:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، يوليو 11، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • كثيرا ما أستذكر من وقت لآخر تلك القصّة المشهورة؛ قصّة المعلّم والتلاميذ وكوب الماء، وأعتبر أن الدرس الذي تقدّمه هذه الحكاية، على بساطتها، من أعمق وأبلغ دروس التعامل مع متاعب الحياة.
    وملخّص القصّة أن أستاذا لعلم النفس كان يتحدّث الى قاعة مليئة بالطلاب، عندما رفع كوب ماء. وتوقّع الجميع أن يطرح عليهم السؤال المشهور عن "نصف الكوب الفارغ ونصف الكوب الممتلئ". وبدلا من ذلك، سأل الأستاذ الطلاب: ما مدى ثقل كوب الماء هذا الذي أحمله؟"
    وتراوحت إجابات الطلاب ما بين بضعة غرامات إلى بضعة أرطال. ثم قال الأستاذ: من وجهة نظري، فإن وزن هذا الكأس لا يهمّ. بل المهم هو المدّة التي أحتفظ به خلالها. فإذا حملته لمدّة دقيقة أو اثنتين، فهو خفيف إلى حدّ ما. أما إذا حملته لساعة، فإن وزنه قد يتسبّب في إيلام ذراعي. أما إذا حملته ليوم متواصل أو أكثر، فمن المحتمل أن تتشنّج ذراعي وأشعر بالخدر والشلل التام، ما قد يجبرني على إسقاط الكأس على الأرض. وفي كلّ حالة، لا يتغيّر وزن الكأس، ولكن كلّما حملته لفترة أطول شعرت بثقله أكثر".
    وبينما كان الطلاب يهزّون رؤوسهم موافقين، تابع أستاذهم كلامه قائلا: إن ضغوطك ومخاوفك في الحياة تشبه إلى حدّ كبير كوب الماء هذا. فعندما تفكّر في تلك الهموم فترة معقولة لا يحدث شيء. فكّر فيها فترة أطول قليلا وستبدأ في الشعور بالألم قليلا. فكّر فيها طوال اليوم، وستشعر بالشلل التام ولن تتمكّن من فعل أيّ شيء آخر حتى تُسقطها وتتجاوزها".
    هذه الحكاية المعبّرة تتضمّن درسا بالغ الأهميّة: ليس الحِمل هو ما ينهكك أو يثقل كاهلك، وإنّما الطريقة التي تحمله بها. وهذا صحيح تماما. فبغضّ النظر عمّا يحدث خلال اليوم، ضع كلّ أعباءك جانبا ولا تحملها معك طوال الليل أو الى اليوم التالي. وإذا كنت لا تزال تشعر بثقل ضغوط الأمس، فهذه علامة قويّة على أن الوقت قد حان "لتضع الكأس جانبا". فالقلق لا يجرّد الغد من أحزانه، بل يحرمنا من بهجة اليوم.
    وربّما تذكّرنا هذه القصّة أيضا بضرورة أخذ قسط من الراحة من متاعب الحياة. هناك أشخاص كثيرون، بعضهم ما يزالون في مستهلّ العمر، يضيّعون أفضلَ سنواتِ حياتهم في العمل المتواصل، رغبة منهم في أن يحقّقوا ثروة ومكانة. وفي حين أنه لا يوجد خطأ في العمل الجادّ والطموح، إلا أنه لا ينبغي التضحية بجودة الحياة وبالصحّة وراحة البال من أجل الحصول على حافز مادّي أو معنوي قد لا يستحقّ الجهد المبذول لبلوغه.
  • ❉ ❉ ❉

  • من خلال المزج بين البورتريه الشخصي والطبيعة الصامتة، يحوّل رسّام العصر الذهبي الهولندي ديفيد بيلي (1584-1657) هذه اللوحة إلى لغز محيّر. والرسّام يظهر فيها الى اليسار وهو يمسك بصورة رجل. عندما رسم بيلي هذه اللوحة عام ١٦٥١، كان عمره ٦٧ عاما وكان في أوج عطائه، ولا بدّ أنه كان يشبه الرجل ذا الشارب واللحية الذي يمسك بصورته. أما في اليد الأخرى فيمسك بعصا خشبية تُستخدم عادةً لدعم اليد أثناء رسم تفاصيل دقيقة في لوحة. أما الصورة الاخرى الى جوار ما يُفترض انها صورته فتمثّل زوجته المتوفّاة في شبابها.
    الورقة الملتفّة بأناقة في أسفل يمين اللوحة مكتوب عليها "الحياة متاع الغرور وكلّ شيء باطل"، وهو ما يحوّل الصورة إلى لوحة طبيعة ساكنة عن غرور الحياة. الجمجمة والشمعة المنطفئة والزجاجة المقلوبة وفقاعات الصابون العائمة في جوّ الغرفة والساعة ذات العدسة المكبّرة على شكل غطاء، كلّها عناصر تشير إلى مرور الحياة وزوال الوجود. وفي النهاية، تصبح الأشياء الثمينة الظاهرة في اللوحة، كاللؤلؤ والعملات المعدنية، عديمة القيمة.
