:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، مارس 18، 2006

قصاصات ورق

يحدث أحيانا أن يقرأ الواحد منّا في كتاب أو صحيفة معلومة في مجال ما قد تكون مفردة في اللغة أو مصطلحا أو تعبيرا ما، فيحسّ بأن ما قرأه ينطوي على فائدة و يشكّل إضافة إلى مخزونه المعرفي، فيعمد إلى تسجيل وحفظ ما قرأه للعودة إليه مستقبلا إذا تطلّب الأمر.
والمصطلحات والإشارات التالية هي عبارة عما كنت قد سجّلته في قصاصات مبعثرة وجدت نفسي أعود إليها في مناسبات مختلفة. وقد أفادتني كثيرا خصوصا في مجال ترجمة النصوص من العربية إلى الإنجليزية.
وتصبح الفائدة مضاعفة عندما ندرك أن القواميس المتخصّصة لا تتضمّن دائما كلّ ما يطمح المترجم أو القارئ المواظب إلى معرفته من صيغ وأسماء وأساليب ومصطلحات.
مثلا هناك النصوص الدينية التي تتطلب معرفة أسماء الأنبياء والمصطلحات المتعلقة بالفقه والشرائع.
من السهل، على سبيل المثال، أن نعرف ترجمة اسم موسى أو عيسى أو إبراهيم أو يوسف بالإنجليزية. لكن ماذا عن أسماء غيرهم من الأنبياء الأقل تداولا؟
أحيانا يصعب علينا أن نحفظ بعض الأسماء دون أن ندوّنها. لولا التدوين ما عرفتُ مثلا أن اسم النبي هود بالإنجليزية هو Heber، وصالح Methuselah، وشعيب Jethro، وأيوب Job، وذي الكفل Ezekiel، ويونس Jonah، وادريس Enoch، والياس Elijah، ويحيى John ، إلى آخره.
وهناك أسماء أعلام ترد في النصوص الدينية مثل قابيل Cain، وهابيل Abel، ويهوذا الاسخريوطي Judas Iscariot، والخلفاء الراشدين Orthodox Caliphs .. وهكذا.
وثمّة أسماء ذات دلالات دينية يحسن تدوينها والإلمام بها، مثل المجوسية Mazdaism، والكونفوشيوسية Confucianism، والشنتو أي الديانة الرسمية لليابان Shintoism، والصدقة Voluntary alms، والخراج Land tax، والفئ التي يقابلها بالإنجليزية State land، والإفتاء Free Legal Opinion، والفقيه Eminent Jurist، وتفسير القرآن Quranic Exegesis، والفقه Jurisprudence، وغنائم الحرب Spoils of war، والزكاة Poor rate، والجزية Capitation tax، وابن السبيل Wayfarer، وامتناع الكهّان عن الزواج Priestly celibacy، والطرد من الكنيسة Excommunication، والزهد Asceticism، والجبرية أو القول بالقضاء والقدر Fatality، وإخوان الصفا Brethren of sincerity ..
وهناك أسماء الدّول والمدن والأماكن القديمة مثل بلاد الرافدين Mesopotamia، والحبشة Abyssinia، ويافا Jaffa، وعكا Acre، والناصرة Nazareth، ودولة بني العباس Abbasids، والأمويين Umayyads، وانطاكية Antioch، والمدائن Ctesiphon، واللاذقية Laodicea، وتدمر Palmyra، وقشتالة Castile، وطنجة Tangier، والبتراء Petra، وطبريا Tiberias، وصور Tyre، والديانة الزارادشتية Zoroastrianism، واشبيلية Seville، وصيدا Saidon، ومملكة السومريين Sumerian kingdom، ومملكة حمير Himyarite kingdom، ومملكة الأنباط Nabatean kingdom، والغساسنة Ghassanids، والفاطميين Fatimids، والبطالسة Ptolemies، وقرطاج Carthage، والهلال الخصيب The Fertile Crescent، والمرابطين Almoravids، والموحدين Almohads، والفينيقيين Phoenicians، والاكادييين Akkadians، والكلدانيين Chaldeans، والقسطنطينية Constantinople، والسلاجقة Seljuks، والمماليك Mamelukes، والقياصرة الروس Tsars، والصفويين Safavids، وقوم سدوم وعمّورية Sodom and Gomorra، والكنعانيين Canaanites، والآشوريين Assyrians ، والسومريين Sumerian، ومحاكم التفتيش Inquisitions .. الخ.

