:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، ديسمبر 05، 2006

بقايـا صـور: 1 من 2

من أهم سمات تفكيرنا، أفرادا وجماعات، إيماننا الذي لا يتزعزع بالقدرية؛ أي أن قدر الإنسان سابق على مجيئه إلى هذه الدنيا وكلّ ما يحصل له في الحياة مكتوب ومقرّر سلفا.
وربّما لهذا السبب لا نجد للتخطيط أهميّة تذكر في حياتنا والكثير من أمورنا تمشي بالبركة ولسان حال كلّ منّا: "الله يختار اللي فيه خير"..
ولا بدّ وأن هذه الفكرة كانت ماثلة في ذهني وأنا أخطو أولى خطواتي نحو الجامعة.
قدّمت أوراقي إلى المسجّل الأكاديمي وقمت بتعبئة النموذج الخاص وكنت قد كتبت في خانة الاختيارات: "آداب – إعلام" قبل أن أدفع بالأوراق إلى الموظّف المسئول.
ألقى الرّجل نظرة متفحّصة على الشهادات والدرجات ثم قال: إسمع يا إبني، معدّلك عال ومن الظلم أن تدفن نفسك في قسم الإعلام، أنا أنصحك بأن تختار الإدارة وأنا متأكّد بأنها تناسبك.
قلت دون تردّد أو تفكير: خلاص اللي تشوفه حضرتك وعسى الله يختار اللي فيه خير..
في الجامعة، بدأت تجربة مختلفة لم أعهدها من قبل. في تلك الفترة بالذات تشكّلت الكثير من تصوّراتي وأفكاري عن الناس وعن الحياة عموما، وزاد اهتمامي بالقراءة والاطلاع خاصةً بعد أن تعرّفت على بعض الزملاء الذين كانوا يقضون جلّ وقتهم في المكتبة وبين الكتب.
ومثل الكثير من زملائي آنذاك كنت حريصا على ألا اسجن نفسي في دائرة المناهج والمحاضرات والتخصّص بل أن أحاول توسيع مجال اهتماماتي وتطوير قدراتي المعرفية بحسب الإمكان.
كان أوّل مدرّس ألتقيه في الجامعة أستاذ الثقافة الإسلامية.
والحقيقة أنني قبل بداية الدراسة أجهدت نفسي في تصوّر طبيعة منهج الثقافة الإسلامية، وكنت أتساءل ما إذا كانوا سيعيدون تدريسنا كتاب التوحيد الذي تشرّبناه حتى الثمالة خلال المرحلتين المتوسطة والثانوية دون أن نفهم منه شيئا.
بعد أن استقرّ بنا المقام داخل القاعة الكبيرة، دخل علينا المدرّس لأوّل مرّة، وكان شخصا ملتحيا طويل القامة يرتدي الثوب والغترة والعقال ويتكلّم بلهجة أهل الشام.
قال بعد أن ألقى السلام: أرجو بعد أن تنتهوا من المحاضرة أن تمرّوا على المكتبة الفلانية وأن تبتاعوا منها المذكّرة التي ألّفتها خصّيصا لهذه المادّة. ثم أضاف متصنّعا الحرص على جيوبنا: لا تدفعوا اكثر من أربعين ريالا للنسخة، وأريد أن ألفت أنظاركم إلى أن المذكّرة هي المنهج المقرّر عليكم في هذه المادّة، لذا رجاءً إنسوا الكتاب الأصلي وركّزوا على المذكرة.
ومنذ المحاضرة الأولى شنّ الأستاذ هجوما عنيفا على ما أسماها بالفرق الضّالة وكان من بينها الماسونية والقاديانية والشيوعية والاشتراكية. لكنه كان يخصّ الشيعة "أو الروافض كما كان يسمّيهم" من اثني عشرية وزيدية واسماعيلية وغيرهم بالنصيب الأوفر من الهجوم والتحقير.
ذهبنا إلى المكتبة واشترينا المذكّرة ووجدناها هي الأخرى مليئة بصيغ التكفير والاتهام والإساءة لكافّة الفرق والمذاهب الإسلامية تقريبا، والشيعة منها بشكل خاص.
وتوالت المحاضرات واحدةً بعد الأخرى ومعها كانت تتزايد وتيرة الاتهام والتبديع والتفسيق. وقد لاحظت تبرّم بعض الطلبة مما يحصل، خصوصا زملاءنا الشيعة الذين قادهم سوء حظّهم للتسجيل في شعبة ذلك الأستاذ دون أن يفطنوا إلى شغفه الشديد بخوض المعارك المذهبية واصطناع الخصوم.
وفي أحد الأيّام ولم يكن قد مضى على بدء الفصل الدراسي أكثر من أسبوع، وبينما كان الأستاذ منهمكا كما هي عادته في "فضح الروافض وتبيان خطرهم الأكيد على الأمّة" كما كان يردّد، إذ بطالب يقف في منتصف القاعة مقاطعا الأستاذ بحدّة ومتّهما إيّاه بإثارة الفتنة والكراهية ثم قال: ألا تتّقي الله يا دكتور، أليس حريّا بك أن تحرص على مراعاة واحترام مشاعر بعض طلبتك في هذه القاعة ممن كفّرتهم وشهّرت بهم بطريقتك في الكلام وبمضمون مذكّرتك التي أجبرتنا على شرائها لتعلّمنا كيف نكره بعضنا وكيف يكفّر بعضنا الآخر، هل هذه هي الثقافة وهل هذا من الإسلام في شئ؟
كان الدكتور المحاضر يحاول جهده إسكات الشاب أو على الأقل تهدئته، ولكن هيهات.
لم يسكت إلا بعد أن أيقن أنه قال كلّ ما عنده. في تلك الأثناء ساد المكان هرج ومرج جرّاء ما حدث ولم تهدأ القاعة إلا بعد أن خرج الأستاذ منها حاملا معه حقيبته وكتبه ومذكّراته.
ولم يكن ذلك الطالب الذي اعترض على المدرّس وتصدّى له وأفحمه سوى شابّ من أهالي القصيم، وهو أمر أثار دهشة الكثيرين منا ممّن كانوا يحملون تصوّرات معيّنة عن تلك المنطقة وأهلها.
حدثت هذه القصّة قبل اكثر من عشر سنوات. وعندما كنت أقرأ وأسمع ما قيل أو كتب مؤخّرا عن دور ما لجماعة الإخوان في تغذية التطرّف والإرهاب في بلدنا، تذكّرت ذلك المدرّس ومرّت بخاطري قصص أخرى لا مجال هنا لسردها ولكن يمكن وضعها في ذات السياق. إلا أنني مع ذلك ما أزال أعتقد أن التطرّف عندنا هو منتج محلي صرف وليس ظاهرة غريبة وفدت إلينا من الخارج. ويظهر أنه بولغ كثيرا في الحديث عن امتداد خارجي للعنف عندنا وذلك لاسباب إعلامية مفهومة ولها ما يبرّرها إلى حدّ ما.
وقد تساءلت وقتها عن السبب الذي دفع أستاذنا الفلسطيني الأصل لأن يركب موجة التكفير والكراهية بعد أن خبر هو نفسه الظلم وتجرّع مرارة التحامل والأذى والنفي. ثم هل ُيعقل ألا يكون الاستاذ على علم بأن ما يقوله وما يروّج له يصبّ في النهاية في مصلحة اسرائيل التي تسعى إلى تقسيم المنطقة طائفيا ومذهبيا لكي ينشغل العرب عن مخطّطاتها ويغرقوا في صراعات داخلية لا تنتهي؟
وأذكر أن زميلا آخر قال معلقا على ما حدث: هذا الرجل لا يمكن أن يكون إيجابيا في ظلّ ظروف قد يكون وضعها له غيره، وهو في الحقيقة لا يختلف عن أيّ شخص يسلّم عقله للغير كي يفكّروا له.
ومنذ بضعة أسابيع كنت جالسا بالبيت أشاهد بالصّدفة قناة إقرأ الفضائية عندما أطلّ من الشاشة وجه بدا وكأنّني أعرفه أو سبق لي رؤيته من قبل. ولم تمرّ لحظات حتى عرفت الرجل. وتأكّد صدق حدسي عندما ظهر اسمه أسفل الشاشة. كان هو نفسه أستاذ مادّة الثقافة الإسلامية العتيد الذي كان مولعا بإثارة المعارك المذهبية والمفاضلة بين الملل والنحل المختلفة.
كان هذه المرّة يرتدي مشلحا من النوع النفيس ويداعب بين أصابعه حبّات مسبحة أنيقة الألوان وكانت لحيته قد طالت كثيرا وكساها الشيب بالكامل. لكنّ صوته الجهوري وملامحه الصارمة ظلا على حالهما.
وتساءلت إن كان الأستاذ ما يزال على عهدنا به بعد كلّ هذه السنوات أم تراه ناله بعض ما نال غيره من بركات 11 سبتمبر فرقّقت طباعه وخفّفت من غلواء أفكاره وقناعاته القاطعة..
بالتأكيد لم تغب عن بالي صورة الرجل كعالم دين وأستاذ جامعي، ومع ذلك فقد استضافه مذيع القناة باعتباره محلّلا للأحداث وخبيرا بالشأن السياسي. وتلك إحدى مشاكل الفضائيات العربية التي لا تعترف بالتخصّص ولا تستضيف عادةً سوى من يتّفقون مع أفكارها ويتبنّون مواقفها.
لكن تلك قصّة أخرى..

الخميس، نوفمبر 30، 2006

بين شعورين

"المزاج العام تغيّر كثيرا. والحزن أصبح سمة غالبة".
كثيرا ما أسمع هذه العبارة، وأكيد أن الكثيرين غيري سمعوها. وأعتقد ان هذا التشخيص للمزاج الاجتماعي العام غير بعيد تماما عن الحقيقة. حتى ضحكات الناس تحسّ أحيانا انها لا تأتي من القلب. صحيح أن الحزن يداهمنا من حين لاخر لكنه حزن عابر قد يدوم لبعض الوقت ثم لا يلبث أن يزول.
لكني اتحدّث عن نوع آخر من الحزن يدوم ويبقى فترة أطول.
ربّما يكون ما حدث من انهيار في سوق الاسهم قد أثر في الناس وزاد من إحساسهم بالاحباط وخيبة الامل، خاصة أن لا شئ تغيّر ووضع السوق باق على حاله الذي لا يسرّ بعيدا او قريبا.
وقد سمعت مؤخرا أناسا يعبّرون عن قلقهم من المستقبل، إذ بالرغم من الارتفاع الكبير والمستمر في أسعار النفط فإن معاناة الناس مستمرّة مع ارتفاع ايجارات المساكن بشكل جنوني ومع ازدياد أسعار المستلزمات المعيشية وما يلحق بها من رسوم وضرائب وفواتير وخلافه.
وعلى ذكر الايجارات، من يصدّق مثلا ان شقّة من أربع غرف في بعض المدن يمكن ان تبلغ تكلفتها ثلاثين الفا سنويا وأحيانا أكثر؟!
وهناك هذه الايام من يقول انه يتعيّن الان إعادة النظر في تعريف من هو الفقير. فالفرد الذي يتقاضى راتبا قد لا يقلّ عن العشرة الاف ريال أحيانا ربّما يجد نفسه في نهاية الامر في عداد الفقراء والمحتاجين. حيث أن الاقساط والديون والايجارات والرسوم العديدة والمختلفة قد تلتهم الراتب الشهري بلمح البصر مهما كان كبيرا ظاهريا.
وبعض الاشخاص ممن يتقاضون رواتب يغبطهم عليها الكثيرون قد يحلّ اليوم الرابع أو الخامس من الشهر الجديد وجيوبهم خاوية، وليس بوسعهم سوى ان ينتظروا بفارغ الصبر حلول نهاية الشهر والراتب الجديد الذي سرعان ما يصبح هو الاخر أثرا بعد عين بسبب الديون والرسوم والاقساط وما في حكمها.
والظاهر ان الخضّة الاخيرة التي تعرّض لها سوق الاسهم، ويقال انها خضّات عديدة، لم تفعل سوى انها عمّقت احساس الكثيرين بالتشاؤم وتلاشي الامل، والخوف مما قد تأتي به الايام.
ومع ذلك يبدو ان هناك الكثير مما يمكن فعله لتجاوز هذا الاحساس العام بالاحباط والقلق لدى الناس.
ففي وطننا خير كثير وموارده المالية والاقتصادية يمكن ان تكفي قارّة بأكملها وتغني مواطنيها بل وان تفيض عن حاجتهم اذا ما احسن استخدام تلك الموارد وأديرت بطريقة عادلة ورشيدة.
وإذا كان ثمّة بقيّة من تفاؤل فمردّه إلى رجل واحد هو الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يعقد عليه الناس الامال العريضة بتفعيل الاصلاح الذي يضمن تسخير امكانات الوطن وموارده من اجل خدمة اكبر شريحة من المواطنين.
وهذا بدوره يتطلّب وضع آليات صارمة للمحاسبة والمساءلة وسنّ قوانين مغلظة تحارب كافة اشكال الفساد والاحتكار وتأخذ على أيدي الفاسدين والمستهترين وتحفظ للمال العام حرمته من أجل أن يطمئن الناس الى حاضرهم ويتطلعوا إلى المستقبل بتفاؤل وأمل.
طبعا في البال كلام كثير حول هذا الموضوع لكن هذا ما سمح به المقام.

