:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، يناير 27، 2017

كيف تكتب رواية جيّدة؟

كان الكسندر بوشكين مثالا للكاتب المتمكّن، نثره حيّ ووصفه مدهش، ويقال أن لا احد استطاع أن يكتب بمثل جمال كتاباته. وعندما أعاد تولستوي قراءة حكايات بوشكين ورواياته القصيرة، تخلّى فورا عن الرواية التاريخية الصعبة والمرهقة وبدأ كتابة رواية جديدة، وكانت النتيجة ولادة تحفته الأدبيّة "آنا كارينينا".
كان تولستوي يرى في بوشكين مثالا رائعا للكاتب الملهم. حتى أعماله الناقصة كانت، على الرغم من ذلك، جميلة وممتعة حتى آخر جملة.
ولم يكن من عادته أن يراجع ما يكتب، بعكس تولستوي، بل انه حتى لم يختم ملحمته الشعرية الكبيرة "اوجين اونيغين"، بسبب انصرافه إلى النساء وانشغاله بخلافاته الأدبية. روايات بوشكين الخيالية ناقش فيها الحبّ والشباب والحروب والكتب والمدن والأرياف، وضمّنها الكثير من وقفات التأمّل العميقة والرائعة.
لكن كيف يمكن للإنسان أن يكتب رواية جيّدة تشدّ انتباه الآخرين وتكون متميّزة على مستوى الشكل والمضمون؟
ستيفن كنغ، الكاتب الأمريكيّ المشهور، ألّف حتى الآن أكثر من خمسين رواية، وهو من بين أكثر مؤلّفي الروايات الأحياء شعبيةً وله ملايين المعجبين حول العالم. وقد تحوّلت بعض أعماله إلى أفلام سينمائية.
كنغ أجاب عن السؤال السابق موضحا بعض الأمور التي يجب على الكتّاب مراعاتها إذا ما أرادوا أن يكون لكتابتهم أهميّة وصدى لدى جمهور القرّاء.
هنا بعض توصياته..

  • أوّلا، لا تقلق بشأن القواعد والنحو، فاللغة لا يجب أن ترتدي دائما ربطة عنق وحذاءاً مصقولا. إذا كنت تحكي قصّة، فتذكّر أن أهمّ جزء فيها هو أن تحكيها بشكل جيّد، وأن لا تركّز كثيرا على النحو.
  • عندما يقرأ شخص ما قصّة عظيمة، فإنه ينسى غالبا انه يقرأ. استغل قوّة الوصف. الوصف يبدأ في مخيّلة الكاتب، لكن ينبغي أن ينتهي في عقل القارئ. تأكّد من أن وصفك واضح ومختصر، وحاول ألا تضيع وأنت تكتب. دع القصّة تمضي في طريقها واستخدم كلمات بسيطة كي لا تُربك قارئك. تكلّم بوضوح وتجنّب الرطانة والكلمات المعقّدة.
  • تهيّأ للنقد. وكن مستعدّا دائما لأيّ نقد، حتى وإن كان غير بنّاء. واحتفظ بتفاؤلك عندما تواجه فشلا.
  • لا تركّز على إرضاء الآخرين. تأكّد انه ليس كلّ من سيقرأ كتابتك سيحبّها.
  • استمتع بكتابتك. إن كنت تكتب من اجل المتعة، فحاول أن تفعل ذلك دائما. كتابتك يجب أن تسعدك وأن تمتعك وتلهمك.
  • اكتب من دون ملهيات. واكتب بعد أن تغلق باب غرفتك. اقفل الباب جيّدا، وأغلق هاتفك لكي تتواصل بعمق مع أفكارك.
  • تذكّر أن أكثر الأشياء أهميّة هي تلك التي يصعب عليك كتابتها، الأشياء التي تخجل منها. دائما إبحث عن القصص التي لا تستطيع قولها. لا تخشَ منها، بل ألقِ بنفسك في أتونها. اكتبها واستمرّ في الكتابة.
  • لا تسرق صوت شخص آخر. حاول أن تستكشف جميع زوايا عقلك وأن تخلق شيئا متفرّدا وأصليّا لم يسبقك إليه احد.