    وخلف كأس النبيذ الطويل في منتصف الصورة تقريبا، يمكن رؤية رسم غامض لوجه ينبثق من الظلام كظلّ. ربّما يشير الوجه إلى أصل الرسم الذي نشأ، بحسب المؤرّخ بليني الأكبر، من خلال رسم ظلّ عاشق مغادر على جدار.
    وكما هو واضح، هذه اللوحة مليئة بالوجوه وبالرموز التي تعكس انشغال الفنّانين الهولنديين بالزمن والموت منذ أكثر من ٤٠٠ عام. وكما يقال: الفنّ خالد والحياة قصيرة، والزمن ينتهي لكن الفنّ يبقى.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • يحظى كتاب "التأمّلات" لماركوس أوريليوس بتقدير كبير من القرّاء والنقّاد. لكنه بنفس الوقت عرضة لبعض المآخذ والانتقادات. فهناك مثلا من يأخذ على اوريليوس أن أفكاره تركّز على الواجب، ولا مكان فيها للجمال أو الحبّ. وكان من الأنسب لفلسفته الرواقية لو أضافت بعض الدعابة والاستمتاع بالحياة إلى الفاعلية وضبط النفس.
    وبحسب بعض الكتّاب، هناك نبرة كآبة تتسم بها نظرة اوريليوس الى العالم بتركيزه على مدى تفاهة وغرور وانعدام قيمة الانشغالات الدنيوية في نهاية المطاف. وهو يكرّر مرارا أن لا شيء يدوم في هذه الحياة "وهذا صحيح"، وأن لا شيء يفعله البشر يعني شيئا في النهاية "وهذا صحيح في معظمه أيضا"، لكنه يضيف تفسيرا متشائما نوعا ما لطبيعة الوجود الزائلة "والتي لا يمكن إنكارها أيضا".
    غريغوري هايز، مترجم كتاب "التأمّلات" لأوريليوس يتوصّل إلى النتيجة نفسها بقوله: حتى من يحبّون الكتاب لا ينكرون وجود شيء ناقص في رؤية الكاتب للحياة البشرية. وهناك من يعبّرون عن احترام ومودّة عميقين لشخص ماركوس، لكنهم يشيرون الى أن العيب الجوهري في فلسفته يكمن في فشلها في مراعاة الفرح، وهذا نقد منصف. فهو لا يقدّم لنا وسيلة لتحقيق السعادة، بل لمقاومة الألم فحسب. وفلسفته الرواقية في "التأمّلات" هي في جوهرها فلسفة دفاعية. ومن اللافت في كتابه تكرار الصور العسكرية، بدءا من إشارته إلى الروح على أنها "متمركزة" إلى صورته الشهيرة للعقل "كحصن منيع".
    وعدم قدرة اوريليوس على إيجاد هذا التوازن بين ضبط النفس وأهميّة الاستمتاع بالحياة كان له كما سنرى عواقب وخيمة على ابنه كومودوس، وعلى الإمبراطورية نفسها. وهذا هو ثاني انتقاد رئيسي يوجَّه له.
    وهناك أيضاً من يعيب على الكتاب تكرار المواضيع نفسها، وغلبة الطابع الشخصي مقابل غياب العمق الفلسفي، وإفراط الكاتب في التفاؤل والتبسيط في مواجهة المشاعر الإنسانية التي تتّسم بالتشابك والتعقيد، وصعوبة فهم السياق التاريخي والثقافي للإمبراطورية الرومانية، الأمر الذي قد يجعل بعض أفكار الكتاب تبدو قديمة أو أقلّ قابليةً للتطبيق.
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض الاقتباسات..
    ○ اجتمع هنا أشخاص من جميع الأمم: الليغوريون واللوزيتانيون والبلياريون والزنوج واللاجئون الرومان. وإلى جانب اللهجة الدورية الثقيلة، كانت الأصوات الكلتية تهتزّ كعربات، وتضاربت نهايات الكلمات الأيونية مع الحروف الساكنة في لغة الصحراء التي بدت حادّة كعواء بنات آوى. كان اليونانيّ معروفا بجذعه النحيل، والكانتابري بساقيه العضليتين. لوّح الكاريّون بريش خوذاتهم بفخر، ورسمت على أجساد رماة الكبادوك زهور كبيرة، وتناول بعض الليديين طعامهم بملابس نسائية مع نعال وأقراط، وتزيّن آخرون باللون القرمزي وبدوا كتماثيل من مرجان.
