:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، ديسمبر 02، 2005

أساطير قديمة: الإنسان الفرَس

طبقا للأساطير اليونانية القديمة، ينحدر الإنسان الفرس أو القنطور من سلالة إكسيون، ولهذا المخلوق الغريب رأس وصدر إنسان بينما يأخذ نصفه السفلي هيئة الفرس.
وفي الأساطير المتأخّرة كان القنطور يظهرون بقرون أو أجنحة أو كليهما معا.
وتقول الأسطورة إن قبيلة القنطور كانت تعيش في جبال ثيسالي وتتغذّى على اللحوم. وأصبحت ترمز إلى الظلام والى قوى الطبيعة الجامحة.
وتمثل جماعات القنطور إحدى أهم الأساطير الإغريقية التي عاشت زمنا طويلا وُخلدت من خلال الأعمال الأدبية والفنية في العصور الوسطى.
ونشأت الأسطورة على الأرجح كـرمز لفرس كانت محلّ تقديس إحدى القبائل اليونانية البدائية في عصور ما قبل التاريخ.
وتظهر الرسومات القديمة المحفورة على الكهوف صورة للإنسان الفرس شبيهة بصورة الشيطان.
وقد ثبت في ما بعد عدم صحّة النظرية التي تقول إن شخصية القنطور تعكس نظرة بعض القبائل البدائية إلى الفرس باعتباره كائنا شريرا. إذ الثابت أن الحصان كان يحظى على الدوام بمكانة محترمة عند اليونان طوال فترات تاريخهم.
وتقول بعض المصادر إن شيرون، أحد كبار القنطور، كان معروفا بحكمته وبقدراته العجيبة في الشفاء وموهبته في الصيد والموسيقى. أما اتباعه فتصوّرهم الأساطير بصورة مناقضة تماما، إذ كانوا يتّسمون بالفظاظة وبإسرافهم في شرب الخمر.
وتحفل الفنون اليونانية حتى اليوم برسومات تصوّر المعارك العنيفة التي كانت تجري بين الإنسان ومخلوقات القنطور.
ويستخدم بعض الكتّاب صورة القنطور ليرمز إلى الطبيعة المزدوجة للإنسان.
وفي العصور الوسطى ساءت صورة القنطور كثيرا إذ كانوا ُيصوّرون باعتبارهم كائنات شيطانية!
ومع ذلك ظلت هذه الشخصية تتمتّع بالشعبية في أوساط الأدباء والفنانين، ربّما بسبب النفوذ الكبير الذي لعبته الآداب اليونانية في الثقافة الغربية.
وإحدى اشهر القصص عن جماعة القنطور تتحدّث عن سلوكهم المشين في إحدى حفلات الزواج، إذ عندما أسرفوا في الشراب حاولوا اغتصاب العروس، ما أدّى إلى نشوب معركة عنيفة قتل خلالها الكثيرون منهم فيما ُطرد الباقون من بيوتهم وأراضيهم.
وفي تلك المعركة بالذات قتل كبيرهم شيرون الذي كان أكثرهم احتراما وتبجيلا. فقد كان يلعب دور المعلم للكثير من أبطال الإغريق مثل جيسون وهرقل وأخيل وسواهم.
بعض علماء الانثروبولوجيا يرجعون اصل أسطورة القنطور إلى قبيلة إغريقية عاشت في الأزمنة السحيقة وكانت تتّخذ من الفرس طوطماً Totem لها.
وثمّة نظرية أخرى تقول إن ظهور أسطورة الإنسان الفرس يرتبط بثقافة قبائل إغريقية قديمة لم تكن تعرف ركوب الدوابّ. وعندما رأى أفرادها لاول مرّة بدوا مترحّلين يمتطون الجياد نشأت في أذهانهم صورة مشوّشة لكائن نصفه إنسان ونصفه الآخر فرس.
المعروف تاريخيا انه أمكن ترويض الخيول وركوبها لاول مرّة في السهوب الجنوبية لاسيا الوسطى، وبالتحديد في ما ُيعرف اليوم بكازاخستان.
لكن مؤخّرا عثر علماء الآثار على رسومات للقنطور على الصخر في بعض أنحاء استراليا وجنوب أفريقيا. ويقول علماء استراليون وبريطانيون إن من المرجّح أن تكون تلك المخلوقات قد عاشت فعلا مع القبائل البدائية جنبا إلى جنب قبل ما يزيد عن 32 ألف سنة.
وتوصّل أولئك العلماء إلى استنتاج يقول إن مخلوقات الإنسان الفرس كانت تعيش بالفعل في أزمنة موغلة في القدم، وانه يصعب تصوّر أن يرسم البدائيون أشياء لم يشاهدوها أو يروها رأي العين.
ويؤكّد بعض علماء الطب والتشريح، اعتمادا على التجارب الجينية، إمكانية ولادة مخلوقات هجينة نتيجة الاتصال الجنسي بين الإنسان وبعض الحيوانات وهو سلوك كان شائعا بكثرة في ثقافات الشعوب البدائية. ويسوق العلماء أمثلة عديدة لحالات موّثقة عن بشر ولدوا بملامح حيوانية أو العكس.
في روايات الفانتازيا الحديثة، تغيّرت صورة القنطور من كونهم جماعات متوحّشة لا تشيع سوى الفوضى والخراب، ليصبحوا مخلوقات تتصّف بالانضباط والشرف وتمارس نفس الوظائف التي ُتنسب للحيوانات.
وقد عاد القنطور أو الإنسان الفرس إلى الظهور مجدّدا في الفنّ والأدب خاصةً في روايات الفانتازيا والخيال العلمي. وتحفل أعمال جون فاليري و جاك تشوكر و وولتر جون وليامز بالكثير من شخصيات الإنسان الفرس.

