:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، أبريل 11، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • اسم اللوحة التي فوق "ڤيللا على شاطئ البحر" للفنّان السويسري أرنولد بوكلين من القرن التاسع عشر. وهي واحدة من سلسلة من اللوحات التي تتناول نفس الفكرة مع بعض التعديلات المعمارية البسيطة. وقد عاد بوكلين مرارا لرسم هذه الڤيللا كموضوع، ربّما لارتباطها في ذهنه بذكرى معيّنة أو حادثة ما.
    في الصورة، يظهر شاطئ وأشجار حُور طويلة ومبنى مهجور. وبين الأشجار رواق مظلّل تعلوه تماثيل تطلّ على الأمواج. وهناك امرأة وحيدة، يمكن أن تكون راهبة، ترتدي فستانا أبيض وشالاً أسود وتقف على الشاطئ بينما تتأمّل البحر. ونفس هذه المرأة المنعزلة تظهر في بقيّة لوحات السلسلة، لكن بمظهر مختلف نوعا ما.
    كان بوكلين يميل لرسم الڤيللات الرومانية وغيرها من المناظر الطبيعية في إيطاليا تمشيّا مع الذوق الفنّي السائد آنذاك. و"ڤيللا على شاطئ البحر" تتّسم بغموضها، إذ لا يوجد ما يدلّ على هويّة المرأة ولا سبب وجودها في هذا المكان. وقد تعمّد الرسّام استحضار دلالات مختلفة في هذا العمل الذي يوحي بالحزن والزوال والكآبة.
    ويقال إن هتلر، ولأسباب غير معروفة، استولى على إحدى هذه اللوحات كغنيمة حرب وأضافها لمجموعته الخاصّة. وظهرت اللوحة في صورة فوتوغرافية خلف الزعيم النازي في إحدى المناسبات.
    بعض النقّاد يرون بأن هذه اللوحات ربّما لم تكن قريبة إلى قلب الفنّان بمثل قرب أعماله الأكثر غموضا وقوّة والتي يُعرف بها بوكلين اليوم عن جدارة مثل سلسلة "جزيرة الموتى". وهذه الأخيرة تذكّر بمقبرة فلورنسا الإنغليزية القريبة من مرسمه، حيث دُفنت ابنته. ويقال إن امرأة أرملة هي التي كلّفته برسم أولى لوحات تلك السلسلة وأن تكون ذات أجواء غامضة وحالمة.
    السؤال: لماذا يعود الفنّان إلى رسم نفس الموضوع أكثر من مرّة؟ هناك أكثر من سبب، أحيانا لاستغلال إمكانات موضوع معيّن على أكمل وجه، أو ببساطة لأنه منجذب الى الموضوع. لكن على الأرجح فإن ڤيللا بوكلين هذه تعبّر عن مكان خاص جدّا وخيالي أكثر منه واقعي. وربّما يكون لرسمها مرارا سحر غامض جعل الڤيللا أكثر واقعيةً بالنسبة له.
    رسم أرنولد بوكلين خلال حياته مجموعة واسعة من الأعمال، بما في ذلك المناظر الطبيعية والبورتريهات والأعمال الرمزية. وتتّسم لوحاته عموما بطابعها الحالم والخيالي، وغالبا ما تتضمّن شخصيات ومشاهد غامضة من الأساطير اليونانية.
    تلقّى الفنّان تدريبا في الرسم في أكاديمية دوسلدورف، ثم ذهب الى أنتويرب وبروكسل، حيث نسخ أعمال المعلّمين الفلمنكيين والهولنديين. ثم قصد باريس وعمل في متحف اللوڤر ورسم العديد من المناظر الطبيعية. وفي مارس ١٨٥٠ ذهب إلى روما. كانت معالم العاصمة الإيطالية بمثابة حافز جديد لعقله، حيث أدخل تأثيرات جديدة وشخصيات رمزية وأسطورية في لوحاته. وفي عام ١٨٥٦، عاد إلى ميونيخ وأقام فيها أربع سنوات.
    تأثّر بوكلين بالرومانسية وكثيرا ما مزج صوره المستمدّة من الأساطير بجماليات ما قبل الرفائيلية. والعديد من أعماله تقدّم تفسيرات خيالية للعالم الكلاسيكي أو تصوّر مواضيع أسطورية في بيئات تتضمّن عمارة قديمة. وغالبا ما تستكشف تلك اللوحات الموت والفناء بشكل مجازيّ وفي سياق عالم خيالي وغريب. وأخيرا، ترك بوكلين تأثيرا كبيرا على الحركة الرمزية ولا تزال أعماله تحظى بشعبية كبيرة في أكثر من مكان.
  • ❉ ❉ ❉

