:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، يونيو 07، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • لغة الفنّ في بعض الأحيان غامضة. وقد تبدو التلميحات، التي تأخذ هيئة زهور وفواكه وحيوانات وأشياء أخرى، واضحة للعيان، إلا أن معناها لا يُفهم إلا إذا عرفتَ الإشارات التي تبحث عنها. وإحدى متع النظر إلى الفنّ هي اكتشاف نيّة خفيّة في اللوحة، لا تظهر إلا بعد تحديد رموزها وفكّ طلاسمها.
    خذ الليمون مثلا. لطالما كانت هذه الفاكهة موضوعا جذّابا للرسّامين نظرا لقدرتها على لعب دور مزدوج. فالليمون ممتلئ ونابض بالحياة من الخارج، ولكنه يحمل في طيّاته مرارة لاذعة وشيئا من اللذّة في الوقت نفسه. لذا فإن وجود الليمون في لوحة فنّية ينبغي أن ينبّهنا إلى فكرتين متعارضتين: أن الحياة قد تكون رائعة وطريّة، ولكنها قد تكون أيضا مشبعة بالمرارة.
    وللتأكيد على هذه النقطة، غالبا ما يصوَّر الليمون في الرسم وهو شبه مقشَّر، حيث يتلوّى قشره على حافّة طبق لامع، كما في لوحات بعض الرسّامين الهولنديين القدامى.
    كانت رسومات الطبيعة الصامتة الهولندية تفضّل الليمون كموضوع رئيس. ويبدو أن هذه الفاكهة كانت رائجة ومطلوبة في المجتمع الهولنديّ في القرن السابع عشر، ما جعلها نادرة ومألوفة في آن. ولأن الليمون غريب بما يكفي، فقد كان يدلّ بطبيعته على الرفاهية والرخاء، ولم يكن نادرا جدّا لدرجة أن يكون غامضا. فقد كان يستورَد ويُزرع في البيوت الزجاجية والصوبات الزراعية بأعداد كبيرة، كي يأخذ مكانه على موائد الطعام، كما تشهد بذلك كتب الطبخ من ذلك العصر.
  • ❉ ❉ ❉

