في بدايات العصور الوسطى، سيطر الڤايكنغ على طرق التجارة الروسية وزوّدوا أوروبّا الغربية بالفضّة الإسلامية لقرنين من الزمان. ووفقاً لبعض المؤرّخين، قبلت مجموعة من الڤايكنغ بقيادة أمير حرب يُدعى ريوريك دعوةً من اتّحاد القبائل السلاڤية والفنلندية "للحضور وتولّي الحكم عليهم". كان السلاڤ والفنلنديون في حالة حرب فيما بينهم، واحتاجوا إلى طرف محايد لإحلال السلام والنظام في بلدهم.
وفي عام 862، وصل ريوريك وعشيرته إلى شمال غرب روسيا وأقاموا قواعد لسلطتهم في عدّة مدن. وبحلول عام 879، استولى أوليغ، أحد أفراد عشيرة ريوريك، على كييڤ معلناً أنها ستكون "أمّ المدن الروسية".
أمضى أوليغ وخليفته إيغور ولايتهما في إخضاع القبائل الواقعة على طول منابع الأنهار الرئيسية، فأخضعوا كلّ قبيلة لنظام جباية ضرائب بدائي، حيث كان أمراء كييڤ يجمعون "الجزية" على شكل فراء وشمع وعسل وعبيد من مختلف القبائل. وكانت الغنائم تُرسل إلى كييڤ، حيث تُحزم في زوارق كبيرة مصنوعة من جذوع الشجر وتُنقل كلّ ربيع عبر نهر الدنيبر إلى البحر الأسود.
كانت الوجهة النهائية للأسطول التجاري هي القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. وبالطبع أدرك الأباطرة البيزنطيون خطر فتح أبواب عاصمتهم أمام حشود الڤايكنغ الذين كانوا بحاجة إلى إقناع القسطنطينية بفوائد التجارة السلمية معهم. وبناءً عليه، هاجم "الڤايكنغ الروس" القسطنطينية خمس مرّات (860 – 944) في أقلّ من قرن. ونتج عن هذه الحملات توقيع معاهدات تجارية بين كييڤ والقسطنطينية.
في تلك الفترة، كانت تعيش في بلاط كييڤ امرأة تُدعى "أولغا"، أو هيلغا في اللغة الإسكندنافية، وكانت شاهدة على بعض تلك الأحداث. وقد انضمّت هذه المرأة إلى عائلة ريوريك عندما تزوّجت من إيغور عام 903. وبينما لا يُعرف سوى القليل عن سنواتها المبكّرة، يُذكر أنها ولدت في بسكوف، وهي بلدة تقع على الحدود الإستونية الروسية. ولم يرد ذكر أولغا مرّة أخرى حتى عام 942، عندما أنجبت ابن إيغور، سفياتوسلاف.
لكن الأكيد أن حياة أولغا تغيّرت فجأةً بوفاة زوجها إيغور العنيفة على يد إحدى قبائله الخاضعة له. ففي عام 945، سعى إيغور ورجال حاشيته إلى مستوى معيشي أفضل، فابتزّوا جزيةً ضخمةً على غير العادة من قبيلة سلافية تُدعى الدريڤليان وتسكن منطقة مروج وغابات في شمال غرب كييڤ. وعندما لم يرضَ إيغور بالمبلغ الضخم الذي جُمع، قرّر العودة لأخذ المزيد من المال. ولمّا علم زعيم الدريڤليان بقرب وصوله، حذّر رجاله قائلاً: إذا تسلّل ذئب بين الغنم، فسيأخذ القطيع كلّه شاةً بعد أخرى، ما لم يُقتل. وإن لم نقتله الآن فسيُبيدنا جميعا".
ثم نُصب لإيغور كمين محكم وقُتل. كانت أفعال الدريڤليان ردّ فعل منطقيّا على تصرّفات إيغور، فقد كان قد جمعَ الجزية السنوية بالفعل. وعودته للحصول على المزيد من الجزية بهذه السرعة كانت انتهاكا للتقاليد أفقدَ إيغور شرعيّته عند رعيّته الخاضعين له.