الجمعة، أكتوبر 20، 2006

أحزان جبلية

في هذه المحطّة، نستمع الى لحنين..
الأول للمطربة الكردية اينور دوغان.
و اينور اسم لمع بقوّة في سماء الأغنية التركية ولقيت أغانيها وموسيقاها إشادة وتقديراً من أوساط الموسيقى العالمية، خاصةً بعد أن رفعت الحكومة التركية الحظر الذي كانت تفرضه على الغناء باللغة الكرديّة.
ومثل بقيّة المغنين الأكراد، تستمدّ اينور موضوعات وألحان أغانيها من أجواء كردستان ومن الفولكلور والقصص والأساطير الكثيرة التي تزخر بها التقاليد والثقافة الكردية عموما.

أما اللحن الثاني فهو للموسيقار الإيراني همايون شجريان.
شجريان، بالاضافة إلى كونه مغنيا، يجيد العزف على آلتي التومباك والكمان "الكمنجة بالفارسية".
وهو سليل عائلة من الموسيقيين والمغنّين، فوالده هو الموسيقي الكبير محمد رضا شجريان وشقيقته عازفة ومؤلفة موسيقية بارزة.
صوت همايون شجريان، المولود عام 1975، يبدو أكبر من سنّه، ومن الواضح أنه تعلّم من والده تقنيات تطويع الصوت والتحكّم في الأداء.
وهو في النهاية امتداد لجيل كامل من الموسيقيّين الذين حافظوا على التقاليد الصوتية العريقة في الموسيقى الفارسية.
الموسيقى الكردية والفارسية تنتميان إلى عائلة موسيقية واحدة، وما يجمع بينهما أيضا هو هذا الوجد والحزن الشفيف الذي تشيعه في نفس السامع.
قد لا يكون هذا مستغربا، خاصةً إذا لاحظنا تركيز الموسيقى الكردية والفارسية على مواضيع معيّنة مثل الهجرة والاغتراب والعيش في المنافي وما يرتبط بذلك من مشاعر الحزن والحنين..

الأحد، أكتوبر 08، 2006

محطّات

تشوّش ذهني


يحار المرء أحيانا وهو يرى ويقرأ هذا السيل المنهمر من الأخبار والتحليلات والقصص الإخبارية التي يقصفنا بها كل دقيقة، بل كلّ لحظة، هذا الجيش العرمرم من القنوات الفضائية والمحطّات الإذاعية والمواقع الاليكترونية التي لا ُتعدّ ولا ُتحصى.
ومبعث الحيرة كامن في حقيقة أن الإنسان لا يعود يثق كثيرا بأحكامه ولا باستنتاجاته التي يكوّنها عن حدث ما أو قضيّة معيّنة.
فالتحليلات والتفسيرات متضاربة والآراء والروايات متعدّدة ومتباينة، وهي حال تجعل ذهن المتلقي عرضة للتشوّش والارتباك والحيرة ومن ثمّ العجز عن تحليل الأمور وفهمها من خلال وضعها في سياقها المنطقيّ الصحيح.
قد لا يكون من المناسب استدعاء نظريّة المؤامرة في كلّ حين، غير أنّ المرء لا يسعه سوى أن يتساءل: هذا الضخّ الإعلامي الصاخب والرهيب الذي يحكم قبضته علينا آناء الليل وأطراف النهار والذي يشلّ بزخمه وكثافته قدرة الإنسان العاديّ على التركيز والفهم، هل ُيراد من ورائه تغييب الحقيقة أو طمسها وإخفاؤها؟
هل هناك ثمّة جهة ما أو لعلّه أخ أكبر أو شبكة من القوى يهمّها أن تتوارى الحقيقة في زاوية بعيدة بحيث لا يعلم الناس بالضبط ماذا جرى ولا كيف جرى، ولا سبيل إذن لتحقيق هذا الهدف سوى بإشغال الناس وصرف أنظارهم بعيدا عن طريق غمرهم بهذا الطوفان الذي لا ينقطع من التغطيات المشوّشة والقصص الغامضة والتحليلات المتناقضة التي لا تسهم سوى بتزييف الوعي وسلب الإرادة ومن ثم إفقاد المتلقّي قدرته الواعية والرشيدة على التمييز والفهم.
إننا نعيش الآن عصر ثورة تكنولوجيا الاتصالات وجبروت الإعلام الذي يسيّر الإنسان كالآلة ويصوغ حياته بل ويشكّل عالمه الداخليّ كلّه، بما في ذلك عقله وروحه من خلال ما يستقبله من رسائل وإشارات تجعله يتكيّف لا إراديا مع الواقع من حوله وتسلبه - وهذا هو الأخطر - قدرته الواعية على التفريق بين الخير والشرّ والحقّ والباطل والعدل والظلم.

❉ ❉ ❉

ميتافيزيقيا الحزن


صور "مايكل كينا" من النوع الذي يدفعك إلى تأمّلها لمحاولة فهمها واستكشاف عوالمها وأجوائها الداخلية.
ولقطاته الفوتوغرافية التي يصوّر فيها طبيعة منعزلة وهادئة بأقلّ العناصر والتفاصيل تثير في النفس إحساسا بالهدوء والسكينة في عالم يتسم بالتشوّش والفوضى.
وأهم ما يلفت الانتباه في صوره، من حيث الشكل، هي أنها جميعا باللونين الأبيض والأسود.
ربّما يعود السبب إلى أن هذين اللونين هما الأكثر قدرة على إبراز التباين بين الضوء والعتمة وعلى استثارة الحواسّ والنفاذ إلى روحانية المشهد.
في بعض مناظر هذا المصوّر حزن ممزوج بألم الغياب والفقد. وفي بعضها الآخر نوستالجيا، تأمّل، وانسحاب من عالم الأشياء المحسوسة إلى مناطق الرؤى الخفيّة والضاجّة بصور التوق والكآبة.
تشعر أحيانا وأنت تتأمّل بعض صور مايكل كينا انه يخلع على الحزن إحساسا جماليا، وبأن عناصر الطبيعة وتفاصيلها، كما يصوّرها، ليست في الحقيقة سوى بوّابات أو نوافذ تطلّ على لحظات الحزن الهاربة.
في بعض اللقطات لا نتبيّن ملامح الأفق أو السماء أو البحر. فالأبعاد تختفي والحدود التي تفصل بين الأشياء تتلاشى لتتّخذ مظهرا شبحيا مغرقا في التجريدية والإبهام.
وفي صوره الليلية تكثر الظلال وتتعدّد اتجاهات وزوايا الضوء، ربّما لتكثيف الإحساس بما يثيره الليل من صور الخطر والتكتّم والجمال والغموض والخوف والانكشاف.
وأحيانا تحسّ بأن الصور تتحوّل إلى ممرّات أو مناطق عبور في منتصف المسافة بين الواقع كما نعرفه ونحسّه وبين عالم آخر أشبه ما يكون بالحلم.

❉ ❉ ❉

استراحة موسيقية

❉ ❉ ❉

بساطة الشكل وقوّة التأثير


إن حكمت على هذه اللوحة من ناحية أصالة موضوعها، فلا شكّ أنها تفتقر للأصالة إلى حدّ ما، بمعنى أن هناك رسّامين كثر سبق وأن رسموا موضوعها من قبل.
لكن إن حكمت عليها من حيث جودة الرسم، فإن تفاصيل اللوحة تشي بأن من رسمها كان فنّانا من طراز خاصّ.
وما يميّز اللوحة هو حالة الخشوع التي تظهر عليها المرأة من خلال حركة عينيها المتّجهتين إلى أسفل. لاحظ أيضا طريقة الرسّام في تمثيل الأقمشة المنسدلة بشكل ناعم، كالخمار الأبيض والعباءة الزرقاء اللامعة.
الرسّام هو جيوفاني باتيستا سالفي المعروف اختصار بـ ساسوفيراتو. كان هذا الفنّان متأثّرا في الأساس بأسلوب مواطنه الرسّام الايطالي رافائيل. لكنه اقتبس أيضا من أساليب رسّامين آخرين مثل ديورر ودومينشينو وغويدو ريني.
كان ساسوفيراتو كثير الترحال في شبابه، خاصّة إلى المناطق القريبة من اومبريا وبيروجيا. كما كان مرتبطا بدير سانت بييترا الذي رسم في سقفه عددا من المناظر التي تحكي قصصا دينية.
وقد ظلّ يرسم على مدى عشر سنوات صورة بعد الأخرى للعذراء لصالح رعاته الخاصّين أو للكنائس العامّة كجزء من حركة الإصلاح المضادّة آنذاك. وهناك خمس عشرة لوحة رسمها للعذراء في أوضاع شتّى ونالت الكثير من الشعبية والانتشار في زمانه.
أن يكرّر فنّان رسم لوحة بذاتها يُعدّ اليوم أمرا غير مألوف. لكنّنا نحتاج لأن نرى هذه الصور من خلال عيون مشتريها وصانعها والجمهور الذي كانت تستهدفه وقتها.
المشتري كان في الغالب الكنيسة التي كانت تريد للصور أن تكون ذات تأثير قويّ على جمهور المؤمنين. والرسّام من ناحيته كان يفصّل فنّه على مقاس ورغبات المشتري. أما الجمهور فكان يريد صورا مبسّطة، لكنْ قويّة، ويمكن أن تداعب أوتار النفس بسهولة.
وقد حقّق لهم ساسوفيراتو كلّ هذا من خلال هذه السلسلة من الصور التي أودع فيها بعضا من لحظات الدفء الإنسانيّ التي يمتزج فيها الدينيّ بالدنيويّ.

السبت، سبتمبر 23، 2006

رمضان كريم

كالعادة ومع حلول اول أيّام الشهر الفضيل داهمتني نوبات الصداع العنيفة. وهي لا تأتي عادةً سوى في اليوم الاول، وسرعان ما تختفي في الايام التي تليه. صداع يضرب مقدّمة الرأس كالمطرقة ويسبّب زغللة وتشوّشا في النظر، ووتيرة الالم لا تخفّ عادةً الا بعد الافطار وتناول قرص بروفين أو حتى قرصين إذا لزم الامر.
المشكلة أن الانسان الصائم لا يستطيع أن يكسر صيامه ليتناول حبّة دواء هي في الحقيقة لا تسمن ولا تغني من جوع لكنها تستطيع إراحة متناولها من أذى جسدي أو ذهني ألمّ به فجأة.
أظنّ أن صداع أولّ يوم من رمضان أصبح عندي كالهاجس أو الخوف المرضي، بمعنى أنني لو لم افكّر به أو اترقّب مجيئه لربّما لا يأتي أبدا. وهناك من قال لي إن سبب هذه النوبات له علاقة بالاثار الانسحابية للتدخين وقد يكون اختلالا في وظائف المعدة نتيجة الامتناع المفاجئ عن الطعام والشراب مما ينعكس سلبا على الجهاز العصبي والدماغ.
وقد سمعت منذ يومين المفكّر الاسلامي المعروف والمثير للجدل جمال البنّا وهو يقول ان التدخين حلال في نهار رمضان، لانه – كما قال – لا يفطّر الصائم وهو مثل الهواء الذي يدخل الرئتين وأثره اقلّ من اثر المغذّيات الطبيّة التي تدخل جوف الصائم ومع هذا رخّصها العلماء، ولهذا لا يسري على التدخين ما يسري على الاكل والشرب حسب رأي البنّا.
طبعا رأي الاستاذ البنّا قد يروق للمدخّنين الذين لا يقوى بعضهم على الصيام بسبب ضعفهم واستسلامهم لسحر السيجارة الذي لا يردّ ولا يقاوم احيانا. لكن هذا الرأي لن يعجب أصحاب الفتاوى بالتأكيد، خاصة وأن بعضهم يذهب الى أن التدخين محرّم في كلّ الاحوال نظرا لمضارّه الكثيرة والثابتة، وبناءً على هذا فحرمته في رمضان اشدّ وأعظم.
كتبت هذه الخاطرة قبيل المغرب. وبعد أن تناولت الافطار وأدّيت الصلاة في البيت كما هي عادتي عمدت الى البروفين فأخذت حبّة على السريع وما هي الا دقائق حتى أحسست ببعض الراحة والاسترخاء بعد نهار طويل كنت خلاله كالمشلول الذي لا يقوى على فعل شئ لمساعدة نفسه والتخفيف من معاناته مع نوبات الصداع اللعين.
ورمضان كريم.

