تنقل الكاتبة الصينية "سان ماو" عن بوذا قوله: يجب على شخصين أن يعيشا مائة حياة ليلتقيا في نفس القارب، وعليهما أن يعيشا ألف حياة لينتهي بهما الأمر إلى أن يصبحا زوجا وزوجة".
كتاب سان ماو "حكايات من الصحراء" يشبّهه بعض النقّاد بكتاب" ألف ليلة وليلة" بسبب تأثيره على آلاف القرّاء في أماكن كثيرة من العالم. وهو عبارة عن مجموعة من الانطباعات الشخصية لامرأة صينية تتناول فيها قصّة زواجها من رجل إسباني ومغامراتهما في الصحراء الكبرى أو ما كان يُعرف في السبعينات بالصحراء الإسبانية.
تقول الكاتبة في مستهلّ الكتاب أنها قرأت ذات يوم في أوائل سبعينات القرن الماضي مقالاً مصوّرا عن الصحراء الكبرى، وأدركت أنها يجب أن تذهب إلى هناك. وكتبت: لم أستطع أن أفهم الشعور بالحنين الذي أحسست به والذي لا يمكن تفسيره تجاه تلك الأرض الشاسعة وغير المألوفة. بدت لي كصدى من حياة سابقة".
وفي عام 1973، في سنّ الثلاثين، سافرت سان ماو بالفعل لتحطّ الرحال أخيرا في "العيون" عاصمة الصحراء التي طالما حلمت بها. وبعد وقت قصير، التقت شخصا اسبانيّاً يُدعى خوسيه. وعندما اكتشف خوسيه، الذي سيصبح زوجها المستقبلي، أن سان ماو أحضرت معها رزمة من المال هديّة من والدها، رمقها بنظرة طويلة ثم قال لها: لقد أردتِ أن تأتي إلى الصحراء لأنك رومانسية عنيدة، ولكنك سوف تملّين منها قريباً". ثم عرض عليها حلّاً وسطا: بمجرّد أن تري كل ما تريدين رؤيته وتنتهي من رحلتك هنا سنعود معا إلى إسبانيا".
كان خوسيه يعرف أن الصحراء هي حلم سان ماو وهوسها الكبير. لذا وافقت على وضع المال في البنك والعيش فقط على ما يمكن أن يجلبه خوسيه. ففي النهاية هي ليست هنا فقط لتنظر وتشاهد، بل أيضا لتعيش.
القصص التي ترويها سان ماو في كتابها تشكّل تضاريس نفسية لرحلة داخلية: الجدل مع الجيران، بيع الأسماك في الشوارع، الهروب من أيدي عصابة، المعاناة من حجر ملعون، مطاردة أجسام طائرة مجهولة. شهادة ثنائية لا تنفصل بين الحبّ والقسوة، بين المرأة والصحراء.
كتاب سان ماو "حكايات من الصحراء" يشبّهه بعض النقّاد بكتاب" ألف ليلة وليلة" بسبب تأثيره على آلاف القرّاء في أماكن كثيرة من العالم. وهو عبارة عن مجموعة من الانطباعات الشخصية لامرأة صينية تتناول فيها قصّة زواجها من رجل إسباني ومغامراتهما في الصحراء الكبرى أو ما كان يُعرف في السبعينات بالصحراء الإسبانية.
تقول الكاتبة في مستهلّ الكتاب أنها قرأت ذات يوم في أوائل سبعينات القرن الماضي مقالاً مصوّرا عن الصحراء الكبرى، وأدركت أنها يجب أن تذهب إلى هناك. وكتبت: لم أستطع أن أفهم الشعور بالحنين الذي أحسست به والذي لا يمكن تفسيره تجاه تلك الأرض الشاسعة وغير المألوفة. بدت لي كصدى من حياة سابقة".