كان خليفة إيغور، سفياتوسلاف، ما يزال طفلاً، ما استلزم تولّي أمّه الأرملة، أولغا، الوصاية على العرش. وكان لا بدّ من اتخاذ إجراءات فورية ضد الدريڤليان لأنهم هدّدوا المملكة والسلالة على حدّ سواء. ويُعدّ تعامل أولغا مع المتمرّدين، والمعروف بـ "انتقام أولغا"، أحد أكثر الأحداث إثارةً في تاريخ السلاڤ الشرقيين.
بعد دفن إيغور تحت تلّ كبير خارج عاصمة الدريڤليان، قرّر أميرهم التقدّم بطلب الزواج من أولغا بهدف السيطرة على الصغير سفياتوسلاف. والتقت أولغا بوفد الدريڤليان خارج أبواب كييڤ، وأجابت بأنها مهتمّة بالعرض، لكنها ترغب في تكريم الوفد في حفل عام في اليوم التالي، حيث سيُنقلون في قواربهم. وشعر الدريڤليان بالرضا، فانسحبوا إلى معسكرهم.
وبناءً على أمر أولغا، أمضى الكييڤيون الليل في حفر خندق عميق في مدينتهم. وفي اليوم التالي، حضر وفد الدريڤليان بملابس فاخرة، مطالبين بنقلهم إلى المدينة على متن قواربهم الخشبية. ووفقاً للخطّة، أُلقيت القوارب في الخندق ودُفن الرجال أحياءً. ثم أرسلت أولغا إلى أمير الدريڤليان تطلب فرقة من أفضل رجاله لمرافقتها إلى عاصمة الدريڤليان.
ولم يكن أميرهم على علم بالمذبحة التي حلّت بوفده الأول، فامتثل لرغبات عروسه المستقبلية. وعندما وصل أفضل رجاله إلى كييڤ، دعتهم أولغا للاستحمام قبل رؤيتها. ولكن بمجرّد دخولهم الحمّام الكبير، أُضرمت فيه النار وأُحرق الرجال أحياءً. ثم انطلقت أولغا إلى عاصمة الدريڤليان، وبينما كانت تقترب من أبواب المدينة، طلبت الأرملة الحزينة إقامة "وليمة جنازة" عند التلّ الذي دُفن تحته إيغور.
وبينما كانوا لا يزالون غافلين عن مصير الوفود التي سبق أن أرسلت إلى كييڤ، انضم إليها الدريڤليان بسعادة في وليمة كبيرة تناولوا فيها كميّات وفيرة من المشروبات الكحولية. وعندما تمكن منهم السُكر، ذبحت أولغا وجيشها أكثر من خمسة آلاف دريڤلياني ثمل. لكن خطّتها بالانتقام منهم لم تنته بعد.
ففي العام التالي، غزت أرض الدريڤليان نفسها. وفي معركة أخيرة، حاصرت عاصمتهم. وبعد عام، عرض الدريڤليان دفع الجزية، لكن لم يكن لديهم عسل ولا فراء، فماذا عساهم يقدّمون لها؟ طلبت أولغا ثلاث حمامات وثلاثة عصافير من كلّ بيت. وعند استلامها، علّق رجالها خرقة مغمّسة بالكبريت على أقدام كلّ طائر. وعندما عادت الطيور إلى أعشاشها في البيوت، أشعلت النار في المدينة وهلك الدريڤليان في منازلهم، وبذا اكتمل انتقام أولغا.
وفي عام 862، وصل ريوريك وعشيرته إلى شمال غرب روسيا وأقاموا قواعد لسلطتهم في عدّة مدن. وبحلول عام 879، استولى أوليغ، أحد أفراد عشيرة ريوريك، على كييڤ معلناً أنها ستكون "أمّ المدن الروسية".