الثلاثاء، نوفمبر 29، 2005

أساطير قديمة: محاربات الأمازون

"رأيتُ جيوش اوتريوس معسكرةً على ضفاف نهر سانغاريوس. تحالفتُ معهم تارةً وتارةً مع الامازونيات. كنّ يحاربن كالرجال، لكن جيش العدوّ كان يفوقهنّ عددا وعدّة".
برايام ملك طروادة (إلياذة هوميروس)

رغم انتشار أسطورة محاربات الامازون عبر الكثير من ثقافات العالم فإنها في الأساس جاءت من الأساطير الإغريقية شأن معظم الأساطير.
والمعروف أن قصّة المسلسل التلفزيوني الشهير زيـنا Xena مستوحاة أصلا من هذه الأسطورة.
لكن اصل كلمة أمازون Amazon غير معروف على وجه الدقّة، غير أن هناك اعتقادا شائعا بأن البادئة a في الكلمة تعني بدون و mazos تعني ثدي. ومما يدعم هذا الاعتقاد أن ثمّة أسطورة تقول بأن المرأة الأمازونية كانت تقطع أحد ثدييها لكي تسهّل على نفسها مهمّة الرمي بالسهام.
ومن الناحية التاريخية، اشتهرت مقاتلات الامازون بأنهن كنّ نساءً في غاية الجمال والفتنة، أو هذا على الأقل ما تؤكّده الرسومات القديمة التي كانت تصوّر معاركهن ضد الإغريق.
وكانت الامازونيات يتدرّبن على استخدام كافّة الأسلحة خاصة في القتال المنفرد. وكنّ يتّصفن بالشرف والشجاعة. كما كنّ يمثّلن ثورة على فكرة الجنس أو ما ُيعرف اليوم بالجندر.
وانتشرت حكاياتهنّ بسرعة واصبحت القصص التي تتحدّث عن بسالتهن وإقدامهن تُروى في كلّ مكان، من أفريقيا إلى آسيا وأوربّا وأمريكا الجنوبية.
والمعروف أن نهر الامازون اخذ اسمه من اسم أولئك النساء المحاربات.
وتعتبر أسطورة نساء الامازون جزءا مهمّا من الثقافة الإنسانية. فقد كانت قصصهنّ اقدم رمز لخوف المجتمع من فكرة الأنوثة. وكانت نساء الامازون يشكّكن في نظام الحياة نفسه. وكنّ، بمعنى ما، ثورة ضدّ الأدوار الاجتماعية التقليدية المناطة بالجنسين. ولم يكنّ يسمحن بأن يُعاملن بأقلّ مما كان ُيعامل به الرجال.
في الأدب الإغريقي القديم هناك الكثير من الإشارات عن نساء الامازون. فقد أتى هوميروس على ذكرهن في الإلياذة وأثنى على شجاعتهن وإتقانهن لفنون القتال. كما أن هناك إشارات متفرّقة عنهن في أعمال سترابو و بلوتارك و هيرودوت واركتينيوس الذي روى حكاية مقتل زعيمتهن بنثيسيليا على يد أخيل.