  • في كتابه الموسوم "قبل أن تبرد القهوة"، يوصي توشيكازو كاواغوتشي قارئه بأن يحاول ما استطاع ان يهدأ قليلا وينتزع نفسه من زحمة الحياة وصخبها ويستمتع بجمال الطبيعة وحميمية القهوة، وبذا يخلق لنفسه لحظات من الصفاء تستحقّ أن يتذكّرها في قادم الايّام.
    والكتاب عبارة عن رواية عن مقهى في طوكيو يوفّر لزبائنه فرصة السفر عبر الزمن الى الوراء، شرط أن يفعلوا هذا قبل أن تبرد قهوتهم. وهذه العودة قد تكون لرؤية أناس رحلوا عنّا أو لتصحيح أخطاء أو لاستكمال أشياء لم تُنجز كما ينبغي أو بما فيه الكفاية.
    يتضمّن الكتاب أربعة فصول، يروي كلّ منها قصّة شخص سافر عبر الزمن لسبب مختلف. والغاية ليست تغيير الحاضر، بل لاستدعاء الذكريات. ويمكن اعتبار الكتاب تأمّلا معمّقا في قِصَر الحياة وأهميّة عيشها بعزيمة وهدوء. كما انه يدعو القارئ إلى التأمّل في نفسه والتفكير في تأثير تجارب الماضي على مساره كشخص وعلى سلامته النفسية. كما يحثّ القارئ على قبول التغيير وتنمية القدرة على التحمّل وبناء حياة ذات معنى.
    كتاب كاواغوتشي أصبح من أكثر الكتب مبيعا في اليابان والعالم. والدرس العميق الذي يقدّمه هو اننا لا نستطيع تغيير الماضي، لكن يمكننا الاستفادة من دروسه لإثراء الحاضر والمستقبل.
    من العبارات الجميلة في الكتاب: لا تؤجّل شيئا إلى وقت لاحق. لاحقا، تبرد القهوة وتفقد الاهتمام ويتحوّل النهار إلى ليل ويكبر الناس ويشيخون. لاحقا، تمضي الحياة وتندم على عدم فعل شيء عندما سنحت لك الفرصة لفعله.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • في عام 1971، ذهب ملك أفغانستان محمّد ظاهر شاه للصيد في منطقة غابات شمال شرق البلاد. وأثناء الصيد، عثر بشكل غير متوقّع على أنقاض مستوطنة قديمة. وبعد ثلاث سنوات، بدأت مجموعة من علماء الآثار الفرنسيين بالحفر في الموقع. وما وجدوه كان أحد أهم وأكبر الاكتشافات في التاريخ القديم: بقايا قصر ضخم بالإضافة إلى صالة ألعاب رياضية ومسرح كبير وترسانة ومعبدين. كما عُثر على العديد من النقوش والعملات المعدنية والتحف والأواني الخزفية.
    وقد سُمّي المكان "إي خانوم"، الذي يعني سيّدة القمر باللغة الأوزبكية. وهو يتمتّع بجميع سمات المدينة اليونانية الكلاسيكية. في البداية، كان يُعتقد أن الموقع هو بقايا مدينة الإسكندرية، إحدى المدن العشرين التي بناها الإسكندر الأكبر في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد. لكن أظهرت الحفريات اللاحقة أن المدينة بُنيت في الواقع عام 260 قبل الميلاد على يد أحد ملوك الإمبراطورية السلوقية. وقد أدّى نشوب الحرب السوفياتية الأفغانية في أواخر السبعينيات إلى توقّف عمليات الحفر. وخلال الصراعات التي أعقبت ذلك في أفغانستان تعرّض الموقع للنهب والتخريب عددا من المرّات.
  • ❉ ❉ ❉

