:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، أغسطس 04، 2018

رجل الجبال


عندما ظهر المسلسل التلفزيونيّ الأمريكيّ "حياة وزمن غريزلي آدامز" في منتصف السبعينات، حقّق نسبة مشاهدة عالية وامتدحه النقّاد بسبب جودته الفنّية العالية وإسهامه الايجابيّ في نوعية الحياة ومضمونه النظيف والخالي من العنف، بالإضافة إلى دعمه لقضايا البيئة.
وقصّة المسلسل الذي بُثّ على مدى أربع سنوات تستند إلى رواية تاريخية قصيرة ألّفها كاتب يُدعى تشارلز سيلر عام 1972. وبطلها رجل من كاليفورنيا اسمه جيمس غريزلي آدامز، عاش في بداية القرن التاسع عشر في منطقة الغابات الحدودية. وقد هرب إلى هناك بعد أن اُتّهم خطأ بجريمة قتل لم يرتكبها.
وآدامز، الذي يقوم بدوره في المسلسل الممثّل دان هاغيرتي، هو في الأساس صيّاد يتعاطف مع الحياة البرّية ويصرّ على ألا يؤذي أيّ حيوان كلّما كان ذلك ممكنا.
وعندما يصل إلى الجبال، يحاول أن يؤمّن لنفسه عيشا مناسبا وسكنا آمنا، وفي تلك الأثناء ينجح في إنقاذ دبّ يتيم ويطلق عليه اسم "بن". ومع مرور الأيّام يصبح الدبّ صديقه المقرّب ويصطحبه معه في أسفاره المتعدّدة في مناطق الغرب.
في الغابات يثبت آدامز مقدرته الكبيرة على كسب ثقة معظم الحيوانات البرّية، كما يساعد في إنقاذ وترويض العديد منها.
ثم لا يلبث أن يقابل شخصين سيعيشان معه هناك بشكل دائم، الأوّل رجل عجوز يلقَّب بجاك المجنون ويلعب دوره الممثّل دنفر بايل. وجاك غالبا ما يظهر في المسلسل مصحوبا ببغله البرّي الذي يسمّيه "رقم سبعة".
كان جاك يأتي إلى كوخ آدامز كي يبيعه بعض المؤن البسيطة التي يحتاجها لمعيشته. وفي البداية، لم يكن معجبا كثيرا بآدامز، وكان الاثنان كثيري الشجار معظم الوقت. لكن مع مرور الوقت تنشأ بينهما علاقة طيّبة ويصبحان صديقين حميمين.
أما الشخص الثاني فشابّ من قبيلة هندية يُدعى ناكوما ويلعب دوره ممثّل يُدعى دون شانكس. وإحدى حلقات المسلسل تروي كيف قابل آدامز ناكوما، إذ كان الأخير قد تعرّض لهجوم من نمر، وفي محاولته الهرب قفز من أعلى جرف، ما تسبّب في إصابته بجروح.
وقد اعتنى به آدامز وواظب على تمريضه إلى أن شُفي وأصبحا في النهاية صديقين. وأثناء ذلك علّم ناكوما آدامز الكثير من أسرار الحياة في الجبال والغابات وطرق التعامل المثلى مع الحيوانات.
أصبح الثلاثة، أي آدامز وناكوما وجاك، يساعدون العديد من الأشخاص الذين يمرّون عبر الجبال ويضلّون طريقهم فيها، وفي نفس الوقت كانوا يوفّرون الحماية للحياة الفطرية. ومع ذلك كان آدامز يحاول إبعاد نفسه عن الغرباء بقدر الإمكان، إذ أنه لا ينسى أن هناك مبلغا من المال موضوعا على رأسه.