  • كانت الثيوصوفية أحد أكثر الاتجاهات الفكرية شعبية في القرن التاسع، وهي العقيدة التي أسّستها هيلينا بلافاتسكي وتضمّنت عناصر من المسيحية والتصوّف والبوذية.
    وبحسب الكاتبة ناتاشا لفوفيتش، اكتسبت الثيوصوفية الروسية نزعتها المسيحية القويّة وطوباويّتها الاجتماعية. وقوبلت عبارة بلافاتسكي "كما يخلق الله، فإن الإنسان قادر على الابتكار" باستحسان الفنّانين والكتّاب الروس في مطلع القرن العشرين أثناء نهضة الفنون والعلوم الإنسانية والباطنية، والذين كانوا يأملون في خلق واقع جديد بكلماتهم وصورهم.
    مثلا كان سيرغي آيزنشتاين، المخرج السينمائي الكبير، مهتمّا بشكل خاص بالشامانية. وكان دوستويفسكي وتولستوي وسولوفييف وغوركي وماياكوفسكي منجذبين إلى فلسفة نيكولاي فيدوروف، الذي أكّد أن البشرية "يجب أن تعيد إحياء آبائها الموتى من الغبار الكونيّ باستخدام العلم". وتضمّن كتاب الفيلسوف الروسي نيكولاي بيردييف فصولاً عن الإبداع والتصوّف.
    وتضيف لفوفيتش أن هذه المذاهب والحركات انتشرت في الفنّ والفكر بغرض إحياء الثقافة الروسية في ذروة الثورة. وقد جمع الشعراء والكتّاب الرمزيون الروس، مثل بالمونت و بيلي وبلوك، بين الرمزية الأوروبية والأرثوذكسية الروسية واعتبروا الكلمة "كيانا مقدّرا له أن يغيّر العالم".
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • أحيانا قد تغني قراءة اقتباس واحد عن مطالعة العديد من الصفحات. الأسطر التالية هي مجموعة من العبارات والأقوال التي قرأتها في أوقات وأماكن مختلفة ووجدت فيها ما يستحقّ التفكير والتأمّل..
    ◦ عندما أجد نفسي غارقا في الحزن على فقدان شخص عزيز، أحاول بسرعة أن أتذكّر أن اهتمامي وأسئلتي يجب أن تنصبّ على ما تعلّمته أو ما لم أتعلّمه بعد من الراحل العزيز، وما هو الإرث الذي تركه ليساعدني في أن أعيش حياة كريمة. مايا انجيلو
    ◦ جميع المهدّئات والمخدّرات والمهلوسات والمنشّطات الطبيعية اكتُشفت منذ آلاف السنين، أي قبل فجر الحضارة. وهذه بلا شكّ من أغرب الحقائق في ذلك السجلّ الطويل من الاحتمالات غير المتوقّعة المعروف باسم التاريخ البشري. من الواضح أن الإنسان البدائي أجرى تجارب على كلّ جذر وغصن وورقة وزهرة وكلّ بذرة وجوزة وتوتة وفطر في بيئته. عِلْم الصيدلة أقدم من الزراعة. وهناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه حتى في العصر الحجريّ القديم، عندما كان الإنسان لا يزال صيّادا وجامعا للثمار والطعام، كان يقتل أعداءه من الحيوانات والبشر بسهام مسمومة. وبحلول أواخر العصر الحجري، كان يُسمّم نفسه بشكل منهجي. ألدوس هكسلي
    ◦ الحياة ليست مشكلة، فلماذا تطلب حلاً؟! المشكلة الحقيقية تكمن في الاعتقاد بأن السؤال منطقي. آلان واتس
    ◦ لسنوات كنت في منزلي أشعر بأنني محاصَر بعد معاناة طويلة مع الاكتئاب. نظرت من النافذة آلاف المرّات، ولكن ذات يوم رأيت منقذا غير متوقّع على هيئة طائر صغير يجثم خارج النافذة. أشعل هذا اللقاء شغفي بمراقبة الطيور وانتشلني من اليأس وغرس في حياتي الفرح وحبّ الطبيعة والمغامرة والتواصل. طائر أصفر صغير يرفرف من غصن إلى غصن لفت انتباهي وأثار فضولي، فانحنيت من النافذة لأراقبه وربطني بالطبيعة، وبعالم كامل لم أكن أستطيع رؤيته بسبب ألمي وحزني عندما كنت حبيسة الظلام.
    وبفضل ذلك الطائر أصبحت أكثر فضولا، فاشتريت دليلا إرشاديا وتصفّحت الإنترنت وتواصلت مع أشخاص آخرين لديهم نفس الشغف. لا أستطيع التعبير عن مدى تأثير ذلك الطائر على حياتي، فقد أفرحني وأضاء روحي. التواصل مع الطيور يذكّرنا بالبقاء في اللحظة الراهنة، كما أنها تعلّمنا الكثير وتساعدنا على تجاوز التحدّيات الصعبة. تاما واتس
    ◦ هكذا ستفكّر في كلّ هذا العالم الزائل: كنجمة عند الفجر، أو فقاعة في جدول، أو ومضة برق في سحابة صيفية، أو مصباح متوهّج، أو شبح، أو حلم. سيدارتا غوتاما
    ◦ كلّ لحظة من لحظات وجودنا مرتبطة بماضينا بخيط غريب؛ بالذاكرة. حاضرنا يعجّ بآثار ماضينا. نحن تواريخ أنفسنا؛ سرديات. أنا لست هذه الكتلة اللحظية من اللحم المتّكئة على الأريكة تكتب حرف الألف على حاسوبي المحمول. أنا أفكاري المليئة بآثار العبارات التي أكتبها، أنا مداعبات أمّي واللطف الهادئ الذي عاملني به والدي؛ أنا رحلات مراهقتي؛ أنا ما رسّخته قراءاتي في ذهني؛ أنا أحبّائي، لحظات يأسي، صداقاتي، ما كتبته، ما سمعته؛ الوجوه المحفورة في ذاكرتي. أنا، قبل كلّ شيء، من حضّر لنفسه كوبا من الشاي قبل لحظات، من كتب قبل لحظة كلمة "ذاكرة" على حاسوبه، من كتب الجملة التي أكملها الآن. لو اختفى كلّ هذا، هل كنتُ سأبقى موجودا؟ أنا بهذا العمر، رواية مستمرّة. وحياتي تتشكّل منها. كارلو روفيلي
    ◦ ذات مرّة كتبَ ناقد أن لوحاتي ليس لها بداية ولا نهاية. لم يكن يقصد بذلك مجاملتي. لكنها كانت مجاملة رائعة. جاكسون بولوك
    ◦ تعمل الأيديولوجيات على تخدير تجربتنا المباشرة مع العالم بتضييق قدرتنا على التكيّف معه وعلى فهم الأدلّة والتمييز بين الموثوق منها وغير الموثوق. ومن تجربتي وجدت أن أكثر المفكّرين صرامةً لديهم ميول جينية مرتبطة بكيفية توزيع الدوبامين في أدمغتهم. إن استكشاف العالم مكلّف للغاية معرفيّا، بينما تحاول العديد من الأيديولوجيات إقناعك بأن الالتزام بالقواعد والمسلّمات هو السبيل الوحيد للعيش السليم والأخلاقي. ليور زميغرود
    ◦ الأفكار الجديدة، الهشّة كزهور الربيع، تخدشها أقدام الحشود بسهولة، لكن قد يعتزّ بها المتجوّل المنعزل. فرِد هويل
    ◦ مستيقظ في الليل
    صوت جرّة ماء
    تتكسّر في البرد. باشو