وفي عام 1973، في سنّ الثلاثين، سافرت سان ماو بالفعل لتحطّ الرحال أخيرا في "العيون" عاصمة الصحراء التي طالما حلمت بها. وبعد وقت قصير، التقت شخصا اسبانيّاً يُدعى خوسيه. وعندما اكتشف خوسيه، الذي سيصبح زوجها المستقبلي، أن سان ماو أحضرت معها رزمة من المال هديّة من والدها، رمقها بنظرة طويلة ثم قال لها: لقد أردتِ أن تأتي إلى الصحراء لأنك رومانسية عنيدة، ولكنك سوف تملّين منها قريباً". ثم عرض عليها حلّاً وسطا: بمجرّد أن تري كل ما تريدين رؤيته وتنتهي من رحلتك هنا سنعود معا إلى إسبانيا".
كان خوسيه يعرف أن الصحراء هي حلم سان ماو وهوسها الكبير. لذا وافقت على وضع المال في البنك والعيش فقط على ما يمكن أن يجلبه خوسيه. ففي النهاية هي ليست هنا فقط لتنظر وتشاهد، بل أيضا لتعيش.
القصص التي ترويها سان ماو في كتابها تشكّل تضاريس نفسية لرحلة داخلية: الجدل مع الجيران، بيع الأسماك في الشوارع، الهروب من أيدي عصابة، المعاناة من حجر ملعون، مطاردة أجسام طائرة مجهولة. شهادة ثنائية لا تنفصل بين الحبّ والقسوة، بين المرأة والصحراء.
❉ ❉ ❉
بعض الناس ينكرون أن لنا -كبشر- جانبا وحشيّا أو فطريّا، ويفضّلون بدلاً من ذلك نعمة الوظيفة والراحة. إذن، ما الذي يدفع الانسان الى هذه الرغبة في التجوال ورفض الاستقرار في مكان واحد كما فعلت سان ماو؟
قدماء البدو الصينيين كانوا يترحّلون بحثا عن شيء ما، الانسجام والتسامي ربّما. ومع ذلك تصف سان ماو شغفها بالترحال، لا كمحاولة للعثور على شيء ما، بل "للعودة إلى الوطن".
يقول الفيلسوف الصيني تشوانغ تشو واصفا القلق: إنه طائر يمتدّ جناحاه إلى مسافات مستحيلة، ينظر إلى السماء الزرقاء اللانهائية، ويتساءل ما إذا كانت النهاية موجودة حقاًّ. الوحشية او الفطرية هي رفض للحدود ورفض للنهايات". في هذه الحياة لا يوجد شيء اسمه فرح خالص، ولكن لا يوجد أيضا الكثير من الحزن. والحياة التي لا تتغيّر تشبه خيوط المغزل، حيث تُنسج الأيّام والسنوات سطرا تلو آخر في نمط رتيب إلى الأبد.
يقول الفيلسوف الصيني تشوانغ تشو واصفا القلق: إنه طائر يمتدّ جناحاه إلى مسافات مستحيلة، ينظر إلى السماء الزرقاء اللانهائية، ويتساءل ما إذا كانت النهاية موجودة حقاًّ. الوحشية او الفطرية هي رفض للحدود ورفض للنهايات". في هذه الحياة لا يوجد شيء اسمه فرح خالص، ولكن لا يوجد أيضا الكثير من الحزن. والحياة التي لا تتغيّر تشبه خيوط المغزل، حيث تُنسج الأيّام والسنوات سطرا تلو آخر في نمط رتيب إلى الأبد.
❉ ❉ ❉
تجارب سان ماو ملهمة ومحزنة في الوقت نفسه. فقد تقبّلها المجتمع الصحراوي في العيون، أحيانا بحماس وأحيانا بعدم ثقة. لقد فتنتها الصحراء باتساعها وقسوتها وعنادها. وهي تصف لحظات العزلة والوحدة، وكذلك لحظات الحبّ والحنان مع زوجها وأصدقائها الإسبان المغتربين وجيرانهم الصحراويين. ونثرُها في الكتاب وصفيّ للغاية، وغالبا ما يكون حزينا، مع إشارات عن الأساطير والأشباح.
تكتب: أحبّ الوحدة بالقدر المناسب. إنها اللحظات الأكثر تحرّرا للروح، ودائما ما أجد صعوبة في الاستمتاع بها مع الآخرين. في الحقيقة من الصعب مشاركة مثل هذا الكنز الشخصي مع أحد. إن الاستمتاع بليالٍ صافية وهادئة يجب أن يكون أمرا شخصيّا، على عكس تناول الطعام الذي يكون أكثر إمتاعا عند مشاركته مع الآخرين."