  • إستعد لأن تأخذ المخاطرة. الخوف هو سبب معظم الكتابات الرديئة. وأفضل الكتّاب هم من يطوّرون أسلوبهم الخاصّ ويكسرون قواعد الكتابة التقليدية.
  • حاول أن تكتب يوميّا ودون توقّف حتى لا يتأثّر انسياب القصّة في عقلك.
  • مسوّدة أي كتاب أو رواية لا يجب أن تأخذ أكثر من بضعة أشهر. والكتابة اليومية تساعدك على انجاز هذا وعلى أن تظلّ ملتزما بمشروعك الكتابيّ.
  • عندما تنتهي من مسوّدة رواية، خذ استراحة لبضعة أسابيع قبل أن تعود لتقرأ ما كتبته. وهذا يعني أن رأسك سيكون صافيا وغير متحيّز عندما تعاود قراءة ما كتبته.
  • عليك أن تحدّث نفسك طوال اليوم عن كلّ الأفكار العظيمة التي تخطر ببالك وتنوي إدراجها في روايتك. لكن تذكّر أن الطريقة الوحيدة لكي تصبح كاتبا هي أن تجلس وتباشر الكتابة الفعلية.
  • عندما يحدث لك أمر سيّئ في حياتك، فإن هذا يمنحك فرصة ممتازة للكتابة. إسأل نفسك كيف يمكنك تطويع ما يبدو لك حادثا سلبيّا لتوظّفه كأساس لكتابتك. كلّنا نمرّ بأوقات ألم ومعاناة، لكن الكاتب البارع هو الذي يستطيع الاستفادة منها.
  • أسكت الناقد الذي بداخلك. الأصوات الناقدة والمثبّطة داخل رأسك عادة ما تنطلق بجموح عندما تجلس لتكتب: ما هذا الهراء الذي تكتبه، لا أحد سيقرأ هذا الغباء، توقّف عن إضاعة وقتك في شيء غير مفيد أو مجدٍ.. الخ". لا تستمع لهذه الأصوات لأنها تعطّل إبداعك لو تركتها تتحكّم بك. لذا تعلّم كيف تسكتها، وحاول ألا تحكم على نفسك كي لا تعطّل قابليّتك للإبداع.
  • إقرأ كثيرا وبقدر ما تستطيع. إقرأ نوعية الكتب التي تحبّها وحاول أن تكتب مثلها، الكتب التي تثير انتباهك وتجعلك تشعر بالمتعة والسرور. تعلّم من كتّاب مختلفين وذلك بقراءة أعمالهم. حتى عندما تقرأ كتابا وتجده مكتوبا بطريقة رديئة، إسأل نفسك ماذا يمكنك أن تتعلّم منه. الأفلام وبرامج التلفاز وحتى الايميلات يمكن أن تعلّمك أشياء مهمّة عن الكتابة. تعلّم من حكمة الأفراد الذين يعجبونك.
  • تعلّم حبّ الفنون، إذهب إلى المتاحف والحفلات الموسيقية واحضر الأفلام والمسرح، إبحث عن طرق جديدة تلهمك الكتابة. ربّما تجد الإلهام في لوحة أو أغنية أو فيلم.
  • لا تقارن نفسك بالكتّاب الآخرين. ولا تحاول أن تكون نسخة أخرى من أيّ كاتب. كلّ كاتب له تجربته الخاصّة ومنظوره الخاصّ. ولا يمكن أن يكون لدى كاتبين نفس القصص أو يحكيان القصص بنفس الطريقة.
  • يجب أن تتخلّص من الكلمات غير الضرورية وأن تُبقي فقط على تلك التي تحتاجها وترى أنها مهمّة للتفاصيل. وفي النهاية قد تحتاج إلى مراجع جيّد يستطيع تذكيرك بما غفلت عنه أثناء الكتابة.
  • الاثنين، يناير 23، 2017

    عصر أورانغ زيب

    قصّة حياة أورانغ زيب، سادس حكّام المغول في الهند، مليئة بالدراما والإثارة وبالمفارقات الغريبة. وربّما لا ينافسه من هذه الناحية سوى الشاه عبّاس الصفوي والسلطان العثمانيّ سليمان القانوني.
