:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، فبراير 04، 2010

محطّات

أمطار في غابة السنديان


كان ايفان ايفانوفيتش شيشكين (1832-1898) احد أشهر رسّامي المناظر الطبيعية في روسيا. كان والده تاجرا ومهندسا وعالم آثار. وقد درس شيشكين الرسم في مدرسة موسكو للنحت والرسم والعمارة، ثمّ في أكاديمية الفنون في سانت بطرسبورغ وتخرّج منها بمرتبة الشرف.
وبعد ذلك حصل على منحة امبراطورية لمزيد من الدراسة في أوروبّا. وبعد خمس سنوات أصبح عضوا في الأكاديمية الملكية في سانت بطرسبورغ وعمل أستاذا للرسم من عام 1873 إلى 1898م.
لبعض الوقت، عاش ايفان شيشكين وعمل في سويسرا وألمانيا عندما كان في منحة دراسية. وعند عودته إلى سانت بطرسبورغ أصبح عضوا في الجمعية الروسية للرسم بالألوان المائيّة.
يعتمد أسلوبه في الرسم على الدراسات التحليلية للطبيعة. وقد أصبح مشهورا بمناظره التي تصوّر الغابات الروسية.
لوحته هنا اسمها "أمطار في غابة السنديان" وعمرها ما يقرب من مائة وعشرين عاما. لكنّ فيها من العاطفة والحيوية ما لا يمكن أن تجده في الكثير من الأعمال الفنّية التي رُسمت في هذا العصر. تنظر إليها فتتخيّل انك هناك في الغابة تتجوّل بهدوء وتنظر وتتأمّل. هذا هو الشعور الذي يجلبه شيشكين إلى لوحته. إذ يعطيك إحساسا قويّا بالاتجاه كما لو انه يأخذك من يدك ويقودك عبر الغابة المطرية.
هذه اللوحة هي أيضا عن المطر. هناك إحساس بالألوان الزاهية وبالسماء الأكثر إشراقا. لكن هناك أيضا شعورا بأن اللون تمّ تخفيفه بفعل المطر.
شيشكين يخلق شعورا حقيقيا بالعالم، حيث الطبيعة ليست طيّبة أو شرّيرة. كما انه يمنح الناظر انطباعا بأن السماء تمطر. وهو يقودك في السير على طريق. ومن السهل عليك بعدها أن تقتفى خطاه.
كان شيشكين يُلقّب بـ "شاعر الغابات الملحمية الروسية" لإمساكه بمواسم الغابات وتعبيره عن أمزجة الطبيعة المتغيّرة. في إحدى لوحاته الأخرى بعنوان الصباح في غابة الصنوبر، يرسم الفنّان واحدا من الموتيفات المفضّلة لديه، وهي غابات الصنوبر الروسية الكثيفة، مضيفاً إلى أجوائها الحضور الرعويّ لعائلة من الدبَبَة.
حقّق شيشكين نجاحا كبيرا في الرسم. وكان معلّما في التعامل مع الضوء والظلّ. وتمكّن من إعادة الطابع الوطنيّ للطبيعة الروسية كما لم يفعل رسّام آخر. وكانت لوحاته المليئة بالشمس والهواء تحظى بشعبية كبيرة في روسيا وأوربّا.
نظرة شيشكين إلى الطبيعة هي نظرة باحث وعالم في عصر الفلسفة الوضعية. والمعروف أنه أمضى طفولته وسط الغابات المعمّرة والأنهار المهيبة في مناطق الاورال والفولغا. وظلّ حبّه لهذه الأماكن ملازما له طوال حياته.

❉ ❉ ❉

الحياة ليست سباقا


هل سبق لك وأن رأيت أطفالا يدورون حول بعضهم وهم يلعبون ويتضاحكون؟
أو استمعت إلى وقع قطرات المطر وهي تلامس وجه الأرض برقّة ونعومة؟
أو تابعت فراشة وهي تتقلّب في الهواء بتوازن وحرص؟ أو حدّقت في الشمس فجرا وهي تتسلّل وئيدا بعد تلاشي آخر خيوط الظلام؟
من الأفضل أن تبطئ الخطى قليلا. لا ترقص بسرعة. فالوقت قصير والموسيقى لن تدوم.
هل تجري في لهاث لا يتوقّف طوال اليوم؟
عندما تسأل شخصا كيف حالك، هل تنتظر لتسمع منه الإجابة؟
عندما ينتهي اليوم، هل تتمدّد في سريرك بينما يزدحم رأسك بمئات الأعمال التي يتعيّن عليك القيام بها تالياً؟
من الأفضل أن تبطئ الخطى قليلا. لا ترقص بسرعة. فالوقت قصير والموسيقى لن تدوم.
هل سبق وأن قلت لطفلك "سنفعل هذا غدا"ً، وفي غمرة تسرعّك وانشغالك لم تلاحظ أساه وحزنه؟
هل فقدت مؤخّرا لمستك الحانية وتركت صديقا طيّبا يموت لأنه لم يكن لديك الوقت الكافي لتقول له "مرحباً"؟
من الأفضل أن تبطئ الخطى قليلا. لا ترقص بسرعة.
فالوقت قصير والموسيقى لن تدوم.
عندما تجري بسرعة لتبلغ مكاناً ما، تفوتك نصف متعة الوصول إلى هناك. وتكون أشبه ما يكون بمن يجد هديّة مغلفّة فيلقي بها بعيداً.
إن الحياة ليست سباقا.
فتمهّل في سيرك.
واسمع الموسيقى..
قبل أن تنتهي الأغنية!