وتضيف: عندما نستيقظ في الصباح نكون مثقلين بعبء كلّ ما ينتظرنا خلال النهار. إن معرفة أننا يجب أن نواجه يوما مجهولاً يجعلنا نشعر بالتوتّر والحذر. الغروب مختلف، فهو مقدّمة لليلة دافئة، لحظة تحرّرية ومريحة تعلّمنا الاستمتاع بأجمل ما في الحياة."
وسان ماو تجد الجمال في كلّ شيء تقريبا: في قطع الخشب الطافي وأشجار البونساي الثمينة وفي الصحراء المضاءة بنور القمر ليلا. وفي غياب الزهور، تأخذ غصن كزبرة من المطبخ وتثبّته على قبّعتها، وتنطلق وزوجها عبر الكثبان الرملية.
تكتب: أحبّ الوحدة بالقدر المناسب. إنها اللحظات الأكثر تحرّرا للروح، ودائما ما أجد صعوبة في الاستمتاع بها مع الآخرين. في الحقيقة من الصعب مشاركة مثل هذا الكنز الشخصي مع أحد. إن الاستمتاع بليالٍ صافية وهادئة يجب أن يكون أمرا شخصيّا، على عكس تناول الطعام الذي يكون أكثر إمتاعا عند مشاركته مع الآخرين."
وتضيف: عندما نستيقظ في الصباح نكون مثقلين بعبء كلّ ما ينتظرنا خلال النهار. إن معرفة أننا يجب أن نواجه يوما مجهولاً يجعلنا نشعر بالتوتّر والحذر. الغروب مختلف، فهو مقدّمة لليلة دافئة، لحظة تحرّرية ومريحة تعلّمنا الاستمتاع بأجمل ما في الحياة."
وسان ماو تجد الجمال في كلّ شيء تقريبا: في قطع الخشب الطافي وأشجار البونساي الثمينة وفي الصحراء المضاءة بنور القمر ليلا. وفي غياب الزهور، تأخذ غصن كزبرة من المطبخ وتثبّته على قبّعتها، وتنطلق وزوجها عبر الكثبان الرملية.
كان خوسيه مثلها عرضة للأهواء، وكانت أهواؤه أحيانا أكثر خطورة. ذات يوم أحضر لها هديّة. تقول: مزّقت المغلّف بحماس وفتحت العلبة. وفوجئت بجمجمة تحدّق فيّ. كانت جمجمة جمل، عظامها بيضاء متناسقة مع صفّ ضخم من الأسنان المرعبة وثقبين أسودين كبيرين مكان العينين. وغمرتني السعادة. وضعت الجمجمة على رفّ الكتب وأنا أتنهّد فرحا وإعجابا".
وفي أحد أجزاء الكتاب تتساءل: ما الذي يجذبني إلى هذا المكان؟! اتّساع الأرض والسماء أم حرارة الشمس أم هبوب العواصف؟ هناك فرح ما في هذه الحياة المنعزلة وحزن في آنٍ واحد، لدرجة أنني أحبّ هؤلاء الجهلة وأكرههم بنفس الوقت، وهذا أمر مربك للغاية".
وتضيف: لقد وجدت الصحراء ساحرة جدّا، لكنها لم تعِرني أيّ اهتمام، وهذا ما ينبغي أن يكون. كلّ يوم مع غروب الشمس كنت أجلس على سطح البيت حتى تظلم السماء تماما فأشعر بوحدة هائلة في أعماق قلبي".
القصص القصيرة التي ترويها سان ماو في الكتاب تضع الحياة المنزلية والدنيوية على خلفية الصحراء الكبرى القاسية والخارقة للطبيعة. وبصفتها راوية وبطلة، تعمل بجدّ في المطبخ وتهتمّ بغسيل الملابس والأعمال المنزلية وتتنافس للحصول على رخصة سياقة.