  • من أقوال أحد زعماء الهنود الحمر:
    عندما نريد قتل نبات أو شجرة أو حيوان، يجب أوّلا أن تكون هناك حاجة ماسّة لذلك. ثم يجب أن نستأذن من المخلوق ونشكره. ويجب أن تقام الصلوات والرقصات وغيرها من الطقوس لمزيد من الشكر للكائنات التي قُتلت ولمساعدة الأحياء منها على النموّ والتكاثر. وعندما نحفر الجذور أو نبني المنازل، فإننا نصنع ثقوبا صغيرة. ونهزّ أشجار الجوز والصنوبر ولا نقطعها. ولا نستخدم سوى الخشب الميّت.
    نؤمن أنه عندما يموت إنسان، هناك جسر يتعيّن عليه عبوره ليدخل الجنّة. وعلى رأس الجسر ينتظر كلّ حيوان أو طائر قابله الإنسان في حياته. والحيوانات، بناءً على معرفتها بهذا الشخص، تقرّر أيّ البشر يُسمح لهم بعبور الجسر وأيّهم يُمنع.
    لكن المستعمرين يقتلون الحيوانات والطيور بلا رحمة ويدمّرون الأرض ويقتلعون الأشجار دون اهتمام. تقول لهم الشجرة: لا تفعلوا، أنا أتألّم، لا تؤذوني!". لكنهم يقطعونها. روح الأوربّي تكره الطبيعة. إنهم يفجّرون الأشجار أو يقطعونها، وهذا يؤلمها. الهنود لا يؤذون شيئا، لكن البيض يدمّرون كلّ شيء. كيف لروح الأرض أن تحبّ الأوربّي؟! أينما حلّ هؤلاء، هناك ألم".
  • ❉ ❉ ❉

  • تمكّن محارب ساموراي من الهرب على ظهر حصانه أثناء معركة مع رجال عشيرة أخرى. وأثناء فراره مع جنده، عبروا نهرا فسقط قوس الساموراي في الماء بفعل ركض الحصان القويّ. واستدار ليرى قوسه وهو يطفو، فأوقف حصانه. لكن جنوده صاحوا به أن يتركه، لأن لا وقت لديه للمخاطرة بحياته من أجل قوس. لكن الساموراي لم يكترث بنصحهم وترجّل عن حصانه وخاض في الماء باحثا عن قوسه.
    وفيما بعد قال لجنده: القوس ليس مجرّد خشب وخيوط، بل ثمرة لمئات الساعات من الجهد والعرق الذي بُذل لصنعه. وتركه خلفك سيكون بمثابة عمل لا يليق بمحارب وسيصبح ما فعلته عارا لا يُغتفر عليك وعلى عشيرتك.
    انتهت القصّة هنا. والسؤال: كم من الأشياء التي نتركها وراءنا دون تفكير لأننا لا نعرف قيمتها؟!

