:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، يناير 01، 2011

نوستراداموس جديد أم مجرّد حكواتي ؟


لا أعوّل كثيرا على ما يقوله المنجّمون. ومع ذلك، لم يمنعني من مشاهدة توقّعات ميشيل حايك البارحة وصف شيخ متشنّج له بأنه يسجد للشيطان وأنه كافر مخلّد في النار وو، إلى غير ذلك من الأوصاف الساذجة والعبيطة!
وبداية، لا أؤمن على الإطلاق بمسألة أن هناك بشرا يمكن أن يطّلعوا على الغيب ويكشفوا ما الذي سيقع غدا أو بعد شهر أو سنة من اليوم. هذا كلّه في علم الغيب، والإنسان لا يستطيع بقدراته العقلية المحدودة أن يتطلّع إلى ما هو ابعد من وجوده المادّي المباشر.
ورغم هذا وجدت نفسي استمع إلى توقّعات ميشيل حايك للعام الجديد من باب الفضول ولزوم التسلية. هذا الرجل لاحظت انه يتمتّع أكثر من غيره من المنجّمين بشعبية كبيرة في أوساط العامّة. والبعض يعلق أهمّية على تنبّؤاته لأنه، حسب ما قيل، سبق وأن تنبّأ باغتيال رفيق الحريري وموت الليدي دايانا وانفجار مكوك الفضاء الأمريكي تشالنجر.
واليوم نشرت وكالة الأنباء الفرنسية مقابلة مع حايك ذكرت فيها انه يعيش في ما يشبه العزلة ونادرا ما يعطي مقابلات أو لقاءات. وحايك، الذي كثيرا ما يشاهَد بصحبة طائر ببغاء، يعمل كمستثمر في تجارة العقار ويحتفظ بصداقات مع عدد من زعماء المنطقة والعالم الذين يطلبون مشورته.
وبحسب الوكالة، أشار حايك إلى انه عاد للتوّ من رحلة إلى المملكة العربية السعودية. غير انه التزم الصمت عند سؤاله عن الأشخاص الذين التقاهم هناك. وتتضمّن قائمة زبائنه كلا من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان والأميرة البريطانية دايانا.
في ظهوره البارحة، توقّع حايك حصول الكثير من الأحداث والمتغيّرات في منطقتنا وفي العالم خلال العام الجديد. وأهمّ ملاحظة خرجت بها من المقابلة معه أن حايك ملمّ كثيرا ومتابع بحرص لما يجري في المنطقة من أحداث. وهو يبني تنبّؤاته لما سيحدث على قراءة التطوّرات السياسية ومحاولة رصد مسار الأحداث، تماما كما يفعل قارئ نشرة الأحوال الجوّية. أي أن الأمر في النهاية لا يعدو كونه مجرّد حدس وتحليل ولا يتعلّق بأيّ قدرات ميتافيزيقية أو رؤى خارقة للعادة.
خذ مثلا بعض ما قاله أمس. فقد توقّع أن يُلقي احد رؤساء لبنان الثلاثة كلمة يتأثّر منها المشاهدون. والذي يستمع إلى هذه "النبوءة" لا يساوره شكّ في أن الرئيس المقصود هو سعد الحريري. وبشيء من التخمين والحدس يمكن للمرء أن يربط الكلمة المتنبّأ بها بتطوّرات المحكمة الدولية. وأحد السيناريوهات المتصوّرة والتي لم تعد سرّا يقول إن الحريري سيبادر في إحدى المراحل وبعيد صدور القرار الظنّي إلى الإعلان عن تنازله وعفوه عن المشتبه بهم حرصا على السلم الأهلي واتقاءً لنار الفتنة.
حايك أيضا توقّع ظهور خلايا إرهابية في السعودية. وليس هذا بالاكتشاف الجديد أو المفاجئ. فبين فترة وأخرى يتمّ الإعلان فعلا عن اكتشاف خليّة أو خلايا إرهابية هنا أو هناك.
كما تنبّأ حايك بعدم استمرار تركيبة الحكومة العراقية الحالية، وبأن ويكيليكس ستركّز في العام الجديد على كشف فضائح المصارف والبنوك. السؤال: هل يدخل هذا في باب النبوءات؟ العراق ما يزال بلدا هشّا وكلّ شيء فيه محتمل الحدوث. وصاحب ويكيليكس أعلن على الجزيرة منذ أيّام انه سينشر عددا من الوثائق التي ستتناول أسرار بعض المصارف الأمريكية والغربية. إذن لا نبوءة ولا من يحزنون!
ومن بين توقّعاته الأخرى أن علَما مستحدثا، كما قال، سيرفرف فوق إحدى الدول، وأن زعامة عادل إمام في مصر برسم التهديد!
بالنسبة للتوقّع الثاني أقول: ومن يهتمّ أصلا؟ ثم أيّ زعامة لعادل إمام يحكي عنها الرجل؟ أما بالنسبة للتنبّؤ الأوّل فلا بد وأن حايك يتابع أخبار السودان والاستفتاء الذي سيجري هناك قريبا. والكثيرون يميلون إلى أن يؤدّي الاستفتاء إلى انفصال الجنوب وتأسيس دولة مستقلة بحكومة وعلم جديدين.
وبالتالي، أين هي النبوءة في ما قاله؟
لكنّ احد أهمّ توقّعات حايك اللبنانية هو ذلك الذي قال فيه إن اسم عماد مغنية سيعود مجدّدا إلى الواجهة مترافقا مع جدل سينتهي بنتائج بالغة الحساسية. هذا التوقّع مهمّ فعلا وهو يثبت مرّة أخرى أن ميشيل حايك لا يعلم الغيب ولا يجالس الجان أو يتعاطى السحر، وإنما هو قارئ ذكيّ للأحداث. وقد يكون على علم بما يقال ويتردّد في دهاليز وأروقة السياسة المظلمة ممّا له علاقة بالمحكمة الدولية وأسرار اغتيال الحريري.