    قراءة سيرة حياة هذا الرجل لا بدّ وأن تثير العديد من الأفكار والتساؤلات. مثلا، هل يولد الإنسان قاسيا بطبيعته أم أن الظروف والتنشئة هي التي تجعله عنيفا مستبدّا؟ وهل من المفيد أم الضارّ مزج الدين بالسياسة؟ وهل التديّن الزائد عن الحدّ خصلة جيّدة أم رديئة، خاصّة عند الحكّام؟
    تُوّج أورانغ زيب حاكما على الهند في احتفال مهيب جرى عام 1658 في حدائق شاليمار المشهورة في نيودلهي. وقد حكم البلاد طوال خمسين عاما. والده، أي شاه جيهان، كان ملكا متفتّحا ومتسامحا ومحبّا للفنون. وإليه يُنسب أشهر صرح معماريّ في تاريخ الهند، أي تاج محلّ الذي بناه تكريما لذكرى زوجته ممتاز محل، والدة أورانغ زيب.
    أورانغ زيب نفسه كان شخصا متعلّما وذكيّا ومتديّنا بشدّة. تستطيع أن تقول إن أفكاره الدينية كانت سلفية قبل ظهور السلفية بمعناها الحديث. لكنه أيضا كان مخادعا وميّالا للانتقام. ولم يكن يثق بأحد، لذا احتفظ في بلاطه بشبكة واسعة من العيون والجواسيس.
    وكان أيضا، وهذه أخطر صفاته، إنسانا متعطّشا للسلطة. ولهذا السبب قام بخلع والده شاه جيهان وجلس مكانه على العرش. ثم نشأ نزاع ضارٍ بينه وبين أشقائه الثلاثة الذين احتجّوا على خلعه لأبيهم واستئثاره بالحكم لنفسه. لكنه في النهاية حسم الصراع لمصلحته بعد أن أمر بقتل إخوته جميعا.
    معاملة أورانغ زيب لوالده وأشقائه من الصعب اليوم أو في ذلك الوقت فهمها أو تبريرها. لكنّه لم يكن السلطان المغوليّ الوحيد الذي نكّل بأقاربه وضحّى بهم على مذبح حبّ السلطة. فتاريخ المغول مليء بمثل هذه الأحداث الرهيبة والقصص الدامية.
    بعد أن وطّد أورانغ زيب أركان حكمه، بدأ سلسلة من الحروب والغزوات التي خلقت له الكثير من الأعداء خارجيّا وداخليّا وتركت خزينة الدولة فارغة.
    ورغم انه كان يحكم مملكة شاسعة أغلبية سكّانها من الهندوس، إلا أن تعصّبه الدينيّ دفعه للانقلاب على سياسة التسامح الدينيّ التي تبنّاها جدّه السلطان أكبر . فقام بتهميش الهندوس وحظر احتفالاتهم الدينية ومنعهم من تولّي مناصب في الدولة، وأصبح التعيين ليس على أساس الكفاءة وإنما الدين.
    ولم يسلم من تعصّبه حتى السيخ، وهم طائفة صغيرة ومسالمة. مؤسّس الديانة السيخية هو المعلّم ناناك، وكان يبشّر بوحدة الأديان وبالأخوّة بين البشر. وأحد أسلاف ناناك كان المعلّم رام داس الذي كان معاصرا لجدّ اورانغ زيب، أي السلطان اكبر. وكان أكبر يحترمه كثيرا، ولطالما أقطعه أراضي من أملاك الدولة كي يقيم عليها معابد لأتباعه.
    عداء اورانغ زيب لأتباع الديانات الأخرى وإقصاؤه إيّاهم تسبّب في تقويض ولائهم للدولة ودفعهم للقيام بعدّة انتفاضات شعبية ضدّه نتج عنها إضعاف الدولة وتفتيت المجتمع.