  • Credits
    rijksmuseum.nl
    theosophy.wiki/en

    الخميس، يونيو 05، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • عاش الشاعر "هان شان" في عهد أسرة تانغ الصينية المزدهرة، ويُعتبر من بين أهمّ شعرائها المتميّزين، وكان معاصرا للشاعرين المشهورين لي باي و دو فو. وعلى الرغم من أنه لم يكن معروفا أثناء حياته، إلا أن شهرته نمت بعد وفاته واستمرّت لآلاف السنين وحتى اليوم.
    ويقال إن هان شان فشل عدّة مرّات في العثور على وظيفة مناسبة في العاصمة، وفي النهاية لم يعد لديه ما يدفعه للعودة إلى بلدته.
    وقد لامه إخوته على سوء حظّه كما تجاهلته زوجته. ولمّا أحسّ بأن عالمه كلّه قد انهار وبأن حياته بدأت تغرق في اليأس، قطع كلّ علاقاته الإنسانية وسافر لوحده حاملاً معه الكثير من الذكريات المؤلمة. وفي النهاية اختار العيش وحيدا كناسك في الجبال. ولم يكن لديه مكان ثابت يعيش فيه، لذا كان يتجوّل بين الغابات والجبال، وكتب في عزلته الكثير من الأشعار، وأشهرها قصائد "الجبل البارد".
    فيما يلي بعض تلك القصائد بترجمتي مع بعض التصرّف..
    ◦ تجري المياه على الدوام في الجدول المنعزل، والرياح تهزّ أشجار الصنوبر الطويلة. عندما تجلس هناك نصف يوم، ستنسى مائة عام من الحزن. الزهور جميلة في الفصل الرابع من العام، ولكنّها تتحوّل إلى اللون الأصفر في يوم واحد. لن تستطيع تذوّق طعم الحليب والعسل الصخريّ إلا بعد أن تموت.
    ◦ كيف يأتي الشعر إليّ؟ يأتي متعثّرا فوق الصخور في الليل، ويبقى خائفا خارج نطاق نار المخيّم، فأذهب لمقابلته على حافّة الضوء.
    ◦ ظننتُ أنني سمعت صوت فأس شقّ هدوء الغابة. توقّف الحلم واستيقظت. كنت أحلم في قطار. ولا بدّ أن ذلك كان منذ ألف عام، في قرية جبلية قديمة في اليابان. حشد من الشعراء المتحمّسين والفتيات العازبات. في تلك الليلة، تجوّلتُ في طوكيو كالدبّ، متتّبعا مستقبل ذكاء البشر ويأسهم.
    ◦ كان الناس يبحثون عن الطريق في السحاب، ولكن ذلك الطريق لم يكن موجودا في أيّ مكان. الجبال مرتفعة وشديدة الانحدار، بينما الجداول واسعة وأقلّ رشاقة. الجبال الخضراء أمامنا وخلفنا، والسحب البيضاء في الغرب والشرق. إذا كنت تريد أن تعرف أين يقع مسار السحابة، فإنه موجود في الفراغ.
    ◦ إذا لم يكن لديك ملابس فاذهب وابحث عنها بنفسك، لا تطلب من الثعلب معطفه الفرو. وإذا لم يكن لديك طعام فخذه لنفسك، لا تطلبه من الغنم. استعارة الجلد واللحم تجلب الشعور بالحزن.
    ◦ وسط آلاف الغيوم والأنهار، أتسكّع كعاطل سعيد وأهتف لنفسي. نهارا أجوب جبال الصنوبر، وليلا أنام تحت صخور تحميني. ومع أن الربيع والخريف يمرّان بسرعة، إلا أن عقلي في سلام لا يخنقه الغبار. ما أسعد الحياة التي تتشبّث باللاشيء، ما أهدأها كتدفّق جدول في الخريف.
    ◦ الجبل البارد مليء بالعجائب الخفيّة، ينتاب الخوف من يتسلّقونه. عندما يُشرق القمر تترقرق المياه الصافية، وعندما تهبّ الرياح يتمايل العشب. ومع لمسة المطر يتحوّل كلّ شيء إلى نضارة وحيوية. في الموسم الخطأ لا يمكنك عبور الجدول.
    ◦ مرور الأعوام يأتي بأحزان جديدة، ومجيء الربيع يجلب جمالا جديدا. تبتسم أزهار الجبال للمياه الصافية، ويرقص الدخان الأخضر فوق الصخور والقمم. يقطف طائر الكيوي الفاكهة في الجبال ويحمل مالك الحزين الأسماك في البِركة. يدّعي النحل والفراشات أنها سعيدة، بينما الطيور والأسماك أكثر حزنا. لا أزال أستمتع بصحبة أصدقائي الطيور والحيوانات ولا أستطيع النوم طوال اليوم. قلبي مثل قمر الخريف، صافٍ ومشرق مثل بحيرة زرقاء، لا يوجد شيء يشبهه، كيف يمكنني وصفه؟!
    ◦ القمر بارد، وجسدي مثل طائر الكركي الوحيد. لقد رأيت أناسا في هذا العالم يولدون ثم يموتون. أمس صباحا كنت لا أزال في العشرينات من عمري، بروح قويّة وعقل متوثّب. الآن عمري يزيد عن السبعين، وأشعر بالضعف والإرهاق، تماما مثل زهور الربيع التي تتفتّح في الصباح وتذبل في الليل. أحسد نفسي على فرحة الجبال، على كوني حرّا وبلا قيود. أقضي أيّامي في تغذية جسدي المنهك، وليس لديّ ما أفعله سوى الأفكار الخاملة.