وتتعامل الكاتبة مع الحوادث والعقبات على نحو هادئ، وتنظر الى الوحدة السائدة في الصحراء باعتبارها قوّة يجب أخذها في الحسبان بدلاً من التنازل عنها. ومع ذلك، هناك ومضات غريبة وتوقّعات مذهلة في بعض فصول الكتاب؛ لحظات تشير إلى حزن أعظم.
ورغم حبّها للثقافة المحلية، إلا أنها تشتكي بعبارات صريحة من بعض العادات المحلية وتستنكر ما تعتبره جهلا وقمعا في المجتمع الصحراوي، من قبيل الزواج القسري للفتيات في سنّ البلوغ أو ما قبله.
وفي أحد أجزاء الكتاب تتساءل: ما الذي يجذبني إلى هذا المكان؟! اتّساع الأرض والسماء أم حرارة الشمس أم هبوب العواصف؟ هناك فرح ما في هذه الحياة المنعزلة وحزن في آنٍ واحد، لدرجة أنني أحبّ هؤلاء الجهلة وأكرههم بنفس الوقت، وهذا أمر مربك للغاية".
وتضيف: لقد وجدت الصحراء ساحرة جدّا، لكنها لم تعِرني أيّ اهتمام، وهذا ما ينبغي أن يكون. كلّ يوم مع غروب الشمس كنت أجلس على سطح البيت حتى تظلم السماء تماما فأشعر بوحدة هائلة في أعماق قلبي".
القصص القصيرة التي ترويها سان ماو في الكتاب تضع الحياة المنزلية والدنيوية على خلفية الصحراء الكبرى القاسية والخارقة للطبيعة. وبصفتها راوية وبطلة، تعمل بجدّ في المطبخ وتهتمّ بغسيل الملابس والأعمال المنزلية وتتنافس للحصول على رخصة سياقة.
وتتعامل الكاتبة مع الحوادث والعقبات على نحو هادئ، وتنظر الى الوحدة السائدة في الصحراء باعتبارها قوّة يجب أخذها في الحسبان بدلاً من التنازل عنها. ومع ذلك، هناك ومضات غريبة وتوقّعات مذهلة في بعض فصول الكتاب؛ لحظات تشير إلى حزن أعظم.
ورغم حبّها للثقافة المحلية، إلا أنها تشتكي بعبارات صريحة من بعض العادات المحلية وتستنكر ما تعتبره جهلا وقمعا في المجتمع الصحراوي، من قبيل الزواج القسري للفتيات في سنّ البلوغ أو ما قبله.
❉ ❉ ❉
بالنسبة لجيل القرّاء الصينيين الذين خرجوا للتوّ من الثورة الثقافية ولديهم شغف جامح بالتجوال والهروب من الأعراف الاجتماعية الصارمة، كان لكتاب سان ماو أثر عميق.
وفي تايوان، صنعت المؤلّفة لنفسها اسماً ككاتبة تتمتّع بصراحة ملحوظة وبفهم بارع للسرد، إلى جانب شخصية أكبر من الحياة. كانت تُعرف باسم المرأة المتجوّلة في الصحراء، القادرة على سحر الغرباء أو التفوّق عليهم في كلّ منعطف.
والكاتبة تقدّم نموذجا مختلفا تماما من المرأة الصينية والصور النمطية الشائعة عنها في ذلك الوقت. فهي بلا شكّ روح حرّة تتبع مسارها الخاص، سواءً كان في الحبّ أو السفر أو أسلوب العيش. وقد ألهمت جيلًا كاملاً من النساء الصينيات، اللاتي نشأن في ظلّ حالة من عدم اليقين السياسي والمعايير المحافظة.
أحد النقّاد يصفها بقوله: كانت سان ماو امرأة متحرّرة خالفت كلّ القواعد وفعلت ذلك بابتسامة مرحة ومشاكسة. وعند قراءة قصصها كان أكثر ما أغراني هو الجمع بين صوتها وروحها التي لا تُقهر، وهي الروح التي تمكّنت من التوفيق بين حلمها بأن تكون أوّل مستكشفة أنثى تعبر الصحراء الكبرى وواقع المشقّة المؤلمة لعيشها في أرض قاحلة."
