:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، يناير 08، 2014

موعد في الغابة

كان والتر دي لا مير (1873- 1956) واحدا من ابرز الرموز الشعرية والأدبية في انجلترا خلال الحقبة الرومانسية. وقصائده تتناول أفكارا كانت رائجة في تلك الفترة، مثل الأحلام والحالات والمشاعر الذهنية النادرة وعوالم الطفولة والسموّ العاطفي والروحيّ وما إلى ذلك.
أشهر قصائد دي لا مير عنوانها "المُنصِتون". وقد اجتذبت هذه القصيدة في بعض الأوقات جمهورا من الأتباع الذين كانوا يعشقونها إلى درجة التقديس. كما أشاد بها الروائي والشاعر المشهور توماس هاردي باعتبارها أرقى قصيدة كُتبت بالانجليزية في القرن العشرين. وتروي أرملة هاردي أن زوجها، في آخر سنوات حياته وكان وقتها قد ملّ من الاستماع إلى النثر، كان يطلب منها أن تقرأ عليه هذه القصيدة عندما ينتصف الليل.
قصيدة "المُنصِتون " هي عبارة عن قصّة. والشاعر في مستهلّها يحاول تصوير المكان الذي تجري فيه القصّة. رجل يطرق على باب منزل في غابة. الوقت ليلا. والرجل يقرع باب المنزل بينما حصانه يتشمّم عشب الغابة. والشاعر يسمّي الرجل في القصيدة بـ "المسافر".
قَرْع المسافر المستمرّ للباب ومناداته على الساكنين يخيفان أحد الطيور. الطائر يهرب بعيدا. المنزل له برج، وهو أمر يدلّ على أنه ليس مجرّد كوخ صغير في الغابة. يقرع الرجل الباب مرّة أخرى وينادي: هل من شخص في الداخل؟"
يقف الرجل ساكنا بانتظار ردّ. ولكن يبدو أن لا أحد هناك كي يجيب. لا أحد يأتي إلى الباب. ولا احد حتى يطلّ من النافذة. لو اطلّ شخص ما على المسافر، سيلاحظ أن له عينين رماديّتين.
الشخص الذي يروي لنا هذا الحادث الغامض يسمح للقارئ بعد ذلك بأن يلقي نظرة إلى ما وراء الباب المغلق، أي إلى المكان الذي لا يستطيع المسافر أن يراه.
ثم يكتشف القارئ انه لا يوجد سوى "مجموعة من الأشباح الذين يقطنون المنزل. وهم الآن واقفون ينصتون بهدوء في ضوء القمر".
المُنصِتون لا يبدو أنهم بشر من لحم ودم، ولكن مجرّد أشباح يقفون "وينصتون لذلك الصوت القادم من دنيا البشر".
في المقطع الخامس نعلم بأن المُنصتين ما يزالون يقفون وهم "يملئون الضوء الشاحب للقمر على الدرج المظلم. والدرج يؤدّي إلى قاعة مظلمة".
الأشباح يقفون على الدرج وينصتون، بينما طرْق المسافر المستمر ومناداته يزعجان هدوء تلك القاعة الفارغة.
ويبدو أن المسافر شعر بغرابة ذلك الوجود الشبحيّ في المنزل من خلال السكون الذي يردّ صدى نداءاته.
الضجيج الوحيد الذي يمكن أن يسمعه المسافر هو غمغمة حصانه المستمرّ في أكل العشب. وفوقه يستطيع الرجل أن يرى النجوم، وكذلك أوراق الشجر التي تحيط بالمنزل في وسط الغابة.
ثم يضرب المسافر الباب فجأة في ما يبدو وكأنه محاولة أخيرة لجلب انتباه من في الداخل. وفي هذه المرّة يُحدث ضجيجا أكثر من قبل. ويتخيّل القارئ احتمال حدوث حركة مباغتة أو مفاجئة من داخل البيت.
لكن، لا أحد يردّ أو يأتي ليفتح الباب. "قل لهم إني جئت ولم يردّ احد، وأنني حافظت على وعدي". يقول الرجل وهو يهمّ بالانصراف.
القارئ يعرف الآن لماذا أتى الرجل إلى هذا المكان، ولماذا كان يقرع الباب في الليل وعلى ضوء القمر. كان قد وعد شخصا ما هنا بأنه سيأتي. ولكن القارئ ما يزال يجهل لمن قطع المسافر ذلك الوعد ولأيّ سبب.
المُنصِتون الأشباح لا يتحرّكون أو يتكلّمون، مع أنهم لا بدّ وأن سمعوا الكلمات وهي تتردّد عبر الظلال الساكنة للبيت.
وأخيرا، يعتلي المسافر ظهر حصانه ويمضي في طريقه. لكن مشهده وهو يغادر يُكشف عنه فقط من خلال ما يسمعه المُنصِتون: إنهم يسمعونه وهو يضع قدميه في الرِكاب. ويسمعون وقع حوافر الحصان وهي تلامس الأرض الحجرية للغابة. وأخيرا يسمعون صوت حوافره وهو يعدو مسرعا الخطى.
بعد ذلك، يعلو الصمت بنعومة. ويُترَك المُنصِتون الأشباح وهم يقفون على الدرج في ضوء القمر.
هنا تنتهي القصيدة.. ويستمرّ الغموض.

Credits
poetryfoundation.org