    ◦ ينسحب النُسّاك من عالم البشر وينامون في الجبال في أغلب الأحيان. تنتشر الكروم الخضراء على قمم التلال، وتتردّد أصداء الجداول الصافية. كن راضيا ومرتاحا، هادئا وحرّا. تجنّب التدخّل في شئون الدنيا وحافظ على هدوء عقلك كاللوتس الأبيض. العالم مليء بالمنعطفات والتقلّبات، وعاجلاً أم آجلاً ستتخلّى عن جشعك في الحياة. متى سأتمكّن من الراحة بعد طحن كلّ الحجارة الموجودة في هذه الأرض؟
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • في كثير من الأحيان، يُفسَّر الفنّ بشكل أكثر شمولاً عندما يُنظر إليه كتصوير للظواهر الرياضية والعلمية في عالمنا المادّي. وقد شكّلت مطبوعات الفنّان السويسري موريتس إيشر الحجرية، التي تُصوّر اللانهائية والنسبية والأشياء المستحيلة، جزءا من الفن، وفي نفس الوقت تُدرّس في أقسام الرياضيات في معظم الجامعات.
    في الدراسات العلمية، تُحلّل أكثر الأحداث إثارةً وتُمثّل بأرقام ورسوم بيانية قاتمة ومجرّدة من كل عناصر الرهبة. وكما هو الحال في الفنّ، كذلك في العلم، حيث لا تُفهم الأعمال الفنيّة المذهلة للفنّان إيشر فهما كاملا إن لم يكن المرء على دراية بالنظريات التي تمثّلها كسياق بصري.
    أبدع إيشر أعمالاً فنيّة فريدة ورائعة تستكشف وتعرض مجموعة واسعة من الأفكار الرياضية. ولم تلقَ أعماله ما تستحقّه من اهتمام إلا في خمسينات القرن الماضي، حيث أقام أوّل معرض له ونشرت صحف مهمّة بعض أعماله واكتسب شهرة عالمية. وكان علماء الرياضيات من بين أشدّ معجبيه بعد أن لاحظوا في أعماله تصويرا رائعا للمبادئ الرياضية. ومن الغريب أنه لم يتلقَّ أي تدريب رسمي في الرياضيات.
    ولو تجوّلتَ اليوم في أقسام الرياضيات بالجامعات، فستجد صور ايشر في كلّ مكان. وستجدها حتى في الكتب الدراسية، لأنها تخاطب علماء الرياضيات خاصّة. ومن منظور اليوم، يفهم هؤلاء العلماء بشكل أوضح ما كان إيشر يرمي اليه في رسوماته، لدرجة أنه يمكن بالفعل كتابة صيَغ رياضية لبعض أعماله واستكشاف الأفكار الكامنة وراءها. والخلاصة هي أن علماء الرياضيات يدركون جمال مواضيعهم وإيشر يُظهر لنا، نحن جمهور المتلقّين، جمال تلك المواضيع.
    كان ايشر مفتونا أيضا بالمفارقات والأشكال "المستحيلة" والتقسيمات المنتظمة، أو ما تُسمّى بالفسيفساء. وقد بدأ هذا الاهتمام في منتصف الاربعينات عندما سافر إلى إسبانيا وشاهد أنماط البلاط المستخدم في قصر الحمراء. وأمضى هناك أيّاما طوالا في رسم تلك الأنماط التي وصفها لاحقا بأنها "أغنى مصدر إلهام استفدت منه على الإطلاق".
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض الاقتباسات تُلهم وتحفّز وتثير التفكير والتأمّل. ويمكن لاقتباس أن يعبّر أحيانا عمّا لا تستطيعه كلمات وأحيانا صفحات. هنا مجموعة من العبارات والأقوال التي قرأتها في أوقات مختلفة وأعجبتني.
    ◦ إنه لأمر مرهق أن تتحمّل كلّ هذا العبء. تعلّم أن تفعل كلّ شيء بخفّة. نعم، اُشعر بخفّة حتى لو كنت تشعر بعمق. دع الأمور تحدث بخفّة، وتعامل معها بخفّة. كنتُ جادّا بشكل مبالغ فيه في تلك الأيّام، متزمّتا صغيرا بلا إحساس بالدعابة. إنها أفضل نصيحة أُسديت لي على الإطلاق. حتى عندما يتعلّق الأمر بالموت، لا شيء مرهق أو مثير للشفقة أو مؤكّد، لا بلاغة، لا ارتعاشات، لا شخصية واعية، وبالطبع لا لاهوت، لا ميتافيزيقيا، فقط حقيقة الموت وحقيقة النور الساطع.
    لذا تخلَّ عن أمتعتك وانطلق. هناك رمال متحرّكة من حولك، تسحبك من قدميك، تحاول جرَّك إلى الخوف والشفقة على الذات واليأس. لهذا السبب يجب أن تمشي هكذا بخفّة، بخفّة يا عزيزي، على أطراف الأصابع، بلا أمتعة، ولا حتى حقيبة إسفنجية، خالياً تماما من أيّ أعباء. ألدوس هكسلي
    ◦ السلام في النفس موجود في نفس المكان الذي تجد فيه الاضطراب والمعاناة. لا تجده في غابة أو على قمّة تلّ، ولا يمنحك إيّاه معلّم. حيثما تجد المعاناة، تجد أيضا الخلاص منها. ومحاولة الهروب منها هي في الواقع ركض نحوها. أجان تشاه
    ◦ لماذا يحتاج الناس إلى الخصوصية؟ ولماذا الخصوصية مهمّة؟ في الصين، يعيش كلّ أفراد العائلة معا، الأجداد والآباء والأبناء والبنات وأقاربهم أيضا. يتناولون الطعام معا ويتشاركون كلّ شيء ويتحدّثون في كلّ أمر. الخصوصية تجعل الناس يشعرون بالوحدة، كما أنها تشتّت العائلة. تشياولو غو

