:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، ديسمبر 16، 2017

صانع المطر


الصورة فوق هي إحدى الصور المألوفة والمنتشرة بكثرة في مواقع الانترنت. وهي في الوقت نفسه إحدى أكثر الأيقونات انتشارا واحتفاءً في ثقافة سكّان أمريكا الأصليين، أي الهنود الحمر.
اسم هذا الشخص الصغير الظاهر في الصورة هو كوكوبيللي. كوكو تعني الخشب وبيللي تعني ذا الظهر المنحني. لكنه أصبح يُعرف عموما بعازف الناي الأحدب.
وعمر الرجل يقارب الثلاثة آلاف عام، أي انه عاش حتى اليوم أكثر من مائة جيل. وقد وُجدت تصاويره الأولى منقوشة على الصخور في مناطق الجنوب الغربيّ الأمريكيّ، الذي يضمّ نيومكسيكو ويوتاه وأريزونا وكولورادو.
وأصل الكوكوبيللي ما يزال غامضا. لكن العديد من أساطير البيبلو والزوني والاناسازي وغيرهم من قبائل الهنود الحمر تزعم انه كان مخلوقا مقدّسا اُرسل من السماء وأن مهمّته كانت تحريض الناس على الحبّ والتعاطف.
ويقال أيضا انه كان إلها للخصوبة، ليس للبشر فقط وإنّما أيضا للنباتات والمحاصيل الزراعية التي يحتاجها سكّان أمريكا الأصليون في حياتهم ومعاشهم.
وقد اعتبروا وجوده نعمة، إذ بدونه لا تحلّ بركة ولا توجد حياة. لكنه في مراحل تالية أصبح ملهما للشعر والموسيقى والحرّية والإبداع. ومن مهامّه الأساسية تحريض فنّاني القبائل الهندية على خلق موسيقى عظيمة.
وهناك الكثير من الأساطير التي تُروى عنه. وإحداها تقول انه يسافر من قرية لأخرى فيحوّل الشتاء إلى ربيع ويذيب الثلج ويجلب المطر الذي تحتاجه الأرض والمخلوقات. أما لماذا يبدو ظهره محنيّا، فلأنه ينوء تحت ثقل أكياس البذور وكلمات الأغاني التي يحملها.



وهو يعزف الناي أثناء هبوب نسائم الربيع، فيجلب الدفء والحبور لساكني التلال. وعندما يسمع الناس عزفه فإنهم يباشرون الغناء والرقص طوال الليل. ولا يحلّ الصباح التالي إلا وقد ضمنت كلّ امرأة في القبيلة انه سيولد لها طفل.
الهنود الحمر شعب روحانيّ بامتياز. وقد نقلوا تاريخهم وأفكارهم وأحلامهم من جيل إلى جيل من خلال مثل هذه الرموز والعلامات.
والرمزية الخالدة والجذّابة للكوكوبيللي تتمثّل في افتتان الناس به حتى في عصر التكنولوجيا الحديثة. فصوره شائعة وحضوره واسع، ما يجعله شخصية مثيرة، لدرجة أن الإنسان الحديث لا يمكن أن يقاوم تقليد هذا الإنسان الضئيل والاحتفاظ بنسخ من صوره في البيوت والمكاتب.
الكوكوبيللي شخص غريب ووحيد. وهو دائم التحديق في الماضي، أي منذ اللحظة التي رسمه فيها فنّان مجهول على إحدى الصخور.
كما انه شخص كاريزماتيّ من حيث انه اُعيد ابتكاره مرّات كثيرة على أيدي الحكواتيين والفنّانين والحرفيين لآلاف السنين.
وصوره اليوم منقوشة على ألف صخرة، من مناطق الشرق إلى البحر الغربيّ العظيم، ومن بلاد الشمس الساخنة إلى سهول الأنهار الجليدية في أقاصي الشمال.
وطبيعة الكوكوبيللي التلقائية وأفعاله الخيّرة وروحه المتوثّبة هي بعض الأسباب التي حفظت له مكانة بارزة في أساطير الهنود الحمر حتى اليوم.