أمضى أوليغ وخليفته إيغور ولايتهما في إخضاع القبائل الواقعة على طول منابع الأنهار الرئيسية، فأخضعوا كلّ قبيلة لنظام جباية ضرائب بدائي، حيث كان أمراء كييڤ يجمعون "الجزية" على شكل فراء وشمع وعسل وعبيد من مختلف القبائل. وكانت الغنائم تُرسل إلى كييڤ، حيث تُحزم في زوارق كبيرة مصنوعة من جذوع الشجر وتُنقل كلّ ربيع عبر نهر الدنيبر إلى البحر الأسود.
كانت الوجهة النهائية للأسطول التجاري هي القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. وبالطبع أدرك الأباطرة البيزنطيون خطر فتح أبواب عاصمتهم أمام حشود الڤايكنغ الذين كانوا بحاجة إلى إقناع القسطنطينية بفوائد التجارة السلمية معهم. وبناءً عليه، هاجم "الڤايكنغ الروس" القسطنطينية خمس مرّات (860 – 944) في أقلّ من قرن. ونتج عن هذه الحملات توقيع معاهدات تجارية بين كييڤ والقسطنطينية.
في تلك الفترة، كانت تعيش في بلاط كييڤ امرأة تُدعى "أولغا"، أو هيلغا في اللغة الإسكندنافية، وكانت شاهدة على بعض تلك الأحداث. وقد انضمّت هذه المرأة إلى عائلة ريوريك عندما تزوّجت من إيغور عام 903. وبينما لا يُعرف سوى القليل عن سنواتها المبكّرة، يُذكر أنها ولدت في بسكوف، وهي بلدة تقع على الحدود الإستونية الروسية. ولم يرد ذكر أولغا مرّة أخرى حتى عام 942، عندما أنجبت ابن إيغور، سفياتوسلاف.
لكن الأكيد أن حياة أولغا تغيّرت فجأةً بوفاة زوجها إيغور العنيفة على يد إحدى قبائله الخاضعة له. ففي عام 945، سعى إيغور ورجال حاشيته إلى مستوى معيشي أفضل، فابتزّوا جزيةً ضخمةً على غير العادة من قبيلة سلافية تُدعى الدريڤليان وتسكن منطقة مروج وغابات في شمال غرب كييڤ. وعندما لم يرضَ إيغور بالمبلغ الضخم الذي جُمع، قرّر العودة لأخذ المزيد من المال. ولمّا علم زعيم الدريڤليان بقرب وصوله، حذّر رجاله قائلاً: إذا تسلّل ذئب بين الغنم، فسيأخذ القطيع كلّه شاةً بعد أخرى، ما لم يُقتل. وإن لم نقتله الآن فسيُبيدنا جميعا".
ثم نُصب لإيغور كمين محكم وقُتل. كانت أفعال الدريڤليان ردّ فعل منطقيّا على تصرّفات إيغور، فقد كان قد جمعَ الجزية السنوية بالفعل. وعودته للحصول على المزيد من الجزية بهذه السرعة كانت انتهاكا للتقاليد أفقدَ إيغور شرعيّته عند رعيّته الخاضعين له.
كان خليفة إيغور، سفياتوسلاف، ما يزال طفلاً، ما استلزم تولّي أمّه الأرملة، أولغا، الوصاية على العرش. وكان لا بدّ من اتخاذ إجراءات فورية ضد الدريڤليان لأنهم هدّدوا المملكة والسلالة على حدّ سواء. ويُعدّ تعامل أولغا مع المتمرّدين، والمعروف بـ "انتقام أولغا"، أحد أكثر الأحداث إثارةً في تاريخ السلاڤ الشرقيين.
بعد دفن إيغور تحت تلّ كبير خارج عاصمة الدريڤليان، قرّر أميرهم التقدّم بطلب الزواج من أولغا بهدف السيطرة على الصغير سفياتوسلاف. والتقت أولغا بوفد الدريڤليان خارج أبواب كييڤ، وأجابت بأنها مهتمّة بالعرض، لكنها ترغب في تكريم الوفد في حفل عام في اليوم التالي، حيث سيُنقلون في قواربهم. وشعر الدريڤليان بالرضا، فانسحبوا إلى معسكرهم.
