:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، فبراير 28، 2013

رحلة في عالم العثمانيين

قد يكون الرسّام الاستشراقي الفرنسي من أصل هولندي جان باتيست فانمور موضوع هذا الكتاب. لكن قيمة الفنّان تكمن في السياق الذي تضعه فيه المؤلّفة والكاتبة أولغا نيفيدوفا.
ووجهة نظرها حول فانمور واضحة ومباشرة، إذ يندر أن تَرَك رسّام آخر سجلا كاملا ومفصّلا عن اسطنبول يضاهي ذلك الذي تركه جان فانمور. كان هذا الرسّام واحدا من أهمّ فنّاني الاستشراق. وقد عمل مع عدد من البعثات الدبلوماسية الفرنسية في إسطنبول.
وفانمور هو الذي مهّد الطريق أمام من جاءوا بعده من الرسّامين الأوروبيين الذين اهتمّوا بتصوير مظاهر الحياة في تركيا العثمانية. ولتوضيح هذه النقطة، تقول المؤلّفة إنها تقدّم من خلال الكتاب دراسة توضيحية عن طريقة تصوير الأوروبيين للشرق، بدءا من لوحات عصر النهضة الأوروبية إلى الأعمال الفنّية المعاصرة.
نيفيدوفا تلقي في كتابها ضوءا إضافيّا على "الفنّ الاستشراقي"، من خلال استعراضها لأعمال فنّانين آخرين كانوا مرتبطين بالبعثات الدبلوماسية الأوروبّية في تركيا.
الاستشراق هو نوع من الفنّ كان يتمّ تناوله غالبا من خلال عدسات القوى الاستعمارية. وكان يُعنى بإبراز جوانب مختلفة من الحياة الثقافية لبلاد الشرق، كالآداب والفنون الجميلة والهندسة المعمارية والموسيقى والفلسفة.
النظرة إلى الشرق، سواء كانت إيجابية أو سلبية، كانت تعتمد على الخيال أو الحقائق التاريخية. وقد ولّدت هذه النظرة في وعي الغربيين صورا غريبة عن حياة وثقافة الشعوب الشرقية.
ولد جان باتيست فانمور في هولندا عام 1671، وجاء إلى اسطنبول في عام 1699، عندما كان في سنّ الثامنة عشرة، ليعمل ضمن حاشية السفير الفرنسي هناك. وبحسب المعلومات المتوافرة، لم يترك المدينة حتى وفاته في عام 1737. وبين هذين التاريخين رسم مئات الصور، التي تكشف عنه كفنّان بارز وديبلوماسي بارع.
الإرث المهم الذي تركه الرسّام من خلال مجموعة لوحاته يمكن اعتباره سجلا مصوّرا عن حياة العثمانيين في القرن الثامن عشر، من الاحتفالات الدبلوماسية في بلاط اسطنبول إلى الأحداث اليومية للمجتمع المتعدّد الأديان والجنسيات.
كانت الإمبراطورية العثمانية آنذاك في أوج قوّتها ونفوذها، لدرجة أن معظم السفراء الأجانب كانوا يحرصون على اخذ صور تذكارية لهم مع السلطان ومع الوزير الأعظم. وقد رسم فانمور العديد من اللوحات للسفراء الفرنسيين وللناس العاديين. ومكافأة له على جهوده، حصل في عام 1725 على منصب فريد من نوعه، وهو رسّام ملك فرنسا في بلاد الشرق.
ولاء فانمور لم يكن مقتصرا على فرنسا. فقد منحه السفير الهولندي شرفا خاصّا عندما أدرج اسمه ضمن عدد قليل جدّا من الأفراد الذين سمح لهم بمرافقته إلى الديوان وغرفة العرش في قصر توب كابي عندما قدّم أوراق اعتماده هناك في سبتمبر من عام 1727.
أهمّية هذا الكتاب هي انه يأتي في لحظة حاسمة من تاريخ العلاقات بين الغرب والإسلام، لأنه يوفّر السياق والخلفية الضرورية لفهم هذا الجزء من العالم على نحو أفضل ولإثراء النقاشات المكثّفة الجارية حاليا حول هذا الموضوع.
كما لا بدّ وأن يثير الكتاب اهتمام الخبراء في دراسات الشرق الأوسط ودراسات ما بعد الاستعمار والمعنيين بأنثروبولوجيا وتاريخ وثقافة هذه المنطقة.
أولغا نيفيدوفا تعمل مستشارة في الفنّ ومتخصّصة في حركة الفنّ الاستشراقي. كما أنها عضو في الجمعية الدولية لمؤرّخي الفنّ وفي الرابطة الدولية لنقّاد الفنّ. وقد تلقّت تعليمها في روسيا والكويت وسافرت على نطاق واسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما عملت كمحاضرة في مواضيع مختلفة وكتبت عددا من المقالات عن الحركة الاستشراقية والتي نُشرت في مجلات عالمية عديدة.