  • Credits
    arnoldbocklin.org
    smithsonianmag.com

    الأربعاء، أبريل 09، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • في إحدى القرى البعيدة، عاش الأهالي حياة بسيطة ومتواضعة. كان كلّ منهم متحفّظا ومنشغلا بتأمين رزقه. لكن ذات يوم هطلت أمطار غزيرة ومفاجئة. فلجأ القرويون على عجل إلى حانة قريبة. وداخل الحانة، كان هناك أيضا رجل غريب. وعلى الرغم من أنه لم يكن مبلّلاً، إلا أنه كان ينظر إلى أسفل وكأنه يخفي شيئا.
    امتلأ الجزء الداخلي من الحانة بالضحكات المصحوبة بصوت المطر. ونسي أهل القرية سلوكهم المتحفّظ والصامت المعتاد، وأخذوا يتبادلون الأحاديث والمزاح ونمت بينهم علاقة حميمية غامضة. ووجد الرجل الغريب نفسه منجذباً إلى الدائرة. وعندما عُرض عليه مشروب، شعر ببعض الراحة والاسترخاء. ثم تمتم قائلاً: هذه القرية تتغيّر عندما تمطر، أليس كذلك؟"
    في النهاية، عندما توقّف المطر، ودّع أهل القرية بعضهم البعض، حاملين مشاعر دافئة في قلوبهم. وقال الرجل الغريب وهو يغادر: دعونا نلوذ بملجأ يحمينا كلّما أمطرت السماء".
    كانت تلك الكلمات تحمل معنى أكبر من مجرّد تحيّة. كانت تذكيرا لأهل القرية بالروابط التي تشكّلت بينهم أثناء تواجدهم في ملجأ المطر وبأهميّة دعمهم لبعضهم البعض مستقبلا.
    لكن بعد أن غادر الرجل، ارتفع ثانية جدار رقيق بين أهل القرية. نسي الجميع الحميمية اللحظية وعادوا إلى حياتهم اليومية الصامتة. فكّر الرجل بألم أن ملجأ المطر في القرية يشير إلى رابطة عابرة، وليس ارتباطا عميقا. وربّما كانت هذه هي الطبيعة الحقيقية لأهل القرية. الناس يجتمعون بسبب المطر، ولكن في لحظة سطوع الشمس يبدأون في المشي كلّ في مساره المنفصل.
  • ❉ ❉ ❉

  • كان المعلّم يحبّ رسم الأسماك ولا يتحمّل أن يراها تُقتل وتُؤكل. لذلك كثيرا ما كان يدفع مالاً للصيّادين مقابل تحرير الأسماك التي اصطادوها. وذات يوم، نام المعلّم أثناء الرسم ورأى في الحلم انه تحوّل الى سمكة وبدأ يلعب مع الأسماك الأخرى في النهر.
    وعندما استيقظ، رسم لوحة للسمكة التي حلم بها. وفيما بعد مرض المعلّم، وبينما كان فاقدا للوعي، منحه إله البحر رغبته في أن يحوّله الى سمكة، مكافأة له على إنقاذه العديد من الأسماك خلال حياته. ولكن عندما أصبح المعلّم سمكة، أمسك به أحد أصدقائه وأكله. وهنا عاد المعلّم إلى جسده البشري ليواجه الصديق الذي أكله ولينتقم منه!
  • ❉ ❉ ❉

  • عُرف سقراط بشجاعته وحكمته في كلّ ما قاله. وكان أيضا عظيما في صمته. كان الوحيد الذي أقرّ لنفسه أنه لا يعرف شيئا.
    يقول نيتشه: أنا معجب بشجاعة سقراط وحكمته، هذا الوحش الساخر عازف المزمار الأثيني، الذي جعل أكثر الشباب غطرسة يرتجفون ويبكون. لم يكن فقط أعقل ثرثار على مرّ العصور، بل كان عظيما بنفس القدر في الصمت.
    تمنّيت فقط لو أنه ظلّ صامتا أيضا في لحظات حياته الأخيرة، لربّما حاز مرتبة أعلى روحيّا. لقد ذهب إلى موته بالهدوء الذي كان يغادر به المنتدى عند الفجر، وأصبح المثل الأعلى الجديد لشباب أثينا من النبلاء".
  • ❉ ❉ ❉



    ❉ ❉ ❉

  • لم يكن الرسّام الروسي كازيمير ماليفيتش ملتزما بالمعايير الفنّية السائدة في زمانه، بل ابتكر تقنيات ثورية ألهمت أجيالا متعاقبة من الفنّانين في جميع أنحاء العالم. وما تزال أعماله تحظى بتقدير كبير حتى بعد مرور سنوات عديدة على رحيله.
    ومن لوحات ماليفيتش المعروفة "رجل إنغليزي في موسكو" التي رسمها عام 1914. ورغم أنها ليست لوحة تجريدية بحتة كأعمال ماليفيتش اللاحقة ذات الملمح "التفوّقي"، إلا أنها تتميّز بتركيز واضح على التجريد والأشكال الهندسية وتمتليء بالنصوص والرموز. فهناك، مثلا، سمكة وسيف معقوف وشمعة وسلّم وسهم أحمر وملعقة حمراء. كما تتضمّن اللوحة أجزاءً من كلمات روسية مثل "جزئي" و"كسوف الشمس".
    وبعض النقّاد يرون أنه قد لا يكون هذا المزيج من الأشياء والكلمات مترابطا، وقد تعني جميعها شيئا ما أو يفترض أنها توحي بشيء. المعروف أن ماليفيتش تأثّر بالأدباء الروس الطليعيين، وقد ضمّن نصوصا روسية ومقاطع نصّية واستعارات في لوحتين له على الأقلّ غير هذه.
    لكن من هو "الرجل الإنغليزي" الذي يظهر في اللوحة مرتديا قبّعة عالية ومعطفا، ونصف وجهه مغطّى بسمكة بيضاء؟! أحد النقّاد يشير الى أن ماليفيتش يروي قصّة رحلة إنغليزي ذهب في زيارة الى موسكو. وفي هذه الحالة، فإن التفاصيل في الصورة تشير إلى ما قد يكون لاحظه هذا الرجل هناك، أي عام 1914، وبالتحديد قبل ثلاث سنوات من الثورة الروسية.
    ويضيف أن العنوان يشير إلى قصاصات بصرية للأشياء التي لاحظتها عين هذا الأجنبي أثناء زيارته. والكلمات المجزّأة والمختلطة تصبح منطقية عندما يلاحظها شخص لا يفهم اللغة. والسيف المعقوف يبدو روسيّ الطراز، وهو شيء يمكن أن يلاحظه أجنبي ويعتبره غريبا.
    لكن هناك أشياء أخرى في اللوحة لا يمكن تفسيرها بسهولة. مثلا لماذا يلفت انتباه رجل إنغليزي في موسكو مرأى سمكة بيضاء أو شمعة مضاءة مثلا؟! يبدو ان الصورة تشير الى عناصر لغز معقّد ومن الصعب تفسيره.
    بالإضافة إلى استلهام ماليفيتش الكولاج التكعيبي، ربّما استوحى أيضا شيئا من أسلوب جورجيو دي تشيريكو الذي كان معاصرا له. لكن هناك من يقول إن الإنغليزي ليس إنغليزيا بالضرورة، بل يمكن أن يكون مجرّد استعارة تجمع الشرق بالغرب والمدينة بالريف.
    وأيّا ما كان معنى اللوحة، وسواءً كانت الأشياء غير ذات صلة على الإطلاق أو تحمل نوعا من المعنى الرمزي، يبدو أن "الإنغليزي" في العنوان هو بريطانيّ بلا اسم ويرتدي ملابس أنيقة، وقد جاء إلى موسكو ليراقبها بعيون أجنبي.
    ومع أن المعنى الكامن وراء اللوحة غير مؤكّد ومثير للجدل، إلا أن البعض يعتقد أنها ربّما كانت تعكس شغف ماليفيتش بثقافات أوروبّا الغربية.
  • ❉ ❉ ❉

  • سنموت وهذا ما يجعلنا محظوظين. فمعظم الناس لن يموتوا أبدا لأنهم لن يولدوا أبدا. الأشخاص الذين كان من الممكن أن يكونوا هنا في مكاني لكنهم في الواقع لن يروا نور النهار، يفوقون عدد رمال شبه الجزيرة العربية. ولا شكّ أن هؤلاء الأشباح الذين لم يولدوا يضمّون شعراء أعظم من كيتس وعلماء أعظم من نيوتن.
    نعرف هذا لأن مجموع الأشخاص المحتملين الذي يسمح به حمضنا النووي يفوق بكثير مجموع الأشخاص الحقيقيين. وفي مواجهة هذه الاحتمالات المذهلة، أنا وأنت، في طبيعتنا العادية، نحن هنا. نحن القلّة المتميّزة الذين ربحنا يانصيب الميلاد رغم كلّ الصعاب، كيف نجرؤ على التذمّر من عودتنا الحتمية إلى تلك الحالة السابقة التي لم تنهض منها الغالبية العظمى أبدا؟ ريتشارد دوكينز
  • ❉ ❉ ❉

