طار مائة طائر ورديّ الصدر في دوائر حول رأسك؟ ماذا لو دخل الطائر المحاكي معك إلى المنزل وأصبح مستشارك؟ ماذا لو ملأ النحل جدرانك بالعسل، وكلّ ما عليك فعله هو أن تطلب منه ذلك فيملأ لك إناءً؟ ماذا لو انزلق الجدول إلى أسفل التلّ المجاور لنافذة غرفة نومك حتى تتمكّن من الاستماع إلى صلواته البطيئة وأنت تغفو؟
    ماذا لو هتفَت النجوم بأسمائها وركضَت هنا وهناك فوق الغيوم؟ ماذا لو رسمتَ صورة لشجرة، ثم بدأت أوراقها في الحفيف وغرّد طائر بمرح فوق أغصانها الملوّنة؟ ماذا لو رأيت فجأة أن فضّة الماء أكثر إشراقا من فضّة المال؟ ماذا لو رأيت أخيرا أن عبّاد الشمس، الذي يتجه كلّ يوم نحو الشمس، ولا يدري أحد كيف، هو أغلى وأكثر أهميّة من الذهب؟!

  • Credits
    psychologytoday.com
    suite101.com