الأحد، ديسمبر 26، 2010

نهر النسيان

لا أعرف مدى صحّة العبارة التي تقال أحيانا من أن الإنسان لم يُسمّ إنسانا إلا بسبب انه كثير النسيان. ولكنْ ممّا لا شكّ فيه أن النسيان يُعتبر صفة ملازمة للإنسان وجزءا لا يتجزّأ من طبيعته وتكوينه.
وفي السنوات الأخيرة لاحظت أنني أصبحت أنسى كثيرا. والمشكلة أن مظاهر هذا النسيان كثيرة ومتعدّدة. يحدث أحيانا أن أقابل شخصا لأوّل مرّة فيعرّف كل منّا نفسه بالآخر. لكن ما أن أقابل نفس الشخص بعد بضعة أيّام حتى أقع في الحرج عندما اكتشف أنني نسيت اسمه.
وقبل أيّام كنت في زيارة لموظّف بإحدى الشركات الخدمية. وبعد أن غادرت مكتبه ووصلت إلى سيّارتي، اكتشفت أنني نسيت هاتفي المحمول عنده. وكنت متأكّدا من أنني تركت الهاتف في مكان ما على مكتبه لأنني تذكّرت أنني أجريت آخر مكالمة وأنا جالس هناك.
وعندما عدت إليه لأساله ما إذا كان قد رأى الهاتف، أجاب بالنفي. ومع ذلك بحث على المكتب وفتّش كثيرا بين الأوراق فلم يجد شيئا. ثم قال: عندي فكرة. كم رقم هاتفك حتى اتصل به من هاتفي لنستدلّ على مكانه؟ قلت وأنا اشعر ببعض الحرج: للأسف لا أحفظ الرقم. ضحك من ردّي ثم قال بأدب: بسيطة، لست وحدك من لا يتذكّر رقم هاتفه. لكنْ هناك حلّ آخر، حاول أن تتصل بأحد معارفك واطلب منه الرقم. قلت: إذا كنت لا أحفظ رقمي الخاصّ فكيف تتوقع منّي أن أحفظ رقم شخص أخر! وأضفت: أنا لست مهتمّا بالجهاز نفسه بل بالأرقام التي بداخله والتي إن ضاع فستضيع إلى الأبد. ثم دوّن رقم هاتفه على ورقة صغيرة أمامه وقال: خذ، هذا رقم هاتفي. اتصل بي قبل نهاية الدوام. وبدوري سأطلب من عمّال المبنى البحث عنه.
ولحسن الحظ اتصلت به مساء نفس اليوم وأبلغني بأنهم عثروا على الهاتف محشورا في زاوية ضيّقة تحت المكتب.
أن لا يحفظ الإنسان رقم هاتفه قد يعتبره البعض أمرا غريبا ونادرا. لكن المشكلة أن الإنسان قد يتعرّض لظروف ومواقف يتحتّم عليه فيها أن يعرف رقم هاتفه، على الأقلّ.
المشكلة أن النسيان لا يقتصر على الأرقام. أصبحت أنسى حتى اسم كاتب قرأت له منذ أيّام، أو اسم موسيقيّ طالما استمعت إلى موسيقاه وأعجبتني، أو اسم كتاب قرأته مؤخّرا أو سمعت عنه من الناس.
