:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، يونيو 20، 2018

رسالة الزعيم


كان "سياتل" احد أشهر زعماء الهنود الحُمر في أمريكا في القرن التاسع عشر. وكانت له مكانته الرفيعة بين أفراد قبيلته المسمّاة "سوكواميش". كان معاصروه يلقّبونه بـ "الرجل الكبير" لشجاعته وحكمته. وقد أُسميت مدينة سياتل في ولاية واشنطن على اسمه.
وكثيرا ما يقترن اسم هذا الزعيم برسالة مشهورة بعثها عام 1854 إلى الرئيس الأمريكيّ وقتها فرانكلين بيرس بعد أن طلب منه الأخير أن يبيع بعض أراضي قومه إلى المستعمرين الأوربّيين الجدد.
وقد ردّ الزعيم سياتل على ذلك الطلب بهذه الرسالة التي أصبحت مشهورة جدّا، وفيها يدعو بيرس إلى احترام حقوق شعبه من السكّان الأصليين وإلى الحفاظ على البيئة الطبيعية والحياة الفطرية في مناطقهم.

"استلمنا خطابكم الذي تُبدون فيه رغبتكم بشراء بعض أراضينا. لكن كيف يمكنك أن تبيع أو تشتري السماء أو الأرض؟!
إن فكرتكم تبدو لنا غريبة. فإذا لم تكن تملك الهواء أو الماء، فكيف بإمكانك أن تشتريهما؟ إن كلّ ذرّة من هذه الأرض مقدّسة بالنسبة لشعبي. كلّ شجرة صنوبر، وكلّ شاطئ رمليّ، وكلّ قطرة ندى في غابة، وكلّ مرج، وكلّ طائر وحشرة لها قدسيّتها في حياة وذاكرة شعبي.
إننا نعرف نسَغ الحياة الذي يسري في أديم كلّ شجرة في أرضنا كما نعرف الدم الذي يجري في عروقنا. ونحن جزء من هذه الأرض وهي جزء منّا. إن الأزهار والدببة والغزلان والنسور العظيمة، هذه كلّها بمثابة إخوة لنا. وقمم الجبال والندى في المروج والجياد البرّية والإنسان، كلّها تنتمي إلى نفس العائلة.
إن الماء الذي يجري في الجداول والأنهار ليس ماءً فقط، بل هو دماء أسلافنا الأوّلين. فإذا تعيّن علينا أن نبيعكم بعض أرضنا فيجب أن تتذكّروا أنها مقدّسة، وأن خرير مياه أنهارنا هو صدى لأصوات أسلافنا الأقدمين، وأن كلّ قطرة ماء صافية في بحيرة أو نهر أو جدول تتضمّن حدثا أو ذكرى في حياة شعبي.
إن الأنهار جزء لا يتجزّأ منّا وهي لنا بمثابة الأمّ الرءوم، فهي تروي عطشنا وتحمل قواربنا وتُطعم أطفالنا. لذا يجب أن تمنحوها الحبّ الذي تمنحونه لأيّ أخ أو قريب.
وإذا توجّب علينا أن نبيعكم بعض أرضنا فتذكّروا أيضا أن الهواء ثمين جدّا بالنسبة لنا، وأن روحه كامنة في جميع أشكال الحياة التي يدعمها.
إن الرياح هي التي منحت جدّنا الأكبر نفخة الحياة الأولى، وهي أيضا التي استقبلت أنفاسه الأخيرة، وهي التي تمنح أطفالنا روح الحياة. لذا إذا بعناكم بعض أرضنا، فيجب أن تحافظوا على قدسيّتها كمكان يمكن للإنسان أن يذهب إليه كي يتنفّس عبير الرياح المعطّرة بأزهار المروج.
هل ستعلّمون أطفالكم ما علّمناه نحن لأطفالنا؟ أن الأرض أمّنا وأن ما يحلّ بها يحلّ بكافّة أبنائها؟
إننا نعرف أن الأرض لا تنتمي إلى الإنسان، بل الإنسان هو الذي ينتمي إلى الأرض، وأن جميع الأشياء مرتبطة ببعضها كالدم الذي يوحّدنا جميعا، وأن الإنسان لم ينسج بنفسه خيوط شبكة الحياة، بل هو فقط خيط منها. وأيّا كان ما يفعله بهذه الشبكة، فإنه يفعله بنفسه.
إننا نعلم أن إلهنا هو نفس إلهكم وأن الأرض ثمينة وعزيزة عليه، وإلحاق أيّ أذى بها هو احتقار لخالقها.
إن قدَركم غامض بالنسبة لنا. فما الذي سيحدث عندما تُذبح جميع الجواميس وتُروَّض أو تُصطاد جميع الجياد البرّية؟
وما الذي سيحدث عندما تختلط الأطراف الخفيّة في الغابات بروائح بشر كثيرين، وعندما تحاط التلال اليانعة بالأسلاك الشائكة؟ ما الذي سيحلّ بالأدغال وأين ستذهب النسور؟ ستختفي! وستكون تلك نهاية الحياة والأحياء.
عندما يختفي آخر هنديّ احمر من على هذه الأرض وتصبح ذكراه الوحيدة هي ظلّ غيمة تتهادى فوق البراري، هل ستبقى هذه الشطآن والغابات هنا؟ وأيّ اثر سيبقى من أرواح شعبي؟
إننا نحبّ هذه الأرض كما يحبّ الطفل الرضيع ثدي أمّه. لذا إن اضطُررنا لأن نبيعكم بعض أرضنا فنرجو أن تحبّوها كما أحببناها، وأن تهتمّوا بها كما اهتممنا بها، وأن تحفظوا في عقولكم ذكرى هذه الأرض وتحافظوا عليها كما استلمتموها.
حافظوا عليها من اجل جميع الأطفال وأحبّوها كما يحبّنا الله".

Credits
patheos.com