الثلاثاء، يونيو 13، 2006

لوحات عالمية

يمكن اعتبار أيّ عمل فنّي تحفة إبداعية عندما يتضمّن قيمة فكرية تبقى وتدوم مع مرور الزمن، وعندما يثير في المتلقّي إحساسا بالمتعة أو الاثارة والفضول.
ومنذ البداية، حرصت على أن تتضمّن مدوّنة اللوحات الفنية العالمية أشهر الاعمال التشكيلية في تاريخ الفن وأكثرها رواجاً وانتشاراً.
وكان هناك تركيز خاص على أن تكون الاعمال المختارة – التي قاربت الان المائة - ممثّلة لكافّة مدارس واتّجاهات وأساليب الفنّ النشكيلي وعصوره المختلفة.
وفي الحديث عن كلّ لوحة راعيت أن يكون الشرح مبسّطا ومختصرا ومفيدا دون تكلّف أو استدعاء للاساليب الاكاديمية الجافّة والمعقّدة.
وقد قال لي صديق منذ أيّام ان ما تتضمّنه مدوّنة الفنّ التشكيلي من معلومات فنّية قيّمة يعدّ جهدا متميّزا على مستوى المواقع الالكترونية العربية التي تعنى بالفن التشكيلي، اذ يندر أن تجد في موقع واحد كلّ هذا العدد الكبير من الاعمال الفنية العالمية مع شروحات مبسّطة عن كلّ لوحة وعن صاحبها. وهو ما يطمح اليه كلّ من يريد أن يعرف شيئا ولو بسيطا عن الفنّ التشكيلي.
وربّما يلاحظ زائر هذه المدوّنة ان اللوحات المختارة ضمّت اعمالا لفنّانين أحياء وهو أمر ركّزت عليه منذ البداية لانه يشكّل جزءا من قناعتي بأن الفنّ الخالد والمتميّز ليس شرطا ان يقتصر على من مات من الرسّامين. وليس من المعقول ان نتوقّف عند دالي، آخر من توفّي من جيل الفنّانين الكبار "1989"، ونتجاهل من ظهروا بعده من الرسّامين الذين ظلّوا ينتجون ويبدعون ويتفوّقون. ولهذا اخترت لوحات لعدد من الرسّامين الأحياء انطلاقا من قناعتي بأن الابداع نهر طويل ومتشعّب وكلّ ينهل من هذا النهر بقدر اجتهاده ومقدرته.
والحقيقة أن المشهد الفني التشكيلي العالمي يضمّ اليوم العديد من الرسّامين المتميّزين وكلّ منهم يستحقّ ان يُفرد له المجال للحديث عنه وعن أعماله. وقائمة هؤلاء طويلة، لكن يمكن الاشارة في هذا المقام الى بعض الاسماء مثل رون هيكس Ron Hicks ، ومورغان ويسلنغ Morgan Weistling، ودوغلاس هوفمان Douglas Hofmann ، وايشا فان دن بوغيرد Escha van den Bogerd ، وفابيان بيريز Fabian Perez ، وهنري اسنشيو Henry Asencio ، وبينو ديني Pino Daeni ، وفريدون رسولي Freydoon Rassouli ، وويليام ويتيكر William Whitaker ، وخوسيه رويو Jose Royo ، وأخيرا وليس آخرا رومان فرانسيس Roman Frances الفنّان الاسباني الرائع الذي يملك موقعا جميل الاخراج بالاضافة إلى مدوّنته الشخصية التي أدرجتها ضمن روابط هذه المدوّنة.
لقد بدأت فكرة "لوحات عالمية" في منتديات النقاش الاليكتروني. لكن نظرا إلى أن طبيعة تلك المنتديات سريعة وموّقتة ولأن كثيرا منها يبدأ ويختفي دون سابق انذار، فقد استقرّ الرأي على أن تُخصّص مدوّنة قائمة بذاتها لتضمّ تلك السلسلة بشكل دائم كي تشكّل اطلالة سريعة لكلّ من يرغب في الاطلاع ولو بشكل مختصر على بعض جوانب تاريخ الفنّ التشكيلي في العالم.

الاثنين، مايو 15، 2006

حوكمة و توجرة و صوملة

من وقت لاخر نطالع المزيد من المصطلحات والتعابير والمفردات الجديدة التي تفرضها التطوّرات والنظريات والأحداث المستجدّة.
ومن بين المصطلحات الجديدة التي دخلت أدبيات الاقتصاد والتي لا بدّ وانّ الكثيرين لاحظوا رواج استخدامها في الفترة الأخيرة مصطلح "حوكمة الشركات".
وفي التغطية التي تخصّصها القنوات التلفزيونية المهتمّة بأخبار وتطوّرات الأسهم يرد هذا المصطلح دائما، خاصةً على ألسنة المحللين الماليين وخبراء الاقتصاد.
سألتُ زميلا متخصّصا في الاقتصاد عن معنى المصطلح ودلالته فقال إن حوكمة الشركات Corporate Governance مصطلح اقتصادي حديث نسبيا، وهو يعني إخضاع الشركات المساهمة للقوانين الرسمية التي تفرض المراقبة والمتابعة وضمان أن تتّسم بيانات تلك الشركات وممارساتها الإدارية والمالية بأقصى درجات الإفصاح والشفافية حمايةًً لحقوق المساهمين فيها.
ومن بين المصطلحات المستجدّة نسبياً ما يعرف بالـ Commercialization وهو يعني إدارة المنظمات والمؤسّسات الحكومية على أسس تجارية Profit-oriented ابتغاء تحقيق الربح. والمقابل العربي طويل جدا كما هو واضح، ولا أدري لماذا لا يستعاض عن هذا الشرح المملّ بكلمة واحدة هي التوجرة على وزن العولمة والحوكمة وسواهما.
من الواضح أن العربية لغة ثريّة ومرنة وقادرة على توليد المفردات والاشتقاقات الجديدة. وكلّ المفردات والمصطلحات التي نقلت إلى العربية من اللغات الأخرى، خاصة الإنجليزية، وجدت طريقها للتداول والاستخدام على نطاق واسع وأصبحت تقترن في الأذهان بمعانيها ودلالاتها الأصلية.
ومن أمثلة ذلك في علم السياسة البلقنة والافغنة واللبننة، وكلّها مفردات أصبحت تدلّ على التفتيت والتقسيم المرتبط بالصراعات والحروب الأهلية.
وأختم بتعليق طريف قرأته في أحد المنتديات الإليكترونية عن مصطلح الصوملة، إذ ربط الكاتب الساخر بين المصطلح وحادثة انهيار سوق الأسهم في المملكة. وقال إن الرئيس الصومالي بعث ببرقية إلى رئيس هيئة سوق المال بالمملكة يهنّئه فيها على الجهود المضنية التي بذلتها الهيئة من اجل "صوملة" الشعب السعودي!
وعلّق كاتب آخر على تلك الملاحظة الطريفة بقوله انه كان يتعيّن على الرئيس الصومالي أن يبعث رسائل مماثلة لوزير المالية ورئيس مؤسّسة النقد وغيرهما لأن في ذلك اعترافا بفضل هؤلاء وتنويها بجهودهم وأدوارهم العظيمة في عملية الصوملة تلك التي نتج عنها إفقار ملايين المساهمين الذين تبخّرت مدخّراتهم المقدّرة بأكثر من ترليون ريال في فترة قياسية لا تتجاوز بضعة أسابيع في ما اصبح يسمّى الآن بسرقة القرن.

الجمعة، مايو 12، 2006

شذى الأندلس

ازدانت البيئة الأندلسية بعدد غير قليل من النساء الشاعرات اللائي اسهمن في إثراء الأدب الأندلسي بألوان طريفة من موضوعات الشعر ومقطوعات القصيد.
ويرى د. مصطفى الشكعة أن ما تركته شاعرات الأندلس من اثر لا ُيمحى في مسيرة الشعر هناك يعد أمرا بيّنا، وليس أدلّ على ذلك من أنّهن فرضن وجودهن فرضا على موكب الشعر في الأندلس فكنّ فيه كأزهار الشقائق بلونها الزاهي الأرجواني تشرئب مميّزةً مختالة وسط بساط الاقاح الذي يغطي السهول ويوشّي السفوح مع إطلالة الربيع.
وقد تمتّعت المرأة في مجتمع الأندلس بكامل حرّيتها في بيئة جديدة لم ترتبط تقاليدها بأثقال وقيود كتلك التي ارتبطت بها بيئة المشرق.
ومن هنا شاركت المرأة في كل فنون الشعر وأبوابه فكانت تتغزّل في الرجل تماما كما يتغزّل الرجل فيها وكانت تلحّ في إغرائه وتصف محاسنها وتذهب إليه زائرة تطرق بابه وتنادمه.

فأميرة المريّة مثلا كانت تقول غزلا رقيقا لكنه جرئ تقوله في فتى .. لكنها هنا اكثر جرأة وأعلى صوتا:
ألا ليت شعري هل سبيل لخلوة
ُينزّه عنها سمـع كل مراقـب
ويا عجبا اشتاق خلـوة من غدا
ومثواه ما بين الحشا والترائب!
ولم يكن الفتى الذي اخرج الأميرة أمّ الكرم عن أناتها وكتمانها واحتشامها سوى فتى من فتيان قصر أبيها عرف بالسمّار، وهاهي تصف جناية الحب وما فعله بها:
يا معشر الناس ألا فاعجبوا
مما جنتـه لوعـة الحـبّ
لولاه لم ينزل ببـدر الدجى
من افقه العلــوي للتُربِ
حسبي بمن أهواه لو انــه
فارقني تابعـــه قلبـي!

وهذه نزهون الغرناطية تطمئن الوزير أبا بكر بن سعيد على مكانته من قلبها، وكان بينهما روابط عشق، وتؤكد له انه الحبيب المقدّم الذي يحتل مكان الصدارة من ودّها ومشاعرها:
حللــت أبا بـكر محـلا منعتـه
سواك وهل غير الحبيب له صدري
وإن كان لي كم من حبيـب فإنـما
يقـدّم أهل الحق حـبّ أبي بكر!

أما ولادة فكانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس، وكانت أخبارها مثيرة في حياتها كما كانت أشعارها أثيرة لدى الناس، فقد روى كثرة من مؤرّخي عصرها أنها كتبت بالذهب على عاتقها الأيمن:
أنا والله أصلــح للمعــالي
وامشي مشيتي وأتيـه تيــها
وكتبت على العاتق الأيسر:
وُأمكِنُ عاشقي من صحن خدّي
وأعطي قبلـتي من يشتهيـها!

وهاهي ولادة تهيم بالشاعر الملهم بن زيدون فتكتب إليه:
ترقب إذا ُجنّ الظــــلام زيارتي
فإني رأيتُ الليـل اكتــمَ للســرّ
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلحْ
وبالبدر لم يطلع وبالليــل لم يسرِ!
ويقول بن زيدون بعد لقاء ولادة:
ودّع الصبر محبّ ودعــك
ذائع من سرّه ما استودعـك
يا أخا البــدر سنـاءً وسناً
حفظ الله زمـانا أطلــعـك
إن يطــل بعدك ليلي فلكم
بتّ أشكو قصر الليل معـك!

وتكثر اللقاءات بين العاشقين وتجري بينهما أسمار يتخللها عزف جوار وغناء قيان. وكان منتدى ولادة عامراً بالشعر والموسيقى والغناء، وكان لها جارية سوداء عذبة الصوت. ويبدو أن بن زيدون استحسن غناءها فأخذ يلتمس منها إعادة اللحن، وهنا تتحرّك غيرة المرأة المحبّة في خاطر الشاعرة الأميرة فتنشئ أبياتا تدافع فيها عن جمالها وكبريائها:
لو كنت تنصـف في الهـوى
لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّــرِِ
وتركتَ غصنا مثمرا بجمـاله
وجنحتَ للغصن الذي لم يثـمرِ
ولقد علمتَ بأنني بدر الـدجى
لكن ُدهيتُ لشقوتي بالمشتري!

ثم تقول شاكية فراق صاحبها بن زيدون وقد غاب عنها بعض الوقت:
ألا هل لنا من بعد هذا التفــرّق
سبيل فيشكو كل صبّ بما لقــي
وقد كنتُ أوقات التزاور في الشتا
أبيتُ على جمر من الشوق محرقِِ
تمرّ الليالي لا أرى البين ينقضـي
ولا الصبر من رقّ التشوّق معتقي
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا
بكل سكوب هاطل الوبـل مغدقِِ!


أما مهجة القرطبية فرغم جودة شعرها إلا أنها كانت من الخلاعة في القول والفحش في الشعر ما جعلها تذهب في تعبيراتها مذاهب تنال من عفة قائلتها وتخدش حياء سامعها، وليس في ما هو متوفّر من شعرها ما يصلح للنشر غير هذين البيتين:
لئن حلأت عن ثغرها كل قائـم
فما زال يحمي عن مطالبه الثغرُ
فذلك تحميه القواضــب والقنا
وهذا حماه من لواحظها السحرُ!

وفحش القول عند مهجة لم يكن قصرا على الغزل أو الهجاء بل كان يجري على لسانها سليقةً وطبيعة.
أهدى إليها صديق خوخاً وكان متوقّعا منها أن تقول تعليقا عذبا ورقيقا لتلك الفاكهة اللذيذة فضلا عن كلمة شكر لصاحب الهدية، وفعلا قالت في أول أبياتها:
يا متحفاً بالخوخ أحبابـه
أهلا به من مثلج للصدور

ورغم رقّة البيت إلا أن البيت الذي يليه يلطم المشاعر ويخدش الحياء من وقاحة تشبيهه وبذاءة معانيه!

وهذه حفصة الركونية تعبّر للوزير الوسيم أبي جعفر عن ولعها به ونهمها إلى حبّ يدفع بها إلى الغيرة ثم ينتقل بها من مرحلة الغيرة إلى مرحلة الأثرة والأنانية:
أغار عليك من عيني رقيبي
ومنك ومن زمانك والمكـان
ولو أني وضعتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفانــي!

وفي حبّ أبي جعفر هذا تفقد حفصة دلال المرأة وكبرياءها، فالمرأة مهما لجّ بها العشق والصبابة فإنه يجمل بها أن تكون المطلوبة لا الطالبة والمعشوقة لا العاشقة، لكن حفصة تضرب بذلك كله عرض الحائط ويستبد بها العشق إلى صاحبها وربما لم يكن مضى على فراقهما وقت طويل فتبعث إليه بهذه الأبيات:
أزورك أم تــزور فإن قلبي
إلى ما تشتهي أبـدا يميــل
وقد ُامّنت أن تظمى وتضحى
إذا وافى إليّ بـك القبــول
فثغـري مورد عـذب زلال
وفـرع ذؤابتـي ظلّ ظليـلُ
فعجّل بالجـواب فما جميـل
أناتك عن "بثينة" يا "جميـل"!

