:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، أغسطس 27، 2015

عشّاق الراست


أنا في الواقع مدين لمتابعي هذه المدونة بالشكر والعرفان لأن صدورهم تتّسع لبعض ما اكتب، ولأنهم يتفاعلون إيجابا، وأحيانا سلبا، مع الكثير ممّا يُكتب هنا. وبفضل تشجيعهم ودعمهم وملاحظاتهم، بقيت المدوّنة واستمرّت على مرّ هذه السنوات.
وأنتهز هذه الفرصة لأشكر وأثني على كلّ من كتبوا إليّ مؤخّرا متسائلين عن السبب في أن المواضيع أصبحت قليلة ومتباعدة في الأشهر الأخيرة.
وأقول لهم إن ملاحظتهم في مكانها، وأن هذا الوضع سيتغيّر في الفترة القادمة بعد أن قرّرت أن اخصّص وقتا أطول للكتابة هنا، متمنّيا أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق.
ومن أجل هذا الغرض، أوقفت مؤقّتا حسابي في تويتر وفي غيره من مواقع التواصل بعد أن تبيّن لي، ودون أن اشعر أحيانا، أن الكثير من الوقت يُهدر هناك بلا طائل أو فائدة، في حين أنه يُفترض أن يُستغلّ في المطالعة والكتابة وفي ما هو أكثر منفعة وجدوى.
موضوع اليوم أردته أن يكون خفيفا وسهل الهضم إلى حدّ ما. وهل هناك ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف أكثر من الموسيقى؟!
في الأشهر الأخيرة اكتشفت أنني بدأت أميل إلى قراءة ومعرفة كلّ شيء ذي صلة بالموسيقى التراثية الشرقية. وبدأت هذا النوع من حبّ الاكتشاف بمحاولة الاقتراب من كلّ ما له علاقة بأغاني التراث، وخاصّة بالمقامات الموسيقية.
ثم خطر ببالي أن أفضل ما يمكن أن أبدأ به هو التعرّف إلى المقام الأكثر قربا من نفسي، ألا وهو مقام الراست. وشغفي بالراست قديم ولا يمكن وصفه. ولطالما استوقفتني تلك المسحة من الشجن والإحساس بالتوق والحزن الشفيف التي يثيرها هذا المقام في نفس السامع.
ولكي لا يأخذ عليّ احد أنني أتحدّث في مجال لا يخصّني، أبادر للقول أن كلّ الكلام الذي أكتبه هنا قد لا تكون له علاقة بالعلميّة، بل هو في نهاية الأمر مجرّد انطباعات وأفكار شخصيّة.
وأظنّ أن أفضل تمهيد لموضوع عن مقام الراست هو هذا السؤال الذي اطرحه على القارئ العزيز: ترى هل لاحظت أحيانا أنك تميل إلى سماع نوع معيّن من الأغاني والألحان التي تطرب لها أكثر من غيرها؟ إستمع مثلا الى هذا الموشّح ، أو الى هذه الأغنية ، أو هذه ، أو إلى هذا الموشّح المشهور ، أو هذه الاغنية أو هذه ..
إن كانت هذه الأغاني، أو بعضها على الأقل، تستهويك وتطربك وتعشقها روحك، فأنت بدون شكّ، مثلي، من عشّاق مقام الراست.
الراست يقال انه فارسيّ الأصل، ومعنى الكلمة في الفارسية الخطّ المستقيم. لكن بعد ان استوعبته الموسيقى العربية، اصبح الراست سيّد المقامات العربية بلا منازع.
والمعروف أن هناك سبعة مقامات اخرى في الموسيقى العربية بالاضافة الى الراست، وهي الصبا والنهاوند والعجم والبياتي والسيكا والحجاز والكرد. وبداخل كلّ واحد من هذه المقامات، يوجد عدد من المقامات او "الاجناس" الفرعية.
الراست، مثلا، يتفرّع عنه حوالي خمسين مقاما آخر. وعملية التحويل المقامي داخل الراست تعني مثلا انه يمكن تغيير نغمة الجارغاه إلى ميم حجاز، والسيغا إلى بوسيليك، والنهاوند إلى نوى.. وهكذا. وهذه الاجناس الفرعية هي التي تتلوّن وتتمدّد حتى تعطينا سلالم أخرى ضمن عائلة الراست نفسها.
لكن هل من سمات محدّدة تميّز هذا المقام الموسيقيّ عن غيره؟ والجواب نعم. لكنّي بصراحة لا أعرفها لأنني غير ملمّ بالموضوع بما فيه الكفاية. لكن ومن خلال تجربة السماع المتواتر، يمكنني أن ازعم أنني استطيع بمجرّد سماع بداية أيّ أغنية أن أعرف إن كانت من مقام الراست أم لا.
والآن هناك احتمال بأن أغنية واحدة على الأقلّ من الأغاني السابقة قد حرّكت مشاعرك أو ضربت على وتر حسّاس داخل نفسك. وربّما أتخيّلك وأنت تهزّ رأسك انتشاءً وتأثّرا بينما تستمع إلى الموسيقى. وهنا يكمن سحر مقام الراست، التطريبي بامتياز والرقيق الناعم بلا حدود والقادر على استثارة الذكريات والصور القديمة.
والآن هل تريد أن تستمع إلى المزيد من الأغاني كي تنطبع فكرة وصورة الراست في ذهنك أكثر؟
إذن إستمع إلى هذه الأغنية ، أو هذه ، أو هذه ، أو هذه . اما إن أردت اغنية تكون مسك الختام بنكهة الراست وأريج القصيد الجميل فلا اعتقد ان هناك افضل من هذه الأغنية الخالدة .