وسان ماو تكتب بأسلوب يلامس جوهر الموضوع. لا تهدر الكلمات في تفاصيل غير ضرورية أو أوصاف مضخّمة، وتسرد الأحداث بإيجاز دون أن تؤثّر على فهم القارئ لما حدث. ورغم أن نثرها وشخصيّتها العامّة عرضة للانتقاد، فإن جاذبيتها أثبتت أنها دائمة. فقد عاش قراؤها في الصين في سبعينات وثمانينات القرن الماضي من خلال حكاياتها خلال حقبة سياسية لم يكن بوسع سوى قلّة من الناس السفر إلى أماكن بعيدة وواسعة.
كانت تمثّل قيم "الحرّية والفضول والإيمان باللطف الإنساني" بالنسبة لمعاصريها. وكانت الكتابة بمثابة البلسم لوحدتها ووسيلة لنقش المنطق والنظام على واقع مربك ومهين للإنسانية في بعض الأحيان.
والكاتبة تقدّم نموذجا مختلفا تماما من المرأة الصينية والصور النمطية الشائعة عنها في ذلك الوقت. فهي بلا شكّ روح حرّة تتبع مسارها الخاص، سواءً كان في الحبّ أو السفر أو أسلوب العيش. وقد ألهمت جيلًا كاملاً من النساء الصينيات، اللاتي نشأن في ظلّ حالة من عدم اليقين السياسي والمعايير المحافظة.
أحد النقّاد يصفها بقوله: كانت سان ماو امرأة متحرّرة خالفت كلّ القواعد وفعلت ذلك بابتسامة مرحة ومشاكسة. وعند قراءة قصصها كان أكثر ما أغراني هو الجمع بين صوتها وروحها التي لا تُقهر، وهي الروح التي تمكّنت من التوفيق بين حلمها بأن تكون أوّل مستكشفة أنثى تعبر الصحراء الكبرى وواقع المشقّة المؤلمة لعيشها في أرض قاحلة."
وسان ماو تكتب بأسلوب يلامس جوهر الموضوع. لا تهدر الكلمات في تفاصيل غير ضرورية أو أوصاف مضخّمة، وتسرد الأحداث بإيجاز دون أن تؤثّر على فهم القارئ لما حدث. ورغم أن نثرها وشخصيّتها العامّة عرضة للانتقاد، فإن جاذبيتها أثبتت أنها دائمة. فقد عاش قراؤها في الصين في سبعينات وثمانينات القرن الماضي من خلال حكاياتها خلال حقبة سياسية لم يكن بوسع سوى قلّة من الناس السفر إلى أماكن بعيدة وواسعة.
كانت تمثّل قيم "الحرّية والفضول والإيمان باللطف الإنساني" بالنسبة لمعاصريها. وكانت الكتابة بمثابة البلسم لوحدتها ووسيلة لنقش المنطق والنظام على واقع مربك ومهين للإنسانية في بعض الأحيان.
❉ ❉ ❉
كانت سان ماو في الـ 31 من عمرها عندما قرّرت الانتقال إلى الصحراء وتبنّت اسمها المستعار الذي أصبحت تُعرف به كواحدة من أكثر الشخصيات أهمية في الأدب الصيني الحديث. ومما يُحسب لها أنها رغم استمتاعها بالاختلاف و"الآخر" في الصحراء، إلا أنها لم تغفل عن الفقر والقمع الاستعماري وعاصفة الاستقلال التي توشك أن تهبّ بقوّة.
تصف الكاتبة الأيّام الأخيرة لها ولزوجها في الصحراء بقولها: كان الجميع يتحدّثون عن الوضع السياسي بوعي أو من غير وعي. وعلى الطريق رأينا الكثير من القوافل العسكرية تتجه نحو المدينة. وكانت المباني الحكومية محاطة بالأسلاك الشائكة، بينما كان حشد من الناس يصطفّون بصبر أمام مكتب صغير للخطوط الجويّة. وفجأة أحدثت مجموعة من الصحفيين الذين لا أعرفهم ضجيجا باندفاعهم إلى الأمام مثل حفنة من المشاغبين. وألقى الضجيج المتوتّر بظلاله المشؤومة على هذه المدينة التي كانت مسالمة ذات يوم. وكانت هناك نذر عاصفة تلوح في الأفق".