    ومن كلّ ما حدث، يمكنك أن ترى بوضوح المخاطر التي يجب على أولئك الذين يستخدمون المرتزقة الاستعداد لها، وكذلك الفرق الكبير بين عصابة من البرابرة الفوضويين والأشخاص الذين نشأوا في مجتمع متعلّم ومتحضّر وملتزم بالقانون. ونظرا لأنهم لم يكونوا جميعا من نفس الجنسية ولا يتحدّثون نفس اللغة، فقد امتلأ المعسكر بالفوضى والشغب. في الواقع، عندما يثار غضب هؤلاء الرجال مرّة واحدة ضدّ أيّ شخص، أو عندما ينتشر الافتراء بينهم، فإنهم لا يكتفون بالحقد البشري المحض، بل ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا مثل الوحوش البرّية أو المجانين. في إس نيبول

    ○ إقرأوا لأنفسكم، اقرأوا من أجل إلهامكم، من أجل الاضطراب الجميل في رؤوسكم. واقرأوا أيضا ضدّ أنفسكم، اقرأوا من أجل التساؤل والاقرار بالعجز، من أجل اليأس وطلب المعرفة، اقرأوا الملاحظات الساخرة والجافّة للكتّاب العدميين مثل سيوران أو حتى كارل شميت. اقرأوا أعداءكم، اقرأوا حتى لأولئك الذين لا تستطيعون فهم ظلامهم أو حقدهم أو جنونهم، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستجلب لكم النموّ وتجعلكم تتجاوزون أنفسكم وتصبحون ما تتمنّون أن تكونوا عليه. مجهول

    ○ قبل أن يصل إخواننا الأوربّيون البيض ليجعلونا بشرا متحضّرين، لم يكن لدينا أيّ نوع من السجون. ولهذا السبب، لم يكن لدينا مجرمون. وبدون سجون، لا يمكن أن يكون هناك مجرمون. ولم تكن لدينا أقفال ولا مفاتيح، وبالتالي لم يكن بيننا لصوص. وعندما يكون شخص منّا فقيرا لدرجة أنه لا يستطيع تحمّل تكلفة حصان أو خيمة أو بطانية، كان يتلقّى كلّ تلك الأشياء كهديّة. كنّا غير متحضرّين لدرجة أننا لم نُعطِ أهميّة كبيرة للملكية الخاصّة. ولم نكن نعرف أيّ نوع من المال، وبالتالي فإن قيمة الإنسان لم تكن تتحدّد بثروته.
    لم يكن لدينا قوانين مكتوبة ولا محامون ولا سياسيون، وبالتالي لم نكن قادرين على الغشّ والاحتيال أو خداع بعضنا البعض. لقد كنّا في حالة سيّئة حقّا قبل وصول البيض، ولا أعرف كيف أشرح كيف تمكنّا من تدبير أمورنا بدون هذه الأشياء الأساسية التي يقولون لنا أنها ضرورية للغاية للمجتمع المتحضّر. الزعيم لام دير

    ○ الموسيقى التي تسمعها عادةً في المنزل أو في السيّارة أو حتى أثناء نزهاتك لم تكن تبدو دائما نقيّة كما يرغب في ذلك عازفو البيانو. كانت في بعض الأحيان مختلطة بأصوات مليئة بالخوف والألم واليأس، كانت أكثر من مجرّد موسيقى. مجهول
  • الأربعاء، يوليو 09، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • يركّز الرسم الصيني من منظور الكونفوشية على تمجيد فضائل الإحسان والصلاح واللياقة، والتي تجسّد القيم الأخلاقية والمثل الاجتماعية. والطاوية، بدعوتها إلى التوحّد مع الطبيعة والسعي إلى التوازن، تنبع بعمق من المناظر والعناصر الطبيعية داخل بيئة الرسم الصيني. فالجبال والأنهار وأشجار الخيزران، التي يُنظر إليها كرموز للنزاهة والمرونة والتواضع، لا تصوَّر فقط لجاذبيّتها الجمالية، بل باعتبارها تجسيدا للتعايش المتناغم بين الين واليانغ ورمزا للبحث الطاويّ عن التوازن والهدوء.
    والبوذية، بتأمّلاتها في المعاناة وعدم الثبات والتنوير، تنعكس في الرسم لتوضّح عوالم الوجود البشري والمسارات المؤدّية إلى اليقظة الروحية. وتشكّل زهرة اللوتس، التي تخرج نقيّة من الوحل، زخارف متكرّرة ترمز إلى النقاء والتنوير في خضمّ معاناة العالم.
    إن التيّارات الفلسفية المتعدّدة والكامنة في الرسم الصيني تنتج سردا يتجاوز مجرّد المتعة الجمالية، ليتحوّل الرسم إلى تساؤلات وجودية وأخلاقية وكونية. لذا فإن النظر إلى لوحة صينية يعني الدخول في حوار مع حكماء العصور القديمة والتأمّل في التشابك بين الطبيعة والروح والإبحار عبر المسارات الهادئة والحيوية للفكر الفلسفي الصيني.
    ومع كلّ ضربة فرشاة تلامس القماش، لا يُلتقط فحسب جوهر الجبال والمياه والنباتات والحيوانات فحسب، بل يتمّ الاحتفال بها والتأمّل فيها وتجسيد الاعتبارات الميتافيزيقية والجمالية العميقة. وعندما نتأمّل الجبال الضبابية والمياه المتدفّقة والزهور المتفتّحة والأشجار الوارفة في الرسم الصيني، فإننا في الأساس ننظر الى مشهد يتشابك فيه المادّي مع الميتافيزيقي، والواقع الملموس مع التأمّل الفلسفي.
