:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، أغسطس 10، 2018

رسّام ألف ليلة وليلة


صَوّر العديد من فنّاني القرن العشرين المشاهد الخيالية لحكايات "ألف ليلة وليلة". ومن أشهر هؤلاء ايريك فريزر وكي نيلسن وجوليوس ديتمولد.
لكن أشهر رسّام صَوّر "الليالي العربية" بشكل مختلف كان الرسّام الانجليزيّ من أصل فرنسيّ إدمون دولاك.
في رسوماته، تمكّن دولاك من الإمساك ببراعة بالعناصر الفانتازية للحكايات، من خلال مزجه الشخصيات الملوّنة بالخلفيات الانطباعية والأجواء والمناظر الغامضة التي تتشكّل من توظيف الألوان الغامقة: رجال يجرون في أزقة ضيّقة ومظلمة، جنّي يبرز مثل غيمة كبيرة من زجاجة، أميرة في رواق تحرسه أسود، امرأة محجّبة تقف عند مدخل حانوت، شابّ يطير على بساط سحريّ ويطوف حول قصر مقبّب.
قبل دولاك، كان الجان يُرسمون على هيئة بشر لهم أعين واسعة، وأحيانا كوحوش خرافية تطير في بيئة غرائبية. لكنه رسم الشرق بشكل مختلف: كمكان أثيريّ وساحر وشفّاف.
والذين رسموا "الليالي" قبله لم تكن لديهم فكرة كافية عن أصل هذه القصص، لذا أضافوا إلى صورهم مسحة خيالية. ولم يكونوا يشعرون بأن من واجبهم أن يصوّروا العالم العربيّ في القرون الوسطى بشكل صحيح إثنيّا وتاريخيّا.
لذا استعانوا في ذلك بالأيقونات الآسيوية، مثل طريقة الصينيين في رسم واجهات القصور وفي تشكيل الغيوم والهالات البوذية وألسنة اللهب والجنّ الزُّرق وما إلى ذلك. لكن تلك الرسومات لم تكن دقيقة ولم تكن تعبّر عن البيئة العربية تعبيرا دقيقا.
غير أن الأمور تغيّرت في عام 1839، عندما نشر إدوارد لين ترجمته لليالي العربية في ثلاثة مجلّدات. ولأنه كان قد قضى سنوات من حياته في مصر تعلّم خلالها اللغة العربية، فقد ترجم الحكايات من لغتها الأصلية مباشرة إلى الانجليزية ولم يعتمد مثل غيره على الترجمة الفرنسية للكتاب التي وضعها انطوان غالان.
وكان من بين من رسموا هذه الحكايات حتى ذلك الوقت كلّ من جون تاينال وجون ميلليه وجورج بينويل وآرثر هاوتون. ورغم أن لصور الأخير سمات شرقية، إلا أن الشرق الذي رسمه كان اقرب ما يكون إلى الهند منه إلى العالم العربيّ. والسبب هو أن هاوتون كان قد قضى شطرا من طفولته وصباه في الهند وتأثّر بما رآه هناك ثم نقله إلى رسوماته.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان من الشائع أن تصدُر روايات كبار الكتّاب والروائيين، مثل تشارلز ديكنز وغيره، متضمّنةً رسومات توضيحية. لكن في نهاية القرن التاسع عشر، ولأسباب مجهولة، اختفى ذلك التقليد ولم تعد روايات الكتّاب الكبار تُزيّن برسومات، بعد أن وجد رسّامو الكتب أنفسهم مرتبطين أكثر برسم كتب الأطفال.


في عام 1905، كَلّفت إحدى دور النشر في انجلترا المترجم لورنس هاوسمان بوضع ترجمة جديدة إلى الانجليزية لكتاب "الليالي العربية". ولمّا كان هاوسمان قد رأى بعضا من رسومات إدمون دولاك منشورة في بعض الكتب، فقد اقترح على الناشر أن يستعين بالرسّام لإنجاز خمسين لوحة كي تصاحب الترجمة الجديدة.
كان دولاك، المولود في تولوز بفرنسا، قد هاجر قبل ذلك بسنوات إلى انجلترا واستقرّ فيها بعد أن اكتسب الجنسية البريطانية. وكان قد وضع للتوّ الرسومات التوضيحية لعدد من روايات الأخوات برونتي. كان عمره وقتها لا يتجاوز التاسعة والعشرين.
وبعد أن أكمل تلك المهمّة التي كلّفه بها هاوسمان، أصبح دولاك يلقّب بـ "رجل الليالي العربية" بسبب الشعبية الكاسحة التي أصبح يتمتّع بها بعد إنجازه للرسومات.
كان دولاك ذا مواهب متعدّدة، كما كان شغوفا بالأدب ومعجبا كثيرا بتقاليد الانجليز في رسم الكتب. وقد حوّل نفسه من خلال الاطلاع والمِران إلى خبير في تقنيات وموتيفات رسم المنمنمات الفارسية والمغولية.
الترجمة التي وضعها هاوسمان لكتاب "ألف ليلة وليلة" لاقت هي الأخرى نجاحا هائلا. ورغم أن دولاك نقل إلى رسوماته تقنية ألوان المجوهرات التي تتّسم بها المنمنمات الفارسية، إلا أن رسوماته أظهرت أيضا تأثّره بتقاليد النقوش اليابانية والرسم الصينيّ.
كان لصوره تلك سحر غريب. كما أن تأثيرها ما يزال مستمرّا إلى اليوم، لدرجة انه يقال أنها شكّلت جزءا من تصوّرات الغربيين عن المنطقة العربية.
ويمكن أن يقال نفس الشيء عن الصور التي وضعها دولاك في ما بعد لديوان الرباعيّات لعمر الخيّام، إذ سرعان ما راجت وانتشرت على نطاق واسع. وقد سمحت له تجربته مع الرباعيّات باكتشاف مواضيع واهتمامات الأدب الفارسيّ لأوّل مرّة.
كان إدمون دولاك أغلى وأشهر رسّام كُتُب في زمانه. وكان يكفي أن يظهر اسمه على غلاف أيّ كتاب حتى يشتهر ويتصدّر قائمة الكتب الأكثر مبيعا. وكانت رسوماته لليالي العربية وأشعار الخيّام، على وجه الخصوص، متميّزة جدّا، لأنه استخدم فيها ألوانا ثريّة ورائعة. كان يفضّل الأزرق الغامق غالبا، ولطالما استخدمه بوفرة في تصويره للسماء الليلية ومناظر الشفق والطبيعة الثلجية التي تكسوها زُرقة.
ذات مرّة، أقيم لصور إدمون دولاك معرض في أمريكا، وقد تضمّنت مقدّمة الكرّاس الذي يعرّف بالفنّان هذه الكلمات: هذا الرسّام اختار مدينة حالمة في الشرق كمكان لولادته، وأميرة فارسية كأمّ له، وفنّانا من سلالة المينغ الصينية كأب له".

Credits
artpassions.net