  • لأنني كسول جدّا وأبعد ما أكون عن الطموح
    تركتُ العالم يدبّر أموره.
    في حقيبتي أرزّ يكفيني عشرة أيّام
    وحزمة أغصان بجانب المدفأة.
    لماذا أتحدّث عن الوهم والتنوير؟!
    أجلسُ مسترخيا
    منصتاً إلى مطر الليل على سطح منزلي
    وساقاي ممدودتان. ريوكان

  • Credits
    kazimir-malevich.org

    الاثنين، أبريل 07، 2025

    أصول التنّين


    من الغريب أن التنّين هو الحيوان الوحيد، من بين اثني عشر كائنا في الأبراج الصينية، الذي لا وجود له. ولطالما حيّرت هذه الحقيقة العلماء الصينيين الذين تساءلوا دائما عن مصدر استلهام التنّين في الأدب والحياة.
    في عهد أسرة هان الصينية، ارتبطت العديد من الآلهة وأنصاف الآلهة بالتنانين. وأحد أشهرها يقال له "التنّين المستجيب" الذي يقال أنه ساعد الإمبراطور الأصفر على هزم ملك آخر! كما يأتي ذكر العديد من الأبطال الأسطوريين الذين حُمل بهم بعد أن تزاوجت أمّهاتهم مع التنانين الإلهية.
    كان يُعتقد أن التنّين له سلطة على المطر. والصلوات التي تستدعي التنانين لجلب المطر شائعة في النصوص الصينية. وأحد الكتب القديمة يصف صُنع تماثيل طينية للتنانين خلال فترة الجفاف وجَعْل الشباب والفتيان يسيرون ويرقصون بين التماثيل من أجل تشجيع التنانين على جلب المطر.
    إحدى النظريات تقول إن التنّين تطوّر من الثعابين. ففي عام ١٩٤٦، تكهّن شاعر صيني بأن التنّين بدأ كنوع من الثعابين التي استخدمتها قبيلة قديمة كـ "طوطم". وبعد انتصار تلك القبيلة على قبائل أخرى في المعارك، كانت تدمج الطواطم الحيوانية للقبيلة المهزومة في طواطمها الخاصّة، ليتكوّن بعد ذلك مخلوق بأربع أرجل له رأس حصان وقرون غزال ومخالب كلب وحراشيف سمكة .
    وقد دعمت السجلات الأثرية هذه النظرية، لا سيّما في موقع يقع بإحدى مقاطعات شمال الصين ويعود تاريخه إلى حوالي 4000 عام ويضمّ جدرانا ومرصدا فلكيّا ومقبرة. وقد اكتشف علماء الآثار في العديد من القبور الكبيرة ألواحا فخّارية على بعضها رسوم لمخلوقات ذات جباه بارزة وأنوف طويلة وألسنة وأنماط مخطّطة تشبه التنّين.
    وفكرة أن التنّين مستوحى من الثعابين مقبولة على نطاق واسع بين عامّة الناس، بسبب جسمه الملتوي ولسانه الذي يشبه لسان الثعبان وافتقاره لأقدام. ومع ذلك، يفضّل عدد من المؤرّخين وعلماء الآثار البارزين مصدرا بديلا للثعابين، هو التماسيح. ففي عام ١٩٥٧، خصّص عالم حفريات صيني رائد فصلاً من أحد كتبه عن تطوّر التنّين..
    وتعزّز نتائج في مجال علم آثار الحيوانات هذه النظرية، إذ تُظهِر أن سكّان الصين القديمة تفاعلوا مع التماسيح في مناطق جغرافية واسعة منذ أكثر من 8000 عام. وفي السنوات الأخيرة، عُثر على بقايا تماسيح في أكثر من 20 موقعا في الصين. وغالبا ما تكون عظام تماسيح نهر اليانغتسي المكتشفة في المواقع الأثرية مكسورة، ما يشير إلى أن الناس كانوا يأكلون لحومها. وفي بعض المناطق، استُخدمت جلودها لصنع الطبول.