في هذا المسلسل ليس هناك خطّ سرد متدرّج، وإنّما كلّ حلقة لها قصّة مختلفة.
في إحدى الحلقات يقابل آدامز وجاك شخصا يكتشفان انه يجري دراسة في الجبال عن أفضل الطرق لاصطياد الحيوانات من اجل الطعام. ويُصدَم الاثنان من الفكرة ويعلّمان الرجل كيف أن بإمكانه العيش دون أن يؤذي غيره من الكائنات الحيّة.
وفي حلقة أخرى ينتشل آدامز رجلا غريبا كان مُشرِفا على الموت غرقا في مياه احد الأنهار، ثم يكتشف أن الرجل متورّط في عملية سرقة لأحد البنوك وأنه يبحث له عن ملاذ آمن في الغابات.
وتتناول حلقة أخرى قصّة فتاة تنفصل عن والديها وتضيع في الجبال، ثم تجد نفسها في مواجهة مع أسد ولا ينقذها منه سوى الدبّ "بن" الذي يأخذها إلى آدامز، فيعيدها بدوره إلى والديها المنشغلين بالبحث عنها.
وتحكي حلقة أخرى قصّة رجل تحرٍّ يتجوّل في الجبال مقتفيا أثر آدامز نفسه كي يقبض عليه. لكن الرجل يراقب آدامز وهو يخاطر بحياته من اجل إنقاذ حيوانات حاصرها بركان ثائر. وعندما يلمس شهامته وشجاعته يغيّر رأيه ويتراجع عن المهمّة التي أُرسل من أجلها.
وفي حلقة أخرى تتّهم قبيلة ناكوما الدبّ "بن" بسرقة بعض السمك من زعيمهم. ويأخذ جاك المجنون على عاتقه مهمّة الدفاع عن الدبّ أمام مجلس القبيلة كي لا يتعرّض الحيوان للطرد من المنطقة.
وتقريبا في كلّ حلقة من المسلسل هناك أشخاص غرباء يصطدمون بمشاكل أثناء مرورهم بالمنطقة. وهناك حلقة طريفة عن منافسة محمومة بين ناكوما وجاك من اجل كسب ودّ امرأة جميلة كانت تمرّ في الغابات.
الممثل دان هاغيرتي عُرف بشعره الأشقر الطويل وبملامحه الوسيمة التي تختفي وراء لحيته الكثّة. ويبدو أن دوره في هذا المسلسل سيظلّ راسخا في ذاكرة الكثيرين، إذ يظهر فيه كشخص نزيه ومتحرّر من قيود الحياة الطبيعية، مع رغبة قويّة في البقاء وعدم ثقة في مؤسّسات السلطة.
كما أن اختياره لهذا الدور كان موفّقا، فقد كان رحيما بالحيوانات في حياته الواقعية، كما كان يحتفظ في مزرعته بنمر وفهد من بين حيوانات أخرى كانت تعيش جنبا إلى جنب مع زوجته وبناته الخمس.
وشخصيّته في المسلسل تذكّر إلى حدّ ما بقصّة الناسك المسيحيّ فرانسيس الذي كان يعيش منفردا في البرّية بصحبة عدد من الحيوانات.
بعد المسلسل بسنوات، تعرّض دان هاغيرتي لحادث سير تركه في حالة غيبوبة. واستغرق الأمر خمس سنوات كي يتماثل للشفاء. وقد توفّي بالسرطان في عام 2016 عن أربعة وسبعين عاما. أما زميله في المسلسل دنفر بايل "أو جاك المجنون" فقد توفّي عام 1997 عن سبعة وسبعين عاما.