    وكثيرا ما يرمز الجبل، وهو موضوع متكرّر ومهيمن في الرسم الصيني، إلى الجسر الذي يربط بين الأرض والسماء ويجسّد السعي البشري نحو السموّ الروحي والارتقاء الأخلاقي.
    أما الماء، سواء كان متدفّقا على جرف صخري أو متعرّجا عبر وادٍ هادئ، فإنه يمثّل التدفّق الأبدي للحياة والزمن ويعكس التأمّلات الفلسفية حول الوجود والتغيير وعدم الثبات. كما أنه يعكس أيديولوجية الطاوية القائمة على التسليم والمرونة، حيث يمتلك الماء، على الرغم من ليونته وقدرته على التكيّف، القوّة اللازمة لتشكيل حتى أصعب الصخور.
    وفي بتلات الأزهار المتفتّحة والأنهار المتموّجة والقمم الشاهقة في الرسم الصيني، لا يكتشف المرء وليمة بصرية فحسب، بل رحلة روحانية عبر طرق الفلسفات الصينية، وتكريما لعوالم الطبيعة الساحرة التي أشعلت بلا انقطاع خيال وروحانية الفنّانين عبر آلاف السنين.
    والخيزران أيضا له حضوره الدائم في الرسم الصيني. ولأنه ينمو بسرعة غير عاديّة ويظلّ أخضر في ثلوج الشتاء ويعيش لفترات طويلة جدّا من الزمن، فقد أصبح رمزا للحيوية والخصوبة والقدرة على التحمّل. والطريقة التي ينحني بها الخيزران تحت ضغط الرياح، من غير أن ينكسر، جعلته أيضا رمزا كونفوشيا للمسؤولين الذين يتمتّعون بالفضيلة والمرونة في أداء واجباتهم رغم ضغوط الأشخاص المتنفّذين والجماهير، ومع ذلك لا يبتعدون عن مبادئهم الأساسية المتعلّقة بالصواب والخطأ.
    وفي الرسم الصيني لا تعتبر التنانين مجرّد مخلوقات خيالية، وإنما رموز للقوّة الهائلة والخير والبركة. وعلى النقيض من التصوير الغربي لها باعتبارها كائنات مدمّرة وشرّيرة، يجسّد التنّين الصيني عادةً السلطة الإمبراطورية والحماية السماوية. لذا يخلّد الفنّانون هذه المخلوقات الأسطورية أثناء سيرها عبر الجبال والأنهار والكواكب، حاملةً سرديات القوّة والحظّ والشرعية الإمبراطورية.
    وكثيرا ما يظهر طائر الفينيق الأسطوري في لوحات الرسم الصيني كرمز للفضيلة والنعمة والرخاء. كما أن شكله الأنيق الذي يُرسم غالبا بضربات فرشاة دقيقة وألوان نابضة بالحياة، يرمز إلى جوهر الحاكم الخيري. وغالبا ما يوضع الفينيق جنبا إلى جنب مع التنّين ليشكّلا رمزية ثنائية متناغمة عن الحكم المتوازن والمزدهر.
    وفي كلّ تعبير داخل الرسم الصيني، تتداخل الأساطير والفلسفة بحيث يصبح المشهد استكشافا للكون اللامحدود وللرموز والتأمّلات الثقافية في التراث الصيني. ومن خلال الرسم أيضا، يرى المرء التقاء نابضا بالحياة بين الماضي والحاضر والمستقبل، حيث تتشابك الحكمة القديمة مع التأمّلات المعاصرة والتطلّعات المستقبلية.
    من العناصر المفضّلة الأخرى في الرسم الطاوي "خوخ الخلود" الذي يُفترض أنه مزروع من قبل إلهة قويّة في بستان غامض مخفيّ في الجبال إلى الغرب من الصين التاريخية، كرمز للخلود. وتقول القصّة أن تناول ثمرة واحدة منه يحوّل الشخص إلى حكيم طاوي يتمتّع بحياة أبدية، أو على الأقل يعيش عدّة قرون مثل أحد "الثمانية الخالدين" المشهورين في الأساطير.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • استوحى ريمسكي كورساكوف سيمفونيّته المسمّاة عنترة من حكاية عربية لسينكوفسكي. وتقول القصّة ان عنترة، عدوّ البشر المنعزل في الصحراء، أنقذ يوما غزالة من براثن طائر ضخم. وبسبب تعبه من قتال الطائر، نام منهكا. وأثناء نومه حلم أنه في قصر ملكة تدمر. ثم تبيّن له أن الملكة هي نفسها الغزالة التي أنقذها من الطائر. وكمكافأة، سمحت لعنترة أن ينال ثلاثا من أعظم قدرات الحياة: الانتقام والقوّة والحب. وقبلَ هذه الهدايا بامتنان، ثم طلب من الملكة شيئا لنفسه وسألها أن تخلّصه من حياته متى أصبحت هذه القدرات مملّة. ثم لم يلبث أن وقع في حبّ الملكة نفسها. لكنه بعد فترة شعر بالملل من حبّه لها. وهنا تحتضنه الملكة بين ذراعيها وتقبّله الى أن تتلاشى حياته تماما.