    بالإضافة إلى فرضيتي الثعبان والتمساح، هناك نظرية أخرى حول أصول التنّين، وهي هجين بين الاثنين. وتذهب هذه الفرضية الى أن صورة التنّين قد تشكّلت من خلال دمج سمات زواحف مختلفة كالتماسيح والسحالي والثعابين. كما تشير الى أن التنانين المبكّرة اكتسبت أجسامها وأنماطها من الثعبان، بينما اكتسبت رؤوسها وقرونها وحراشيفها ومخالبها من التمساح.
    وهناك من يرى أن مفهوم التنانين ربّما نشأ من اكتشاف أحافير الديناصورات أو عظام الحيوانات الكبيرة التي عجز القدماء عن تفسيرها. عالم الأنثروبولوجيا ديفيد جونز افترض أن البشر ورثوا، كالقرود، ردود أفعال غريزية تجاه الثعابين والقطط الكبيرة والطيور الجارحة. واستشهد بدراسة وجدت أن ما يقرب من 39 شخصا من بين كلّ مائة يخافون من الثعابين، وأن التنانين تظهر في جميع الثقافات تقريبا بسبب خوف الإنسان الفطري من الثعابين والحيوانات الأخرى التي كانت تفترس أسلاف البشر.
    وسواءً كانت الإجابة ثعابين أم تماسيح أم ديناصورات، فكلّ هذه ليست ما نعتبره اليوم تنّينا. وعلى الأرجح، استُلهم هذا المخلوق من مجموعة متنوّعة من الزواحف، لكن صورته تغيّرت مع مرور الوقت، إذ منحه الفنّانون سمات جديدة وقدرات غامضة وخارقة للطبيعة. وبذا أصبح التنّين طوطماً هجينا ودليلا على قدرة البشر على خلق معنى لأبسط الأشياء.
    في القرن الخامس قبل الميلاد، ذكر المؤرّخ اليوناني هيرودوت في كتاب "التواريخ" أن غرب ليبيا كانت تسكنه ثعابين وحشية وأن الجزيرة العربية كانت موطنا للعديد من الثعابين الصغيرة المجنّحة التي تجتذبها الأشجار التي تنتج اللبان. كما أشار الى أن أجنحة الثعبان تشبه أجنحة الخفّاش، وأنه على عكس الأفاعي التي توجد في كلّ أرض، فإن الثعابين المجنّحة لا توجد إلا في الجزيرة العربية.
    يقال إن التنانين كانت تسكن الكهوف المظلمة والبرك العميقة والبراري الجبلية وقيعان البحار والغابات المسكونة، وكلّها أماكن كانت محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأسلاف البشر الأوائل.
    وفي أدب بلاد ما بين النهرين، هناك إشارات إلى التنانين ذات الشخصيات الخيّرة والشريرة. وفي الشعر السومري كثيرا ما يُقارن الملوك العظماء بالوحوش الافعوانية العلاقة. وفي الأدب الصوفي كتب جلال الدين الرومي في إحدى مثنوياته أن التنّين يرمز إلى الروح الحسّية والجشع والشهوة التي تحتاج إلى الإذلال في المعركة الروحية.
    في الأدب الحديث تنتشر التنانين بوفرة، كما في رواية "الهوبيت" لتوكين ورواية "صراع العروش: أغنية الجليد والنار" لجورج مارتن. وقد أثّرت هذه الأعمال على المفاهيم الحديثة عن التنانين. وبشكل عام، لا يرتبط أصل التنانين بحدث أو ثقافة واحدة، بل هو مزيج غني منسوج من خيوط تاريخية وطبيعية وثقافية متنوّعة.

    Credits
    worldhistory.org