    مع مرور الوقت، أصبح أورانغ زيب شخصا متقشّفا، فتجنّب كافّة أشكال الرفاهية وامتنع عن ارتداء الحرير، كما رفض الموسيقى، ولم يكن عنده شيء من شغف والديه بالعمارة والفنون. والأثر الباقي الذي تركه بعد موته وما يزال يُذكر به هو مسجد بادشاهي الذي أمر ببنائه في مدينة لاهور.
    كما أعاد العمل بالجزية وحارب ما اعتبره بِدَعاً وخرافات. ثمّ تحوّل إلى المتصوّفة، فأنكر عليهم أفكارهم وطقوسهم قبل أن يأمر بقتل أحد زعمائهم.
    ورغم انشغال أورانغ زيب بالحروب والحملات العسكرية، إلا انه كان يجد من الوقت ما يكفي لممارسة هواياته القليلة، مثل كتابة الشعر وقراءة كتب الفلك وممارسة الصيد في براري الهند. في إحدى اللوحات (الأولى من فوق) التي تعود إلى تلك الفترة، يظهر السلطان بلحيته البيضاء محمولا على سرير مرصّع بالجواهر، أثناء رحلة صيد مع أفراد حاشيته.
    مشاهد الصيد مألوفة كثيرا في رسم المغول. وهناك ثلاث لوحات أخرى يظهر فيها أورانغ زيب وهو يتعقّب حيوانات برّيّة.
    وفي لوحة أخرى، يظهر أثناء حصاره لمدينة غولكوند في وسط الهند وهو يراقب جنوده الذين يهاجمون أسوار المدينة المحصّنة. كانت هذه المدينة مشهورة بقصورها التاريخية ومصانعها ووفرة مياهها وبوجود منجم كبير للماس بها. وقد حاصرها مدّة ثمانية أشهر إلى أن استسلمت في أكتوبر من عام 1687م.
    من الأحداث التي توقّف عندها المؤرّخون طويلا قصّة سجن اورانغ زيب لوالده في قلعة اغرا وتركه هناك حتى وفاته. وقد قيل انه سجن والده في البداية في قصره. لكن أشيع في ما بعد أن الأب لم يكن يستنكف عن إقامة علاقات مع بعض نساء القصر بالرغم من تقدّمه في السنّ، الأمر الذي اغضب اورانغ زيب. وقد كتب ذات مرّة إلى احد أصدقائه المقرّبين رسالة يشكو فيها من سلوك أبيه قائلا: لماذا لا يقرأ والدي القرآن الكريم كما افعل"؟!
    كانت حياة أورانغ زيب عبارة عن سلسلة طويلة من المآسي. كان أقوى وأغنى حاكم في سلالته. لكنّ حكمه انتهى بفشل كارثيّ، ربّما لأنه كان يفتقر للكاريزما وللدراية الكافية بإدارة شئون الحكم.
    وعندما حضرته الوفاة وهو في سنّ الثامنة والثمانين، اعترف بأخطائه طالبا من الله الرحمة والمغفرة. ويؤثر انه قال لمن حوله: لقد أتيت إلى هذا العالم لوحدي، وأرحل عنه الآن غريباً. لا أعرف من أنا ولا ماذا كنت أعمل. وأينما نظرت لا أرى سوى الله. لقد ارتكبت الكثير من الذنوب ولا أدري أيّ عقاب ينتظرني".
    عندما توفّي أورانغ زيب كانت مملكته على حافّة الانفجار من الداخل بسبب الحروب والصراعات المستمرّة. خليفته، أي ابنه بهادور شاه، كان هو الآخر عجوزا عندما توفّي والده، لذا لم يحكم أكثر من بضع سنوات.
    وشيئا فشيئا حلّ الوهن والتآكل في أركان الإمبراطورية مع ظهور نزعات انفصالية في أكثر من ولاية، ما جعل البلاد هدفا لأطماع القوى المتربّصة. ومع تولّي بريطانيا حكم الهند، كان زمن المغول كحكّام على البلاد يقترب من نهايته.
    في البداية، قام الانجليز بنفي آخر أباطرة المغول بهادور الثاني، ثم ألغوا مملكته وأعدموا خليفته. ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت إمبراطورية المغول في الهند، بأمجادها وتاريخها الطويل، مجرّد ذكرى غابرة.