على أن حفصة في أبياتها الجميلة السابقة قد وضعت معشوقها في موضع التخيير "أزورك أم تزور"، ولكنها هذه المرة لا تفعل ذلك وإنما تذهب إليه بنفسها مقتحمة وتطرق بابه في جرأة وتبعث إليه ببطاقة كتبت عليها شعرا يتدفق إثارةً وتحريضاً:
زائــر قد أتى بجيد الغزالِ
مطلع تحـت جنحـه للهلالِ
بلحاظ من سحر بابل صيغت
ورضاب يفوق نبت الدوالـي
يفضح الورد ما حوى منه خدّ
وكذا الثغـر فاضــح للآلي
ما ترى في دخــوله بعدَ إذنِ
أو تراه لعارض في انفصالِ؟!

إن الشاعرة العاشقة جريئة في طرق باب معشوقها والسعي إليه وهي مثيرة محرّضة في أبياتها تلك التي تصف فيها نفسها مبديةً مفاتنها مفصّلةً محاسنها وهي مع ذلك كله مهذّبة متذلّلة في طلب الأذن بالدخول.
فأيّ نوع من الشعراء كان هذا الوزير المطارَد؟
لقد كان إنسانا هادئا شاعرا متّزنا، فلنستمع إليه يقصّ قصّة ذهاب حفصة إليه وطرقها بابه وظروف انشغاله آنئذ وكيف تلقاها واستقبلها..

يقول أبو جعفر:
اقسم ما رأيتُ ولا سمعتُ مثل حفصة، ومن بعض ما اجعله دليلا على تصديق عزمي وبرّ قسمي أني كنتُ يوما في منزلي مع من يجب أن يخلى معه من الاجواد الكرام، وإذا بالباب يضرب فخرجت جارية تنظر من الطارق فوجدت امرأة فقالت لها: ما تريدين، فقالت: ادفعي إلى سيّدك هذه الرقعة، فجاءت برقعة فيها:
زائر قد أتى بجيد الغزال – الأبيات
فعلمتُ أنها حفصة وقمت للباب وقابلتها بما يقابل به من يشفع له حسنه وآدابه والغرام به وتفضّله بالزيارة..

وكان أبو جعفر على حبّه الشديد لحفصة في نهاية من الاتزان قولا وسلوكا، وكانت هي في منتهى الرعونة قولا وسلوكا. إن غزلها بالرجل فاق غزل كل الرجال بالنساء، وأيّ شاعرة أنثى تفوق حفصة في قولها هذا في الغزل:
ثنائـي على تلك الثنــايا لأنني
أقول على علـم وانطق عن خبرِ
وانصفـها لا اكذب الله إننــي
رشفتُ بها ريقا أرقّ من الخمرِ!

لقد كان أبو جعفر ملكا يجلس على عرش قلب حفصة، وكان هناك ملك آخر يجلس على عرش الحكم ويطمع في عرش ذلك القلب فلم يفلح في أحلامه، فلم يكن يملك مؤهّلات تمهر قلب الشاعرة، فاستغل سلطانه وأزاح منافسه من أمامه قتلا. وهناك بيتان لحفصة ُيعتقد على نطاق واسع انهما ما صدرا عنها إلا رثاءً للوزير الشاعر الرقيق العاشق المعشوق:
ولو لم تكن نجما لما كان ناظري
وقد غبت عنه مظلما بعـد نورهِ
سلام على تلك المحاسن من شجِّ
تناءت بنعماه وطيب سـرورهِ

الثلاثاء، مايو 02، 2006

كلّ يعظم دينه

قال لي صاحبي الذي لا يعجبه العجب ولا يتردّد في تحليل الأمور والظواهر بطريقته الخاصة والغريبة أحياناً:
اليوم رأيتُ لافتةً كبيرةً منصوبةً في زاوية بأحد الطرق الرئيسية تقول: لقد جاءوا إلى بلادنا وهم كفّار، فلماذا لا يعودوا لبلدانهم وهم مسلمون.
ويبدو أن الذين وضعوا تلك اللافتة هناك لا يدركون طبعا مدى التأثير السلبي الذي تتركه في نفس كلّ من يراها ويعرف معناها من غير المسلمين الذين يعيشون بيننا.
قلت: المشكلة أن وصم كل من يخالفنا في الدين بالكفر، هكذا وبهذه الطريقة السافرة والمستفزّة، لا يمكن إلا أن يرسّخ في أذهان الكثيرين صورة بلدنا كما ينقلها الإعلام الخارجي الذي لا يكلّ ولا يملّ هذه الأيام من الحديث عن انعدام الحريات الدينية في المملكة.
قال: أعرف زميلا آسيويا اعتنق الإسلام مؤخّرا وقد نقل عنه رفاقه انه فعل ذلك ليس عن اقتناع أو إيمان حقيقي، وانّما طمعا في أن يحظى بغرفة مستقلة وراتب وطعام افضل.
وكان له ما أراد.
قلت: أنا لا ألوم الذين يعلنون اعتناقهم للإسلام هنا طمعا في منفعة ما أو معاملة افضل، فهم أذكياء ولا شكّ وقد درسوا ثقافتنا جيّدا ورأوا مجتمعاً غارقاً حتى أذنيه في هستيريا الدروشة الجماعية وعرفوا كيف أننا نحتفي بقشور الدين دون جوهره، وأدركوا أن المسلم وإن كان خاملا كسولا افضل من غير المسلم وإن كان في غاية الجدّ والالتزام في عمله.
قال: مشكلة المسلمين لا تكمن في أن عددهم قليل، بل هم كثرة كاثرة.
قلت: ولكنّهم بمقاييس النهوض والتقدّم والحضاري في ذيل قائمة الأمم، بسبب الجهل والفقر والأميّة وغيرها من علامات التخلّف. المشكلة ليست في العدد بل في النوعية، في الكيف لا الكمّ.
قال: ومع ذلك كثيرا ما نسمع الوعّاظ يشكون إلى الله ضعف المسلمين وهوان أمرهم بالرغم من كثرتهم، في حين أن الربّ سبحانه منشغل بقضايا أهمّ وأعظم من هذه الشكاوى الساذجة، من قبيل معالجة ثقب الأوزون والحفاظ على توازن المجرّات والكواكب كي تستمرّ الحياة وتستقيم أمور الكون.
قلت: أرى انك تشتطّ كثيراً وتبتعد عن مسار الحوار. بدأت بالحديث عن اللافتة وأنت الآن تتحدّث عن الأوزون والمجرّات! ومع ذلك فأنا مع من يقول بأن التبشير لأيّ دين من الأديان هو ضرب من ضروب العبث وممارسة لا تدلّ سوى على ارتكاس في الأفهام وخواء في العقول.
قال: المشكلة أن كل فئة تمارس التبشير تزعم أن دينها هو وحده الصحيح وأنها حريصة على أن يدخل الناس كلّهم الجنّة. مع أن أحداً لا يمكنه أن يتخيّل كيف سيكون عليه حال الجنّة من فوضى وازدحام إذا اصبح الناس كلّهم مهتدين.
قلت: يخيل إليّ أحيانا أن أهداف المبشّرين من أيّ دين تتناقض مع ما أراده الله سبحانه وتعالى الذي اقتضت حكمته أن يخلق الناس مختلفين في عقائدهم وأعراقهم ودياناتهم وألزمهم - بالرغم من ذلك - بأن يتحابّوا ويتقاربوا ويتعاونوا.
قال: لو أنّ المسلمين يكفّون عن تصنيف العالم ما بين مسلمين أو كفّار لانصلحت أحوالهم ولاختفت الكثير من الظواهر السلبية في حياتهم. يجب أن يكون عنصر المفاضلة في الأساس ما بين الخير والشرّ.
قلت: بدلا من تضييع الجهود والأموال في إقناع الآخرين بدخول الإسلام، لماذا لا ينصرف العمل إلى توعية المسلمين أنفسهم بترك التعصّب والغلوّ، وان يصنع كل فرد من نفسه أنموذجا ُيقتدى به في التسامح واحترام معتقدات الآخرين كي نحبّب الغير إلى ديننا بدل أن يكرهوه وينفروا منه بسبب وساوس البعض منّا وميلهم الغريزي إلى كراهية المخالفين وإقصائهم وتكفيرهم.

الخميس، أبريل 20، 2006

عيسى وموسى وكريشنا

"يجب أن يعترف المسلمون بكريشنا كنبيّ مرسل من الله".
هذا الاقتراح المثير للاهتمام طرحه منذ أيام كي اس سودارشان زعيم حزب راشتريا سانغ القومي الهندوسي.
وقد علّل سودارشان اقتراحه ذاك بالقول إن من شأن مثل ذلك الاعتراف أن يخفّف من توتّر العلاقات بين المسلمين والهندوس في الهند، ويولّد مناخا من الثقة والتقارب بين الطائفتين.
ومنذ يومين نشرت جريدة خليج تايمز تعليقا كتبه صحفيّ هندي مسلم أثنى فيه على أفكار الزعيم الهندوسي وأورد بعض المبرّرات التي قال إنها تسند ذلك الاقتراح والاهم أنها لا تتعارض مع ما ورد في القرآن الكريم.
اللافت للانتباه أن سودارشان قال انه يكفي أن يعتبر المسلمون كريشنا مجرّد نبيّ وليس إلها كما يعتقد الهندوس.
الكاتب الهندي أشار أيضا إلى بعض الآيات التي تذكر إحداها أن القرآن الكريم لا يتضمّن جميع قصص الأنبياء "منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص" ، وقال إن الهند هي إحدى اكبر واقدم الحضارات الإنسانية وليس من المعقول ألا يكون الله قد أرسل بعض أنبيائه لهداية الهنود، خاصة أن الهندوسية ومن ثمّ البوذية التي خرجت من رحمها، جاءت قبل الإسلام بحوالي ألفي عام.
بل إن الكاتب ينقل عن الدكتور ظهور الحق الذي سبق وأن ترجم القرآن الكريم قوله إن النبيّ ذا الكفل المذكور في القرآن ليس سوى بوذا نفسه. فمفردة ذو تعني ساكن المكان، والكفل مشتقة من كلمة كابيل Kapil وهي اسم المكان الذي ولد فيه غوتاما بوذا.
وبما أن كل نبيّ أرسل إلى قومه بلغتهم فليس ثمّة من سبب يدفعنا للاعتقاد باستحالة أن يكون نبيّ قد أرسل إلى الهنود في زمن ما متحدّثا بلغتهم أي السنسكريتية.
كما أن خلوّ القرآن من أية إشارة إلى نبيّ هندي لا يقلّل من احتمال أن يكون الله قد أرسل فعلا مثل هذا النبيّ في زمن من الأزمنة.
ويختم الكاتب ملاحظاته بالقول إن تأثير مثل هذا الاقتراح فيما لو تحقّق هو تأثير سايكولوجي بالدرجة الأولى، لكنه قد يكون خطوة مهمّة على طريق تكريس التفاهم والوئام بين الطائفتين الأكبر في الهند.
شخصيا اعتقد أن اقتراح سودارشان لا يخلو من الوجاهة وسلامة المقصد. مع أن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن اعتراف المسلمين وكتابهم المقدّس بالمسيح وموسى لم يمنع نشوب الحروب والصراعات الدموية بينهم وبين اتباع تلك الديانتين.
لكن هناك من قد يتساءل، ومعه حق، عن المانع في أن يعترف مسلمو الهند بكريشنا كنبيّ للهندوس إذا كان من شأن تلك الخطوة أن تعود بالفائدة على المسلمين في نهاية الأمر.
والحقيقة أنني كثيرا ما فكّرت في سبب إصرار المسيحيين واليهود على عدم الاعتراف بنبوّة محمد (ص) مع انهم ليسوا مطالبين باتّباعه أو اعتناق مبادئه، فلم أجد إجابة منطقية على السؤال. واعتقد أن مثل هذا الموقف، بمعايير العقل الحديث الذي يحترم الآخر ويراعي خصوصيته، لا يمكن فهمه إلا باعتباره شكلا متطرّفا من أشكال الإقصاء ورفض الآخر.
سألت صديقي المشاكس عن رأيه في موضوع اعتراف الأديان كلّ بنبيّ الآخر فقال: لا تشغل نفسك كثيرا بهذا الهراء، فالأديان كلها تمارس التكفير والعنف والإقصاء. ولو اعترف مسلمو الهند اليوم بكريشنا الأسطوري فمن يضمن ألا تتم مطالبتهم غدا بالاعتراف بآلاف الآلهة الآخرين من طيور وبشر وشجر وحجر وبقر. وأضاف: من الأفضل لمسلمي الهند أن يتمسّكوا بالعلمانية ويشدّدوا عليها، إذ أنها هي التي حافظت على وجودهم ووفّرت لهم الحماية ومنحتهم قدرا معقولا من الحرّيات والحقوق. ولولا العلمانية لما كان لهم اليوم وجود في الهند بسبب تطرّف مطاوعة الهندوس وجنونهم".