وبناءً على أمر أولغا، أمضى الكييڤيون الليل في حفر خندق عميق في مدينتهم. وفي اليوم التالي، حضر وفد الدريڤليان بملابس فاخرة، مطالبين بنقلهم إلى المدينة على متن قواربهم الخشبية. ووفقاً للخطّة، أُلقيت القوارب في الخندق ودُفن الرجال أحياءً. ثم أرسلت أولغا إلى أمير الدريڤليان تطلب فرقة من أفضل رجاله لمرافقتها إلى عاصمة الدريڤليان.
ولم يكن أميرهم على علم بالمذبحة التي حلّت بوفده الأول، فامتثل لرغبات عروسه المستقبلية. وعندما وصل أفضل رجاله إلى كييڤ، دعتهم أولغا للاستحمام قبل رؤيتها. ولكن بمجرّد دخولهم الحمّام الكبير، أُضرمت فيه النار وأُحرق الرجال أحياءً. ثم انطلقت أولغا إلى عاصمة الدريڤليان، وبينما كانت تقترب من أبواب المدينة، طلبت الأرملة الحزينة إقامة "وليمة جنازة" عند التلّ الذي دُفن تحته إيغور.
وبينما كانوا لا يزالون غافلين عن مصير الوفود التي سبق أن أرسلت إلى كييڤ، انضم إليها الدريڤليان بسعادة في وليمة كبيرة تناولوا فيها كميّات وفيرة من المشروبات الكحولية. وعندما تمكن منهم السُكر، ذبحت أولغا وجيشها أكثر من خمسة آلاف دريڤلياني ثمل. لكن خطّتها بالانتقام منهم لم تنته بعد.
ففي العام التالي، غزت أرض الدريڤليان نفسها. وفي معركة أخيرة، حاصرت عاصمتهم. وبعد عام، عرض الدريڤليان دفع الجزية، لكن لم يكن لديهم عسل ولا فراء، فماذا عساهم يقدّمون لها؟ طلبت أولغا ثلاث حمامات وثلاثة عصافير من كلّ بيت. وعند استلامها، علّق رجالها خرقة مغمّسة بالكبريت على أقدام كلّ طائر. وعندما عادت الطيور إلى أعشاشها في البيوت، أشعلت النار في المدينة وهلك الدريڤليان في منازلهم، وبذا اكتمل انتقام أولغا.
كيف نفهم هذه الرواية التي تبدو خيالية وصعبة التصديق؟!
لا ينبغي أن تُؤخذ حكايات العصور الوسطى المبكّرة عن الأرامل الحزينات في طريق الحرب على محمل الجدّ، إذ أنها استُخدمت كأداة أدبية من اجل الترفيه. وفي حالة أولغا، كان الهدف إظهار التحوّل الأخلاقي الكبير الذي حدث لها بعد اعتناقها المسيحية فيما بعد. ومن خلال وصف وحشية أولغا الوثنية، أبرز الكُتّاب الرهبان القوّة الإعجازية للتحوّل، تماما مثلما نسب الكُتّاب البوذيون أعمال القمع الوحشية إلى الإمبراطور الهندي "أشوكا" قبل اعتناقه المسيحية وتثمينه اللاحق لفكرة "الأهيمسا" أو اللاعنف.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن القصّة في أيّ من الحالتين أو كليهما محض خيال. إذ يوجد دليل مستقلّ على اغتيال إيغور الذي يُروى أنهم "أسروه ثم ربطوه بجذوع الأشجار ومزّقوه إلى نصفين". ومن المؤكّد أن الانتقام العسكريّ أعقب ذلك. ورغم هذا، تلعب قصّة انتقام أولغا دورا آخر كرمز أدبيّ يعيد تمثيل الطقوس الجنائزية الوثنية الإسكندنافية. فدفْن أفراد وفد الدريڤليان وهم أحياء في قواربهم، مثلا، يحاكي طقس الڤايكنغ في الدفن على متن السفن، حيث كان المتوفّى يُدفن غالبا في قارب مع قربان شعائري.