❉ ❉ ❉

استراحة موسيقية



❉ ❉ ❉

غناء في الريح

Contemplation, Statue in Metairie
من أجمل وأشهر المقطوعات الموسيقية التي وضعت لأفلام، هذه المعزوفة للمؤلف الايطالي اينيو موريكوني Ennio Morricone والتي ظهرت في الفيلم الشهير "حدث ذات مرّة في أمريكا" للمخرج الايطالي سيرجيو ليوني.
في المعزوفة هناك أمران لافتان: الأوّل صوت آلة البان فلوت. وقد استعان موريكوني لأدائها بالروماني جورج زامفير صاحب المعزوفة المشهورة The Lonely Shepherd أو الراعي الوحيد .
وعلى عكس الشعور بالسلام والطمأنينة الذي يثيره عزف زامفير في "الراعي الوحيد"، فإن عزفه في مقطوعة موريكوني يثير إحساسا هو مزيج من الحنين والرهبة.
الملمح الثاني في موسيقى موريكوني هو الصوت الاوبرالي الرائع الذي يبدأ في منتصف المقطوعة. رغم انه لا يدوم لأكثر من ثلاثين ثانية.
وقد اختار موريكوني لأداء هذا المقطع القصير صوت السوبرانو الايطالية إيدا ديل أورسو التي طالما استعان بها لأداء العديد من المقطوعات التي ألفها لأفلام.
يقول بعض النقاد إن صوت ديل أورسو يرقى لاعتباره آلة موسيقية قائمة بذاتها.
إنها تغني بلا كلام، كما أن في صوتها حسّية غريبة وفيه أيضا تلك السمة الـ "فوق أرضية" التي تميّزها عن سواها من مغنيات الأوبرا.
صوت ديل أورسو في هذا المقطع درامي، "مسكون" ومتوتّر إلى حدّ ما. غير انه بنفس الوقت حالم، أثيري وشفّاف.
وهو أشبه ما يكون بغناء صامت في الريح أو "بالغوص في مياه عميقة ومظلمة" على حدّ وصف أحد الكتاب.يمكن سماع موسيقى موريكوني هنا أو هنا ..