  • Credits
    mcescher.com
    poetryintranslation.com

    الثلاثاء، يونيو 03، 2025

    سينيكا في العالم المعاصر


    في كتابه "إفطار مع سينيكا: دليل رواقيّ لفنّ العيش"، يشير الفيلسوف ديڤيد فيدلر إلى أنه لم يكتشف الفيلسوف الروماني إلا في مرحلة متأخّرة من حياته وأن ما أعجبه فيه، إلى جانب كونه كاتبا عظيما، هو أنه يركّز على قضايا الحياة الواقعية، مثل كيف تتعامل مع الحزن عند وفاة أحد الأحبّة، وكيف تتعامل مع الهموم أو الأفكار المقلقة، حتى تتمكّن من العودة إلى عيش اللحظة بسلام. وما هي الصداقة الحقيقية، ولماذا تعدّ مهمّة جدّا؟ وكيف يمكننا أن نساهم في خدمة المجتمع؟
    ويضيف المؤلّف: منذ سنوات أصبحتْ قراءة سينيكا كلّ صباح بداية رائعة ليومي. وكلّ ما كتبه خالد وباقٍ وما يزال يؤثّر فينا الى اليوم. وهذا ما يجعله يبدو معاصرا. ولأنه كان يتمتّع ببصيرة عميقة في علم النفس البشري، فإن الكثير من قرّاء سينيكا يشعرون بأنه مرشدهم الحكيم. صحيح انه مات منذ مئات السنين، لكن أفكاره ما تزال حيّة الى اليوم. كان خبيرا في البلاغة، وكان يكتب بأسلوب أدبيّ فريد قلّده آخرون، بدءا من عصر النهضة الإيطالية إلى رالف إيمرسون. وهذا الأسلوب الجذّاب هو ما يجعل كتاباته آسرة".
    على مدى الألفي عام الماضية، شهد عالمنا تطوّرا تكنولوجيا هائلا. لكن عندما تقرأ سينيكا، تدرك أن البشر لم يتغيّروا نفسيّا. فنحن، من هذه الناحية، نشبه ما كان الناس عليه في روما قبل ألفي عام، وتساورنا نفس الآمال والتطلّعات والمخاوف التي كانت للرومان القدماء. كما أن لدينا نفس الرغبة في أن نصبح أفضل وأكثر تميّزا. وسينيكا تناولَ كلّ هذا في كتاباته.
    ويذكر فيدلر أنك لو درستَ سينيكا وإبيكتيتوس وماركوس أوريليوس، أي أقطاب المدرسة الرواقية الكبار، فستكتشف أنهم كانوا يعبّرون عن نفس الأفكار إلى حدّ كبير، ولكن كلّ بطريقته الخاصّة، لأنهم كانوا يخاطبون جمهورا مختلفا. وبما أنهم كانوا جميعا رواقيين، فهذا ليس مستغرباً".
    ثم يشير الى أن ارتباط سينيكا بنيرون كان نذير شؤم للفيلسوف. وقد أصبح نيرون إمبراطورا قبل بلوغه السابعة عشرة بقليل. ويُعتقد أن سينيكا وقائد الحرس أدارا الإمبراطورية الرومانية خلال السنوات الخمس الأولى، أي عندما كان نيرون ما يزال في سنّ غضّة.
    وكما هو الحال مع بعض الأثرياء اليوم، اجتذب سينيكا بعض الأعداء لمجرّد أنه كان ثريّا. ورغم أن للثروة فوائد كثيرة، إلا أنه كتب عن مخاطرها وسلبياتها. فمثلا - يقول فيدلر - استكشف كيف يمكن للثروة الطائلة أن تسبّب اختلالا نفسيّا لدى البعض. وقد رأى سينيكا كلّ شيء، بما في ذلك الجشع والإسراف في أعلى مستويات المجتمع الروماني. وخلُص في كتابه "الرسائل" إلى أن الفقير ليس من يملك القليل، بل من يتوق دائما إلى امتلاك المزيد.
    وكان سينيكا واعيا بشكل خاص بالطبيعة الدورية للتجربة الإنسانية. وأشار باستمرار إلى أنه عندما تسير الأمور على ما يرام ويحلّق الناس في أعالي السماء نفسيّا، فإنه يجب عليهم توخّي الحذر والاستعداد للانحدار، لأنه بمجرّد بلوغ الذروة لا مفرّ من السقوط، أو كما قال "الأماكن المرتفعة هي التي تضربها الصواعق".
    وفي مكان من الكتاب يتساءل المؤلّف: هل كان سينيكا مرشدا عظيما للحياة أم للموت؟ ويجيب: كان مرشدا لكليهما، فكان يرى أن كيفية مواجهتنا للموت عند حلوله هي الاختبار النهائي لنا، وقد كتب عن كيفية التغلّب على هذا القلق باستفاضة.