وهناك المصطلحات المستخدمة في الأحياء والطبيعة التي يصعب على من ليس متخصّصا في العلوم حفظها واسترجاعها وقت الحاجة، مثل التمثيل الضوئي Photosynthesis، والجرف أو الصدع القاري Continental drift، والعصر ما بعد الجليدي Post-glacial epoch، والفقاريات Invertebrates، والحيوانات آكلات النبات Herbivores، وآكلات اللحوم Carnivores ..
ثم هناك أسماء الأعلام التي لا تخلو كتابتها وتهجئتها من صعوبة ومن ثمّ تحتاج إلى تدوين مثل اسم سكرتير الأمم المتحدة الأسبق داغ همرشولد Dag Hammarskjold، والفيلسوف الألماني نيتشه Nietzsche، واسم الكاتب الروسي الكسندر سولشنيتزن Alexandr Solzhenitsyn ..
وهناك أسماء الأعلام والأماكن والآثار المرتبطة بالحضارات القديمة مثل الفرعون مينا Menes، وخوفو Cheops، وأحمس Amasis، ونبوخذنصر Nebuchadnezzar، ونيرون Nero، وتيمورلنك Tamerlane، وقورش Cyrus، وملوك الفرنجة Frankish kings، ونهر سيحون Oxus، وجيحون Jaxatres، وورق البردي Papyrus، والتحنيط Embalming، والنجاشي Negus، ودارا ملك الفرس Darius of Persia، وقمبيز ابن الملك قوروش Cambyses، والكتابة المسمارية Cuneiform، وشرائع حمورابي Hammurabi's Code Of Law، واتيلا ملك الهون Attila The Hun، وشارليمان Charlemagne، وعصر النهضة الأوربية The Renaissance، وعصر التنوير The Enlightenment ..
وهناك أسماء العلماء العرب القدامى مثل ابن رشد Averroes، وابن سينا Avicenna، وابن الهيثم Alhazen، وابن زهر Avenzoar، وموسى ابن ميمون Moses Maimonides، وابن طفيل Abubacer، وسواهم..
كما يحسن الإلمام بتلك المصطلحات والمفردات المشتقّ بعضها من اللاتينية والتي تتردّد يوميا تقريبا في نشرات الأخبار، مثل طريقة العيش أو أسلوب الحياة Modus vivende، والتفويض المطلق Carte blanche، ومجلس الثورة أو ما يعبّر عنه في أدبيات السياسة العربية بالطغمة العسكرية Junta، والوضع الراهن Status quo، ورصاصة الرحمة Coup de grace، وسياسة حافة الهاوية Brinkmanship Policy، ومجموعات العمل البحثية المستقلة Think tanks، والقائم بالأعمال في سفارة Charge d'affair، وروح الجماعة Esprit de corps، وعملية القولبة الإعلامية السلبية Stereotyping، والشيطنة أي التعامل مع الآخر باعتباره عدوّا أو شيطاناDemonization ، والاسلاموفوبيا أو ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام Islamophobia . ومؤخرا شاع استخدام مصطلح Eurabia في وسائل الإعلام الغربية في معرض الحديث عن مستقبل أوربا في ظل تنامي أعداد المسلين الذين يعيشون هناك ورفضهم الاندماج في الثقافة الأوربية.
وأختم بقصاصة أخيرة تتضمن ثلاثة مصطلحات جديدة نسبيا لكنها دخلت الخطاب السوسيولوجي والإعلامي بقوّة في الفترة الأخيرة..
وأولها هو مصطلح الـ Spin doctor ، ولعلّ افضل ترجمة له هي الفقيه الإعلامي، وهو خبير تستعين به الحكومة لاقناع الرأي العام فيها بصوابية معالجتها لقضية أو مشكلة ما. كما تطلق التسمية على خبراء الدعاية الذين يروّجون أو "يبيعون" شخصا ما للجمهور. ومثال ذلك استعانة مارغريت ثاتشر بشركة "ساتشي اند ساتشي" للترويج لحملتها الانتخابية، واستعانة بيل كلينتون برجل الإعلام والدعاية المشهور ستيفانوبولوس ليقود حملته الانتخابية. ومهمّة الفقيه الإعلامي تقوم على فهم عميق لاتجاهات الناس وأساليب تفكيرهم واكتشاف طريقة إقناعهم بهذه الفكرة أو بذلك الشخص.
أما المصطلح الثاني فهو التشـيّؤ Reification، وهو مصطلح ابتدعه الناقد المجري جورج لوكاتش، ويعني تحوّل العلاقات بين البشر إلى ما يشبه العلاقات بين الأشياء ومعاملة الناس باعتبارهم مجرّد وسيلة للتبادل وليس اكثر.
والمصطلح الثالث هو التسلّع Commodification اشتقاقا من كلمة سلعة، وهو مصطلح يشير إلى أن السلعة هي الشيء الأعظم والنموذج الكامن في رؤية الإنسان للكون ولذاته ولعلاقاته مع الآخر والمجتمع. ومن ثم لا بدّ من تحويل العالم إلى حالة السوق وربطه مع ظروفها ومتغيّراتها.