وتضيف: عندما أعلن الإسبان رحيلهم عن الصحراء رسميا، احتفل الصحراويون باقتراب أملهم في تقرير المصير. لكن المغرب سرعان ما أعلن نيّته ضمّ الصحراء الغربية وزحَف نحو العيون بجيش قوامه مليونا جندي".
وبينما كانت سان ماو تراقب المقاتلين الصحراويين أزواج صديقاتها وهم يندفعون نحو حتفهم دفاعا عن حلم الاستقلال، اقتبست بضعة أسطر من كتاب صيني كلاسيكي تقول: المحبطون يهربون إلى أديرة رهبانهم، والمخدوعون يموتون بتعاسة كالطيور التي تلجأ إلى الغابة، تاركين الأرض خرابا".
وفي نهاية فترة وجودها هناك، وبينما كانت تشاهد الوضع يتدهور ويتحوّل إلى سفك دماء، كتبت: لا مكان في العالم يضاهي الصحراء. هذه الأرض لا تُظهِر عظمتها وحنانها إلا لمن يُحبّها".
وعندما ساءت الأمور أكثر، اضطرّت سان ماو وخوسيه للهرب إلى جزر الكناري التي تبعد حوالي ساعة بالطائرة عن البرّ الرئيسي الأفريقي. واستقرّا هناك لبعض الوقت. لكن حياتهما الهادئة على الجزيرة لم تستمرّ سوى بضع سنوات. فقد توفّي خوسيه في حادث غرق غريب في عام 1979، وعادت سان ماو في نهاية المطاف إلى بلدها تايوان وانهمكت في عملها بالتدريس الجامعي والترجمة من الإسبانية إلى الصينية.
لم يكن يدور بخلد سان ماو أن القدر يخبّئ لها أكثر من مفاجأة غير سارّة، وأن خوسيه الذي كان زوجا محبّا ومنبهرا بمواهبها سيغرق في البحر وأنها ستعيش بعده 12 عاماً أخرى في وطنها، تكتب وتحاضر، وأنها هي أيضاً ستغرق، ليس في البحر، بل في الهواء البارد المعقّم في جناح مستشفى.
ففي عام 1991 انتحرت الكاتبة في مستشفى في تايوان عن عمر يناهز 41 عاما فقط. وقيل ان السبب الذي دفعها لإنهاء حياتها شنقاً قد يكون الاكتئاب الناجم عن وفاة زوجها أو إصابتها بالسرطان في ذلك الوقت.
والغريب أن وفاة الزوج قبل ذلك كانت سبباً في ميلاد أسطورة سان ماو وخوسيه. إذ أصبح قبر الزوج في جزر الكناري والمزيّن دائما بالأزهار النضرة مزارا لقرّاء سان ماو والمعجبين بقصّتهما.
في اللغة الصينية، الكلمة الأكثر شيوعاً للموت هي "مغادرة هذا العالم". وفي تايوان، يستخدمون للموت مصطلحا بوذيّا يعني "نحو حياة أخرى". ومن الغريب والمؤلم أن سان ماو التي كانت تؤمن بالاختلافات الثقافية كانت امرأة مختلفة حتى في موتها.
وكتابها "حكايات من الصحراء" قصّة حميمية عن امرأة استثنائية وفترة مهمّة من تاريخ منطقة أثارت اهتمام العالم عديدا من السنوات. والكتاب مهم لمن يريد التعرّف على جزء من تاريخ وثقافة الصحراء الكبرى من خلال عيون كاتبة صينية استطاعت أن تكون جزءا من المكان بطريقتها الخاصّة.