    الرواقيون، بشكل عام، يرون أنه لا يوجد ما يخيف في الموت، فهو مجرّد جزء طبيعي من الحياة سيواجهه كلّ إنسان. وكانوا يرون أنه لا ينبغي لمن هم على فراش الموت ممّن كانوا طيّبين ومحسنين في حياتهم أن يحزنوا أو يندموا على موتهم، بل يجب أن يكونوا ممتنّين للخبرات التي منحتهم إيّاها الحياة.
    وقد كتب سينيكا مرّة يقول أنه خلال كلّ السنوات الماضية التي عشناها كنّا "في قبضة الموت". وقد عاش هو حياته على أكمل وجه كما لو أن كلّ يوم كان يومه الأخير. وكان يتمنّى كلّ ليلة قبل أن ينام أن يشعر بأنه لم يبقَ له شيء لم ينجزه في الحياة. وإذا حالفه الحظّ واستيقظ حيّا في صباح اليوم التالي، كان ينظر إلى كلّ يوم إضافي بامتنان وكهديّة رائعة من الخالق.
    والواقع أن جميع الرواقيين الرومان أكّدوا على أهميّة التأمّل في فنائنا ودعوا إلى تذكّر الموت باستمرار، ليس بطريقة مرَضية، بل بواقعية. وكما قال إبكتيتوس، ليس في الموت ما يخيف وإلا لظنّه سقراط مخيفا أيضا، وما يجعله مخيفا هو اعتقادنا الخاطئ عنه".
    ومن الأسباب الأخرى لتذكّر الموت، بحسب الرواقيين، عدم اعتبار هبة الحياة في اللحظة الراهنة أمرا مسلّما به. وكما قال إبكتيتوس لطلّابه: عندما تنظر إلى زوجتك وطفلك، ذكّر نفسك بأنهما فانيان، وبهذه الطريقة لن تفاجَأ أبدا بموت أحدهما، بل ستشعر بالامتنان لأيّ وقت متبقٍّ لكم معا". وكتب سينيكا كلاما قريبا من هذا عندما قال: بما أننا لا نستطيع الجزم بمدى استمرار أحبّائنا معنا، فلنستمتع بهم الآن بشغف".
    ولعلّ أفضل ختام للموضوع هو التذكير ببعض أشهر أقوال سينيكا التي ضمّنها كتبه ورسائله..
    ◦ ما دمتَ حيّا، تعلّم كيف تعيش.
    ◦ الثروة عبد للحكيم وسيّد للأحمق.
    ◦ ليس من يملك القليل فقيرا، بل من يتوق للمزيد.
    ◦ السعادة الحقيقية هي أن نفهم واجباتنا تجاه الله والإنسان؛ أن نستمتع بالحاضر دون الاعتماد على المستقبل بقلق؛ ألا ننشغل بالآمال أو المخاوف، بل أن نرضى بما لدينا، وهو كافٍ ووفير.
    ◦ ليست المشكلة في أن لدينا القليل من الوقت، بل في أننا نهدر قدرا كبيرا منه.
    ◦ إذا كان ما لديك يبدو غير كافٍ بالنسبة لك، فحتى لو كنت تمتلك العالم كلّه ستظلّ بائسا.
    ◦ عندما يقضي الإنسان كلّ وقته في السفر إلى الخارج، سينتهي به المطاف لأن يكون لديه العديد من المعارف، ولكن ليس الأصدقاء.
    ◦ كلّ هذا التسرّع من مكان إلى آخر لن يجلب لك أيّ راحة، لأنك تسافر برفقة عواطفك الخاصّة، متبوعةً بمشاكلك على طول الطريق.
    ◦ أعتبرك تعيسا لأنك لم تعِش يوما في محنة. لقد عشتَ الحياة دون أن يكون لك خصم، فلا أحد يعرف من أنت ولا ما هي حدود قدراتك.
    ◦ من الممتع أن تكون مع نفسك لأطول فترة ممكنة، شرط أن تنجح في أن تجعل من نفسك شخصا يستحقّ قضاء الوقت معه.
    ◦ إذا كنت تريد الهروب من الأشياء التي تضايقك حقّا، فإن كلّ ما تحتاج إليه ليس أن تكون في مكان مختلف، بل أن تكون شخصا مختلفا.
    ◦ في الحقيقة نحن لا نعيش إلا جزءا صغيرا من الحياة.
    ◦ كلّ من جعل سعادته في يد غيره أو رهناً للظروف الخارجية هو عبد ولو كان ملكاً.

    Credits
    livingideasjournal.com
    stoicinsights.com

    الأحد، يونيو 01، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • بعض اللوحات تصبح رمزية لدرجة يصعب معها تذكّر أنها أعمال رسم. ومن الأعمال التي يصدق عليها هذا الوصف لوحة "القبلة" لغوستاڤ كليمت. فبسبب شعبيّتها الدائمة وتأثيرها الثقافي وإعادة إنتاجها وتقليدها على نطاق واسع على مرّ السنين، ارتقت "أو ربّما انحدرت!" اللوحة إلى عالم لا علاقة له إطلاقا بالسياق الذي رُسمت فيه.
    موضوع اللوحة شخصان متشابكان، رجل وامرأة، يقطران ذهباً منصهراً. الرجل الذي لا يُرى وجهه يحتضن المرأة ويقبّل وجنتها، بينما عيناها مغمضتان وتعابير وجهها جامدة. وهي تلفّ يديها حول عنقه وتتشبّث بيده عند رقبتها.
    بعض النقّاد لاحظوا أن جسد الرجل الذهبي مزيّن بأشكال مستطيلة، بينما جسد المرأة تمثّله أشكال منحنية، وفي هذا استعادة للأشكال الذكورية والأنثوية الكلاسيكية. كما لاحظوا أن هناك شيئا من الاستبداد والعنف في عناق الرجل وشيئا من العجز واليأس والاستسلام من جهة المرأة. هل هي فاقدة للوعي أم أن عينيها مغمضتان في سعادة غامرة؟ هل تردّ عناق الرجل أم تحاول انتزاع يديه؟
    كلّما تأمّلتَ هذه الصورة الأيقونية لفترة أطول، أصبحتْ أكثر قتامةً. وهي تدعونا لتحدّي تصوّراتنا المسبقة عنها. وهناك الكثير من السرديات والتكهّنات المحتملة بشأنها. بعض مؤرّخي الفنّ رأوا أن اللوحة تُصوّر الفنّان نفسه، أي كليمت، وملهمته إميلي فلوغ. كان كليمت قد قابلَ فلوغ لأوّل مرّة عام ١٨٩٢، عندما كان هو في الثلاثين من عمره وفلوغ في الثامنة عشرة. وقد أصبحت مصمّمة أزياء ناجحة وانتقلت مع كليمت الى أوساط المجتمع الراقي في ڤيينا. وقبل وفاته، أوصى لها بنصف ممتلكاته، على الرغم من أنهما لم يتزوّجا قط.
    ومثل العديد من الفنّانين الحداثيين، يُعدّ موقف كليمت تجاه النساء محورا أساسيا في فنّه. ويقال إنه تعامل في العديد من لوحاته مع النساء على أنهن مجرّد زينة، تماما مثل خلفيات صوره وفساتينه المذهّبة والمعقّدة.
    وكليمت ولوحته هذه يحثّان المتلقّي على طرح أسئلة جوهرية وجدّية. لماذا مثلا يُحتفى باللوحة كعمل رومانسي، في حين أن لغة جسد شخصيّتيه غامضة ومزعجة؟
    ربّما يكون ما يستخرجه الفنّانون من ظلال الجنسانية واللاوعي أكثر حيوية وجمالا من كلّ ما هو سطحي وساذج. هل هذه لوحة لرجل مفترس؟ وإن كان الأمر كذلك، فبأيّ معنى؟ أم أنها لوحة لامرأة أنثى حاضرة في لحظتها ومنغمسة فيها؟ أم أنها مصمّمة لنظرة الرجل؟
    إن النظر إلى أيّ قطعة فنّية بعين ناقدة لا يعني التقليل من شأنها أو رفض جودتها، بل إن من شأن ذلك أن يزيد من قدرتنا على تقدير الفنّ ونقده لفهم سياقه مهما كان محفوفا بالمخاطر.
    بعض الكتّاب فسّروا "القبلة" على أنها رمز لعملية الفنّان الإبداعية. ويمكن اعتبار الأنماط المزخرفة وورق الذهب فيها، والتي تذكّر بالفنّ الياباني، استعارةً للعملية الفنّية، حيث يحوّل الفنّان الموادّ الخام إلى شيء جميل وذي معنى. صحيح أن استخدام ورق الذهب يُضفي لمسة من الفخامة والرقي على العمل ويُبقي أثره البصريّ طويلا، لكن البعض يرى أن الزخرفة والتذهيب الزائدين يطغيان على الشخصيتين الرئيسيتين ويقلّلان من التأثير العاطفي للوحة.
    أعمال غوستاڤ كليمت تشكّل العمود الفقري للعديد من مجموعات متاحف ڤيينا. وقد أصبحت هذه اللوحة بالذات رمزا لأسلوبه الفنّي، مع أنه لم يرسم دائما بهذه الطريقة المنمّقة والمتأنّقة.
  • ❉ ❉ ❉