Credits
grizzlyadams.com

الاثنين، يوليو 30، 2018

المشكّكون والعصور القديمة

هناك فئة من المؤرّخين الذين يُسمَّون "المشكّكين في الأزمنة القديمة". وهؤلاء يتبنّون نظريات تُلقي بظلال من الشكّ على بعض الشخصيات التي عاشت في العصور القديمة وتَفترض أنها لم توجد في الواقع وإنّما كانت مجرّد شخصيات خيالية.
  • الفيلسوف الصينيّ كونفوشيوس ما يزال لكتاباته تأثير كبير في الصين وخارجها. والصينيون ينطقون اسمه "كونغفوتسو". وكانوا يعتقدون انه إله. وأهميّة أفكاره بالنسبة لهم تعادل مكانة الإنجيل عند المسيحيين. وفلسفته كلّها تعتمد على القاعدة الذهبية التي تقول: ما لا تريد أن يُفعل بك، لا تفعله بالآخرين".
    حسب المصادر الصينية، وُلد كونفوشيوس وعاش في القرن السادس قبل الميلاد، أي انه كان معاصرا لكلّ من بوذا وسقراط ولمواطنه الآخر الفيلسوف لاو تزو.
    والملاحظ أن أفكار كونفوشيوس لم تُجمع إلا بعد وفاته. وحتى الغرب لم يعرفه إلا في القرن السابع عشر عندما بدأ اسمه وأفكاره في الظهور في بعض المصادر اللاتينية.
    لكن هناك من المؤرّخين من يشكّكون في وجود كونفوشيوس. فهو من وجهة نظرهم يظهر في الوثائق الصينية كشخص مثاليّ جدّا وأحيانا كبطل خارق للعادة. كما أن الكتابات المنسوبة إليه تثير أسئلة أكثر ممّا تقدّمه من إجابات، لأنها تنطوي على الكثير من عدم الاتّساق بحيث يُظنّ أن من كتبها هم مجموعة من الأشخاص وليس شخصا واحدا.
    ومع ذلك يظلّ كونفوشيوس أحد أهم المفكّرين في العالم، وسيظلّ الناس يردّدون حِكمه وأقواله التي أصبحت مشهورة على نطاق واسع مثل "المعرفة الحقيقية هي أن تعرف انك لا تعرف شيئا". و"إذا كنت أذكى شخص في الغرفة، فأنت في الغرفة الخطأ". و"لا تقلق من أن أحدا لا يعرفك، بل حاول أن تكون جديرا بأن تُعرف". و"لا تنشد صداقة أشخاص ليسوا بأفضل منك".
  • معظمنا سمع عن الملك الانجليزيّ آرثر وعن أساطيره التي يرِد ذكرها كثيرا في الكتب والروايات والأفلام.
    اسم آرثر يرتبط بأساطير كثيرة ومشهورة مثل سيّدة البحيرة وكأس المسيح، وأيضا الحروب التي يقال أن الملك خاضها ضدّ جيوش الساكسون. ولأن هذه القصص تشبه الفانتازيا التي يصعب تصديقها ولا يوجد ما يسندها أو يؤكّدها، فإن بعض المؤرّخين يشكّكون فيها ويرجّحون أن مصدرها الحكايات الشعبية التي كانت رائجة في انجلترا في القرن التاسع الميلاديّ.
    بل إن الشكوك تمتدّ إلى شخصية آرثر نفسه. والمشكّكون في وجوده يستحضرون اسم القائد الرومانيّ لوشيوس كاستوس على أساس انه الشخصية الأصلية. وبعض الأفلام السينمائية تقدّم آرثر بالفعل كجنديّ رومانيّ.
    وهناك من يقول أن آرثر ليس سوى ريوثاموس الملك الانجليزيّ في القرن الخامس الميلاديّ. ويرى هؤلاء أن من الصعب العثور على أدلّة تقود إلى آرثر التاريخيّ وأن ما نقرؤه عنه اليوم ليس سوى ضرب من الأساطير التي ابتدعتها مخيّلة الناس عبر القرون.
    لكن ممّا لا شكّ فيه أن شخصية آرثر والأساطير التي ارتبطت به أسهمت كثيرا في إثراء الأدب والفنّ وأصبحت جزءا من الوعي الجمعيّ للناس.