تصف الكاتبة الأيّام الأخيرة لها ولزوجها في الصحراء بقولها: كان الجميع يتحدّثون عن الوضع السياسي بوعي أو من غير وعي. وعلى الطريق رأينا الكثير من القوافل العسكرية تتجه نحو المدينة. وكانت المباني الحكومية محاطة بالأسلاك الشائكة، بينما كان حشد من الناس يصطفّون بصبر أمام مكتب صغير للخطوط الجويّة. وفجأة أحدثت مجموعة من الصحفيين الذين لا أعرفهم ضجيجا باندفاعهم إلى الأمام مثل حفنة من المشاغبين. وألقى الضجيج المتوتّر بظلاله المشؤومة على هذه المدينة التي كانت مسالمة ذات يوم. وكانت هناك نذر عاصفة تلوح في الأفق".
وتضيف: عندما أعلن الإسبان رحيلهم عن الصحراء رسميا، احتفل الصحراويون باقتراب أملهم في تقرير المصير. لكن المغرب سرعان ما أعلن نيّته ضمّ الصحراء الغربية وزحَف نحو العيون بجيش قوامه مليونا جندي".
وبينما كانت سان ماو تراقب المقاتلين الصحراويين أزواج صديقاتها وهم يندفعون نحو حتفهم دفاعا عن حلم الاستقلال، اقتبست بضعة أسطر من كتاب صيني كلاسيكي تقول: المحبطون يهربون إلى أديرة رهبانهم، والمخدوعون يموتون بتعاسة كالطيور التي تلجأ إلى الغابة، تاركين الأرض خرابا".
وفي نهاية فترة وجودها هناك، وبينما كانت تشاهد الوضع يتدهور ويتحوّل إلى سفك دماء، كتبت: لا مكان في العالم يضاهي الصحراء. هذه الأرض لا تُظهِر عظمتها وحنانها إلا لمن يُحبّها".
وعندما ساءت الأمور أكثر، اضطرّت سان ماو وخوسيه للهرب إلى جزر الكناري التي تبعد حوالي ساعة بالطائرة عن البرّ الرئيسي الأفريقي. واستقرّا هناك لبعض الوقت. لكن حياتهما الهادئة على الجزيرة لم تستمرّ سوى بضع سنوات. فقد توفّي خوسيه في حادث غرق غريب في عام 1979، وعادت سان ماو في نهاية المطاف إلى بلدها تايوان وانهمكت في عملها بالتدريس الجامعي والترجمة من الإسبانية إلى الصينية.
لم يكن يدور بخلد سان ماو أن القدر يخبّئ لها أكثر من مفاجأة غير سارّة، وأن خوسيه الذي كان زوجا محبّا ومنبهرا بمواهبها سيغرق في البحر وأنها ستعيش بعده 12 عاماً أخرى في وطنها، تكتب وتحاضر، وأنها هي أيضاً ستغرق، ليس في البحر، بل في الهواء البارد المعقّم في جناح مستشفى.
ففي عام 1991 انتحرت الكاتبة في مستشفى في تايوان عن عمر يناهز 41 عاما فقط. وقيل ان السبب الذي دفعها لإنهاء حياتها شنقاً قد يكون الاكتئاب الناجم عن وفاة زوجها أو إصابتها بالسرطان في ذلك الوقت.
والغريب أن وفاة الزوج قبل ذلك كانت سبباً في ميلاد أسطورة سان ماو وخوسيه. إذ أصبح قبر الزوج في جزر الكناري والمزيّن دائما بالأزهار النضرة مزارا لقرّاء سان ماو والمعجبين بقصّتهما.
في اللغة الصينية، الكلمة الأكثر شيوعاً للموت هي "مغادرة هذا العالم". وفي تايوان، يستخدمون للموت مصطلحا بوذيّا يعني "نحو حياة أخرى". ومن الغريب والمؤلم أن سان ماو التي كانت تؤمن بالاختلافات الثقافية كانت امرأة مختلفة حتى في موتها.
وكتابها "حكايات من الصحراء" قصّة حميمية عن امرأة استثنائية وفترة مهمّة من تاريخ منطقة أثارت اهتمام العالم عديدا من السنوات. والكتاب مهم لمن يريد التعرّف على جزء من تاريخ وثقافة الصحراء الكبرى من خلال عيون كاتبة صينية استطاعت أن تكون جزءا من المكان بطريقتها الخاصّة.
Credits
chinachannel.lareviewofbooks.org
chinachannel.lareviewofbooks.org