    ❉ ❉ ❉

  • الحكاية المشهورة "الحمار والبستاني" ظهرت في المصادر اليونانية في العصور الكلاسيكية، وبالتحديد كجزء من أساطير ايسوپ الإغريقي. وهي عن حمار كان يعمل عند بستاني، ولأن البستاني كان يرهقه بشدّة ولا يعطيه سوى القليل من الطعام، فقد توسّل الحمار إلى الإله زيوس أن يخلّصه من البستاني ويعطيه لسيّد آخر. فباعه زيوس إلى خزّاف.
    ثم وجد الحمار أن الوضع الجديد لا يطاق، إذ اضطرّ إلى حمل أثقال أكثر. فاشتكى الى زيوس مرّة أخرى، وفي هذه المرّة رتّب زيوس عملية لشراء الحمار من قِبل دبّاغ. وعندما رأى الحمار نوع العمل الذي يقوم به الدبّاغ قال: يا إلهي! كان من الأفضل لي أن أواصل العمل لدى أسيادي السابقين وأنا جائع! لقد انتهى بي الأمر الآن في مكان لن أحصل فيه حتى على دفن لائق بعد موتي".
    وهناك تنويع آخر على هذه القصّة، إذ يقال إن كبير الرهبان في دير قدّم لرهبانه وجبات من ثلاثة أطباق، لكن الرهبان قالوا: هذا الدير لا يعطينا إلا القليل جدّا من الطعام. فلنصلّ إلى الله كي يموت رئيس الرهبان قريبا". ولسبب ما، مات الراهب بعد فترة وجيزة. وحلّ مكانه راهب آخر، وقدّم لهم الراهب الجديد وجبتين من طبقين، ما أثار غضب وانزعاج الرهبان، لذلك قالوا: الآن يجب أن نصلّي أكثر كي يحرم الله هذا الرجل من حياته لأنه حرمنا من أحد أطباقنا".
    ثم مات رئيس الدير لسبب ما. وحلّ محله راهب ثالث قرّر ان يكتفي الرهبان بطبق واحد فقط. فقال الرهبان الغاضبون: هذا أسوأهم جميعا، إننا الآن نموت جوعا! فلنصلّ إلى الله كي يموت قريبا". ثم قال أحد الرهبان: الآن سأدعو الله أن يمنح هذا الراهب عمرا مديدا وأن يحفظه سالما من أجلنا". تفاجأ الرهبان الآخرون بكلام زميلهم وسألوه عن السبب فقال: أرى أن رئيس الدير الأوّل كان سيّئا، والثاني أسوأ، وهذا الثالث أسوأهم جميعا. وأخشى إن مات أن يكون من سيحلّ مكانه أسوأ منه وعندها سنموت كلّنا جوعا".
    وفي عصر النهضة، أصبحت القصّة أكثر شهرةً، مع عِبرة أو درس يقول بأن تغيير السيّد لا يجلب إلا ما هو أسوأ وأن عدم الرضا المعتاد يجلب دائما الرغبة في التغيير. كما أضاف دي لا فونتين القصّة إلى خرافاته مع تعليق يقول إن العناية الإلهية تفضّل أن تفعل أشياء أكثر أهمية من الاستماع إلى أولئك الذين لا يرضون أبدا".
  • ❉ ❉ ❉

  • أحيانا قد يغني اقتباس واحد عن قراءة صفحات. هنا مجموعة مختارة من العبارات والأقوال التي قرأتها في أوقات وأماكن مختلفة وأعجبتني..