الجمعة، أبريل 07، 2006

إكسير الحياة

كلّنا نريد أن نعيش إلى الأبد لكننا نموت أثناء المحاولة.
- مثل صيني قديم

ما من إنسان إلا ويتمنّى أن يعيش لأطول فترة ممكنة على هذه الأرض.
ولهذا السبب اجتهد الإنسان منذ اقدم الأزمنة في سعيه نحو الخلود والحياة الأبدية.
وهناك من الرحّالة والمغامرين من ذهبوا إلى أقاصي الأرض بحثا عن نافورة الشباب التي قيل إن من يشرب من مائها يعش إلى الأبد.
وخلال إحدى الفترات تدفّق الكثير من الأثرياء على عيادة طبيب روسي قيل انه يمنح مرضاه عمرا مديدا من خلال حقنهم بعقار مستخلص من خصية فصيلة نادرة من القردة.
لكن اتضح بعد ذلك أن كلّ ما قيل كان مجرّد ضرب من الأحلام والخيالات المجنّحة.
وخلال ستّينات القرن الماضي سادت الولايات المتحدة موضة تجميد جثث الموتى على أمل أن ُيبعث الأموات من رقادهم ذات يوم عندما تنجح البشرية في العثور على علاج ناجع للأمراض والعلل المستعصية اليوم من سرطان وايدز ونحوهما.
وأذكر خلال أيام الدراسة في الجامعة أن أحد معلمينا، وكان أمريكيا من اصل عراقي، كان يكرّر على مسامعنا انه لا يتمنى أن يعيش اكثر من ستين عاما. وحجّته في ذلك أن حياة الإنسان بعد الستّين تصبح مملة وتعيسة، ويتحول إلى عبء يثقل على كاهل أهله وأقربائه. وأن من الأفضل له والحالة هذه أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى بهدوء ودون مرض أو معاناة فيريح ويستريح.
وقد حكى لي صديق ذات مرّة أن أحد أقاربه كان قد عاش إلى ما بعد المائة عام وكان مضرب المثل في الإيمان والصلاح. وعندما حضرته الوفاة، وقد حضرته مرارا، كان يبدي بسالة لا توصف في مناكفة الموت وفي تمسّكه بالحياة، وقد قاوم سيّدنا عزرائيل كأشدّ ما تكون المقاومة، ولو استطاع لما تردّد في إعطاب عينه كما فعل سيّدنا إبراهيم على نحو ما يقوله لنا صحيح البخاري!
الشاهد في الحكاية هو أن الإنسان يخاف الموت بحكم الغريزة حتى لو كان صالحا وحتى لو قيّض له أن يعيش إلى ارذل العمر. وعلى رأي المثل: إننا جميعا نريد دخول الجنة لكن لا أحد يريد أن يموت!
ولا ادري إن كان ذلك المعلم الذي كان يلحّ في طلب الموت ما يزال على قيد الحياة أم لا. لكن المؤكّد أن الناس الأسوياء والعقلاء يريدون أن يعيشوا أطول فترة ممكنة.
في بدايات وجود البشر على هذه الأرض، كان متوسّط عمر الإنسان لا يزيد عن خمسة وعشرين عاما. وكان الناس يموتون في تلك السنّ المبكّرة بسبب سوء التغذية وتفشّي الأمراض المعدية ونقص الدواء.
اليوم تغيّرت الحال كثيرا، ففي العالم اليوم آلاف الأشخاص ممّن تجاوزت أعمارهم المائة عام، والفضل في ذلك يعود أساسا إلى جودة الغذاء وتطوّر وسائل الصحة وأساليب العلاج.
لكن هل هناك ما يمكن تسميته بإكسير الحياة؟
الأطباء يقولون نعم. والإكسير هذه المرّة ليس مستخلصا من غدد القردة ولا علاقة له بنافورة الشباب الأسطورية. بل هو عبارة عن بضع نصائح ذهبية يقدمها الأطباء لكل راغب في حياة افضل وأطول.
وأولى هذه النصائح أن يبادر الإنسان إلى تحليل شجرة العائلة كي يتسنّى له معرفة العوامل الوراثية التي أثرّت على حياة أسلافه، ومن ثمّ يمكنه تجنّب أو على الأقل تقليل احتمالات إصابته بالأمراض الفتّاكة التي يتوارثها الأبناء عادة عن آبائهم وأجدادهم.
والنصيحة الثانية هي أن يمتنع الإنسان عن التدخين فقد ثبت أن التدخين يسرق من حياة الإنسان عشر سنوات طبقا لدراسة ميدانية.
والنصيحة الثالثة هي الاقتصاد في تناول الطعام. فالآكل الأقل يعني دهونا اقل وضغط دم اقل. وهذا بدوره ينعكس إيجابا على صحّة وسلامة القلب.
والنصيحة الرابعة هي الإكثار من الحركة. فالرياضة تخفض ضغط الدم وتعدل المزاج وتحمي الإنسان من كثير من الأمراض الخطرة.
وينصح الأطباء أيضا بالزواج. فالزواج يضيف سنة إلى عمر الرجل. أما النساء فقد ثبت أنهن يتمتّعن بصحّة افضل وسعادة اكبر بلا زواج.
وأخيرا ينصح الأطباء بأن يعتنق الإنسان دينا. فقد ثبت أن الإيمان بالله من شأنه أن يجعل للحياة معنى. وهذا يزيد من إحساس الإنسان بالرضا والسعادة، والإنسان السعيد يعيش سنوات أطول.

الأربعاء، أبريل 05، 2006

صلاة إلى غمامة شاردة


أقبلي كالصـلاة
رقرقها النُسْـك
بمحـراب عابـد متبتّـلْ

أقبلـي آية من الله ُعليـا
زفّـها للفنـون
وحـي منـزّلْ

أقبلي فالجراح ظمأى
وكاس الحب ثكلى
والشعر ناي معطّلْ

أنت لحـن على فمي عبقـريّ
وأنا في حدائـق الله
ُبلبـلْ

أقبلي قبل أن تميـل بنا
الريـحُ
ويهوي بنا الفنـاءُ المعجّلْ

أنت كاسي وكرمتي
ومدامي
والطلا من يديك
ُسكْر محلـّلْ

أنت لي رحمة براها شعاع
هـلّ من أعين السمـا
وتنـزّلْ

أنت نبـع من الحنـان عليه
أطـرق الفن ضارعا
يتوسّـل

ولك الصـوت ناغم عاده الشـوق
فأضحـى حنينه يترسّلْ

نبرات كأنهـا شجـن الأوتار
في عـود عاشـق
مترحّـلْ

أو نشيد أذابـه الأفُـقُ النائـي
وغناه خاطـري المتـأمّلْ

فتعالي نغيب عن ضجّة الدنيا
ونمضي عن الوجود
.. ونرحلْ!

شعر محمود حسن إسماعيل

الجمعة، مارس 31، 2006

حالات الوعي المتغيّرة

إنني جئتُ وأمضي وأنا لا أعلـمُ
أنا لغز وذهابي كمجيئي طلسـمُ
والذي أوجد هذا اللغز لغز مبهمُ
لا تجادل ذا الحجا من قال إني لستُ أدري!
- إيليا أبو ماضي

قبل حوالي العام أصيب أحد زملائنا بمرض عضال لم يكن من المتيسّر علاجه أو البرء منه. وكان يعرف طبيعة مرضه ويدرك انه لن يظلّ على قيد الحياة اكثر من أسابيع معدودة.
كنت أواظب على زيارته في المستشفى وكان أقاربه ومحبوه يحيطون به ويولونه عنايتهم وعطفهم.
وفي أيامه الأخيرة تحوّل إلى بقايا إنسان واستحال ذلك الجسد المعافى إلى مجرّد هيكل عظمي، فشحب لونه وغارت عيناه واختفى منهما رفيف الأمل وبريق الحياة.
وفي مثل تلك المواقف لا يعرف الإنسان ما يقول. هل يدعو الله للمريض بالعافية حتى وهو يعرف أن ذلك مستحيل، أم يسأل الله له حسن الختام، الأمر الذي قد يثقل على مشاعر أهل المريض وأقربائه.
بعض من كانوا يزورونه في المستشفى كانوا يكثرون له الدعاء بأن يرفع الله عنه مصيبته ويهبه الصبر والقدرة على تحمّل ذلك الاختبار العسير. والبعض الآخر كانوا يحضرون معهم زجاجات دهن الطيب يدسّونها في يد والد المريض أو أحد اخوته ثم يتبعون ذلك بعبارات هامسة ووجلة تحمل معاني الدعاء بالسلوان والاصطبار.
وقد لاحظت في بعض زياراتي أن ذلك الزميل كان يطيل النظر في بعض زوّاره ويتمتم بكلام غير مفهوم وتصدر عنه بعض الحركات والهمهمات التي ربما كانت لا إرادية وقد يكون الأمر غير ذلك.
في ما بعد سألت طبيبا متخصّصا عن طبيعة الأفكار والهواجس التي تنتاب الإنسان وهو على حافّة تلك التجربة الوجودية الرهيبة أي الموت. فقال: الحقيقة أن الموت تجربة قاسية وعصيبة خصوصا للأفراد الذين يعرفون أن حالاتهم ميئوس منها. والمشاعر التي تنتاب هؤلاء هي في الغالب عبارة عن اضطرابات سلوكية شديدة من قبيل القلق الشديد والهذيان وفقدان الاتصال بالواقع من حولهم.
ويضيف: هناك قصص موثّقة عن حالات لمرضى ميئوس من شفائهم قالوا لأطبائهم أو أقاربهم انهم كانوا يرون وجوه بعض أقربائهم الذين سبقوهم إلى الدار الآخرة. والبعض الآخر قالوا انهم رأوا الملائكة أو الله. وهناك مرضى آخرون تحدّثوا عن رؤى مخيفة وقالوا انهم كانوا يرون عناكب وحشرات ضخمة تزحف على جدران الغرفة والأرضية.
لكن هذا النوع من الرؤى يحدث في المراحل المتأخرة من حياة الشخص المريض عندما لا يفصله عن الموت سوى أيام مثلا. لكن قبل ذلك يحدث أن يأخذ المريض بعض المبادرات الواعية كأن يستعرض بينه وبين نفسه شريط حياته الماضية ويصلح علاقته مع بعض أفراد عائلته أو أصدقائه. وفي هذه المرحلة قد يثير مع نفسه تساؤلات وشكوكا عن مغزى الدين وجدوى الإيمان.
ويتردّد في الأوساط الطبية والروحية الآن الكثير من الحديث عن حالات الوعي المتغيّرة والتي يرى فيها بعض العلماء تفسيرا للمشاهد والوجوه التي يراها الشخص قبيل وفاته.
ويشرح أحدهم ذلك بالقول إن الإنسان في حالة وعيه الطبيعي يعمل ويتفاعل مع الناس والأشياء من حوله من خلال ذبذبات تسمح له بإرسال واستقبال التجارب المشتركة. لكن عند اقتراب الإنسان من الموت، فإن تلك الذبذبات تتحوّل وتتبدّل بما يسمح للمريض بتلقي إشارات أخرى من عوالم لا نحسّ بها ولا نتبيّن كنهها.
وليس ثمّة بعد من دليل علمي قاطع يؤكّد أو ينفي حقيقة ما يقال عن تلك الموجات أو التردّدات والتحوّلات التي تطرأ عليها. لكن من يؤكّدون وجودها يستشهدون بما يراه النائم أثناء أحلامه الليلية التي يستقبل خلالها إشارات وصورا خارج نطاق وعيه الطبيعي.
لقد توفي ذلك الزميل العزيز بعد معاناة طويلة مع المرض وعبر بوّابة الموت كما عبرها كثيرون غيره. وما يزال السؤال اللغز يطرح نفسه بقوّة على ألسنة الشعراء والمفكّرين والفلاسفة: ترى من أين أتينا والى أين سنمضي؟!

