◦ طوال حياتي، عشت بين ثقافتين مختلفتين. وُلدت في بيئة تؤمن بالعيش في بيوت مشتركة. كان طول منزل جدّي ثمانين قدما، وكان يقع على الشاطئ. وقد سكن جميع أبناء جدّي وعائلاتهم في هذا البيت. كانت غرف نومهم مفصولة بأغطية مصنوعة من الأعشاب، لكن ناراً واحدة مفتوحةً في المنتصف كانت تلبّي احتياجات الجميع من الطعام.
وفي بيوت كهذه، في جميع أُسر القبيلة، تعلّم الناس العيش معا واحترام حقوق بعضهم البعض. وتَشاركَ الأطفال أفكار الكبار ووجدوا أنفسهم محاطين بأعمامهم وأخوالهم وأبناء عمومتهم الذين أحبّوهم ولم يشكّلوا لهم أيّ تهديد.
وُلد أبي في منزل كهذا وتعلّم منذ صغره كيف يحبّ الناس ويشاركهم حياتهم. وبالإضافة الى هذا القبول المتبادل، كان هناك احترام عميق لكلّ ما يحيط بهم في الطبيعة. أحبَّ والدي الأرض وجميع مخلوقاتها وكانت الأرض بمثابة أمّه الثانية.
كانت الأرض وكلّ ما فيها هبةً من الروح الأعظم. وطريقة شكر هذا الإله هي استخدام عطاياه باحترام وحكمة. أتذكّر وأنا صغير صيدي للسمك مع أبي في النهر، وما أزال أتخيّل صورته وقت شروق الشمس فوق قمّة الجبل مع بواكير كلّ صباح.
أتخيّله واقفا هناك على حافّة الماء، رافعاً ذراعيه فوق رأسه وهو يردّد بهدوء: شكرا لك، شكرا لك". وهذا ترك انطباعا عميقا في ذهني الصغير. ولن أنسى أبدا خيبة أمله عندما رآني ذات مرّة أصطاد السمك من أجل المتعة فقط.
قال: يا بني، لقد وهبك الروح الأعظم هذه الأسماك لتكون إخوتك، لتطعمك عندما تجوع. لذا يجب أن تحترمها وألا تقتلها لمجرّد المتعة". كانت هذه هي الثقافة التي وُلدت فيها، ولسنوات كانت الشيء الوحيد الذي عرفته وخَبِرته حقّا.
ولهذا أجد صعوبة في تقبّل الكثير مما أراه من حولي. أرى الناس يعيشون في أكواخ أكبر بمئات المرّات من تلك التي عرفتها. لكن سكّان شقّة لا يعرفون حتى سكّان الشقة المجاورة ولا يكترثون لأمرهم. كما يصعب عليّ فهم الكراهية العميقة السائدة بين الناس.
من الصعب فهم ثقافة تبرّر قتل الملايين في حروب الماضي، وهي الآن تجهّز قنابل لقتل أعداد أكبر. من الصعب عليّ فهم ثقافة تنفق على الحروب وعلى أسلحة القتل أكثر مما تنفق على التعليم والرعاية الاجتماعية والصحّة والتنمية.
من الصعب عليّ فهم ثقافة لا تكتفي بكره إخوانها ومحاربتهم، بل تهاجم الطبيعة وتسيء معاملتها. أرى إخوتي البيض يجوبون مدنهم ويزيلون عنها الطبيعة ويجرّدون التلال من غطائها ويتركون ندوباً بشعة على وجوه الجبال. أراهم يمزّقون الأشياء من حضن أمّنا الأرض كما لو كانت وحشا يرفض مشاركة كنوزه معهم. وأراهم يلقون السمّ في المياه، غير مُبالين بالحياة التي يقتلونها هناك بينما يخنقون الهواء بأبخرة قاتلة.
