"رأيتُ جيوش اوتريوس معسكرةً على ضفاف نهر سانغاريوس. تحالفتُ معهم تارةً وتارةً مع الامازونيات. كنّ يحاربن كالرجال، لكن جيش العدوّ كان يفوقهنّ عددا وعدّة".
برايام ملك طروادة (إلياذة هوميروس)
رغم انتشار أسطورة محاربات الامازون عبر الكثير من ثقافات العالم فإنها في الأساس جاءت من الأساطير الإغريقية شأن معظم الأساطير.
والمعروف أن قصّة المسلسل التلفزيوني الشهير زيـنا Xena مستوحاة أصلا من هذه الأسطورة.
لكن اصل كلمة أمازون Amazon غير معروف على وجه الدقّة، غير أن هناك اعتقادا شائعا بأن البادئة a في الكلمة تعني بدون و mazos تعني ثدي. ومما يدعم هذا الاعتقاد أن ثمّة أسطورة تقول بأن المرأة الأمازونية كانت تقطع أحد ثدييها لكي تسهّل على نفسها مهمّة الرمي بالسهام.
ومن الناحية التاريخية، اشتهرت مقاتلات الامازون بأنهن كنّ نساءً في غاية الجمال والفتنة، أو هذا على الأقل ما تؤكّده الرسومات القديمة التي كانت تصوّر معاركهن ضد الإغريق.
وكانت الامازونيات يتدرّبن على استخدام كافّة الأسلحة خاصة في القتال المنفرد. وكنّ يتّصفن بالشرف والشجاعة. كما كنّ يمثّلن ثورة على فكرة الجنس أو ما ُيعرف اليوم بالجندر.
وانتشرت حكاياتهنّ بسرعة واصبحت القصص التي تتحدّث عن بسالتهن وإقدامهن تُروى في كلّ مكان، من أفريقيا إلى آسيا وأوربّا وأمريكا الجنوبية.
والمعروف أن نهر الامازون اخذ اسمه من اسم أولئك النساء المحاربات.
وتعتبر أسطورة نساء الامازون جزءا مهمّا من الثقافة الإنسانية. فقد كانت قصصهنّ اقدم رمز لخوف المجتمع من فكرة الأنوثة. وكانت نساء الامازون يشكّكن في نظام الحياة نفسه. وكنّ، بمعنى ما، ثورة ضدّ الأدوار الاجتماعية التقليدية المناطة بالجنسين. ولم يكنّ يسمحن بأن يُعاملن بأقلّ مما كان ُيعامل به الرجال.
في الأدب الإغريقي القديم هناك الكثير من الإشارات عن نساء الامازون. فقد أتى هوميروس على ذكرهن في الإلياذة وأثنى على شجاعتهن وإتقانهن لفنون القتال. كما أن هناك إشارات متفرّقة عنهن في أعمال سترابو و بلوتارك و هيرودوت واركتينيوس الذي روى حكاية مقتل زعيمتهن بنثيسيليا على يد أخيل.
وجميع هذه المصادر الأدبية والتاريخية تتضمّن إشارات إلى المعركة المسمّاة "أمازونوماكي" والتي الحق فيها الإغريق الهزيمة النهائية بالامازونيات.
ويتفق معظم المؤرّخين على أن المستوطنات الأصلية لمقاتلات الامازون كانت في منطقة البحر الأسود. وتقول مصادر أخرى إن مستوطناتهن امتدّت حتى ليبيا وشبه جزيرة الأناضول جنوبا وحتى منغوليا وأوراسيا غربا.
ويقول هيرودوت المؤرّخ اليوناني إن وجود الامازونيات كان محصورا ضمن اليونان نفسها. بينما يقول آخرون إنهن لم يكنّ في واقع الأمر غير جنود ذكور جاءوا من بلاد فارس وكانوا يحلقون لحاهم ويرتدون ملابس النساء في المعارك.
وأحد الأسئلة المحيّرة يتعلّق بالطريقة التي استطاع فيها مجتمع يتكوّن من النساء بشكل كامل من البقاء والاستمرار على مرّ أجيال وربّما قرون عديدة.
واكثر النظريات ترجيحا تشير إلى أن الامازونيات كنّ يتصلن برجال من أراض بعيدة، وعندما يولد لهن أولاد ذكور يقمن بإرسالهم إلى آبائهم فيما يحتفظن بالإناث عندهن ويربّينهن على طريقتهن الصارمة.
ومما لا شكّ فيه أن الامازونيات كنّ مقاتلات عنيفات. وفي الكثير من المناسبات شكّلن تهديدا خطيرا لـ أثينا. وكان الإغريق يخشون بأسهنّ. أما ما يقال عن تعطّشهن للدماء فمسألة ظلّت مثارا للكثير من الأخذ والردّ.
وقد ظلّ المؤرّخون ينظرون إلى الامازونيات نظرتين متباينتين: إمّا باعتبارهنّ ظاهرة ميثولوجية محضة وإما بالنظر إليهنّ بحسبانهن مزيجا من الميثولوجيا المطعّمة بشواهد آثارية واقعية تدلّل على حقيقة وجودهنّ في حقبة تاريخية معيّنة تعود بداياتها، كما يقول علماء الآثار، إلى العصر البرونزي.
ومنذ سبع سنوات فقط توصّل العلماء إلى اقتناع مفاده أن نساء الامازون لم يكنّ ظاهرة أسطورية بحتة اعتمادا على الحفريات وأعمال التنقيب التي كشفت عن رسومات وتماثيل وأشكال فنّية تصوّر جانبا من ثقافتهن وأسلوب الحياة السائد في العصر الذي عشن فيه.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .