واتصل مدير المصنع غاضبا بجميع المهندسين الذين يعرفهم. كان معظمهم مشغولين أو مرتبطين بمواعيد. ثم همس أحدهم: هناك شخص واحد يمكنه اصلاح الخلل. وهو معروف بأمرين: إصلاح الأعطال المستحيلة وتقاضي مبالغ طائلة مقابل ذلك".
لم يضيّع المدير وقتا. اتصل رأسا بذلك الفنّي وطلب منه المجيء على الفور الى المصنع. وبعد نصف ساعة، دخلت سيّارة مغبرّة ومتهالكة إلى موقف سيّارات المصنع، وخرج منها رجل في الخمسينات من عمره، ضئيل وذو شعر أشيب ويحمل صندوق أدوات مكسّرا.
لم يتحدّث الرجل كثيرا. مشى نحو الآلة مباشرة، دار حولها مرّة واحدة، فحصها ثم نقر عليها بمطرقة مطاطية صغيرة. وبعد بضع طرقات عادت الآلة إلى العمل. هلّل العمال وصفّقوا بينما رمشت عينا المدير في ذهول وقال: أهذا كلّ شيء؟ قال الفنّي العجوز: نعم، ثم استدار مغادرا بعد أن سلّمه الفاتورة.
فتح المدير الورقة وتفاجأ عندما وجد مكتوبا فيها: عشرة آلاف دولار. دولار واحد لإصلاح الخلل و٩٩٩٩ دولارا لتشخيصه.
العبرة من القصّة هي أن كميّة العمل ليست عنصرا مهمّا دائما، بل المعرفة والخبرة والبصيرة التي يوظّفها المرء فيه. أحيانا، نقرة واحدة تساوي عمراً من التعلّم.
❉ ❉ ❉
في شبابه رسم لوحات الطبيعة الصامتة لكسب رزقه واعتمد أسلوبا طبَع مرحلة كاملة من عمله، فاعتمد على اللون الأزرق واختار شكلا تعبيريا فريدا من نوعه وموضوعا مميّزا هو رسم صور بانورامية لـ ستوكهولم.
وقد أتقن يانسن رؤية هذه المدينة بجزرها ومياهها الممتدّة وفُتن كثيرا بالجوّ الأزرق والأثيري الذي ينبعث منها ليلا والذي أهّلهُ لنيل لقب "الرسّام الأزرق". وقد اعتبر أصدقاؤه أن الضوء الأزرق في صوره له علاقة وثيقة بطريقته في العزف على البيانو. كانت الموسيقى مصدر إلهام مهم له. وليس من المستغرب أن يطلق على العديد من لوحاته الزرقاء اسم "نوكتيرن" الذي استلهمه من شوبان مؤلّفه الموسيقيّ المفضّل.
عاش يانسن في عزلة نسبية عن أكثر الفنّانين ابتكارا في عصره، ولم يكن على معرفة مباشرة بأعمال فنّانين مثل فان غوخ وغوغان وبيكاسو ومونيه وسيزان. ومع ذلك يمكن ملاحظة أوجه شبه مهمّة بين لوحاته ولوحات معاصريه في أوروبّا. وقيل انه رأى بعض أعمال إدفارد مونك في وقت مبكّر من عام 1894، وقد أثّرت على أعماله اللاحقة. كما كان قريبا من بعض الشخصيات الثقافية والأدبية والفنّية البارزة في بلده، مثل كارل لارسون وريتشارد بيرغ وغيرهما.
ومع ذلك كثيرا ما قوبلت لوحاته بتشكّك الجمهور والنقّاد والمتاحف. وبالكاد كان يجد من يشتريها لكونها طليعية وثورية. لكن هذا لم يمنعه من الاستمرار والمثابرة. فقد كان فردانيّا وشغوفا ولم يكن على استعداد لتقديم أيّ تنازل عن النهج الذي اختاره.