    كورساكوف دمج هذه الأسطورة في الحركة الافتتاحية، بينما خصّص الحركات الثلاث الأخرى للتعبير عن كلّ من القوى الثلاث. ويقال إن الرسّام الروسي إيليا ريبين استلهم فكرة لوحته المشهورة "إيفان الرهيب يقتل ابنه" من الإيقاعات المتغيّرة والأمزجة المفاجئة في هذه الموسيقى. هذا التسجيل للسيمفونية تعزفه أوركسترا غوتنبيرغ السيمفونية بقيادة نيمي جارفي الذي يُعتبر أحد قادة الأوركسترا المعاصرين القلائل الذين يفهمون عالم ريمسكي كورساكوف الصوتي. وجارفي يضفي حيويةً وبهجةً على جميع تسجيلاته لكورساكوف، وخاصّةً أعماله الأقلّ شهرةً.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ◦ كان بابلو نيرودا عاشقا للحياة ومولعا بكلّ شيء: بالرسم والفنّ عموما والكتب والطبعات النادرة والطعام والشراب. وكان الأكل والشرب بالنسبة له تجربة روحية وباطنية تقريبا. كان رجلا محبوبا ومفعما بالحيوية، هذا إن أغفلنا قصائده في مدح ستالين بالطبع. عاش نيرودا في عالم شبه إقطاعي، حيث كان كلّ شيء يؤدّي إلى ابتهاجه وحماسه المفرط بالحياة. وقد حالفني الحظّ مرّة بقضاء عطلة نهاية أسبوع في عزبته. كان حوله حشود من الناس يطبخون ويعملون، ودائما كان هناك عدد كبير من الضيوف.
    ذات مرّة أريته مقالا لأحدهم أزعجني وأثار حفيظتي لأنه أهانني وكذب عليّ. فقال لي: أنت ستصبح مشهورا. أريدك أن تعرف أنه كلّما ازدادت شهرتك، ازداد الهجوم عليك. مقابل كلّ مديح، سيكون هناك إهانتان أو ثلاث. أنا شخصيا عانيت من شتّى الإهانات والصفات السيّئة والعار الذي لا يمكن أن يتحمّله إنسان. لم أنجُ من واحدة من الصفات السيّئة". وكان نيرودا على حقّ، فقد تحقّقت توقّعاته تماما كما قال. ليس لديّ صندوق فحسب، بل حقائب عدّة مليئة بمقالات تحتوي على كلّ إهانة يمكن أن يتخيّلها إنسان. فارغاس يوسا

    ◦ بدأتُ أحلم بالإسبانية، وهو أمر لم يحدث من قبل. أستيقظ وأشعر كأن شيئا ما في داخلي يتغيّر؛ شيئا كيميائيّا لا رجعة عنه. هناك سحر يسري في عروقي. وهناك أيضا شيء ما في النباتات أستجيب له غريزيّا: زهور الجهنّمية الخلّابة والنباتات المزخرفة والجاكاراندا وأزهار الأوركيد التي تنمو على جذوع أشجار السيبا الغامضة.
    وأنا أحبّ هافانا بصخبها وتحلّلها وجمالها الأخّاذ. يمكنني الجلوس بسعادة على إحدى تلك الشرفات المزركشة لأيّام أو أن أؤانس جدّتي في شرفتها المطلّة على البحر. أخشى أن أفقد كلّ هذا وأن أفقد جدّتي مرّة أخرى. لكن عاجلا أم آجلا، سأضطرّ للعودة إلى نيويورك. أعرف الآن أنها المكان الذي أنتمي إليه، ليس بديلا عن هنا، بل أكثر من هنا. كيف لي أن أخبر جدّتي بهذا؟! كريستينا غارسيا

    ◦ إقلق قليلا كلّ يوم، وستخسر من حياتك بضع سنوات. إذا كان هناك خطب ما، فأصلحه إن استطعت. لكن درّب نفسك على عدم القلق، لأن القلق لا يُصلح شيئا أبدا. إذا لم تخصّص وقتا للعمل على خلق الحياة التي تريدها، فلسوف تضطر في النهاية إلى قضاء الكثير من الوقت في التعامل مع حياة لا تريدها. إرنست همنغواي

  • Credits
    chinese-temple.com
    theosophy.wiki/en

    الاثنين، يوليو 07، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • كانت الآلهة عند الاغريق تشبه البشر في مظهرها، إلا أنها تفوقهم جمالا وعظمة وقوّة. وكانت تشبههم في مشاعرهم وعاداتهم، فتتزاوج وتنجب أطفالا وتحتاج إلى غذاء يومي لتجديد قوّتها وإلى نوم منعش لاستعادة طاقتها. كما أن دمها سائل أثيريّ لامع لا يسبّب الأمراض وعند إراقته ينتج حياة جديدة.