وجميع هذه المصادر الأدبية والتاريخية تتضمّن إشارات إلى المعركة المسمّاة "أمازونوماكي" والتي الحق فيها الإغريق الهزيمة النهائية بالامازونيات.
ويتفق معظم المؤرّخين على أن المستوطنات الأصلية لمقاتلات الامازون كانت في منطقة البحر الأسود. وتقول مصادر أخرى إن مستوطناتهن امتدّت حتى ليبيا وشبه جزيرة الأناضول جنوبا وحتى منغوليا وأوراسيا غربا.
ويقول هيرودوت المؤرّخ اليوناني إن وجود الامازونيات كان محصورا ضمن اليونان نفسها. بينما يقول آخرون إنهن لم يكنّ في واقع الأمر غير جنود ذكور جاءوا من بلاد فارس وكانوا يحلقون لحاهم ويرتدون ملابس النساء في المعارك.
وأحد الأسئلة المحيّرة يتعلّق بالطريقة التي استطاع فيها مجتمع يتكوّن من النساء بشكل كامل من البقاء والاستمرار على مرّ أجيال وربّما قرون عديدة.
واكثر النظريات ترجيحا تشير إلى أن الامازونيات كنّ يتصلن برجال من أراض بعيدة، وعندما يولد لهن أولاد ذكور يقمن بإرسالهم إلى آبائهم فيما يحتفظن بالإناث عندهن ويربّينهن على طريقتهن الصارمة.
ومما لا شكّ فيه أن الامازونيات كنّ مقاتلات عنيفات. وفي الكثير من المناسبات شكّلن تهديدا خطيرا لـ أثينا. وكان الإغريق يخشون بأسهنّ. أما ما يقال عن تعطّشهن للدماء فمسألة ظلّت مثارا للكثير من الأخذ والردّ.
وقد ظلّ المؤرّخون ينظرون إلى الامازونيات نظرتين متباينتين: إمّا باعتبارهنّ ظاهرة ميثولوجية محضة وإما بالنظر إليهنّ بحسبانهن مزيجا من الميثولوجيا المطعّمة بشواهد آثارية واقعية تدلّل على حقيقة وجودهنّ في حقبة تاريخية معيّنة تعود بداياتها، كما يقول علماء الآثار، إلى العصر البرونزي.
ومنذ سبع سنوات فقط توصّل العلماء إلى اقتناع مفاده أن نساء الامازون لم يكنّ ظاهرة أسطورية بحتة اعتمادا على الحفريات وأعمال التنقيب التي كشفت عن رسومات وتماثيل وأشكال فنّية تصوّر جانبا من ثقافتهن وأسلوب الحياة السائد في العصر الذي عشن فيه.

الأحد، نوفمبر 27، 2005

أساطير قديمة: الجواد المجنّح

"سابح هو في الفضاء دوما، وفور أن تلامس قوائمه الأرض تضج غناءً وحبورا. ووقع حوافره على الأرض اكثر موسيقية من بوق هيرميز إله الُطرُق والتجارة"
- ويليـام شكسبــير