Credits
patheos.com

الثلاثاء، ديسمبر 12، 2017

موناليزا الثانية

مع أن لهذه اللوحة تاريخا غامضا ومثيرا للجدل، إلا أنها بيعت منذ أسابيع بمبلغ نصف بليون دولار وأصبحت بذلك أغلى لوحة في العالم.
وما حصل دفع بعض خبراء الفنّ إلى طرح بعض التساؤلات مثل: هل تستحقّ لوحة "المسيح المخلّص" هذا المبلغ الكبير؟ ولماذا ما يزال الشغف بليوناردو دافنشي على أشُدّه حتى اليوم؟ ثم هناك السؤال الكبير الذي قد يحرم مشتري اللوحة لذّة النوم وهو: هل هذه اللوحة هي لدافنشي فعلا؟
هذا الموضوع المقتضب لن يخوض في السجال المتعلّق بهويّة من اشترى اللوحة ولا لماذا اشتراها وأين ذهبت، بل سيتناول تاريخ هذه اللوحة وما يقال عن حالتها الراهنة وعن وأصالتها.
بدايةً لا بدّ من الإشارة إلى بعض المعطيات السريعة. "المسيح المخلّص" التي بيعت منذ أسابيع هي نسخة من سبع عشرة نسخة من نفس اللوحة. وفي خمسينات القرن الماضي بيعت نفس هذه النسخة بمبلغ خمسة وأربعين جنيها استرلينيا فقط، عندما كان يُعتقد أنها مجرّد نسخة من اللوحة الأصلية التي كان مفترضا أنها ضائعة.
أي أنها الآن بيعت، بعد أن تأكّدت أصالتها ونِسبَتها إلى دافنشي، بمبلغ يساوي عشرة آلاف ضعف ذلك المبلغ الزهيد. وبذا تكون قد كسرت الرقم القياسيّ الذي بيعت به لوحة بول غوغان متى ستتزوّجين عام 2015 وهو ثلاثمائة مليون دولار.
العامل الأهمّ الذي يفسّر لماذا بيعت لوحة المسيح المخلّص بهذا المبلغ الفلكيّ هو اسم دافنشي نفسه. ويرجَّح انه رسمها عندما كان في الثامنة والأربعين من عمره. واللوحة صغيرة نسبيا كما ظهرت على التلفزيون ومرسومة بالألوان الزيتية على لوح من الخشب.
قبل عرض اللوحة للبيع في المزاد، قام ستّة علماء بفحصها باستخدام آخر تقنيات الفحص الحديثة وقارنوا النتائج التي توصّلوا إليها مع الأسلوب المتميّز لدافنشي واستنتجوا في النهاية أنها للرسّام فعلا.
اللمعان النقيّ على صدر المسيح وجبينه هو، كما يقول الخبراء، سمة خاصّة بدافنشي. كما أن كرة الكريستال الشفّافة التي يمسك بها في يده اليسرى هي برهان آخر على أن اللوحة لليوناردو، وهذه الخاصّية مفقودة تماما من النسخ الأخرى المقلّدة من اللوحة.
وهناك عامل آخر يتمثّل في استخدام نوعية عالية من الفيروز الذي كان وقتها أغلى من الذهب في ايطاليا. وقد جرت العادة ألا يشتريه سوى الرسّامين الكبار والمقتدرين مثل دافنشي. ويمكن رؤية هذا اللون بوضوح في بعض أجزاء رداء المسيح كما يظهر في الصورة.
اللوحة خضعت لعدد من التعديلات منذ رسمها الفنّان قبل خمسمائة عام. كرة البلّلور في يد المسيح، مثلا، كانت مدعومة بصليب. وقد اُزيل هذا التفصيل من الصورة في ما بعد، كما اُضيفت إليها طبقة سميكة من الورنيش.
الملك الفرنسيّ لويس الثاني عشر هو الذي كلّف دافنشي برسم اللوحة عام 1500م، وقد أكمل رسمها بعد ثلاثة عشر عاما. وظلّت في عهدة الملك زمناً إلى أن اشتراها منه تاجر فنون انجليزيّ. ثم تعاقب على امتلاكها أشخاص كثيرون، كان أخرهم بليونير روسيّ ابتاعها عام 2013 بمبلغ مائة وثمانية وعشرون مليون دولار.
وقد قيل كلام كثير عن اللوحة في ذلك الوقت. وظهر خبراء يشكّكون في صحّة نِسبتها إلى ليوناردو، بينما رجّح آخرون انه قد يكون رسمها بالتعاون مع فنّان آخر كان يعمل في ورشته. ثم خضعت اللوحة بعد ذلك لسلسلة من عمليات الترميم الشاملة.
بعض المحلّلين يشيرون إلى إن تسعين بالمائة من هذه اللوحة التي بيعت قبل أسابيع تمّت إعادة رسمه خلال الخمسين عاما الماضية، في إشارة إلى التعديلات والمعالجات الكثيرة التي دخلت على اللوحة أثناء عمليات ترميمها وإصلاحها.
وبرغم كل هذا الجدل المُثار، استقرّت معظم الآراء على أن اللوحة هي لدافنشي فعلا وأنها تعكس حرفيّته الخاصّة ودقّة وصعوبة عمله الذي لم يستطع مقلّدوه الكثر أن ينقلوه في صورهم.
وجزء من هذه الضجّة التي رافقت اللوحة منذ بيعها يمكن عزوه إلى أن اللوحة تُعتبَر جديدة لرسّام مشهور يقول الخبراء أن سبعين بالمائة من أعماله ضاعت. أو فلنقل أنها إحدى لوحاته التي اُعيد اكتشافها، ومن الطبيعيّ أن تستأثر بكلّ هذا الأخذ والردّ لهذا السبب.
في اللوحة، يظهر المسيح وهو يرفع إحدى يديه كما لو انه يمنح بركته للعالم، بينما تمسك يده الأخرى بكرة كريستال تتدلّى فوق ردائه وترمز لهيمنته على العالم. ومثل هذه الوضعية التي يظهر عليها المسيح كانت ذات شعبية كبيرة في القرن السادس عشر وظهرت بشكل متواتر في الفنّ الفرنسيّ والفنّ الهولنديّ.
لكن بعض النقّاد الساخرين قالوا إن المسيح الذي يظهر في الصورة هو ابعد ما يكون عن تخليص العالم، وأنه يبدو كما لو انه يهمّ بإلقاء خطبة أو يؤشّر لسيّارة مارّة كي تنقله إلى بلدة مجاورة.
ووصف آخرون اللوحة نفسها بأنها ذات توليف رديء ومن الصعب تصديق أن دافنشي كان مسئولا عن "مثل هذا الشيء الغريب والمملّ جدّا".