الأحد، يناير 31، 2010

مكان الإنسان في المنظر الطبيعي

ما هو دور الإنسان في المنظر الطبيعي؟
غينسبورو لم يكن يساوره شكّ في أن وظيفة الإنسان هي أن يملأ الفراغ في المنظر أو أن ينشئ عملا بسيطا يمكن أن يصرف انتباه العين عن الأشجار للحظات قبل أن تعود للتركيز عليها مجدّدا. أي أن وجود الشخص في المنظر الطبيعي هو وجود إضافي أو كمالي وليس أساسيا.
لوحات المناظر الطبيعية هي موضوع بيئي، لأنها تصوّر العلاقة بين الطبيعة والبشر، بين الأرض وساكنيها.
وبعض الرسّامين طبقوا شعار وليام بليك الذي يقول: حيث لا يوجد إنسان، تصبح الطبيعة قاحلة". وبالنسبة لهم، فإن العالم الأخضر ليس سوى مكان أو خلفية تجري عليها القصص والأحداث الإنسانية.
لكنْ بالنسبة لآخرين مثل غينسبورو فإن العكس هو الصحيح. الأشجار هي العنصر الأهمّ. أما العنصر الإنساني فليس سوى علامة أو رقم لا وظيفة له سوى سدّ أو ملء الفراغ في اللوحة.
لكنّ هناك نوعا من المناظر الطبيعية التي تكون فيها علاقة الإنسان بالطبيعة أشدّ تعقيدا وأكثر دراماتيكية.
تأمّل، مثلا، هذه اللوحة للرسّام الفرنسي كلود لورين. هذا الفنّان عُرف بمناظره المتوهّجة ذات الألوان الزرقاء والبنيّة والخضراء والتي تثير شعورا بالسكينة الممزوجة بقدر من الحنين والحزن.
موضوع لوحته هذه مأخوذ من قصّة "إسكينيوس والأيل" التي وردت في الميثولوجيا الرومانية. حتّى عنوان اللوحة يشي بالتوتّر. الطبيعة والأشخاص فيها يقفان على طرفي نقيض. البشر هنا ليسوا مواطنين أصليين كما أنهم ليسوا سادة المكان. بل هم غرباء عنه، غزاة ومدنّسون.
الأشخاص، ببساطة، ليسوا هنا. ومن الواضح أن هناك مدخلا. حفلة الصيد تصل إلى المكان من خلال الطرف الأيسر من الصورة. تحتاج لأن تعرف القصّة من فيرجيل كي تأخذ فكرة عن طبيعة التعدّي الآثم الذي تصوّره اللوحة عن قتل حيوان مقدّس. في القرون الوسطى شاع اعتقاد يصوّر الأيل كقوّة مقدّسة ومضادّة للشرّ بسبب ميل ذلك الحيوان لسحق الأفاعي بقدميه.
مشهد لورين يتحدّث بشكل جيّد عن نفسه. ففيه نفحة من المغامرة والرومانسية. لكنّ فيه، أيضا، شيئا يذكّر بعادات المستعمرين. فالمستكشفون يشقّون طريقهم عبر الغابة بينما تبدو خلفهم بقايا آثار ضخمة عن حضارة سادت ثم بادت. من الواضح أنهم دخلاء على الطبيعة وعلى شيء ما فيها إنساني أقدم منهم وأعظم. ولأن شيئا لا يردعهم، فإنهم يبدون عاقدي العزم على إتمام فعلهم المشين.
الفعل يغطّي نطاق الصورة كلّها من رامي السهام إلى الأيل. والطبيعة تضع هذا في طابع درامي إذ تفصل ما بين الطرفين بنهر يقوم على ارض منحدرة. وبين رامي السهام والأيل منظر واسع وضبابي يفتح على الأفق. والأيل جاهز، في ما يبدو، لأن يُقتل.
لكنّ المكان يظلّ غريبا. وغرابته تتضمّن إحساسا بالزمن. فهذا عالم قديم. عالم يعود بآثاره إلى ماض سحيق كما يدلّ عليه المعبد الكلاسيكي المكسّر الذي يؤطّر المنظر. هذا المعبد كان رائعا في زمانه البعيد. الآن تضخّم بفعل الأشجار التي نمت واستطالت وأصبحت تحتلّ معظم الجزء الأمامي. هذا العالم المهجور كان ذات مرّة مركزا للنشاط البشري. لكنه اليوم أصبح مكانا تنمو فيه النباتات والخضرة. ليست هذه طبيعة بكرا تعثّر بها المغامرون. انه تاريخ قديم رائع وقد أصبح الآن امتدادا للحياة البرّية.
ولو تخيّلنا المشهد بدون الأشخاص وقصّتهم، فإن ما يبقى يمكن أن يكون من زمن الرسّام نفسه.
الأنقاض الكلاسيكية الضخمة كانت هي الشيء الذي يمكن أن تصادفه في ايطاليا خلال القرن السابع عشر، حيث كان يعمل الرسّام.
لكنّ حضور الأشخاص في اللوحة يضفي عليها غموضا اكبر. هذا المشهد يتضمّن حقبة زمنية وقصّة من العصور القديمة يجري إعادة تمثيلها بين بقايا الأطلال الدارسة.
النسَب في اللوحة هي عامل آخر أيضا. الأشخاص برغم أنهم طوال القامة جدّا، فإنهم - مقارنة بالأعمدة - ما يزالون صغارا وضئيلي الحجم. بل إن المعبد يبدو أكثر طولا وضخامة كما لو أن من شيّدوه هم جماعة من العمالقة. هذه طريقة أخرى يحاول من خلالها كلود لورين جعل الأشخاص في حالة عدم انسجام مع البيئة.
هؤلاء الأشخاص ليسوا أرقاما أو مجرّد علامات. كما أنهم لا يبدون ثابتين في أماكنهم في الصورة. العين تبتعد عنهم لتقع على طبيعة عظيمة وغير مضيافة. ثمّ تعود مرّة أخرى لتجد مجموعة من المتسلّلين الغرباء في الناحية الأخرى.
كان لورين متخصّصا في رسم المناظر الطبيعية المثالية والشاعرية. وكان يضع القصص الكلاسيكية بين الخرائب القديمة. براعته في تصوير أجواء الصباح والمساء والظلال الزاحفة والدخان اللامع أدهشت معاصريه ومن أتوا بعده. وكان أكثر من تأثروا به رسّامو الطبيعة البريطانيون.


Credits
claudelorrain.org
artble.com