تقول الأسطورة القديمة إن برسيوس عندما قطع رأس "ميدوسا" سال دمها وغاض في الأرض لينبت منه الجواد المجنّح الرائع.
كانت ميدوسا في ذلك الزمان اجمل امرأة على وجه الأرض.
ويذكر جزء آخر من الأسطورة اسم زيوس باعتباره أبا للجواد المجنّح.
وتقول الميثيولوجيا اليونانية إن الجواد المجنّح كان يذرع الأرض جيئة وذهابا قبل أن يتوقّف على قمة جبل الاوليمب.
وفي أحد الأيام وبمجرّد أن لامست حوافره الأرض انبجست من تحتها أربعة ينابيع تشكلت منها "ميوسيس" آلهة الشعر والموسيقى الإغريقية.
قامت مينيرفا بالإمسـاك بالجواد المجنّح وقدّمته إلى ميوسيس. ولانه اصبح قريبا من آلهة الشعر والموسيقى فقد اصبح الجواد المجنّـح في خدمة أهل الشعر والأدب والفنون.
يقول شيـلر الشاعر الألماني إن الجواد المجنّح بيع إلى أحد المزارعين فقام الفلاح باستخدامه في فلاحة الأرض وزراعتها.
لكن الجـواد لم يكن مؤهلا للقيام بتلك المهمة فهو لم يألف سوى الشعر والفن، فتقدم إلى سيّده شاب طلب منه ركوبه. وما أن اعتلى الشاب ظهره حتى طار به الجواد إلى السماء بكلّ عظمة وجلال.
كان الجواد المجنّح عصيّا على كلّ محاولات ترويضه حتى استطاع بيريلوفون الإمساك به وترويضه بسهولة "طبعا بمساعدة الإلهة"!
وبفضل الجواد الطائر استطاع مروّضه قتل "شيميرا" الوحش الشرّير الذي كان ينفث النار من فمه، كما هاجم الامازونيات، وهنّ محاربات شرسات يجدن إطلاق وتصويب السهام، كما انزل الهزيمة بالقبائل البدائية المعادية.
ومع مرور الوقت كان الجواد المجنّح يعيش في سعادة وهناء، واصبحت بطولاته موضوعا أثيرا للاغاني والأناشيد.
لكن سيّده لم يقنع بالعزّ والجاه الذي كسبه من وراء ترويض الجواد وتطويعه.
كانت تساور بيليروفون الغبي رغبة أخرى: أن يصبح إلها! "يعني من قلة الآلهة"!
وفي أحد الأيام ركب على ظهر الجواد وتوجّه إلى قمة الاوليمب. عندما أدرك زيوس ما كان ينوي بيليروفون فعله أرسل في إثرهما ذبابة سامّة لدغت الجواد، ما أدّى إلى اختلال توازنه وسقوط سيّده من ذلك الارتفاع الشاهق!
ظل بيليروفون يهيم على وجهه في الأرض طوال ما تبقى من حياته مصابا بالعمى والعرج!
وأينما ذهب كان يقابل بالرفض والنبذ إلى أن مات وحيدا، جزاءً وفاقا له على عصيان أوامر الآلهة!
لكن ماذا كان مصير الجواد نفسه؟!
تقول الأسطورة انه خلافا لمصير سيّده البائس، ُسمح للجواد المجنّح بأن يقضي بقية حياته في جبل الأوليمب بحضور الآلهة!
وُعهد إليه بمهمة جلب البرق والرعد للإله زيوس أقوى آلهة اليونان. كما استخدمته اورورا "آلهة الشفق القطبي" مرافقا لها في مسيرها عبر السماء عند الفجر.
كان الجواد بالإضافة إلى رشاقته وتناسق أعضائه يخلي الجنود الجرحى من ميدان المعركة ويسهم في مجهود الحرب!
كذا تقول الأساطير اليونانية وعلينا طبعا أن نصدّقها!
واليوم يحظى الجواد المجنّح بالتكريم والاحترام على أفعاله المجيدة في الأرض والسماء!
فإحدى شركات الطيران لم تجد افضل من اسم الجواد المجنّح (Pegasus) لتطلقه على جيل جديد من الطائرات العمودية التي تصنعها.
وتحمل إحدى المجرّات البعيدة اسم (Pegasus) تيمّنا بالجواد المجنح. وتقع المجرّة في الجزء الشمالي من السماء بالقرب من برج الدلو.
وعلى أطراف تلك المجرّة يقع مثلث "اندروميدا"، الأميرة الحبشية الجميلة التي تقول الأساطير الإغريقية إن غولا شدّها بالسلاسل إلى جرف جبلي ليسهل عليه ابتلاعها قبل أن ينقذها "بيرسيوس" ويقتل الغول ويتزوّجها.