تذكّرت قصتّي مع النسيان وأنا اقرأ مقالة طريفة عن الموضوع لكاتب اسمه بيلي كولينز. تخيّلت انه يتكلّم نيابة عنّي، غير انه تحدّث عن المشكلة بطريقة ابلغ وأعمق. يقول: يحدث كثيرا أن ننسى سريعا الأشياء التي كنّا نظنّ أننا لن ننساها. خذ، مثلا، كتابا قرأته منذ بعض الوقت. أوّل ما يتلاشى من ذاكرتك اسم المؤلّف، وبعد ذلك العنوان. ثم لا تلبث أن تنسى الكتاب نفسه. وشيئا فشيئا تشعر انك لم تقرأ الكتاب، بل ولم تسمع به مطلقا. الذكريات التي اعتدنا أن نحتفظ بها تُقرّر شيئا فشيئا أن تتقاعد في الجزء الخلفي من أدمغتنا، تماما مثلما يذهب الصيّادون إلى قرية صغيرة لا يوجد بها تليفون.
ويضيف: منذ زمن طويل ودّعت أسماء الملهمات التسع وراقبت المعادلات التربيعية وهي تحزم حقيبتها وتذهب إلى غير رجعة. وبينما تجهد نفسك وأنت تحاول أن تحفظ تسلسل الكواكب، ينزلق من ذاكرتك اسم زهرة، أو عنوان لأحد أقربائك أو اسم لعاصمة احد البلدان.
وأيّا ما كان الشيء الذي تحاول أن تتذكّره، فإنه لن يأتي على طرف لسانك مهما فعلت. كلّ شيء كنّا نتذكّره يذهب بعيدا ليستقرّ في نهر عميق ومظلم. وفي طريقك إلى النسيان، ستنضمّ إلى أولئك الذين نسوا حتى كيف يسبحون أو كيف يركبون درّاجة.
لا تستغرب إذن إن استيقظت في منتصف إحدى الليالي لتبحث عن تاريخ معركة مشهورة في كتاب عن الحرب. ولا تندهش إن اكتشفت أن القمر خارج النافذة يبدو كما لو انه انحرف خارج قصيدة حبّ كنت تحفظها ذات يوم عن ظهر قلب.
البعض يقول إن النسيان نعمة غير خالصة. لكنّي اعتبره في بعض الأحيان آفة ونقمة. وقد اكتشفت أن محاولاتي في أن اشحذ ذاكرتي وأن اُظهِر مزيدا من الحرص على تذكّر بعض الواجبات العملية التي يتعيّن عليّ القيام بها بشكل عاجل لم يغيّر من واقع الحال شيئا.
لكنّي أحيانا أجد بعض السلوى في أقوال بعض الحكماء والفلاسفة الذين كانوا يمجّدون النسيان في كتاباتهم ويعتبرونه من تمام النِعَم. "طوبى لمن ينسون"، يقول نيتشه. "النسيان أغنية، طائر يفرد جناحيه الأبيضين، مطر في الليل"، يقول آخر.
"لا تبتئس إذا نسيت. الأهرامات نفسها نسيت منذ زمن طويل أسماء من شيّدوها"، يقول ثالث. "الرياح تهدأ والينابيع تجفّ والندى يتلاشى والنجوم تأفل .. والإنسان ينسى!"، يقول كاتب رابع.
ومع ذلك، وعلى مستوى أعمّ، أحاول جهدي أن اعمل بنصيحة حكيم قديم عندما قال: في هذه الحياة حاول أن لا تنسى الأشياء التي يجب أن تتذكّرها، وأن لا تتذكّر الأشياء التي يجب أن تنساها.