الاثنين، مارس 13، 2006

في التسامح بين الأديان

لقد صار قلبي قابلا كلّ صورة‏‏
فمرعى لغزلان ودير لرهبـان‏‏
وبيت لأوثان وكعبـة طائف‏‏
وألواح توراة ومصحف قرآن‏‏
أدين بدين الحبّ أنّى توجّهت‏‏
ركائبه فالحب ديني وإيمانــي‏‏
- محيي الدين بن عربي

شاهدتُ على إحدى القنوات التلفزيونية منذ أيّام تحقيقا مصوّرا من مدينة بنغالور الهندية، ظهر فيه آلاف من الرجال والنساء وهم يطوفون حول تمثال ضخم لامرأة، بينما انشغل البعض منهم في سكب كميّات هائلة من الحليب والعسل على رأس التمثال وذقنه وصدره وهم يردّدون أناشيد وأدعية دينية.
وقد فهمت ممّا أورده التحقيق أن تلك المجموعة تنتمي إلى طائفة من طوائف الهندوس الكثيرة يسمّون بـ "الجيـن Jainism " يحجّون إلى ذلك المكان المقدّس مرّة كل ثلاث عشر سنة ليطهّروا أنفسهم من الذنوب ويطلبوا البركة من كبير الآلهة.
وقد خطر بذهني وأنا أتابع ذلك المنظر المهيب أن الحجّ كعادة طقوسية موجود في كافة الأديان تقريبا. ثمّة دائما من يحجّ، حيناً إلى تمثال وأحيانا إلى بناء أو صرح أو معلم ما. وهناك منّا من لا يتردّد في وصف هذا النوع من الطقوس بالوثنية وغياب العقل. مع أن العقل نفسه يقف عاجزا أحيانا عن استيعاب أو فهم بعض الطقوس التي يمارسها اتباع الديانات التوحيدية الكبيرة. حتى الوثنية تعتبر مفهوما نسبيا وفضفاضا برغم ما ترسّخ في وعينا الجماعي عن هذه المفردة من دلالات لغوية وفلسفية بالغة السلبية.
داروين وأتباع نظرية النشوء والارتقاء يزعمون أن البشر، إذ يحجّون، إنما يترسّمون خطى أسلافهم من القرود التي أدّت جماعة منهم الحجّ قبل حوالي خمسين مليون عام، وان الحجّ بمعناه العام يتضمّن فكرة العودة إلى الأسلاف والتوق إلى الماضي والحنين إلى الأمكنة التي درج عليها الأقدمون. وفي هذه الطقوس رمز للاتصال بالماضي والتطهّر والتسامي والتحوّل النفسي والروحي ومحاولة التحرّر من الإحساس بالغربة في هذا العالم الفاني.
ومنذ يومين قال لي صديق ونحن نتناقش في هذا الموضوع أن هناك طائفة أخرى من الهندوس دأب أفرادها على أداء فريضة حجّ خاصة بهم مرّة في السنة. وهؤلاء يتوجّهون إلى المكان المخصّص لحجّهم بشعور طويلة ولحى كثة منسدلة على بطونهم. بل وحتى أعضاؤهم التناسلية – يقول الصديق - يمكن رؤيتها بوضوح وهي تتدلّى من تحت تلك الأسمال البالية التي يشدّونها على خصورهم قبل أن يتخفّفوا تماما من لباسهم لحظة وصولهم إلى النهر المقدّس.
وعندما يصل الموكب إلى وجهته يقوم رجال الشرطة بفرض طوق على المكان يوفّر الحماية للحجاج ويمنع عنهم نظرات المتطفّلين والدخلاء.
طبعا لو أخضعنا هذه الحالة لتفسيرات داروين وجماعته لقالوا لنا إن نبذ هؤلاء للباس وتعمّدهم المشي وهم عراة فيه أيضا مضاهاة لحياة الأسلاف الذين كانوا يعيشون على الفطرة ولا يكادون يجدون ما يسترون به عريهم أو يسدّ جوعهم.
خلاصة الكلام أن جميع الأديان والعقائد تستند إلى نظم وشعائر وتعبيرات سلوكية غاية في التركيب والتعقيد تشكّلت عبر مئات أو آلاف السنين، وورثها اتباع تلك الديانات جيلا بعد جيل. وهي وإن تباينت في مظاهرها وتجلياتها إلا أنها تلتقي في النهاية عند كونها تعبيرا عن حاجة الفرد لاثراء تجربته الروحية من خلال ربطها بقوّة أو قوى ميتافيزيقية عُليا.
إننا لو ولدنا في الهند لكنّا الآن هندوسا نحجّ إلى تمثال تلك المرأة العارية ونصبّ على رأسها الحليب والعسل، ولو ولدنا في الصين أو التيبت لكنّا اليوم على دين بوذا ذلك الرجل الطيّب، لان المرء على دين أبيه وأسلافه.
هذه الاختلافات والتمايزات بين الأديان تفرض على البشر أن يكونوا اقل دوغماتية وتعصبّا لدياناتهم الخاصّة وأن يكونوا اكثر انفتاحا وتسامحا مع اتباع الديانات الأخرى، وأن يتفهّموا حقّ كل إنسان في اختيار الطريق المناسب الذي يعتقد انه يوصله إلى الحقيقة.