الثلاثاء، فبراير 26، 2013

ألبينيث: السويت الإسباني

في القترة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ظهر في اسبانيا ثلاثة موسيقيّين كبار، هم مانويل دي فايا وانريكي غرانادوس وإسحاق ألبينيث. والأخير كان أكثرهم شهرة. وهو معروف، خاصّة، بقطعته المشهورة استورياس "أو ليجندا كما تُسمّى أحيانا". وقد أصبحت هذه المعزوفة واحدة من أهمّ الأعمال الكلاسيكية التي تُعزف على الغيتار. والغريب أن هذه الموسيقى كُتبت أساسا لآلة البيانو ونُشرت لأوّل مرّة في برشلونة عام 1892 كمقدّمة لمجموعة من ثلاث حركات بعنوان أناشيد من اسبانيا.
أمّا اسم أستورياس، أو ليجندا "التي تعني بالاسبانية: أسطورة" فقد أطلق على القطعة بعد وفاة ألبينيث، وذلك من قبل الناشر الألماني هوفماستر، الذي أدرجها في النسخة الكاملة من السويت الاسباني.
وعلى الرغم من الاسم الجديد، إلا أن المعزوفة لا توحي بالموسيقى الشعبية لمنطقة استورياس الواقعة شمال إسبانيا، بل يمكن اعتبارها جزءا من تقاليد الفلامنكو الأندلسية. والموسيقى مشهورة بلحنها الحسّاس والمعقّد وبالتغيّرات الديناميكية المفاجئة فيها. وأوّل استنساخ لها بآلة الغيتار كان على يد غارسيا فورتيا، على الرغم من أن استنساخ اندريس سيغوفيا يُعتبر الأكثر شهرة وتأثيرا.
كان سيغوفيا أشهر عازفي الغيتار في زمانه. وكانت استورياس قطعته المفضّلة. وكلّ عازفي الغيتار الذين أتوا بعده ترسّموا خطاه وقلّدوا أسلوبه الفخم في عزف هذه الموسيقى التي أصبحت علامة مميّزة لموسيقى الغيتار الاسباني.
ورغم الطبيعة الرقيقة والتذكّرية للموسيقى، إلا أن إيقاعها الحزين إلى حدّ ما، ألهم عددا من القصص المثيرة مثل العواصف الرعدية المذكورة في الإنجيل والزلازل المدمّرة التي تظهر صورها عادة على الألبومات التي تضمّ تسجيلاتها.
السويت الإسباني هو عبارة عن مجموعة من الألحان ذات الإيقاع السريع التي كتبها ألبينيث عام 1886م، والتي تمّ تجميعها معا في عمل واحد عام 1887 تكريما لملكة إسبانيا. ومثل الكثير من أعمال البيانو التي ألفها ألبينيث، فإن هذه القطع عبارة عن صور موسيقية من مختلف مناطق اسبانيا مثل كاتالونيا وإشبيلية وقادش وأستورياس وأراغون وقشتالة.
ويُرجّح أن ألبينيث كتب هذه الألحان أثناء إقامته في لندن في وقت مبكّر من عام 1890م. وهي تعكس بوضوح حنين الموسيقيّ إلى موطنه. ألبينيث كان يعتبر نفسه متحدّرا من أصول مغربية. وأكثر أصول موسيقاه مستوحاة من قصر الحمراء المطلّ على مدينة غرناطة الأندلسية. من هذا المكان الذي زاره في مناسبات عدّة، يتخيّل المؤلّف أغاني المساء ورقصات موسيقى الغجر التي يصاحبها عزف غيتار.
ذات مرّة كتب ألبينيث واصفا إحدى معزوفاته الليلية بقوله: بين رائحة الزهور وظلال أشجار السرو والثلوج في الجبال، أكتب معزوفة ليلية حزينة لدرجة اليأس. أتطلّع إلى غرناطة العربية. غرناطة التي تعني لي كلّ شيء: الفنّ والجمال والعاطفة".
بعض مؤلّفات ألبينيث يمكن اعتبارها استجابة للصدام الدينيّ بين العرب والمسيحيين في إسبانيا. وأنت تسمعها لا بدّ وأن تستذكر المعمار الأندلسي المتجسّد في الجوامع المذهلة في غرناطة وقرطبة واشبيلية، والتي حُوّل بعضها في ما بعد إلى كاتدرائيات كاثوليكية.
كان تأثير ألبينيث على الموسيقى الإسبانية كبيرا. وقد ظهرت عبقريّته في وقت مبكّر. ويقال انه بدأ العزف على البيانو وهو في سنّ الرابعة. وفي شبابه، ذهب إلى لايبزيغ بألمانيا لدراسة موسيقى فرانز ليست. ثم ذهب إلى لندن واستقرّ بعد ذلك في باريس، حيث كرّس نفسه للتأليف الموسيقيّ.
وقد وصف ألبينيث مرّة موسيقاه بأنها تشبه منحوتات قصر الحمراء ومشغولات الأرابيسك التي تتداخل فيها الصور وتتحوّر وتتحوّل لتأخذ أشكال الهواء والشمس والعصافير في الحدائق. "في موسيقاي القليل من العلم والقليل من الأفكار العظيمة، القليل من الخطايا والكثير من العاطفة. لكنّ فيها ألوانا أكثر وضوء شمس ونكهة زيتون".