    ◦ فجأة انطلقَ صوت من وسط الأعشاب. ووقفتُ ساكنا. وفي نور الصباح الباكر، عرفت أنني لم أسحق بقدمي الكبيرتين أيّ شيء صغير كان يعبر للتوّ في المكان الذي مررتُ به وأنا في طريقي إلى حقول التوت الأزرق. ربّما كان ضفدعا أو خنفساء، وربّما كانت الدودة الوردية الرقيقة التي تؤدّي عملها بإتقان وبدون أطراف أو عيون.
    أحيانا أميل إلى الأمام وأنظر إلى الماء. مياه البِركة مرآة للخشونة والصدق، فهي لا تعكس نظرتي فحسب، بل تعكس أيضا هالة العالم التي تمتدّ إلى الصور من جميع الجهات. طيور السنونو، وهي تغرّد قليلا بينما تطير ذهابا وإيابا عبر البِركة، تحلّق فوق كتفي وعبر شعري. سلحفاة تمرّ ببطء عبر القاع الموحل، تلامس عظم وجنتي. لو سمعت في هذه اللحظة دقّات الساعة، هل سأتذكّر ما هي وما دلالتها؟ ميري أوليڤر

    ◦ ما الذي نعرفه على وجه اليقين عن سقراط؟ ربّما عبارته الشهيرة "الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني لا أعرف شيئا"؟ للأسف لا يوجد دليل حقيقي على أنه قال هذا على الإطلاق. فقد ذُكرت العبارة لأوّل مرّة في عمل لشيشرون كُتب بعد أكثر من 300 عام من إعدام سقراط في أثينا عام 399 قبل الميلاد. ومن المفيد دائما تذكير أنفسنا بمدى ضآلة معرفتنا بأكثر الفلاسفة الأثينيين جاذبيةً. فمثل المسيح الذي كان يقارن به كثيرا في العصور القديمة، لم يكتب سقراط شيئا بنفسه، وكان موضوعا لصناعة الأساطير في حياته. وكما وصفته المؤرّخة بيتاني هيوز، مؤلّفة سيرة ذاتية لسقراط، فإن سقراط يشبه كعكة الدونات الدائرية، فهي لذيذة من الخارج، لكن لا يوجد شيء في الوسط. أرماند دانجور

    ◦ حزنت في الماضي، لكنني الآن فقط لمست جوهر الحزن. الآن فقط أدركت وأنا أتحسّس جوانبه المسامية أن لا سبيل للخروج منه. أنا في قلب هذه الدوّامة، وقد أصبحتُ صانعَ صناديق، وداخل جدرانها الصلبة أسجن أفكاري.
    أخيرا، فهمت لماذا يرسم الناس وشوماً لمن فقدوهم. إنها الحاجة إلى إعلان، ليس فقط الفقد بل أيضا الحبّ والاستمرارية. إنه فعل مقاومة ورفض: الحزن يخبرك أن الأمر قد انتهى، وقلبك يخبرك أنه لم ينتهِ. الحزن يحاول حصر حبّك في الماضي، وقلبك يخبرك أنه حاضر. شيماندا أديتشي

    ◦ قم بإجراء تغيير جذري على نمط حياتك وابدأ بعمل أشياء ربّما لم تفكّر فيها من قبل أو كنت متردّدا في فعلها. الكثير من الناس يعيشون في ظروف غير سعيدة، ومع ذلك لا يأخذون زمام المبادرة لتغيير حالهم، لأنهم معتادون على حياة الأمن والامتثال والمحافظة التي قد تبدو وكأنها تمنح المرء راحة البال، ولكن الواقع غير ذلك. ليس هناك ما هو أكثر ضررا لروح المغامرة داخل الانسان من المستقبل الآمن.
    إن الجوهر الأساس لروح الإنسان الحيّة هو شغفه بالمغامرة. ومتعة الحياة تأتي من لقاءاتنا بتجارب جديدة، وبالتالي ليس هناك بهجة أعظم من أن يكون لك أفق متغيّر إلى ما لا نهاية وشمس جديدة ومختلفة لكلّ يوم. فإن كنت ترغب في الحصول على المزيد من الحياة، فيجب عليك أّولا أن تفقد ميلك إلى الأمان الرتيب وأن تتبنّى أسلوب حياة متقلّبا قد يبدو لك في البداية مجنونا أو جامحا. ولكن بمجرّد أن تعتاده سيتبيّن لك بسرعة المعنى الكامل للحياة وجمالها المذهل. جون كراكوير

    ◦ عندما يقول أو يفعل أحدهم شيئا يغضبنا فإننا نعاني. نميل إلى قول أو فعل شيء في المقابل لجعل الآخر يعاني، على أمل أن نخفّف من معاناتنا. نقول لأنفسنا: أريد معاقبتك؛ أريد أن أجعلك تعاني لأنك جعلتني أعاني. وعندما أراك تعاني كثيرا، سأشعر بتحسّن. والكثيرون منّا يميلون إلى تصديق هذه الممارسة الطفولية.
    لكن الحقيقة هي أنه عندما تُسبّب معاناة للآخر، سيحاول هو إيجاد الراحة بجعلك تعاني أكثر. والنتيجة هي تصاعد المعاناة لدى كلا الطرفين. كلاكما بحاجة إلى التعاطف والمساعدة. لا أحد منكما بحاجة إلى العقاب. عندما تغضب، عد إلى نفسك وانتبه جيّدا لغضبك. وعندما يسبّب لك أحدهم معاناة، عد إلى معاناتك وغضبك. لا تقل أو تفعل شيئا. ثيتش نات هان

    ◦ كثيرا ما كنتُ أتمشّى في غابة التنّوب والصنوبر المجاورة والتي بدا أن جمالها وعزلتها الشتوية الرائعة تحميني من هاجس اليأس. كانت أصوات رقيقة بما لا يُوصف تخاطبني من الأشجار: لا يجب أن تتوصّل إلى استنتاجٍ متشائم بأن كلّ شيء في هذا العالم قاسٍ وزائف وشرّير. تعالَ إلينا كثيرا فالغابة تحبّك وفي صحبتها ستجد الصحّة والروح المعنوية العالية من جديد وستُثير فيك أفكارا أسمى وأجمل. روبرت والسر

  • Credits
    gustav-klimt.com
    theguardian.com
    maryoliver.com