:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، مارس 21، 2013

جنكيز خان: سيرة حياة

جنكيز خان هو إحدى الشخصيّات المحورية في التاريخ. وما أن يُذكر اسمه حتى يستدعي إلى الذهن بعض ألقابه الكثيرة كقاهر العالم وذئب السهوب وامبراطور الأباطرة. كان زعيما عبقريّا ومؤسّس إمبراطورية كانت مساحتها ضعفي مساحة روما.
في فترة مراهقته، كان جنكيز مختبئا في احد الكهوف الجبلية النائية هربا من أعدائه. ومع ذلك تمكّن في النهاية من تأسيس إمبراطورية شاسعة وغيّر مسار تاريخ العالم كلّه. ومن اجل تأمين فتوحاته، أبقى ورثته على خبر موته الغامض عام 1227 سرّا. كما أحيط قبره وكنوزه المتخيّلة بستار من الكتمان، ما أدّى إلى انتشار العديد من التكهّنات والقصص المثيرة.
المؤرّخ والرحّالة البريطاني جون مان يحاول في هذا الكتاب بعنوان حياة جنكيز خان وموته وانبعاثه أن يحقّق طموحا رافقه طوال أكثر من ثلاثة عقود عندما كان يرغب في السفر إلى مكان ما بعيد جدّا. وبدا أن منغوليا هي ذلك المكان المنشود. وقبل أن يبدأ رحلته تعلّم المنغولية وقرأ أشياء كثيرة عن حياة جنكيز خان. رحلات مان المتعدّدة في أرض المغول أنتجت هذا الكتاب المدعوم بمصادر كثيرة، بالإضافة إلى روايات المؤلّف الخاصّة عن ملاحظاته ومشاهداته هناك.
بالنسبة للمسلمين والأوروبّيين والروس اليوم، لم يكن جنكيز خان أكثر من شخص قاتل قام بإبادة الملايين من البشر. غير أن الصينيين يقدّسونه كمؤسّس لسلالة يوان، والمغول ينظرون إليه باعتباره الوالد الروحيّ لأمّتهم.
المؤلّف يخصّص احد فصول الكتاب بعنوان "صناعة نصف إله" للحديث عن زيارته إلى اوردوس في منغوليا الداخلية حيث يقوم ضريح جنكيز خان. في هذا الجزء من أرض المغول، مرّ جنكيز بأهمّ وأغرب فترات تحوّله، عندما تحوّل من زعيم بربريّ إلى ما يشبه الإله.
يؤكّد الكاتب على أن فتوحات القائد المغوليّ صاغت روابط جديدة بين الشرق والغرب وأعادت ترتيب الأديان الرئيسية وأثّرت على الفنون وكرسّت أنماطا وطرقا جديدة للتجارة.
ومن المدهش أن جنكيز ما يزال يتمتّع بكلّ هذا الحضور بعد مرور أكثر من ثمانمائة عام على وفاته. الإمبراطورية التي شيّدها وصلت إلى أوج صعودها في عهود خلفائه. لكنّها تفتّتت في ما بعد إلى كيانات منفصلة ومتوزّعة على أراضي الصين وآسيا الوسطى وبلاد فارس وروسيا.
لكن في مسقط رأسه، منغوليا، يُحاط اسم جنكيز خان بأعلى مظاهر الاحترام والتبجيل. وحشيّته وعنفه نسيهما الناس في غمرة حماسهم القومي الممزوج بقدر غير قليل من التملّق. وهم يرفعون صوره ويحتفلون بعيد ميلاده ويردّدون اسمه بمختلف الأشكال، بدءا من أغاني البوب الحديثة إلى زجاجات النبيذ والفرق الرياضية والمعاهد والمدارس.
يقول جون مان إن ضريح جنكيز خان ليس ضريحا حقيقيا، فهو لا يضمّ جثمانا. والذي يُكرّم هنا هو روح جنكيز من خلال مزيج من الطقوس البوذية والشامانية، وفي الضريح يقوم تمثال من الرخام طوله أربعة أمتار يصوّر جنكيز وهو جالس ويداه على ركبتيه، بينما يتوافد إليه المصلّون وهم يحرقون عصيّ البخور ويهمهمون بالدعاء له والترحّم عليه!
طفولة جنكيز لم تكن مختلفة كثيرا عن طفولة غيره من الناس. لكن الحادثة غير العادّية التي طبعت بواكير شبابه كانت إقدامه، وهو في سنّ الثالثة عشرة، على قتل أخيه أثناء خصومة بسبب طائر ميّت. ومن الواضح أن الرجل الذي ظهر في ما بعد أصبح شخصا قاسيا ومخطّطا بارعا مع فهم عميق للسياسة الواقعية وإيمان غير عاديّ بقَدَره.
جون مان هو مؤلّف عدّة كتب أخرى عن الصين أحدها عن صحراء غوبي، وثان عن سيرة الإمبراطور قبلاي خان، وآخر عن تاريخ السور العظيم. ومان هو أوّل غربيّ يزور الوادي الذي شهد موت جنكيز خان. كما انه احد الأشخاص القليلين الذين تمكّنوا من تسلّق الجبل الذي يقال إن جنكيز دُفن فوق قمّته.
هذا الكتاب الممتع والمليء بالتفاصيل تُرجم إلى ثمان عشرة لغة. والمؤلّف يمزج فيه بين السرد التاريخي والتجربة الشخصية في محاولته إعادة جنكيز خان وعالمه إلى الحياة من جديد.