    ويذكر الكاتب ي. م. بيرنز أن الإغريق كانوا يعتقدون أن مؤهّلات آلهتهم العقلية أعلى بكثير من مؤهّلات البشر. ومع ذلك، لم يُنظر إليها على أنها معصومة من الأهواء البشرية، بل هي مدفوعة بالانتقام والخداع والغيرة. فهي دائما تعاقب المذنب وتُنزل المصائب على أيّ بَشريّ يجرؤ على إهمال عبادتها أو احتقار طقوسها. وكثيرا ما نسمع عن زيارات الآلهة للبشر ومشاركتها ضيافتهم.
    وآلهة الاغريق ترتبط بالبشر وتتزاوج معهم، ويُطلَق على ذريّة هذه الزيجات اسم أبطال أو أنصاف آلهة، ويشتهرون عادةً بقوّتهم وشجاعتهم العظيمة. ومع وجود العديد من أوجه التشابه بين الآلهة والبشر، إلا أن الآلهة تميّزت دائما بالخلود. لكنها لم تكن محصّنة من الهزيمة، فكثيرا ما سمعنا عن إصابتها بجروح وتعرّضها للعذاب.
    ولم تكن الآلهة تعرف حدودا للزمان أو المكان، فكانت قادرة على نقل نفسها لمسافات هائلة بسرعة الفكر. كما امتلكت القدرة على إخفاء نفسها وعلى اتخاذ أشكال بشر أو حيوانات بما يناسبها. كما كان لديها القدرة على تحويل البشر إلى أشجار أو أحجار أو حيوانات وغير ذلك، إمّا عقابا لهم على آثامهم أو كوسيلة لحمايتهم من خطر وشيك. وكانت ملابس الآلهة تشبه تلك التي للبشر، لكنها أفخم وأرقّ ملمساً. وكانت أسلحتها تشبه تلك التي يستخدمها البشر، فنسمع عن الرماح والدروع والأقواس والسهام وغيرها ممّا تستخدمه الآلهة.
    وكان لكلّ إلهة عربة جميلة تجرّها الخيول أو غيرها من الحيوانات السماوية، وتنقلها بسرعة عبر البرّ والبحر حسب رغبتها. وقد عاشت معظم هذه الآلهة على قمّة جبل الأوليمب، وكان لكلّ منها مسكنها الخاص، وكانت تجتمع كلّها في مناسبات احتفالية في قاعة واحدة، حيث كانت تحيي ولائمها على أنغام القيثارة. وشُيّدت معابد فخمة لتكريمها، حيث كانت تُعبد بجلال بالغ. وقُدّمت لها هدايا سخيّة، كما قُدّمت على مذابحها الحيوانات بل والبشر أحيانا.
    ويشير بيرنز الى انه في بعض الأساطير اليونانية نلتقي ببعض الظواهر العصيّة على التفسير. فنسمع مثلا عن عمالقة مخيفين يقذفون الصخور ويقلبون الجبال ويثيرون الزلازل التي تبتلع جيوشا بأكملها. ويمكن تفسير هذه الأفكار برأيه بالتشنّجات المروّعة والمفاجئة للطبيعة التي كانت تحدث في عصور ما قبل التاريخ.
    ومثل هذه الظواهر اليومية المتكرّرة، التي نعلم اليوم أنها نتيجة لقوانين طبيعية مألوفة، كانت بالنسبة لليونانيين الأوائل موضوعا للتكهّنات الخطيرة، وكثيرا ما كانت تثير الفزع. فعندما كانوا يسمعون هدير الرعد ويرون ومضات برق قويّة مصحوبة بسحب سوداء وسيول مطرية، كانوا يعتقدون أن إله السماء العظيم غاضب فيرتجفون من غضبه. وإذا ثار البحر الهادئ فجأة وارتفعت الأمواج كالجبال العالية واصطدمت بالصخور بعنف وهدّدت البشر بالدمار، فالتفسير الوحيد لما حصل هو أن يكون إله البحر في حالة غضب عارم. وعندما كانوا يرون السماء تتوهّج بألوان النهار التالي كانوا يظنّون أن إلهة الفجر، بأصابعها الوردية، كانت تزيح حجاب الليل المظلم جانبا، لتسمح لأخيها إله الشمس، بالبدء في مسيرته الرائعة.
    ومع كلّ تجسّدات الطبيعة هذه، كانت هذه الأمّة ذات الخيال الثريّ والشاعرية الرفيعة ترى إلها في كلّ شجرة تنمو وفي كلّ جدول يتدفّق وفي أشعّة الشمس الساطعة وفي أشعّة القمر الفضّية الصافية والباردة. فمن أجل هذه الآلهة عاش الكون بأكمله وتنفّس، مأهولاً بألف شكل من أشكال النعمة والجمال.
    وهذه الآلهة كانت أكثر من مجرّد إبداع خيال شاعري. كانت على الأرجح بشرا من لحم ودم تميّزوا في حياتهم بتفوّقهم على إخوانهم البشر الآخرين في مواهب معيّنة، وبعد أن ماتوا صاروا مؤلّهين من قِبَل من عرفوهم وعاشوا بينهم. ويحتمل أن تكون الأفعال المزعومة لتلك الكائنات المؤلّهة قد تمّ إحياؤها وتضخيمها من قبل الشعراء الذين كانوا يسافرون من ولاية إلى أخرى ويحتفلون بمدحها في أغانيهم، وبالتالي أصبح من الصعب للغاية فصل الحقائق المجرّدة عن المبالغات التي تصاحب التقاليد الشفوية عادةً.
    ولتوضيح الصورة، يضرب الكاتب مثلا بأورفيوس، ابن أبوللو، المشهور بمهاراته الموسيقية الاستثنائية. ويقول: لو كان أورفيوس موجودا في عصرنا اليوم، فسنعتبره ولا شكّ من أعظم موسيقيّينا ونكرّمه على هذا الأساس. لكن الإغريق، بخيالهم الواسع وطلاقتهم الشعرية، بالغوا في تقدير مواهبه الغير عاديّة ونسبوا إلى موسيقاه تأثيرا خارقا على الطبيعة، الحيّة منها والجامدة. وهكذا سمعنا عن وحوش برّية روّضتها موسيقاه، وأنهار عاتية توقّفت عن الجرَيان وجبال تحرّكت من مكانها، متأثّرة بنغمات صوته العذب.
  • ❉ ❉ ❉


  • يتناول الفيلم الكازاخي "توميريس ملكة السهوب" قصّة الملكة الأسطورية التي اصبحت محاربة بارعة وتجاوزت مأساة مقتل عائلتها، ثم وحّدت قبائل السكيثيين تحت سلطتها. ويستند الفيلم الى قصّة المؤرّخ اليوناني هيرودوت عن مقتل الملك الفارسي كوروش الكبير خلال الحرب التي قادها ضدّ توميريس.
    كان كوروش مؤسّس الإمبراطورية الأخمينية. وفي عهده، ضمّت الإمبراطورية جميع الدول في الشرق الأدنى القديم وتوسّعت بشكل كبير. وفي النهاية غزت جزءا كبيرا من آسيا الوسطى. ومن البحر المتوسّط ومضيق الدردنيل غربا إلى نهر السند شرقا، أسّس كوروش أكبر إمبراطورية شهدها العالم حتى ذلك الحين.
    وكان السكيثيون يقطنون الأراضي الشمالية، وهم اتحاد قبائل رعوية بدوية عاشت في القرن السادس قبل الميلاد في آسيا الوسطى وشرق بحر قزوين، في أجزاء من تركمانستان وأفغانستان وغرب أوزبكستان وجنوب كازاخستان.
    بعث كوروش رسولا من عنده حمّله هدايا سخيّة الى توميريس ليقترح عليها ارسال زوجها وابنها إلى عاصمته بابل لمناقشة القضايا السياسية التي نشأت بين مملكته وقبيلتها وإبرام معاهدة سلام وتجارة بين الطرفين. وفي الحقيقة كان كوروش يريد إخضاع المرأة وقبيلتها وتحويلهم إلى تابعين له والاستعانة بفرسان القبيلة الرحّل والمعروفين ببسالتهم في الحرب لمساعدته في خطّته لغزو مصر.
    من الناحية التاريخية، لا يُعرف الكثير عن توميريس، لكن الفراغات الكثيرة في قصّتها مُلئت على ما يبدو بالكثير من الخيال والقصص الشاطحة. وبعد وفاة والدها، مارست السياسة بمهارة من أجل الحفاظ على سيطرتها على زعماء القبائل الطموحين والماكرين، بينما خاضت حروبا مع القبائل المجاورة، ومنها مملكة خوارزم.
    وفي الفيلم تصوّر توميريس على أنها زعيمة قويّة وداهية، ولكنها رحيمة، حيث أنشأت وحدة عسكرية قوية مكوّنة من آلاف النساء، ساعدت في ترجيح كفّة المعركة النهائية ضدّ الفرس.
    شخصيات الفيلم من قبيلة "الماساجيتاي" تتحدّث اللغة التركية القديمة، بينما يتحدّث الفرس اللغة الفارسية الجديدة، على الرغم من أن بعض المؤرّخين المعاصرين يعتبرون أن الماساجيتاي كانوا شعبا إيرانيا بدويّا.
    وقد راعى صنّاع الفيلم العديد من سمات ثقافة وحياة تلك القبائل، ولا سيّما قبّعاتهم المدبّبة واجتماعاتهم القبلية التي كانت تُحلّ فيها أهمّ القضايا. واختيرت ألميرا تورسين، وهي عالمة نفس، من بين 15 ألف شخص لأداء دور توميريس، بعد أن تلقّت دروسا احترافية في ركوب الخيل والرماية وتعلّمت استخدام السيوف والسكاكين. أما دور كوروش فقد اختير للعبه الممثّل السوري غسّان مسعود.
    ومن الملاحظ أن المؤرّخ الذي يظهر من وقت لآخر في الفيلم وهو يروي الاحداث ليس هيرودوت، بل مؤرّخ ذو مظهر عربي تقريبا، مع أنه ليس من المؤكّد ما إذا كان مؤرّخون عرب قد سمعوا أو كتبوا شيئا عن توميريس.