الاثنين، ديسمبر 11، 2017

أبو بكر سالم: صورة الفنّان


أمس صباحا، وبلا مقدّمات، لمعت في ذهني فجأة صورة الفنّان الكبير أبو بكر سالم الذي احتفظ له في نفسي بمكانة خاصّة. وقد قرّرت في تلك الساعة أن اكتب عنه موضوعا بحيث يكون جاهزا عندما احتاجه، وفي ذهني انه مريض كما سمعت ويمكن أن يتوفّاه الله في أيّ وقت.
وكتبت فعلا هذا الموضوع ثم نحّيته جانبا بانتظار أن يأتي الوقت المناسب لنشره. وفجأة أيضا، علمت أن الفنّان الكبير انتقل إلى رحمة الله بعد ساعات فقط من تذكّري الغريب له.
كان أبو بكر سالم نسيج وحده بين فنّاني جيله. صوت متميّز وأداء حسّاس، مع ذائقة عالية للشعر والموسيقى.
ومنذ أن وعيت نفسي وأنا اسمع صوته. كانت أغانيه حاضرة في كلّ مكان، لذا انطبع صوته وأسلوب أدائه المميّز في وجداني ووجدان الكثيرين من أبناء جيلي. وأصبح صوته علامة فارقة لا يشبه أيّ صوت آخر وأيضا لا صوت آخر يشبهه.
وأبو بكر لم يكن مجرّد مطرب، بل شاعر متمكّن وملحّن موسيقيّ لامع. تسمع بعض أغانيه فتدهشك قدرته الفذّة في التنقّل بسلاسة بين المقامات وابتداع جمل موسيقية في منتهى الرقّة والعذوبة ممّا لا يستطيع مغنٍّ آخر فعله إلا في ما ندر.
كان أبو بكر من أوائل مطربي الجزيرة العربية الذين ذهبوا إلى لبنان في ستّينات القرن الماضي كي يسجّل فيها أغانيه. وكانت بيروت وقتها قبلة للفنّ والموسيقى في العالم العربيّ.
وعندما تسمع بعض أغانيه من تلك الفترة ستلاحظ، بالإضافة إلى جمال الأداء، أناقة التوزيع الموسيقيّ الذي اشتهرت به بيروت في ذلك الوقت، والتي كانت تضمّ مجموعة من أفضل العازفين والموزّعين الموسيقيّين.



