:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، يناير 24، 2009

لا يجب أن تظلّ السّماء صامتة

النساء، في الصورة فوق لا يبدو، لأوّل وهلة، أنهنّ ينتمين إلى هذا العالم.
لقد تركهنّ خلفهم أناس مضوا إلى مجاهل النسيان ولن يعودوا.
وما يبدو في المنظر وكأنه فيضان عظيم، كارثة، مرض متأجّج، زيارة من السماء نفسها، ليل لا ينتهي من الموت والدمار، شيء ما من هذا القبيل .. هو الذي ترك هذا المكان على هذه الحال.
المرأة التي في الوسط لا تمدّ ذراعيها تعبيرا عن التحدّي أو العنفوان.
الذراعان ممدودتان تطلبان الرحمة والشفقة.
إنها تقف رافعة يديها بالدعاء رجاء القبول والاستجابة.
تصلي، تطلب الرحمة وتتوجّه إلى سماء تعتقد أنها لا يجب أن تظلّ صامتة متردّدة وغير مكترثة بما يجري.
والمرأة إلى يسارها تنظر إليها بمزيج من الذهول والتطلع، كما لو أن الربّ الذي تخلى عن كل شيء اختار أن يحلّ في جسد هذه المرأة الفارعة، الصلبة والقويّة.
المرأة الجالسة تفكّر، بينما تحتضن ابنها؛ الشيء الوحيد الذي يدلّ على عالمها.
والمرأتان الأخريان، اللتان ترتديان النقاب والعباءة، راغبتان في أن تصدّقا ثانية وأن تثقا مرّة أخرى في ذلك البصيص البعيد من الأمل: أن يفي الربّ ببعض وعوده ويمُنّ عليهن ولو بكلمة بيضاء أو لمسة حنون.
المرأة الجالسة تبدو متعبة وغير واثقة. نظراتها تنمّ عن تسليم بالقدر.
والواقفة لديها هدف وتريد أن تبدأ من جديد.
هؤلاء النساء لسن متسوّلات يحاولن مقاومة التعب في نهاية يوم من مهنتهن المملة.
إنهنّ الضحايا الحقيقيون للاضطهاد والحروب والقتل والترمّل وموت الأب، بعد أن قُتل أبناؤهن وفُقد أزواجهن أو "اختفوا" في الحروب.
المنظر الطبيعي الذي تقف النساء قبالته هو منظر يخصّهن، يدلّ عليهن، يجسّد مأساتهن ويعكس عالمهن الخاص.
فالأرض طينية موحلة. والوقت غرائبي، لا هو ليل ولا نهار.
والغيوم لا تغازل الجبال أو تعانقها وإنما تخيّم عليها بأشباحها الثقيلة المجللة بالخوف والعتمة.
القلق متجسّد في كلّ شيء هنا. ليس فقط في الخراب الظاهر في الصورة، وإنما أيضا في العزلة نفسها؛ عزلة هؤلاء النساء المضنية والصارمة.
لقد تُركن وحيدات بلا سند أو معين، ولا من أحد يسلّيهن أو يعزّيهن.
المرأة في الوسط تحاول إجبار الوادي على سماع صرخاتها. إنها آتية من عدّة عوالم.
لقد شاهدت انكسار قوس قزح. وتحت قدميها أمطرت السماء بركا صغيرة من الدم ونهيرات حفرت أنفاقا غائرة إلى أسفل.
في أحد تلك القبور المظلمة والعميقة، يرقد الابن الذي أحبّته أكثر من أي شيء آخر في هذه الحياة.
ولو أدارت رأسها نحونا لرأينا وجها تغطيه تضاريس بؤس لا يوصف وعينين مطفئتين على حزن دفين، وربّما شبح ابتسامة صمّاء شاردة.. "مترجم"

الثلاثاء، يناير 20، 2009

قصائد حزن صينية

رمـاد:
في هذه الليلة الباردة
من الشهر الثالث من الخريف
يستلقي رجل عجوز ووحيد
يطفئ المصباح
وينام بهدوء وسط أصوات المطر
رماد الموقد ما يزال دافئا من اثر النار
ورائحة الرماد العطرية تجعل اللحاف والأغطية أكثر دفئا
وعندما يأتي الفجر صافيا وباردا
لا ينهض
بينما الأوراق الحمراء المثلجة تغطي الدرج

رحيـل:
كلّ العصافير طارت وارتحلت بعيدا
وسحابة وحيدة تمرّ على مهل
وكلانا لا يملّ من النظر إلى الآخر: الجبل وأنا.

اشتعال:
الحياة على الأرض تشبه سربا من الإوز
يلتمع فوق الثلج
وأحيانا ما يترك أحدها وراءه أثرا

قبـر:
عشر سنوات مرّت
منذ أن فارق الأموات الأحياء
وأنا لا أفعل شيئا كي أتذكّر
لكني لا أستطيع أن أنسى
قبرك الوحيد على بعد ألف ميل

غبـار:
ليس ثمّة مكان استطيع فيه الحديث عن أحزاني
وحتى لو التقينا
كيف ستعرفينني؟
وجهي يعلوه غبار
وشعري مثل الثلج

طيـف:
في عتمة الليل
أحلم فجأة أنني في البيت
وأنك واقفة إلى جوار النافذة
ترتّبين شعرك
أنظر إليك ولا أستطيع الكلام
تمرّ السنوات وقلبي كسير
هذه الليالي المقمرة؟
ذلك القبر تحت شجرة الصنوبر؟

أمنيـة:
أستند إلى عصاي
وأستمع إلى النهر
أتمنى لو أن هذا الجسد يخصّ شخصا آخر

إبحـار:
في جوف الليل
عندما تسكن الريح ويهدأ البحر
سأجد قاربا وأبحر بعيدا
لأقضي سنواتي الأخيرة طافيا
أناجي النهر والبحر!

حيـرة:
هل لي جسد؟
هل هذه الروح لي؟
هل هذا أنا حقا؟
جلستُ أمام الجبل وأنا أفكّر في هذه الأسئلة
بينما توالى مرور السنوات
إلى أن نبت العشب الأخضر بين قدميّ
وتراكم الغبار الأحمر حول رأسي
وجاءني بشر كثيرون من هذا العالم
كانوا يعتقدون أني ميّت
وكانوا يحملون معهم قرابينهم من النبيذ والفاكهة ويضعونها بالقرب منّي!