وإحراق الوفد التالي في الحمّام يمثّل طقوس التطهير بالنار. وقتل جيش أولغا خمسة آلاف من العدوّ وهم مخمورون يمثّل طقس الوليمة الجنائزية المصحوبة بقربان. ومن المعروف أن أرامل المحاربين الإسكنديناڤيين كنّ يمارسن "الساتي"، أي عادة إحراق المرأة لنفسها عند موت زوجها، لكن هذا لم يكن خيارا متاحا لأولغا بسبب صغر عمر ابنها على الحكم.
في عام 954، سافرت أولغا إلى القسطنطينية، حيث اتخذت خطوة تاريخية بالغة الأهمية كأوّل امرأة من عائلة ريوريك تعتنق المسيحية. ووفقا لبعض المصادر، أُعجب الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع بجمال الأميرة الكييڤية وذكائها، لدرجة أنه "أشار إلى أنها جديرة بالحكم معه في مدينته". وأجابت أولغا بأن هذا غير ممكن لأنها وثنية، "وإذا رغب في تعميدها فعليه القيام بذلك بنفسه، وإلا فإنها لن تقبل التعميد".
وأجرى بطريرك المدينة مراسم التعميد وكان الإمبراطور بمثابة العرّاب لأولغا. وبعد التعميد، ذكّر الإمبراطور أولغا بعرضه للزواج منها. ففكرت مليّا في الأمر ثم قالت: كيف تتزوّجني بعد أن عمّدتني وسمّتني ابنتك؟ هذا محرّم بين المسيحيين كما تعلم أنت بنفسك". وعادت أولغا إلى كييڤ بمباركة من البطريرك مع هدايا ثمينة من الإمبراطور على هيئة "ذهب وحرير وفضّة ومزهريات متنوّعة".
ويبدو أن أولغا كانت على علم بالتهديد المحتمل لاستقلال كييڤ خلال زيارتها للقسطنطينية. ويتضح تردّدها في رفضها الذكيّ لعرض الإمبراطور البيزنطيّ الزواج منها. وبهذه الطريقة، تجنبّت الغزو البيزنطي لكييڤ من خلال الزواج. وهذا كان واضحا من خلال سعيها الى مطالب محدّدة، مثل تعزيز الامتيازات التجارية، وربّما بناء كنيسة تتمتّع باستقلال ذاتي.
لم يتحقّق هدف أولغا في إنشاء مؤسّسة كنسية في كييڤ إلا في عهد حفيدها ڤلاديمير. لكن فشلها ساهم على الأرجح في الحفاظ على استقلال كييڤ عن القسطنطينية. ويبدو أيضا أن نخبة المحاربين في كييڤ قاومت الدين الجديد. إذ يُروى أن أولغا قدّمت المسيحية الى ابنها سفياتوسلاف بقولها: لقد تعلّمت معرفة الله وأنا سعيدة بذلك. وإذا عرفتَ هذا فستفرح". فردّ عليها بقوله: كيف لي وحدي أن أقبل ديناً آخر؟ سيسخر مني أتباعي".
في عام 962، بلغ سفياتوسلاف سنّ الرشد وبدأ حكمه في كييڤ. ومثل والده، كان الحاكم الشابّ محاربا، فدمّر دولة الخزر في منطقة الفولغا السفلى وحاول توسيع أراضي مملكته إلى بلغاريا في نهر الدانوب السفلي، ما أدخله في صراع مع الإمبراطور البيزنطي. وقد حكمت أولغا كييڤ في غياب ابنها الطويل، واهتمّت بأبنائه الصغار. وبعد ستّ سنوات، أثارت حرب سفياتوسلاف ضدّ الإمبراطورية هجوما شاملاً على كييڤ من قبل حلفاء البيزنطيين، أي الأتراك.