    الجدير بالذكر أن الفيلم حقّق نجاحا كبيرا عند عرضه، لدرجة أن اسم توميريس اُطلق على الكثير من الفتيات اللاتي وُلدنَ مؤخّرا في كازاخستان.
    خلال عصر النهضة، أصبحت توميريس شخصية شائعة في الفنّ والأدب الأوروبّي. وقد رسمها، من بين آخرين، روبنز وغوستاف مورو. كما ورد ذكرها في أقدم مسرحيات شكسبير، الملك هنري السادس، باعتبارها "ملكة السكيثيين".
  • ❉ ❉ ❉

  • يُوصف فريتس تاولو بأنه أهم فنّان انطباعي نرويجي. وهو ابن عمّ الرسّام ادفارد مونك وصهر بول غوغان وصديق أوغست رودان وبيير بوفي دي شافان وإميل دوران. كما كان أيضا صديقا مقرّبا لكلود مونيه. وقد شجّع تاولو مونيه على السفر معه إلى النرويج لرسم بعض مشاهدها الثلجية في عام 1895.
    ولد تاولو عام 1847 في كريستيانيا "أوسلو اليوم" لأب ثريّ كان يعمل كيميائيّا. وتلقّى تعليمه في أكاديمية الفنون في كوبنهاغن لمدّة عامين، ثم ذهب الى المانيا لدراسة الرسم حيث بقي هناك عاماً. كان دائم الترحال كما توحي لوحاته. فقد سافر بعيدا عن موطنه الإسكندينافي وتجوّل في ألمانيا وانغلترا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا. وأمضى صيف عام ١٨٨٥ يرسم ضواحي فينيسا، وفي السنة التالية عَرض في أوسلو خمسة أعمال فينيسية لاقت استحسانا كبيرا. ومن الواضح انه انجذب الى هذه المدينة بشدّة بدليل عودته اليها مرّتين بعد ذلك.
    وقبل ذلك، أي في مستهلّ سبعينات القرن التاسع عشر، ذهب إلى باريس التي كانت وقتها مركزا للفن العالمي ومقصدا لطلاب الفنون من جميع الجنسيات. وكانت تحتضن عددا كبيرا من الفنّانين النرويجيين المغتربين. وفيها اتقن تاولو مهارة الرسم في الهواء الطلق.
    ومن الملاحظ أن أسلوبه كان أقرب إلى أسلوب الرسّامين الواقعيين الفرنسيين منه إلى أسلوب الانطباعيين، مع أنه كان مهتمّا مثلهم بالألوان والضوء. وفي باريس عرضَ بعض لوحاته عن سواحل البحر والحياة البحرية ولقيت استقبالا متباينا، لكن كانت تلك فرصته لاكتساب معرفة جيّدة بالرسم.
    لطالما كان تاولو رجلا واثقا من نفسه ومتفائلا. وكانت إحدى نقاط قوّته كرسّام قدرته الفائقة على تصوير جوهر المياه الجارية، في الأنهار أو الجداول. كما كان بارعا في رسم مشاهد الشتاء. وقد صوّر انطباعاته الشخصية عن مناظر الطبيعة النرويجية وابتكر شكلا جديدا من الرسم الانطباعي. وحظيت أعماله بتقدير كبير من الجمهور النرويجي ومن الصحافة التي أشادت ببراعته وشاعرية لوحاته.
    ولو دقّقت في صوره المائية فسيلفت انتباهك إحساسه الرائع بالحركة والتدفّق. وبحسب بعض النقّاد، كان يتمتّع بفهم عميق وفطريّ للماء وكيفية تموضعه في المشهد الطبيعي. كما كان بارعا في التلاعب بحالات وخصائص الماء المختلفة. ولهذا تبدو المياه في صوره واقعية وديناميكية.
    كان تاولو أيضا من أوائل الفنّانين الذين رسموا في مستوطنة سكاين للفنّانين في النرويج. وقد أقام هناك أشهرا مع صديقه الرسّام كريستيان كروغ. وأثناء إقامته في سكاين رسم عددا من اللوحات للصيّادين والقوارب الراسية على الشاطئ.
    ومن الغريب أن تاولو غير معروف كثيرا اليوم. ولوحاته، رغم جمالها، تباع عادةً بأسعار لا تتجاوز المائة ألف دولار أمريكي، وهو سعر لا يقارَن بما يجنيه زملاؤه الأكثر شهرةً من العصر الانطباعي.
    توفّي الرسّام عام ١٩٠٦ بسبب مضاعفات مرض السكّري عن عمر يناهز التاسعة والخمسين، وذلك أثناء رحلة له إلى هولندا لرسم المدن والمناظر الطبيعية الهولندية. وتُعرض لوحاته اليوم في أهمّ المتاحف في الولايات المتحدة وفرنسا والدول الاسكندينافية.

  • Credits
    greek.mythologyworldwide.com