أخي الأوربّي أذكى من شعبي، لكنّي أتساءل إن كان قد تعلّم الحبّ أصلا. ربّما لا يحبّ إلا ما يخصّه، لكنه لم يتعلّم أبدا حبّ ما هو خارجه. وهذا بالطبع ليس حبّا على الإطلاق، فالإنسان يجب أن يحبّ الخليقة كلّها وإلا فلن يحبّ شيئا منها. يجب أن يحبّ الإنسان حبّا كاملا وإلا سيصبح أدنى منزلةً من الحيوانات. إن القدرة على الحبّ هي ما يجعل الإنسان أعظم المخلوقات جميعا، فهو وحده من بين جميع الحيوانات قادر على أن يحبّ بعمق.
يا أصدقائي! ما أشدّ حاجتنا لأن نُحِب وأن نحَبّ. وعندما قال المسيح: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كان يتحدّث عن جوع. ولم يكن جوع جسد، بل جوعا يبدأ في أعماق الإنسان، جوعا للحبّ.
الحبّ شيء لا بدّ أن نمتلكه أنا وأنت لأن أرواحنا تتغذّى عليه، ولأننا بدونه نصبح ضعفاء. بدون الحبّ يضعف تقديرنا لذواتنا، وبدونه تتلاشى شجاعتنا. بدون الحبّ، لا نستطيع النظر إلى العالم بثقة، بل نلجأ إلى أنفسنا ونبدأ بتدمير ذواتنا شيئا فشيئا.
أنت وأنا بحاجة إلى القوّة والفرح اللذين ينبعان من إدراكنا أننا محبوبون. بالحبّ نبدع وبه نسير بلا تعب. وبه وحده، نستطيع التضحية من أجل الآخرين.
كانت هناك أوقات تمنّينا فيها جميعا وبشدّة أن نشعر بيد تطمئننا. وكانت هناك أوقات شعرنا فيها بالوحدة وتمنّينا بشدّة أن تحيطنا ذراع قويّة. لا أستطيع أن أصف لكم كم أفتقد وجود زوجتي عند عودتي من رحلة. كان حبّها أعظم فرح لي وكانت هي قوّتي ونعمتي الكبرى.
أخشى أن ثقافتنا لا تقدّم الكثير لكم. لكن ثقافتنا تقدّر الصداقة والرفقة ولا تنظر إلى الخصوصية كشيء يستحقّ التمسّك به، لأن الخصوصية تبني الجدران، والجدران تعزّز انعدام الثقة. عشنا في مجتمعات عائلية كبيرة، ومنذ الطفولة تعلّم الناس العيش مع الآخرين.
لم تقدّر ثقافتنا اكتناز الممتلكات، بل كان حبّ التملّك أمرا مخجلا بين أفراد شعبي. كان الهنديّ ينظر إلى كلّ شيء في الطبيعة على أنه ملك له ويجب أن يشاركه مع الآخرين وأن يكتفي بأخذ ما يحتاجه فقط. الجميع يحبّون العطاء كما يحبّون الأخذ. لا أحد يرغب في الأخذ فقط طوال الوقت.
لقد أخذنا شيئا من ثقافتكم. وليتكم أخذتم بعض ما في ثقافتنا من جوانب جميلة وطيّبة. وقريبا سيفوت الأوان للتعرّف على بعض ما عندنا، فالدمج قادم إلينا، وقريبا لن تكون لدينا سوى قيمكم.
لقد نسي الكثير من شبابنا العادات القديمة. وكثيرون خجلوا من عاداتهم الهندية بسبب الازدراء والسخرية. إن ثقافتنا تشبه غزالاً جريحا زحف بعيدا باتجاه الغابة لينزف ويموت وحيدا.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعدنا حقّا هو الحبّ الصادق. يجب أن تحبّوا بصدق وأن تصبروا معنا وأن تشاركونا. وعلينا أن نحبّكم حبّا صادقا يغفر وينسى، حبّا يغفر المعاناة الفظيعة التي جلبتها ثقافتكم علينا عندما اجتاحتنا كموجة هادرة ضربت الشاطئ بعنف. علينا أن نحبّكم حبّا ينسى ويسمو، على أمل أن نلمح في عيونكم حبّا متبادلا مليئا بالثقة والقبول.