كان الحصار الذي تلا ذلك طويلا، وتحمّل شعب كييڤ، بقيادة أولغا، الكثير من المشاقّ بينما بقي سفياتوسلاف في بلغاريا. واضطرّت أولغا، التي كانت قد أصبحت مسنّة، إلى الفرار بالقارب عبر نهر الدنيبر مع أحفادها. ثم عاد سفياتوسلاف، الذي بدا نادما على ما حدث، إلى كييڤ وطرد الجيش التركيّ منها. وتوفّيت أولغا بعد ذلك بوقت قصير بسبب تقدّمها في العمر. وكانت قد أمرت بأن ترتَّب لها جنازة وفقا للطقوس المسيحية.
كان العقدان اللذان أعقبا وفاة أولغا فترة اضطرابات وعدم استقرار لابنها وأحفادها. ففي عام 972، قُتل سفياتوسلاف، بينما كان يواصل حروبه ضدّ الإمبراطورية البيزنطية، على يد الأتراك الذين احتفلوا بانتصارهم عليه بصنع كأس شرب مذهّب من جمجمته. وخاض أبناء سفياتوسلاف الثلاثة حربا أهلية طويلة فيما بينهم، أسفرت عن مقتل اثنين منهم وصعود الثالث، ڤلاديمير، حاكما أوحد على كييڤ.
كان ڤلاديمير في بداية حكمه وثنيّا متديّنا. وقد رأى فرصة لتعزيز مكانته بتقوية علاقته بالإمبراطورية البيزنطية في أواخر القرن العاشر، عندما كان الإمبراطور يخوض حربا أهلية واحتاج إلى قوّات تدعم حملته في شبه جزيرة القرم.
وفي مقابل الدعم العسكري، عُرض على ڤلاديمير الزواج من أخت الإمبراطور البيزنطي، وهو شرف عظيم لم يُمنح إلا لقلّة قليلة من الأجانب. ولم يهتم الإمبراطور بحقيقة أن ڤلاديمير متزوّج من ثلاث نساء ولديه ثلاثمائة جارية. كما منحه الإمبراطور حرّيةً واسعةً في تأسيس كنيسة رسمية في كييڤ. ولا شكّ أن اعتناق ڤلاديمير للمسيحية الأرثوذكسية عام 988 واعتمادها دينا رسميّا لمملكة كييڤ قد كفّر عن خطيئة الأمير كونه "وثنيّا ضالّا".
رغم أن اولغا كانت قد فشلت أثناء حياتها في إقناع ابنها وأحفادها باعتناق المسيحية، إلا أن ذكرى إخلاصها للأرثوذكسية في سنواتها الأخيرة لعبت دورا لا يُستهان به في تحوّل العائلة في نهاية المطاف إلى المسيحية البيزنطية. وبعد قرون، ذكر كتّاب العصور الوسطى تقوى أولغا العميقة مرارا وتكرارا في كتاباتهم، فوصفوها بـ "أولغا القدّيسة" التي كانت "امرأة في الجسد، إلا أنها امتلكت شجاعة رجل" وبأنها "مشرقة بين الكفّار كلؤلؤة في الوحَل".