  • في القرن الرابع عشر، عاش في سويسرا رجل يقال له وليم تِل. وفي ذلك الوقت، كانت أسرة هابسبيرغ النمساوية تتولّى حكم ذلك البلد. وتذكر إحدى القصص أن قائدا نمساويا أقام عامودا في إحدى المدن السويسرية، ثم اصدر أمرا يفرض على كلّ سويسريّ، صغيرا كان أم كبيرا، أن يزيل قبّعته من على رأسه عندما يمرّ من أمام ذلك العامود.
    وفي احد الأيّام، مرّ بتلك الناحية فلاح يُدعى وليم تِل بصحبة ابنه الصغير. وقد رفض الفلاح بإصرار أن يزيل قبّعته، على اعتبار أن مثل ذلك التصرّف يمسّ بكرامته. فأخذ الجنود النمساويون ابنه ووضعوا على رأسه تفّاحة ثم أمروا الأب بأن يصوّب عليها، وإلا فإنه سيواجه عقوبة الإعدام.
    ولمّا كان وليم تل بارعا جدّا في الرماية، فقد نجح في إصابة التفّاحة دون أن يُلحِق بابنه أيّ أذى. ومن فوره قام بتشكيل فرقة صغيرة من المتطوّعين قاد بهم تمرّدا ضدّ الاحتلال النمساويّ.
    وقد شاع اسم وليم تِل كثيرا في أوربّا باعتباره محرّرا وطنيّا، ونُسجت عنه أساطير عديدة تزعم انه حارب أيضا مخلوقات خرافية. لكن بعض المؤرّخين اليوم يشكّكون في وجود هذا الرجل الذي يعتبره السويسريون بطلهم القوميّ.
    ويذهب هؤلاء إلى القول أن قصّته مستوحاة على الأرجح من أساطير بلدان شمال أوربّا، وأن الوطنيين السويسريين ربّما استوردوا هذه الشخصية أو ابتكروها كصرخة احتجاج ضدّ محتلّيهم النمساويين.
    لكن سواءً كان وليم تِل شخصا حقيقيّا أم خياليّا، فإن ممّا لا شكّ فيه انه دخل كتب التاريخ كبطل قوميّ لبلد طالما عُرف بميله للسلام وبُعده عن الثورات. وقد ألهمت شخصيّته العديد من الأعمال الفنّية والأدبية، فألّف الشاعر الألمانيّ شيللر مسرحية تتحدّث عن بطولاته. كما كتب الموسيقيّ الايطاليّ روسيني أوبرا استوحاها من قصّة حياته، وأصبحت مقدّمة تلك الأوبرا مشهورة جدّا في الموسيقى الكلاسيكية.
  • لو سألت أيّ شخص اليوم عن أشهر كتاب عن كيفية خوض الحروب والانتصار فيها لأجابك انه كتاب "فنّ الحرب" للكاتب الصينيّ صن تزو. يقال أن تزو كان قائدا عسكريّا ومحاربا قديما عاش في الصين. ومن القصص التي تُروى عنه انه قام بقطع رأس شخص كان ذا حظوة عند الإمبراطور لكي يُثبت لبقيّة الحاشية أن لا احد بمنأى عن العقاب عند الضرورة.
    غير أن أحدا لا يعرف اليوم الظروف التي ظهر فيها هذا الكتاب فجأة مكتوباً على مجموعة من ألواح البامبو، ولا مَن أمر بتأليفه. كما لا يوجد أيّ سجلّ عن كاتب باسم صن تزو. وأكثر من ذلك فإن قصّة قطعه رأس رجل الحاشية المسكين مشكوك فيها ويمكن أن تكون مجرّد أسطورة.
    والمشكّكون يفترضون أن صن تزو اسم مستعار وأن مضمون الكتاب المنسوب إليه قد يكون تجميعا لعدد من الدراسات والتجارب والنظريات العسكرية التي وضعها أشخاص متعدّدون في الصين القديمة.
    ومع ذلك، فإنه بعد مرور آلاف السنين على ظهور "فنّ الحرب"، ما يزال الناس في الشرق والغرب يقرؤون هذا الكتاب بسبب النصائح الجيّدة التي يتضمّنها. وعلى الأرجح فإن مادّة الكتاب ليست نتاج عقل رجل عسكريّ صارم أو مستبدّ، لأنه يمزج بين الحرب والاستراتيجيا والأخلاق والفلسفة بأسلوب سلس وينمّ عن ثقافة وتجربة وفكر.

  • Credits
    chicagotribune.com