أخي الأوربّي أذكى من شعبي، لكنّي أتساءل إن كان قد تعلّم الحبّ أصلا. ربّما لا يحبّ إلا ما يخصّه، لكنه لم يتعلّم أبدا حبّ ما هو خارجه. وهذا بالطبع ليس حبّا على الإطلاق، فالإنسان يجب أن يحبّ الخليقة كلّها وإلا فلن يحبّ شيئا منها. يجب أن يحبّ الإنسان حبّا كاملا وإلا سيصبح أدنى منزلةً من الحيوانات. إن القدرة على الحبّ هي ما يجعل الإنسان أعظم المخلوقات جميعا، فهو وحده من بين جميع الحيوانات قادر على أن يحبّ بعمق.
يا أصدقائي! ما أشدّ حاجتنا لأن نُحِب وأن نحَبّ. وعندما قال المسيح: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كان يتحدّث عن جوع. ولم يكن جوع جسد، بل جوعا يبدأ في أعماق الإنسان، جوعا للحبّ.
الحبّ شيء لا بدّ أن نمتلكه أنا وأنت لأن أرواحنا تتغذّى عليه، ولأننا بدونه نصبح ضعفاء. بدون الحبّ يضعف تقديرنا لذواتنا، وبدونه تتلاشى شجاعتنا. بدون الحبّ، لا نستطيع النظر إلى العالم بثقة، بل نلجأ إلى أنفسنا ونبدأ بتدمير ذواتنا شيئا فشيئا.
أنت وأنا بحاجة إلى القوّة والفرح اللذين ينبعان من إدراكنا أننا محبوبون. بالحبّ نبدع وبه نسير بلا تعب. وبه وحده، نستطيع التضحية من أجل الآخرين.
كانت هناك أوقات تمنّينا فيها جميعا وبشدّة أن نشعر بيد تطمئننا. وكانت هناك أوقات شعرنا فيها بالوحدة وتمنّينا بشدّة أن تحيطنا ذراع قويّة. لا أستطيع أن أصف لكم كم أفتقد وجود زوجتي عند عودتي من رحلة. كان حبّها أعظم فرح لي وكانت هي قوّتي ونعمتي الكبرى.
أخشى أن ثقافتنا لا تقدّم الكثير لكم. لكن ثقافتنا تقدّر الصداقة والرفقة ولا تنظر إلى الخصوصية كشيء يستحقّ التمسّك به، لأن الخصوصية تبني الجدران، والجدران تعزّز انعدام الثقة. عشنا في مجتمعات عائلية كبيرة، ومنذ الطفولة تعلّم الناس العيش مع الآخرين.
لم تقدّر ثقافتنا اكتناز الممتلكات، بل كان حبّ التملّك أمرا مخجلا بين أفراد شعبي. كان الهنديّ ينظر إلى كلّ شيء في الطبيعة على أنه ملك له ويجب أن يشاركه مع الآخرين وأن يكتفي بأخذ ما يحتاجه فقط. الجميع يحبّون العطاء كما يحبّون الأخذ. لا أحد يرغب في الأخذ فقط طوال الوقت.
لقد أخذنا شيئا من ثقافتكم. وليتكم أخذتم بعض ما في ثقافتنا من جوانب جميلة وطيّبة. وقريبا سيفوت الأوان للتعرّف على بعض ما عندنا، فالدمج قادم إلينا، وقريبا لن تكون لدينا سوى قيمكم.
لقد نسي الكثير من شبابنا العادات القديمة. وكثيرون خجلوا من عاداتهم الهندية بسبب الازدراء والسخرية. إن ثقافتنا تشبه غزالاً جريحا زحف بعيدا باتجاه الغابة لينزف ويموت وحيدا.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعدنا حقّا هو الحبّ الصادق. يجب أن تحبّوا بصدق وأن تصبروا معنا وأن تشاركونا. وعلينا أن نحبّكم حبّا صادقا يغفر وينسى، حبّا يغفر المعاناة الفظيعة التي جلبتها ثقافتكم علينا عندما اجتاحتنا كموجة هادرة ضربت الشاطئ بعنف. علينا أن نحبّكم حبّا ينسى ويسمو، على أمل أن نلمح في عيونكم حبّا متبادلا مليئا بالثقة والقبول.
Credits
strongnations.com
strongnations.com