لا ينبغي أن تُؤخذ حكايات العصور الوسطى المبكّرة عن الأرامل الحزينات في طريق الحرب على محمل الجدّ، إذ أنها استُخدمت كأداة أدبية من اجل الترفيه. وفي حالة أولغا، كان الهدف إظهار التحوّل الأخلاقي الكبير الذي حدث لها بعد اعتناقها المسيحية فيما بعد. ومن خلال وصف وحشية أولغا الوثنية، أبرز الكُتّاب الرهبان القوّة الإعجازية للتحوّل، تماما مثلما نسب الكُتّاب البوذيون أعمال القمع الوحشية إلى الإمبراطور الهندي "أشوكا" قبل اعتناقه المسيحية وتثمينه اللاحق لفكرة "الأهيمسا" أو اللاعنف.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن القصّة في أيّ من الحالتين أو كليهما محض خيال. إذ يوجد دليل مستقلّ على اغتيال إيغور الذي يُروى أنهم "أسروه ثم ربطوه بجذوع الأشجار ومزّقوه إلى نصفين". ومن المؤكّد أن الانتقام العسكريّ أعقب ذلك. ورغم هذا، تلعب قصّة انتقام أولغا دورا آخر كرمز أدبيّ يعيد تمثيل الطقوس الجنائزية الوثنية الإسكندنافية. فدفْن أفراد وفد الدريڤليان وهم أحياء في قواربهم، مثلا، يحاكي طقس الڤايكنغ في الدفن على متن السفن، حيث كان المتوفّى يُدفن غالبا في قارب مع قربان شعائري.
وإحراق الوفد التالي في الحمّام يمثّل طقوس التطهير بالنار. وقتل جيش أولغا خمسة آلاف من العدوّ وهم مخمورون يمثّل طقس الوليمة الجنائزية المصحوبة بقربان. ومن المعروف أن أرامل المحاربين الإسكنديناڤيين كنّ يمارسن "الساتي"، أي عادة إحراق المرأة لنفسها عند موت زوجها، لكن هذا لم يكن خيارا متاحا لأولغا بسبب صغر عمر ابنها على الحكم.
في عام 954، سافرت أولغا إلى القسطنطينية، حيث اتخذت خطوة تاريخية بالغة الأهمية كأوّل امرأة من عائلة ريوريك تعتنق المسيحية. ووفقا لبعض المصادر، أُعجب الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع بجمال الأميرة الكييڤية وذكائها، لدرجة أنه "أشار إلى أنها جديرة بالحكم معه في مدينته". وأجابت أولغا بأن هذا غير ممكن لأنها وثنية، "وإذا رغب في تعميدها فعليه القيام بذلك بنفسه، وإلا فإنها لن تقبل التعميد".
وأجرى بطريرك المدينة مراسم التعميد وكان الإمبراطور بمثابة العرّاب لأولغا. وبعد التعميد، ذكّر الإمبراطور أولغا بعرضه للزواج منها. ففكرت مليّا في الأمر ثم قالت: كيف تتزوّجني بعد أن عمّدتني وسمّتني ابنتك؟ هذا محرّم بين المسيحيين كما تعلم أنت بنفسك". وعادت أولغا إلى كييڤ بمباركة من البطريرك مع هدايا ثمينة من الإمبراطور على هيئة "ذهب وحرير وفضّة ومزهريات متنوّعة".
ويبدو أن أولغا كانت على علم بالتهديد المحتمل لاستقلال كييڤ خلال زيارتها للقسطنطينية. ويتضح تردّدها في رفضها الذكيّ لعرض الإمبراطور البيزنطيّ الزواج منها. وبهذه الطريقة، تجنبّت الغزو البيزنطي لكييڤ من خلال الزواج. وهذا كان واضحا من خلال سعيها الى مطالب محدّدة، مثل تعزيز الامتيازات التجارية، وربّما بناء كنيسة تتمتّع باستقلال ذاتي.
لم يتحقّق هدف أولغا في إنشاء مؤسّسة كنسية في كييڤ إلا في عهد حفيدها ڤلاديمير. لكن فشلها ساهم على الأرجح في الحفاظ على استقلال كييڤ عن القسطنطينية. ويبدو أيضا أن نخبة المحاربين في كييڤ قاومت الدين الجديد. إذ يُروى أن أولغا قدّمت المسيحية الى ابنها سفياتوسلاف بقولها: لقد تعلّمت معرفة الله وأنا سعيدة بذلك. وإذا عرفتَ هذا فستفرح". فردّ عليها بقوله: كيف لي وحدي أن أقبل ديناً آخر؟ سيسخر مني أتباعي".