الأحد، مارس 26، 2006

لا إكراه في الدين

بعد قصة الرسومات الكاريكاتيرية وما أثارته من ردود أفعال مفرطة ومتشنّجة، تأتي قصة الشاب الأفغاني عبدالرحمن الذي تحوّل منذ ستة عشر عاما إلى المسيحية لتضيف المزيد من المتاعب للمسلمين ولتشوّه صورة دينهم اكثر.
الأوربيّون والأمريكيون غاضبون من حكم القضاء الأفغاني بإعدام الشاب تنفيذا لـ "حدّ الردّة"، على اعتبار أن في ذلك انتهاكا لأحد حقوق الإنسان الأساسية وهو حقّه في الاعتقاد وحرّية الضمير.
والحقيقة انه لا يوجد من يشوّه صورة الإسلام ويسئ إليه اكثر من المسلمين أنفسهم.
وفضلا عن أن القرآن الكريم واضح في انه "لا إكراه في الدين"، فإن ما وصلت إليه البشرية على مدى قرون طويلة من قوانين وحقوق تكفل للإنسان حرّيته في الدين والمعتقد، كل ذلك يبطل دعاوى هؤلاء الذين لا يوجد في قواميسهم وفي تفكيرهم سوى كلمات القتل وسفك الدماء وقطع الأيدي وقهر الإنسان والتنكيل به تحت غطاء الدفاع عن الدين والغيرة عليه.
قال لي صديقي "الكافر" الذي طالما حاولت إقناعه بأن الإسلام دين رحمة وتسامح وسلام: كل يوم تثبتون للعالم أن دينكم بالغ الضعف والهشاشة وأنكم شعوب انفعالية تثور وتغضب لاتفه الأسباب. بالأمس تظاهرتم وكسّرتم السيارات واحرقتم السفارات بسبب بضع رسومات هزيلة. واليوم تريدون قتل إنسان لم يرتكب جناية ولم يسئ إلى أحد، وكل جريمته انه أراد أن يغيّر دينه وهو ما يفعله المسيحي واليهودي والبوذي واتباع كافة الأديان بكل حرّية وهدوء ودون ضوضاء أو شوشرة. والنتيجة هي هذا الغضب العالمي العارم وهذه التغطية الإعلامية الواسعة التي لا أظن إلا أنها ستسلط المزيد من الأضواء على الجوانب المعتمة من دينكم وثقافتكم وستصمكم انتم والإسلام بالإجرام والهمجية.
قلت: الإسلام برئ من هذا الذي يجري. والقرآن واضح اشدّ الوضوح في انه لا إكراه في الدين وأن الإيمان من عدمه مسألة تتعلق بالحرّية الفردية وانه لا يمكن ولا يجوز التدخّل في قناعات الناس الشخصية أو محاسبتهم على علاقتهم بربّهم.
قال: أريد أن اعرف لماذا يريدون قتل هذا المسكين؟ هل تلك عقوبة له على تصرّفه أم أنها محاولة لثني غيره عن تكرار ما فعله؟
قلت: ربّما يكون السبب الثاني هو الأرجح. لكن اعتقد لو أن هذه القضية حدثت في بلد إسلامي آخر لكانت الأمور مختلفة كثيرا. اقصد أن الحكم على هذه القضية يختلف من مجتمع مسلم لاخر تبعا لنوعية القوانين وطبيعة الثقافة السائدة.
وما يسمّى بحدّ الردة أمر مختلف عليه كثيرا بين علماء المسلمين. فهناك مشايخ ومفكّرون إسلاميون بارزون لا يقولون به مثل القرضاوي وهناك من قالوا انه باطل ولا يعتدّ به مثل محمد شحرور واحمد صبحي منصور وحسن الترابي.
قال: ما تسمّونه حدّ الردّة مناقض للعقل ومصادم لحقوق الإنسان كما انه يصوّر الإسلام في حالة خوف دائم من احتمال ترك اتباعه له. إن الغاية من قتل المرتدّ هي في النهاية إبقاء السيطرة على الجموع ومسخ إرادتهم وشلّ تفكيرهم من خلال بثّ الرعب والهلع في نفوسهم. انه صراع بين الحرية من جهة وقوى الظلام والاستعباد من جهة أخرى".
قلت: في القرآن آيات كثيرة تمجّد الحرية وتشيد باختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم.
قال: المفارقة الفاقعة في قضية عبدالرحمن هي أن من جاءوا وحرّروا أفغانستان من قرود طالبان وفئران تورا بورا وإرهابهم يدينون بنفس الدين الذي تعتبرونه مجلبة للعار وسببا كافيا لقتل من يعتنقه مع أنكم تزعمون أن محمدا أخو المسيح.
قلت: دعنا نصلي للرب بأن يوفّق الحكومة الأفغانية لايجاد مخرج من هذه المشكلة وان يتم إنقاذ حياة ذلك المسكين في النهاية إما بتهريبه للخارج أو اتهامه بالجنون. والحل الأول هو الأفضل دون شك فالشيخ المدعو عبدالرؤوف واتباعه ما يزالون يصرخون ويولولون منذ الأمس مهدّدين بقتل عبدالرحمن وتمزيقه إربا إن هو خرج من المحكمة حيّا.
على كل، اصلح الله حالنا ورحم من قال:
ما دمتَ محتـرماً حقّي فأنت أخـي
آمنــتَ بالله أم آمـنـتَ بالحجـر ِ

السبت، مارس 18، 2006

قصاصات ورق

يحدث أحيانا أن يقرأ الواحد منّا في كتاب أو صحيفة معلومة في مجال ما قد تكون مفردة في اللغة أو مصطلحا أو تعبيرا ما، فيحسّ بأن ما قرأه ينطوي على فائدة و يشكّل إضافة إلى مخزونه المعرفي، فيعمد إلى تسجيل وحفظ ما قرأه للعودة إليه مستقبلا إذا تطلّب الأمر.
والمصطلحات والإشارات التالية هي عبارة عما كنت قد سجّلته في قصاصات مبعثرة وجدت نفسي أعود إليها في مناسبات مختلفة. وقد أفادتني كثيرا خصوصا في مجال ترجمة النصوص من العربية إلى الإنجليزية.
وتصبح الفائدة مضاعفة عندما ندرك أن القواميس المتخصّصة لا تتضمّن دائما كلّ ما يطمح المترجم أو القارئ المواظب إلى معرفته من صيغ وأسماء وأساليب ومصطلحات.
مثلا هناك النصوص الدينية التي تتطلب معرفة أسماء الأنبياء والمصطلحات المتعلقة بالفقه والشرائع.
من السهل، على سبيل المثال، أن نعرف ترجمة اسم موسى أو عيسى أو إبراهيم أو يوسف بالإنجليزية. لكن ماذا عن أسماء غيرهم من الأنبياء الأقل تداولا؟
أحيانا يصعب علينا أن نحفظ بعض الأسماء دون أن ندوّنها. لولا التدوين ما عرفتُ مثلا أن اسم النبي هود بالإنجليزية هو Heber، وصالح Methuselah، وشعيب Jethro، وأيوب Job، وذي الكفل Ezekiel، ويونس Jonah، وادريس Enoch، والياس Elijah، ويحيى John ، إلى آخره.
وهناك أسماء أعلام ترد في النصوص الدينية مثل قابيل Cain، وهابيل Abel، ويهوذا الاسخريوطي Judas Iscariot، والخلفاء الراشدين Orthodox Caliphs .. وهكذا.
وثمّة أسماء ذات دلالات دينية يحسن تدوينها والإلمام بها، مثل المجوسية Mazdaism، والكونفوشيوسية Confucianism، والشنتو أي الديانة الرسمية لليابان Shintoism، والصدقة Voluntary alms، والخراج Land tax، والفئ التي يقابلها بالإنجليزية State land، والإفتاء Free Legal Opinion، والفقيه Eminent Jurist، وتفسير القرآن Quranic Exegesis، والفقه Jurisprudence، وغنائم الحرب Spoils of war، والزكاة Poor rate، والجزية Capitation tax، وابن السبيل Wayfarer، وامتناع الكهّان عن الزواج Priestly celibacy، والطرد من الكنيسة Excommunication، والزهد Asceticism، والجبرية أو القول بالقضاء والقدر Fatality، وإخوان الصفا Brethren of sincerity ..
وهناك أسماء الدّول والمدن والأماكن القديمة مثل بلاد الرافدين Mesopotamia، والحبشة Abyssinia، ويافا Jaffa، وعكا Acre، والناصرة Nazareth، ودولة بني العباس Abbasids، والأمويين Umayyads، وانطاكية Antioch، والمدائن Ctesiphon، واللاذقية Laodicea، وتدمر Palmyra، وقشتالة Castile، وطنجة Tangier، والبتراء Petra، وطبريا Tiberias، وصور Tyre، والديانة الزارادشتية Zoroastrianism، واشبيلية Seville، وصيدا Saidon، ومملكة السومريين Sumerian kingdom، ومملكة حمير Himyarite kingdom، ومملكة الأنباط Nabatean kingdom، والغساسنة Ghassanids، والفاطميين Fatimids، والبطالسة Ptolemies، وقرطاج Carthage، والهلال الخصيب The Fertile Crescent، والمرابطين Almoravids، والموحدين Almohads، والفينيقيين Phoenicians، والاكادييين Akkadians، والكلدانيين Chaldeans، والقسطنطينية Constantinople، والسلاجقة Seljuks، والمماليك Mamelukes، والقياصرة الروس Tsars، والصفويين Safavids، وقوم سدوم وعمّورية Sodom and Gomorra، والكنعانيين Canaanites، والآشوريين Assyrians ، والسومريين Sumerian، ومحاكم التفتيش Inquisitions .. الخ.

وهناك المصطلحات المستخدمة في الأحياء والطبيعة التي يصعب على من ليس متخصّصا في العلوم حفظها واسترجاعها وقت الحاجة، مثل التمثيل الضوئي Photosynthesis، والجرف أو الصدع القاري Continental drift، والعصر ما بعد الجليدي Post-glacial epoch، والفقاريات Invertebrates، والحيوانات آكلات النبات Herbivores، وآكلات اللحوم Carnivores ..
ثم هناك أسماء الأعلام التي لا تخلو كتابتها وتهجئتها من صعوبة ومن ثمّ تحتاج إلى تدوين مثل اسم سكرتير الأمم المتحدة الأسبق داغ همرشولد Dag Hammarskjold، والفيلسوف الألماني نيتشه Nietzsche، واسم الكاتب الروسي الكسندر سولشنيتزن Alexandr Solzhenitsyn ..
وهناك أسماء الأعلام والأماكن والآثار المرتبطة بالحضارات القديمة مثل الفرعون مينا Menes، وخوفو Cheops، وأحمس Amasis، ونبوخذنصر Nebuchadnezzar، ونيرون Nero، وتيمورلنك Tamerlane، وقورش Cyrus، وملوك الفرنجة Frankish kings، ونهر سيحون Oxus، وجيحون Jaxatres، وورق البردي Papyrus، والتحنيط Embalming، والنجاشي Negus، ودارا ملك الفرس Darius of Persia، وقمبيز ابن الملك قوروش Cambyses، والكتابة المسمارية Cuneiform، وشرائع حمورابي Hammurabi's Code Of Law، واتيلا ملك الهون Attila The Hun، وشارليمان Charlemagne، وعصر النهضة الأوربية The Renaissance، وعصر التنوير The Enlightenment ..
وهناك أسماء العلماء العرب القدامى مثل ابن رشد Averroes، وابن سينا Avicenna، وابن الهيثم Alhazen، وابن زهر Avenzoar، وموسى ابن ميمون Moses Maimonides، وابن طفيل Abubacer، وسواهم..
كما يحسن الإلمام بتلك المصطلحات والمفردات المشتقّ بعضها من اللاتينية والتي تتردّد يوميا تقريبا في نشرات الأخبار، مثل طريقة العيش أو أسلوب الحياة Modus vivende، والتفويض المطلق Carte blanche، ومجلس الثورة أو ما يعبّر عنه في أدبيات السياسة العربية بالطغمة العسكرية Junta، والوضع الراهن Status quo، ورصاصة الرحمة Coup de grace، وسياسة حافة الهاوية Brinkmanship Policy، ومجموعات العمل البحثية المستقلة Think tanks، والقائم بالأعمال في سفارة Charge d'affair، وروح الجماعة Esprit de corps، وعملية القولبة الإعلامية السلبية Stereotyping، والشيطنة أي التعامل مع الآخر باعتباره عدوّا أو شيطاناDemonization ، والاسلاموفوبيا أو ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام Islamophobia . ومؤخرا شاع استخدام مصطلح Eurabia في وسائل الإعلام الغربية في معرض الحديث عن مستقبل أوربا في ظل تنامي أعداد المسلين الذين يعيشون هناك ورفضهم الاندماج في الثقافة الأوربية.
وأختم بقصاصة أخيرة تتضمن ثلاثة مصطلحات جديدة نسبيا لكنها دخلت الخطاب السوسيولوجي والإعلامي بقوّة في الفترة الأخيرة..
وأولها هو مصطلح الـ Spin doctor ، ولعلّ افضل ترجمة له هي الفقيه الإعلامي، وهو خبير تستعين به الحكومة لاقناع الرأي العام فيها بصوابية معالجتها لقضية أو مشكلة ما. كما تطلق التسمية على خبراء الدعاية الذين يروّجون أو "يبيعون" شخصا ما للجمهور. ومثال ذلك استعانة مارغريت ثاتشر بشركة "ساتشي اند ساتشي" للترويج لحملتها الانتخابية، واستعانة بيل كلينتون برجل الإعلام والدعاية المشهور ستيفانوبولوس ليقود حملته الانتخابية. ومهمّة الفقيه الإعلامي تقوم على فهم عميق لاتجاهات الناس وأساليب تفكيرهم واكتشاف طريقة إقناعهم بهذه الفكرة أو بذلك الشخص.
أما المصطلح الثاني فهو التشـيّؤ Reification، وهو مصطلح ابتدعه الناقد المجري جورج لوكاتش، ويعني تحوّل العلاقات بين البشر إلى ما يشبه العلاقات بين الأشياء ومعاملة الناس باعتبارهم مجرّد وسيلة للتبادل وليس اكثر.
والمصطلح الثالث هو التسلّع Commodification اشتقاقا من كلمة سلعة، وهو مصطلح يشير إلى أن السلعة هي الشيء الأعظم والنموذج الكامن في رؤية الإنسان للكون ولذاته ولعلاقاته مع الآخر والمجتمع. ومن ثم لا بدّ من تحويل العالم إلى حالة السوق وربطه مع ظروفها ومتغيّراتها.