وقد قُدّر لبعض تلك الأغاني بالذات أن تنتشر بشكل واسع وتعرّف الناس على هذا الصوت الجديد القادم من جنوب الجزيرة لأوّل مرّة. ثم لم يلبث صوته أن ذاع في كلّ مكان ووجدت موسيقاه طريقها إلى الإذاعات ومحطات التلفزة المختلفة.
وموسيقى أبو بكر سالم منغرسة بعمق في بيئتها الأولى في حضرموت وعابقة برائحة تلك الأرض. ومن حسن الحظّ انه كان مجايلا لبعض ألمع الشعراء الحضارم وقتها ممّن تغنّى بقصائدهم، مثل حسين المحضار ولطفي أمان وغيرهما.
الاستماع إلى أغاني أبو بكر وصوته المميّز ذي الجماليات الفنّية الخاصّة يستثير الذكريات القديمة ويعكس البساطة التي كانت تتّسم بها الحياة في الماضي.
ألحانه الطربية التي يسهل تذكّرها وترديدها شاعت في العديد من الأمكنة ولامست بنعومتها ودفئها المشاعر. ووجدت بعض تلك الألحان طريقها إلى أصوات بعض أشهر المطرين العرب، مثل نجاح سلام وفدوى عبيد والمطربة اللبنانية من أصل ليبيّ نازك .
وبرحيل أبو بكر سالم، انطوت صفحة كاملة من كتاب الغناء في الجزيرة العربية وفي العالم العربيّ. وهو بلا شك كان إحدى المحطّات المهمّة والمميّزة في تاريخ الغناء في منطقتنا.
وعندما أتذكّر صورته فإنني أتمثّل في نفسي، وبحزن، حقيقة أن هذا الإنسان الرائع قد رحل إلى الأبد، ولن يعود بالإمكان رؤيته مرّة أخرى يطلّ علينا في الحفلات بشخصيّته العفوية والمتواضعة كي يُطرِب الناس بفنّه المعبّر والراقي.
رحم الله الفنّان الكبير أبو بكر سالم بقدر ما أمتع الناس وما أشاعه حوله من أجواء الحبّ والبهجة والجمال.