في عام 962، بلغ سفياتوسلاف سنّ الرشد وبدأ حكمه في كييڤ. ومثل والده، كان الحاكم الشابّ محاربا، فدمّر دولة الخزر في منطقة الفولغا السفلى وحاول توسيع أراضي مملكته إلى بلغاريا في نهر الدانوب السفلي، ما أدخله في صراع مع الإمبراطور البيزنطي. وقد حكمت أولغا كييڤ في غياب ابنها الطويل، واهتمّت بأبنائه الصغار. وبعد ستّ سنوات، أثارت حرب سفياتوسلاف ضدّ الإمبراطورية هجوما شاملاً على كييڤ من قبل حلفاء البيزنطيين، أي الأتراك.
كان الحصار الذي تلا ذلك طويلا، وتحمّل شعب كييڤ، بقيادة أولغا، الكثير من المشاقّ بينما بقي سفياتوسلاف في بلغاريا. واضطرّت أولغا، التي كانت قد أصبحت مسنّة، إلى الفرار بالقارب عبر نهر الدنيبر مع أحفادها. ثم عاد سفياتوسلاف، الذي بدا نادما على ما حدث، إلى كييڤ وطرد الجيش التركيّ منها. وتوفّيت أولغا بعد ذلك بوقت قصير بسبب تقدّمها في العمر. وكانت قد أمرت بأن ترتَّب لها جنازة وفقا للطقوس المسيحية.
كان العقدان اللذان أعقبا وفاة أولغا فترة اضطرابات وعدم استقرار لابنها وأحفادها. ففي عام 972، قُتل سفياتوسلاف، بينما كان يواصل حروبه ضدّ الإمبراطورية البيزنطية، على يد الأتراك الذين احتفلوا بانتصارهم عليه بصنع كأس شرب مذهّب من جمجمته. وخاض أبناء سفياتوسلاف الثلاثة حربا أهلية طويلة فيما بينهم، أسفرت عن مقتل اثنين منهم وصعود الثالث، ڤلاديمير، حاكما أوحد على كييڤ.
كان ڤلاديمير في بداية حكمه وثنيّا متديّنا. وقد رأى فرصة لتعزيز مكانته بتقوية علاقته بالإمبراطورية البيزنطية في أواخر القرن العاشر، عندما كان الإمبراطور يخوض حربا أهلية واحتاج إلى قوّات تدعم حملته في شبه جزيرة القرم.
وفي مقابل الدعم العسكري، عُرض على ڤلاديمير الزواج من أخت الإمبراطور البيزنطي، وهو شرف عظيم لم يُمنح إلا لقلّة قليلة من الأجانب. ولم يهتم الإمبراطور بحقيقة أن ڤلاديمير متزوّج من ثلاث نساء ولديه ثلاثمائة جارية. كما منحه الإمبراطور حرّيةً واسعةً في تأسيس كنيسة رسمية في كييڤ. ولا شكّ أن اعتناق ڤلاديمير للمسيحية الأرثوذكسية عام 988 واعتمادها دينا رسميّا لمملكة كييڤ قد كفّر عن خطيئة الأمير كونه "وثنيّا ضالّا".
رغم أن اولغا كانت قد فشلت أثناء حياتها في إقناع ابنها وأحفادها باعتناق المسيحية، إلا أن ذكرى إخلاصها للأرثوذكسية في سنواتها الأخيرة لعبت دورا لا يُستهان به في تحوّل العائلة في نهاية المطاف إلى المسيحية البيزنطية. وبعد قرون، ذكر كتّاب العصور الوسطى تقوى أولغا العميقة مرارا وتكرارا في كتاباتهم، فوصفوها بـ "أولغا القدّيسة" التي كانت "امرأة في الجسد، إلا أنها امتلكت شجاعة رجل" وبأنها "مشرقة بين الكفّار كلؤلؤة في الوحَل".
Credits
ebsco.com
oldnorse.org
ebsco.com
oldnorse.org