لوحته المشهورة "فوق" تُعتبر جزءا من الحركة الرمزية التي تركّز على المزاج والعاطفة بدلا من التجسيد الواقعي. وقد صوّر فيها جمال وجوهر منطقة وسط ستوكهولم المعروفة بـ "ريدارفجاردين"، وذلك بالتركيز على عناصر بعينها مثل مناظر المياه الهادئة والمباني المُضاءة وتفاعلات الضوء في وقت السحَر.
غالبا ما تتميّز أعمال يانسن بألوانها الناعمة وبخلوّها من الأشخاص، وبتركيزها على جوهر البيئة والصدى العاطفي وتأثيرات الضوء والطابع الأثيري الذي يوحي بالحنين والشاعرية والألفة والتأمّل. كما أنه كثيرا ما يدمج أسلوبه بعناصر من الانطباعية، خاصّة في طريقة إمساكه بالضوء وتأثيراته الحالمة والشاعرية على المشهد الحضري للمدينة.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
وما تفعله وسائل الإعلام هو ضمان عدم قيامنا بمسؤولياتنا وأن تُخدم مصالح السلطة، لا احتياجات الشعوب المعذّبة، ولا حتى احتياجات الشعب الأمريكي الذي سيُصاب بالرعب إذا أدرك حجم الدماء التي على يديه بسبب الطريقة التي يتمّ فيها التلاعب به وخداعه. نعوم تشومسكي
❉ ❉ ❉
الدكتور سوس يحثّ القارئ بابتهاج قائلا: جَبَلك ينتظرك، لذا انطلق!". لكنه يحذّرنا من مكان الانتظار، وهو عالَم مجازي يُقصد به التردّد والمماطلة والركود. ويردّد سينيكا هذا الشعور في رسائله، محذرّا من البحث عن السلام في المحيط الخارجي فقط: من يقضي وقته في اختيار منتجع تلو الآخر بحثا عن السلام والهدوء، سيجد في كلّ مكان يزوره ما يمنعه من الاسترخاء". ويؤكّد أن الرضا الحقيقي لا يتحقّق بتغيير بيئتنا، بل يُزرع في داخلنا بالنيّة الواعية والاختيار الموفّق.
ويركّز كلا المؤلّفين على حقيقة جوهرية، وهي أن أعظم خطر في الحياة ليس الفشل؛ بل الجمود. ويذكّرنا الدكتور سوس بأن مسار الحياة نادرا ما يكون سلسا، لكنه دائما يستحقّ الخوض فيه.
ويكمل سينيكا هذه الفكرة بالحثّ على اتخاذ إجراءات مدروسة نحو حياة ذات معنى بدلا من انتظار التغيير الخارجي بسلبية. وينصح بأنه لا توجد لحظة خالية من التحدّي وبأن ندرك أن المصائب غالبا ما تظهر فجأة وبأن المرونة من خلال التجربة ضرورية.
هذان الصوتان يذكّراننا بأن مغامرة الحياة الحقيقية تتطلّب التوازن من خلال الطموح المعزّز بالوعي الذاتي والحماس المقترن بالتأمّل. سوس يدفعنا للأمام بشجاعة، "لكنك ستمضي قدما حتى لو كان الطقس قاسيا، ستمضي الى الأمام حتى لو كان أعداؤك يجوبون الشوارع، ستمضي قدما حتى لو نبحت عليك أخطر الكلاب". أما سينيكا فيرسّخ فينا اليقظة المنضبطة ويعلّمنا أن نستخدم الشدائد وقودا للنموّ لأنه "غالبا ما تمهّد النكسة الطريق لازدهار أكبر، والكثير من الأشياء تسقط لترتفع إلى آفاق أسمى".
تأمّل حكمة الاثنين مجتمعة: الدكتور سوس يثير الحماس، وسينيكا يقدّم منظورا مستقيما، كلاهما يشجّع على اتخاذ القرارات الحاسمة ويذكّراننا بأننا نمتلك كلّ ما يلزم لتحويل العادي إلى استثنائي.
Credits
musee-orsay.fr/en
medium.com
musee-orsay.fr/en
medium.com