الأحد، ديسمبر 10، 2017

العنصرية في الفلسفة

هناك رأي شائع يقول إن الفلسفة الغربية ضيّقة الأفق وتفتقر إلى الخيال وكارهة للأجانب وخائفة منهم. وإلا كيف نفسّر تجاهل كافّة أقسام الفلسفة تقريبا في أمريكا وأوربّا للتقاليد الفلسفية الثريّة للصين والهند؟!
وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى قرون. كان معروفا عن "ايمانويل كانت"، مثلا، احتقاره لكونفوشيوس. وقد كتب ذات مرّة يقول: لا وجود للفلسفة في سائر بلاد الشرق. وكونفوشيوس لا يعلّم في كتاباته أيّ شيء خارج العقيدة الأخلاقية المصمّمة أساسا لأمراء الصين منذ القدم. لكن أيّ مفهوم عن الفضيلة والأخلاق لم يدخل عقول الصينيين أبدا".
و"كانت" الذي يُعتبر احد أربعة فلاسفة هم الأكثر نفوذا في الفكر الغربيّ ليس الوحيد الذي يعتبر أن الصينيين والهنود، والشرقيين عموما، عاجزون عن الفلسفة. بل حتى الفلاسفة الغربيون المعاصرون يرون انه لا توجد فلسفة صينية أو هندية ويعتبرون أن هذا من الأمور المسلّم بها.
ويقال أحيانا، في معرض الدفاع عن وجهة النظر هذه، أن الفلسفة كلمة ذات أصل إغريقيّ، أي أنها تشير حصرا إلى التراث الذي تركه مفكّرو اليونان القديمة. لكن إذا كان منشأ العلم يحدّد نوع الثقافة التي "تمتلكه"، فإن المنطق يقتضي القول انه لا "جبر" في أوربّا لأن الأوربّيين اخذوا ذلك العلم عن العرب.
ذات مرّة، ذهب الفيلسوف الفرنسيّ جاك دريدا إلى الصين لحضور مناسبة ثقافية. وقد أدهش مضيفيه الصينيين عندما قال إن الصين تخلو من أيّ فلسفة وأن الموجود هو "فكر" فقط. ثم أضاف: الفلسفة ترتبط بتاريخ خاصّ وبلغة محدّدة وببعض ابتكارات الإغريق، أي أن الفلسفة لا توجد إلا في أووربّا".
تعليقات دريدا التي تنفي وجود فلسفة صينية تشبه حديث بعض الغربيين عن فكرة الهمجيّ النبيل، أي الشخص الذي لم يتلوّث بالتأثيرات الغربية المفسدة. لكن، ولذلك السبب بالذات، فإنه ممنوع من المشاركة في ثقافة أعلى منه وأكثر تفوّقا من ثقافته.
ومع أن الكثير من الفلاسفة الانغلوساكسون ينفون وجود فلسفة خارج أمريكا وأوربّا، إلا أن البعض منهم يسلّمون بوجود "فلسفة ما" في الهند والصين، لكنهم يفترضون أنها ليست بمثل جودة ورقيّ الفلسفة الأوربّية.
وهم يصفون أفكار كونفوشيوس بأنها مجرّد حكم وأقوال مأثورة غامضة. ويضيفون أن كلّ شيء شرقيّ هو انفعاليّ وطفوليّ وغير عقلانيّ، بينما كلّ ما هو غربيّ هو نقيض لهذه الصفات.
ويبدو أن الفلسفة الغربية كانت في الماضي أكثر انفتاحا وتسامحا ممّا هي عليه اليوم. فأوّل ترجمة لأقوال كونفوشيوس إلى اللغات الأوربّية وضعها مبشّرون يسوعيّون كانوا قد درسوا تراث أرسطو كجزء من عملهم.
وطبقا للفيلسوف الألمانيّ كريستيان وولف، فإن كونفوشيوس اثبت انه من الممكن أن يوجد نظام أخلاقيّ غير مستند إلى رسالة سماوية أو ديانة طبيعية، وأن الأخلاق يمكن أن تكون منفصلة تماما عن مسألة الإيمان بإله.
وعندما صادق وولف على كلام كونفوشيوس هذا، تصدّى له المحافظون المسيحيون، فحرّضوا عليه العوامّ، وفي النهاية فُصل من وظيفته قبل أن يُطرد من بلده بروسيا. لكن ذلك الرأي أهّله في ما بعد لأن يكون احد أبطال عصر التنوير الأوربّيّ.
بيتر بارك، الذي ألّف كتابا عن العنصرية في الفلسفة، قال إن معظم المؤرّخين في القرن الثامن عشر كانوا يتبنّون فكرة تقول إن الفلسفة بدأت أوّل الأمر في الهند وأن الهنود هم من منحوها للإغريق. لكن هذا الحال تغيّر عندما استُبعدت آسيا وإفريقيا من قانون الفلسفة على أيدي أنصار "ايمانويل كانت" الذين أعادوا كتابة تاريخ الفلسفة كي يجعلوا مثاليّته النقدية تبدو وكأنها ذروة ما توصّل إليه العلم.
كما أن المثقّفين الأوربّيين تقبّلوا فكرة تفوّق العِرق الأبيض وبأنه لا يوجد عِرق آخر يمكن أن يُبَلوِر فلسفة. كان استبعاد الشرق قرارا وليس نتيجة اقتناع. و"كانت" نفسه كان شخصا عنصريّا عندما تعامل مع العِرق كموضوع علميّ وربطه بالقدرة على التفكير المجرّد، وكذلك عندما نظّر عن مصير الأعراق ورتّبها بشكل تفاضليّ.
كان "كانت" يرى أن لدى البيض جميع المواهب والدوافع الفطرية. أما الهنود فلديهم قدر كبير من الهدوء، وهم يبدون كالفلاسفة لكنّهم ميّالون إلى الغضب والعاطفة. كما أن تعليمهم جيّد، لكنْ في الفنون وليس في العلوم. ولهذا السبب لم ينجحوا في وضع مفاهيم مجرّدة.
أما الصينيون، برأي "كانت"، فـ "قَوم جامدون" لأن كتب تاريخهم تُظهِر أنهم لا يعرفون الآن أكثر ممّا كانوا يعرفونه في الماضي.
أما الأفارقة، والكلام ما يزال لـ "كانت"، فلديهم الشغف والحيوية، لكنهم ثرثارون. ويمكن تعليمهم، لكن فقط كما يُعلَّم الخدَم.
أما الهنود الحمر برأيه فإنهم لا يقبلون التعليم لأنهم يفتقرون للتأثير والشغف. وهم ليسوا عاطفيين ولا يتوفّرون على مخيّلة خصبة، كما أنهم كسالى ويتكلّمون بصعوبة ولا يهتمّون بشيء".

Credits
aeon.co