الاثنين، مارس 13، 2006

في التسامح بين الأديان

لقد صار قلبي قابلا كلّ صورة‏‏
فمرعى لغزلان ودير لرهبـان‏‏
وبيت لأوثان وكعبـة طائف‏‏
وألواح توراة ومصحف قرآن‏‏
أدين بدين الحبّ أنّى توجّهت‏‏
ركائبه فالحب ديني وإيمانــي‏‏
- محيي الدين بن عربي

شاهدتُ على إحدى القنوات التلفزيونية منذ أيّام تحقيقا مصوّرا من مدينة بنغالور الهندية، ظهر فيه آلاف من الرجال والنساء وهم يطوفون حول تمثال ضخم لامرأة، بينما انشغل البعض منهم في سكب كميّات هائلة من الحليب والعسل على رأس التمثال وذقنه وصدره وهم يردّدون أناشيد وأدعية دينية.
وقد فهمت ممّا أورده التحقيق أن تلك المجموعة تنتمي إلى طائفة من طوائف الهندوس الكثيرة يسمّون بـ "الجيـن Jainism " يحجّون إلى ذلك المكان المقدّس مرّة كل ثلاث عشر سنة ليطهّروا أنفسهم من الذنوب ويطلبوا البركة من كبير الآلهة.
وقد خطر بذهني وأنا أتابع ذلك المنظر المهيب أن الحجّ كعادة طقوسية موجود في كافة الأديان تقريبا. ثمّة دائما من يحجّ، حيناً إلى تمثال وأحيانا إلى بناء أو صرح أو معلم ما. وهناك منّا من لا يتردّد في وصف هذا النوع من الطقوس بالوثنية وغياب العقل. مع أن العقل نفسه يقف عاجزا أحيانا عن استيعاب أو فهم بعض الطقوس التي يمارسها اتباع الديانات التوحيدية الكبيرة. حتى الوثنية تعتبر مفهوما نسبيا وفضفاضا برغم ما ترسّخ في وعينا الجماعي عن هذه المفردة من دلالات لغوية وفلسفية بالغة السلبية.
داروين وأتباع نظرية النشوء والارتقاء يزعمون أن البشر، إذ يحجّون، إنما يترسّمون خطى أسلافهم من القرود التي أدّت جماعة منهم الحجّ قبل حوالي خمسين مليون عام، وان الحجّ بمعناه العام يتضمّن فكرة العودة إلى الأسلاف والتوق إلى الماضي والحنين إلى الأمكنة التي درج عليها الأقدمون. وفي هذه الطقوس رمز للاتصال بالماضي والتطهّر والتسامي والتحوّل النفسي والروحي ومحاولة التحرّر من الإحساس بالغربة في هذا العالم الفاني.
ومنذ يومين قال لي صديق ونحن نتناقش في هذا الموضوع أن هناك طائفة أخرى من الهندوس دأب أفرادها على أداء فريضة حجّ خاصة بهم مرّة في السنة. وهؤلاء يتوجّهون إلى المكان المخصّص لحجّهم بشعور طويلة ولحى كثة منسدلة على بطونهم. بل وحتى أعضاؤهم التناسلية – يقول الصديق - يمكن رؤيتها بوضوح وهي تتدلّى من تحت تلك الأسمال البالية التي يشدّونها على خصورهم قبل أن يتخفّفوا تماما من لباسهم لحظة وصولهم إلى النهر المقدّس.
وعندما يصل الموكب إلى وجهته يقوم رجال الشرطة بفرض طوق على المكان يوفّر الحماية للحجاج ويمنع عنهم نظرات المتطفّلين والدخلاء.
طبعا لو أخضعنا هذه الحالة لتفسيرات داروين وجماعته لقالوا لنا إن نبذ هؤلاء للباس وتعمّدهم المشي وهم عراة فيه أيضا مضاهاة لحياة الأسلاف الذين كانوا يعيشون على الفطرة ولا يكادون يجدون ما يسترون به عريهم أو يسدّ جوعهم.
خلاصة الكلام أن جميع الأديان والعقائد تستند إلى نظم وشعائر وتعبيرات سلوكية غاية في التركيب والتعقيد تشكّلت عبر مئات أو آلاف السنين، وورثها اتباع تلك الديانات جيلا بعد جيل. وهي وإن تباينت في مظاهرها وتجلياتها إلا أنها تلتقي في النهاية عند كونها تعبيرا عن حاجة الفرد لاثراء تجربته الروحية من خلال ربطها بقوّة أو قوى ميتافيزيقية عُليا.
إننا لو ولدنا في الهند لكنّا الآن هندوسا نحجّ إلى تمثال تلك المرأة العارية ونصبّ على رأسها الحليب والعسل، ولو ولدنا في الصين أو التيبت لكنّا اليوم على دين بوذا ذلك الرجل الطيّب، لان المرء على دين أبيه وأسلافه.
هذه الاختلافات والتمايزات بين الأديان تفرض على البشر أن يكونوا اقل دوغماتية وتعصبّا لدياناتهم الخاصّة وأن يكونوا اكثر انفتاحا وتسامحا مع اتباع الديانات الأخرى، وأن يتفهّموا حقّ كل إنسان في اختيار الطريق المناسب الذي يعتقد انه يوصله إلى الحقيقة.

السبت، مارس 11، 2006

إلا كبرق سحابة

عندما كنا أطفالا، كان مشهد خيوط البرق الفضّية وهي تتراقص على صفحة السماء الليلية الملبّدة بالغيوم مشهدا يبعث في نفوسنا مشاعر متناقضة من الخوف والفرح. الخوف مما تخبّئه الطبيعة من مفاجآت، والفرح بنزول المطر وجريان السيول عبر الأودية والجبال والسهول، وهو حدث كان في كثير من الأحيان يوفّر مبرّرا كافيا لغيابنا عن المدرسة في اليوم التالي. وكان ذلك في حد ذاته باعثا لسرورنا وفرحنا.
وفي التراث العربي هناك ارتباط وثيق بين ظاهرة البرق وبين أحوال المحبّة والعشق. ويزخر الشعر والنثر العربي بإشارات تشبّه وجه الحبيبة بسنا البرق. وقد لاحظت على وجه الخصوص أن هذه السمة واضحة اكثر في الشعر الأندلسي من خلال قصائد ابن زيدون وابن خفاجة وغيرهما من كبار شعراء ذلك العصر. ولا غرابة في ذلك، فالطبيعة الأندلسية الساحرة وما اشتملت عليه من نسيم عليل وماء وفير وخضرة باسقة وحضور دائم للغيث والمطر، كل ذلك كان موردا مهمّا غرف منه شعراء ذلك الزمان ووظفوا مفردات الطبيعة الخلابة في أغراض شعرهم ومواضيع نثرهم المتنوّعة والمختلفة.
لكن في العصور القديمة كانت النظرة إلى البرق مختلفة تماما. إذ كانت هذه الظاهرة تتحكّم في حياة الناس وتؤثر على ثقافات شعوب بأسرها.
في بلاد فارس، مثلا، كان الناس ينظرون إلى البرق باعتباره مظهرا من مظاهر الغضب الإلهي، وفي اليونان القديمة استخدم كبير الآلهة "زيوس" البرق لاعلان بداية حرب طروادة.
أما الرومان فقد كانوا يعتقدون أن اله البرق، واسمه جوف، هو الذي يرسل اللهب على هيئة وميض برق ليعاقب به الأشرار والمسيئين ويحذّر من خلاله الإمبراطورية من عواقب السلوك الخاطئ.
وتشير الأساطير الاسكندينافية أيضا إلى النزعات الطقوسية للآلهة آنذاك، حيث كان الإله "تور" ذو الشعر الأحمر يرسل من وقت لاخر شواظا من ناره المقدّسة ليصبّها على رؤوس الخاطئين والمنحرفين من أهل الأرض.
وكان الناس في القرون الوسطى يعتقدون بأن شجرة السنديان تحمي من ضربات البرق وغيره من عناصر الطبيعة الخطرة، ولهذا السبب كانوا يعلقون أغصان تلك الشجرة في البيوت والكنائس طلبا للامان، لكن ثبت في ما بعد أن لا أساس علميا لهذا الاعتقاد.
واليوم، ورغم تقدّم العلم وكثرة الدراسات التي تبحث في كنه الظواهر الجوية، ما يزال البرق ظاهرة يحيطها الكثير من الغموض. وكل ما نعرفه حتى الآن هو أن البرق يحدث نتيجة تفريغ الشحنات الكهربائية بين الغيوم الممطرة أو بين السحاب الممطر والأرض. وعندما تصطدم خيوط البرق بالهواء البارد تحدث صوت ارتجاج عنيف هو ما نسميه بالرعد. ورغم أن الرعد يصدر أصواتا وفرقعات مخيفة، فإن العلماء متفقون على عدم خطورته. الخطر الحقيقي يكمن في البرق نفسه وفي العواصف التي تترافق معه والتي تحصد سنويا أرواح المئات من الناس في بعض البلدان.
وهناك الآن أناس ليس لهم من مهنة أو اهتمام سوى مطاردة العواصف الرعدية والأعاصير ومتابعة أماكن تشكلّها وخطوط سيرها. ومن هؤلاء علماء يسعون إلى معرفة المزيد من أسرار عناصر الطبيعة ومصوّرون مدجّجون بآخر تكنولوجيا التصوير الفوتوغرافي لاصطياد اللقطات المثيرة في المشهد الكوني الفريد الذي يظهر الطبيعة في أوج تمردّها وعنفوانها.
الموقع التالي يضمّ مجموعة من الصور الرائعة لظاهرة البرق التقطها بعض المصوّرين المحترفين وسجّلوا من خلالها مشاهد من سمفونية الطبيعة الهادرة عبر مشاهد اختلطت فيها الألوان والظلال والعناصر على نحو يندر أن يتكرّر..

السبت، فبراير 25، 2006

--

الأحد، يناير 29، 2006

إطلالة على الموسيقى الإيرانية

التعرّف على ملامح وسمات الموسيقى الفارسية يقتضي أولا إلقاء نظرة على موسيقى الدول المجاورة لايران، بالنظر إلى أن البلدان التي أثّرت في تلك الموسيقى أو تأثرت بها كانت جزءا من إيران في الأزمنة القديمة، أو بحكم القرب الجغرافي منها.
وبالإضافة إلى العلاقة مع البلدان المجاورة، هناك عاملان آخران يؤكّدان التأثير الموسيقي المتبادل، وأولهما موقع إيران الكائن في منتصف المسافة تقريبا بين الشرق والغرب. والثاني يتمثل في العبور المتكرّر لأراضي فارس من طرف قبائل متعدّدة تنتمي إلى ثقافات وخلفيات حضارية مختلفة. وكل ذلك ترك أثرا مهما على الثقافة الفارسية بشكل عام.
يشير الباحث الموسيقي الإيراني فتح الله ناصح بور إلى أن السجلات التاريخية القديمة تؤكّد وجود موسيقى ذات سمات مختلفة، ولكن متكاملة، في فارس القديمة. وأقدم تلك السجّلات ختم قديم يعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد ُعثر عليه عن طريق الحفر في بلدة شوغاميش القريبة من ديزفول. ويظهر الختم اقدم أدوات موسيقية في العالم وتتكوّن من آلتي الهارب والطبل الموسيقيتين.
ومن ناحية أخرى، هناك ما يشير إلى تأثّر الموسيقى الفارسية بالموسيقى الهندية التي يعتقد أن لها صلة وثيقة بموسيقى سيلان وباكستان وبنغلاديش.
وهذا ليس بالاكتشاف الجديد إذ أتى على ذكره المؤرّخ المعروف ابو الريحان البيروني.
والتأثير الذي تركته الهند على الموسيقى الإيرانية واضح تماما من موسيقى اريان التقليدية التي تشكّل قصّة الغجر الهنود اشهر سماتها.
ويتحدث ناصح بور عن بهرام الذي طلب من زوج والدته الذي كان ملكا على الهند أن يرسل 1200 موسيقي إلى إيران لكي يمتّعوا الإيرانيين بموسيقى الهنود.
ويمكن تعقّب الأثر الذي لعبه الهنود في الموسيقى الإيرانية من خلال الآلات الموسيقية الهندية الشائعة في الموسيقى الإيرانية مثل الفان والداراي.
لكن تأثير الموسيقى الإيرانية على موسيقى الهند يعدّ اكثر وضوحا، ويعزى ذلك إلى وجود موسيقيّين إيرانيين في بلاط الملك الهندي اكبر شاه، واشهر أولئك الموسيقيين أمير خسرو دهلوي الشاعر والموسيقي والمغني الشهير.
والموسيقى الهندية اليوم تعتمد على أسلوبين أحدهما يسمى الهندوستاني وهو شائع في شمال الهند وتعود جذوره إلى الموسيقى الإيرانية.
ولا يمكن إغفال الدور الحاسم الذي لعبته الصين في التبادل الثقافي والموسيقي مع الأمم المجاورة ومن بينها إيران. فهناك أدوات موسيقية إيرانية عديدة تم نقلها إلى الصين ومن ثم تأثرت هناك ببعض خصائص الموسيقى الصينية. ومنها آلة السورنا وآلة الباربات أو العود الإيراني الذي انتقل في فترة لاحقة إلى اليابان.




ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن ثقافة الاوغور الأتراك تأثرت هي الأخرى بالثقافة الإيرانية وبالآلات الموسيقية الفارسية مثل الطار والكوشتار والداب الخ..
ويعتقد على نطاق واسع – يقول الناقد الموسيقي الإيراني - أن الشرق هو مصدر الآلات الموسيقية الغربية المعروفة اليوم.
فقد اخذ المسلمون معهم إلى أوربا معظم تلك الآلات عبر جنوب شرق بيزنطة وشمال أفريقيا خلال القرون الوسطى.
وعندما وصلت آلة الباربات الموسيقية الإيرانية والمعروفة عند العرب بالعود، عندما وصلت إلى أوربا أصبحت تسمى اللوت Lute ، وبعد أن أجريت عليها بعض التعديلات تحوّلت إلى آلتي الغيتار والماندولين.
بل لقد ثبت أن الكلمة الفرنسية التابور مشتقة من كلمة التابيرا الإيرانية. والتابور كان آلة موسيقية استخدمت في أوربا خلال القرون الوسطى.
لكن ما هو التأثير الذي تركه الأوربيون على الموسيقى الإيرانية خلال القرنين الأخيرين؟
يقول ناصح بور: يمكن القول أن هذا التأثير يعود إلى الحقبة القاجارية في إيران، عندما تمّ إدخال الآلات الموسيقية العسكرية الأوربية إلى إيران مع البنادق والمدافع وأنظمة الجيوش الأوربية.
وفي ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية عندما كانت إيران على علاقة وئام مع روسيا القيصرية ، وصل وفد روسي إلى تبريز بصحبة أوركسترا من 30 عازفا أدّوا حفلا موسيقيا على شرف وليّ العهد آنذاك عبّاس ميرزا الذي اعجب بالعزف وقرّر على الفور تشكيل فرقة اوركسترالية متخصّصة في عزف الموسيقى العسكرية.
وتلك كانت بداية تأثر الموسيقى الإيرانية بالأنساق الموسيقية الأوربية. وبعدها أضيف قسم جديد لمدرسة دار الفنون حيث أصبحت تدرّس الموسيقى العسكرية لاول مرة.
واصبح الفيولين أو الكمان أحد الآلات الموسيقية الأوربية التي أصبحت شائعة في عهد ناصر الدين شاه بعد تأسيس دار الفنون.
وفي مرحلة لاحقة دخلت الأوبرا خريطة الموسيقى الإيرانية للمرة الأولى على يد الموسيقيين القوقاز المقيمين في إيران في ذلك الوقت.
وقد كشفت الدراسات الحديثة النقاب عن أن اصل الموسيقى اليونانية يعود إلى الشرق.
أما الموسيقى التركية فيجمعها بالموسيقى الفارسية الكثير من السمات المشتركة لدرجة يصعب معها أن نضع فاصلا أو حاجزا بينهما. ويمكن القول إن الموسيقى الإيرانية تشكّل أحد الأسس المهمة للموسيقى التركية.
وعقب انهيار الدولتين الآشورية والبابلية في القرن السادس قبل الميلاد حصل اندماج ما بين حضارتي فارس والهلال الخصيب لتكوّنا حضارة اكثر قوّة وثراءً.
وقد تأثرت الموسيقى المصرية بالموسيقى الفارسية، ومن مظاهر ذلك التأثر حضور آلات موسيقية فارسية في الموسيقى المصرية مثل الكمان "الكمنجة بالفارسية" والسانتور "وهو آلة قريبة الشبه من القانون"، بالإضافة إلى شيوع المقامات الموسيقية الإيرانية المشهورة في موسيقى مصر مثل مقامات الشاهراجا والسيكا والاصفهاني والنهاوند والسوزناك والرست والباستينيجار.

هامش:
موسيقى إيرانية: حسين عليزاده ، عزف على السانتور ، سيما بينا ، فارامارز بيفار ، هايدي ، محمّد رضا شجريان ، شاكيلا ، شهرام ناظري ، آزام علي

الخميس، يناير 05، 2006

سلوكيّات خاطئة

تحدّث أحد الاخوة عن ملاحظة لمسها بعد زيارته مؤخّرا لمكّة المكرّمة، فقال إن مكّة تعتبر من اوسخ المدن في العالم، لسبب بسيط هو أن من يحجّ إليها كلّ عام هم المسلمون؛ اكثر شعوب العالم تخلفا وجهلا ووساخة.
وقال انه رأى كمّية هائلة من القاذورات وأطنانا من المخلفات التي يتركها الحجاج والزائرون في المشاعر، ولم تفلح كافة أساليب الدعوة والإرشاد في توجيه الكثير من الأفارقة والآسيويين وتوعيتهم بأهمية التزام النظافة والنظام في المشاعر.
طبعا الزميل لم يكن يتكلم عن مكّة من حيث كونها رمزا روحيا وعاصمة مقدّسة للمسلمين، وانما عن مكّة - المدينة بمرافقها وشوارعها وساحاتها وعن مرتاديها من معتمرين وزوّار الخ..
وكنت قد ذهبت في نهاية رمضان الماضي إلى مكّة لاداء العمرة، ودهشت من حجم القذارة التي رأيت.
تلال عظيمة من القمامة وروائح كريهة تطاردك أينما حللت أو تنقلت.
والأمر لا يتعلق بتقصير الإدارات والأجهزة المعنية بالحفاظ على نظافة المكان فهي تبذل الكثير من الجهود المضنية والمشكورة، وإنما بإهمال المعتمرين والزوار الذين يؤمّون الحرم الشريف ولا يأبهون كثيرا بنظافة المكان إلى ما سوى ذلك من التصرّفات التي أصبحت للأسف مرتبطة بحال المسلمين وعالمهم المتخلف.
والأمر الادهى والأكثر إيلاما من هذا أن الكثير من المؤمنين لا يهتمون حتى بنظافتهم الشخصية، بدليل تلك الروائح القاتلة التي تخرج من أجساد بعضهم.
هذا مع أننا كنا نطوف قبيل صلاة الفجر، ولك أن تتخيّل قسوة تلك الروائح وقت الضحى أو الظهيرة.
تعجّبت مما رأيت، وبعض من كان معي سعى جاهدا للحصول على كمّامات يضعها على انفه ووجهه، وبعضنا صرف النظر عن فكرة العمرة من أساسها وفضّل أن ينسحب من المسجد ويكتفي بالصلاة في الساحة الخارجية، فيما لم يستطع البعض الثالث مقاومة رغبته في التقيؤ جرّاء تلك الروائح التي تتأفّف منها حتى الدوّاب.
وتساءل البعض ألا يستحمّ هؤلاء! ألا يغتسلوا! ألا يراعوا حرمة المكان ويحترموا مشاعر الطائفين والركّع السجود! ألم يعلموا أن من أهمّ شروط الصلاة طهارة الجسد!
ولم يخفّف من غلواء تلك الروائح رؤية بعض العمال والسدنة وهم يطوفون بالبخور بين جموع المصلين والمعتمرين في الساحات وعبر الأروقة محاولين الموازنة بين الروائح. لكن كيف يوازنون، وماذا يبخّرون وماذا يتركون!
وفي وسط تلك المعمعة، كانت تهبّ علينا بين الحين والآخر نسمات عطرة تخيلناها آتية من الجنّة. أخلاط شتى من روائح شذيّة مصدرها مؤمن مارّ أو مؤمنة عابرة. لكنها سرعان ما كانت تتبخّر وتتلاشى وسط ذلك الجوّ المشبع بالعفن والرطوبة.
والمشكلة أن بعض الزائرين كان يسعل ولا يتوانى عن البصاق في أيّ مكان ودون أن يأبه بمشاعر الناس من حوله.
وفي مكان غير بعيد من مقام إبراهيم شهدت مشادّة حامية بين معتمر نيجيري واخر باكستاني لان الثاني داس على طرف سجّادة الأول عن غير قصد. وذهلنا لسوء خلق النيجيري وتلفظه بكلمات نابية دون مراعاة لقدسيّة المكان. ولم ينه الخناقة سوى تدخّل الحرّاس والجنود.
وخارج الحرم مباشرةً فوجئنا بتلوّث من نوع آخر، وكما لو أن الروائح لم تكن كافية، إذ صكّ أسماعنا صوت واعظ كان ينطلق من جهاز تسجيل موصول بميكروفون ضخم تمّ نصبه عند مدخل إحدى العمائر، فوضعنا أصابعنا في آذاننا والتمسنا اقصر طريق يبعدنا عن تلك الشوشرة. وعلق أحدنا بقوله: كان الله في عون سكان هذا الحيّ، كيف لمرضاهم أو لأطفالهم أن يناموا أو يرتاحوا مع كل هذا الضجيج والصراخ المتواصل، وكيف يتصوّر بعض الناس أن الله يمكن أن يثيبهم ويكافئهم وهم يزعجون خلق الله ويقلقون راحتهم بمثل هذه الأساليب الهمجية والبعيدة كل البعد عن الدين وقواعد الذوق السليم!
غادرنا البلد الحرام وما أن وصلنا إلى البيت حتى تمدّدنا كأعجاز النخل من فرط التعب، ووقعنا لأيام فريسةً لاعراض شتّى من الحمّى إلى الغثيان إلى الإنهاك والإسهال، ويبدو أننا التقطنا من هناك كافة أنواع الفيروسات الموجودة على الأرض. ولم يخفّف من تعبنا قول البعض وهو يعزّينا: الأجر على قدر المشقة!
المهم حدّث ولا حرج عن الوساخة وأرتال القمامة والإزعاج، ومن حقّك بعد ذلك أن تقارن بين حال المسيحيين وحال المسلمين. بين ساحة كنيسة سينت بطرس والمسجد الحرام. من المؤكد أن مكّة لو كانت مزاراً للمسيحيين لأصبحت مدينة تنافس في نظافتها وجمالها مدينة روما.
هنا جهل وفوضى وقذارة وتخلف، وهناك نظافة وانضباط ووعي ومراعاة لقدسيّة المكان.

الثلاثاء، يناير 03، 2006

معجزة انشقاق البحر بين الدين والعلم

شاهدتُ منذ أيام على إحدى الفضائيات الأجنبية فيلما عنوانه "موسى" يحكي قصّة حياة النبيّ موسى عليه السلام وكيف تمكّن من إنقاذ قومه واخراجهم من التيه وظلم الفرعون.
كان الفيلم ممتازا من ناحية الكتابة والإخراج كما كان الممثلون رائعين بكل معنى الكلمة.
الإخراج والتصوير في الفيلم مبهران وكانت هناك براعة استثنائية في تصوير ذلك الموقف الجليل عندما كلّم الربّ موسى فوق الجبل، كما برع مخرج الفيلم في تمثيل المشهد الذي يصوّر موسى وهو يتحدّى سحرة فرعون عندما ألقى عصاه فإذا بها تتحوّل إلى حيّة ضخمة تلتهم أفاعي السحرة وسط ذهول الفرعون وحاشيته.
ولم يكن تصوير منظر البحر وهو ينشقّ مفسحا لموسى وقومه فرصة الهرب من أذى فرعون بأقلّ جلالا ومهابة. ودهشت على وجه الخصوص وأنا أتساءل كيف أمكن لفريق عمل الفيلم أن يحشدوا كل ذلك العدد المهول من الناس، رجالا ونساءً واطفالا، في تلك البقعة الضيّقة المحصورة بين الماء واليابسة، وكيف تسنّى للفريق السيطرة على ذلك الحشد الكبير وتوجيههم والتحكّم في حركاتهم وانفعالاتهم بحيث يأتي أداؤهم بمثل تلك الدرجة العالية من التناغم والدّقة والإقناع.
لكن طبقا لدراسة جديدة قام بها عالما رياضيات روسيان، فإنّ معجزة افتراق البحر الأحمر ومن ثم تمكّن اليهود من الهرب من العبودية في مصر لم يتطلب اكثر من ليلة شديدة العواصف وجرف بحري ساعد موقعه الاستراتيجي على تحقّق المعجزة.
هذه الدراسة استغرقت ستة أشهر واعتمدت على نظريات اسحق نيوتن وعلى ما ورد في الإنجيل "سفر الخروج" عن قصّة المعجزة التي حدثت زمن النبيّ موسى.
يقول العالمان الروسيان نعوم فولتزينيغر والكسي اندروسوف اللذان اجريا الدراسة إن الجرف البحري الموجود في البحر الأحمر كان في الأزمنة الإنجيلية قريبا جدا من سطح الماء ويبدو أن سرعة الرياح في تلك الليلة المشهودة كانت حوالي 300 متر في الثانية.
وقد قطع اليهود (كانوا حوالي 60000) مسافة الكيلومترات السبعة التي تفصل ما بين الضفّتين في حوالي أربع ساعات. وبعد نصف ساعة من بلوغهم البرّ عاد المدّ مرّة أخرى إلى حالته الأولى بعد أن استجاب الله لدعاء موسى.
ويضيفان: هذه الأيام لا يمكن أن يتكرّر ذلك الحدث، فالحيد البحري لم يعد موجودا بعد أن أزيل من مكانه لتمكين السفن من العبور وبالنتيجة أصبحت المياه اكثر عمقا.
طبعا لم ينس العالمان اللذان يبدو من اسميهما انهما يهوديان أن يمجّدا اليهود "الذين كافأهم الله على قوّة إيمانهم بتخليصهم من عبودية المصريين وتحقيق حلمهم بالعودة إلى ارض الميعاد".
الجدير بالذكر أن حادثة افتراق البحر الأحمر شغلت الناس لزمن طويل، وكان الفيلسوف توما الاكويني الذي عاش في القرون الوسطى قد أكد احتمال وقوعها.
لو صحّت استنتاجات هذين العالمين، فإنها تؤكّد على أن الله عزّ وجلّ قادر على تسيير الأمور واجتراح المعجزات مهما بدا أنها صعبة أو مستحيلة التصوّر، لكنه يفعل ذلك وفقا لنواميس الكون وقوانين الطبيعة الثابتة.