:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، مايو 24، 2025

أساطير الصحراء


تحمل الصحراء دهشة الواحات الخضراء ووعدا بالأسرار الكامنة وراء حُجُبها، وتخيّم عليها أساطيرُ القوافل التي لم تعُد والجيوش التي ابتلعها صمتها والمدن الشاسعة المدفونة تحت الرمال.
وبينما لا ترى العين من الصحراء سوى القليل، فإن أكثر الأشياء إثارةً للرعب فيها هي تلك التي سمعتها الأذن: موسيقى تتسلّل من تحت حوافّ الكثبان الرملية، أصوات ساخرة أو فاتنة تنادي مشردّي القوافل، قرع طبول شبحية واشتباكات بالأسلحة تُسمع من بعيد.
إن أيّ مسح لصحارى التاريخ يكشف عن العجائب. هناك، كلّ رجل يقاتل أخاه، ومع ذلك في كلّ خيمة الجميع آمنون، رجال القبائل الملثّمون يجوبون القفار، جماعات المهرّبين المتخفّين يجتازونها عبر مفازات مهجورة، النسّاك يذبلون ببطء في زنازين الصخر، المتشدّدون يجوبون الهضاب، الحباري والجمال البرّية تظهر في الأفق الغامض، وبقايا شعوب منسيّة تجوب الأرض التي تحته.
الأساطير أنجزت الكثير بأقلّ جهد. يحدث أحيانا أن يرى المسافرون العطشى فجأة بحيرات ماء تتلألأ في الأفق، تحيط بها أشجار النخيل وتنعكس فيها صور المعابد. الرحّالة الڤينيسي ماركو بولو، مثلا، دوّن الكثير من تقاليد الأماكن المهجورة أثناء مروره بصحراء لوب. وهو يؤكّد، كحقيقة معروفة، أن تلك الصحراء مسكن للأرواح الشرّيرة "التي تغوي المسافرين بالوهم وتقودهم الى هلاكهم".
في النهار، إذا تخلّف الرجال عن القافلة أو غلبهم النوم في مكانهم، فإنهم يسمعون أصواتا تناديهم بأصوات أشخاص يعرفونهم، ثم تستدرجهم وتحرفهم عن الطريق فيهلكون وحيدين. وفي الليل، قد يسمع الرجال زحف موكب كبير على أحد جانبي الطريق، فيتبعونه معتقدين أنه صوت أجراس جمال قافلتهم. وبعد ساعات يجدون أنفسهم يسلكون دروبا غريبة لوحدهم. وأحيانا تظهر أجساد لأشباح رجال مسلّحين وكأنها تهاجمهم، وأثناء رعبهم وهروبهم يضلّون الطريق.
ويختم ماركو بولو قصصه المذهلة بقوله: إن أرواح الصحراء هذه تملأ الهواء أحيانا بأصوات جميع أنواع الآلات الموسيقية والطبول ولعلعة السيوف والرماح، ما يجبر المسافرين على توحيد خطّ سيرهم والمضيّ في مجموعات.
وقيل انه كان في صحراء مصر القديمة قبور موتى، وأن أرواحهم، المحكوم عليها بحياة بائسة في أرض قاحلة، تحوّلت إلى شياطين مفترسة ونذير شؤم لأيّ مسافر يعبر الصحراء.
أما في آسيا فما تزال القصص المتداولة هناك تحمل نكهة روايات ماركو بولو التي تعود إلى سبعة قرون خلت. يروي "داوتي" قصّة خيالية يتداولها أهالي تيماء في الجزيرة العربية عن واحة شبحية مجاورة يخرج من بين نخيلها بشر يمتطون خيولا ساحرة، لكنّ كلّ شيء سرعان ما يختفي إذا اقترب منها إنسان.
وفي الصحراء الصغيرة عند سفح مرتفعات كوهستان، تشقّ الرمال التي تحملها الرياح طريقها نحو فتحات الصخور، محدثةً صوتا يشبه موسيقى قيثارة مصحوبة بقرع طبول بعيدة. أنغام الرياح الجامحة في المساحات المفتوحة تلك شكّلت مصدرا للعديد من الحكايات الغريبة. يقال، مثلا، أنها أناشيد حماسية لجيوش مضت نحو مصير مجهول وغرقت في الرمال، لكنّ صدى أنغامها ما يزال يُسمع إلى اليوم.
وفي مكان ما في افريقيا، يقع بحر الحصى، وهو ظاهرة صحراوية توصف بانها حصى ورمل بدون قطرة ماء، يتدفّق ويعود في أمواج عاتية كغيره من البحار، ولا يهدأ ولا يستقرّ أبدا في أيّ موسم. ولا يمكن لأحد أن يعبر هذا البحر بسفينة أو بأيّ وسيلة بحرية، وبالتالي لا يمكن معرفة أيّ أرض تقع وراءه.
ورغم أنه لا ماء في ذلك البحر، إلا أن البشر يجدون فيه وعلى شطآنه أسماكا تختلف في طبيعتها وشكلها عن تلك الموجودة في أيّ بحر آخر، وهي لذيذة وشهية كطعام للإنسان. وخلف هذا البحر، تقع جنّة أرضية لا يُوصِل إليها إلا طريق واحد يصعب العثور عليه ويسهل فقدانه إذا ما وُجد. ولم يكتشف هذا الطريق السرّيَّ أحد، باستثناء رحّالة إيطالي قيل إنه سلكه حتى نهايته وعاش عشرين عاما خلف تخوم الصحراء في مكان يشبه الحلم وفيه من الأنعم والخيرات ما لا يُوصف.
وتحكي أساطير الخراب عن مدن حلّت عليها لعنة مفاجئة فحوّلت سكّانها إلى حجارة. ولم يغطّهم الرمل بشفقة تليق بهم، بل تركهم مكشوفين في العراء، تشرق الشمس على أسواقهم الصامتة ولا يجوب شوارعهم إلا الرياح الحزينة.
وتشير الخرائط التي رسمها بعض الرحّالة لأسفارهم في تاتاريا إلى مدينة متحجّرة في سهول آسيا الوسطى. ويروي بعض مؤرّخي حضارة الإنكا قصّة مماثلة عن التحجّر، استنادا إلى صور شوهدت في أحد المتاحف، ويظهر فيها مجموعة من الناس والأغنام والجمال وقد تحوّلوا إلى حجارة.


ولدى العرب قصّة عن معسكر متحجّر في مكان من الجزائر يُدعى "حمّام المسخوطين"، وُجدت فيه خيام حجرية منصوبة وأغنام متحجّرة تنتشر في السهول. وأكثر هذه الأساطير تداولا هي قصّة "رأس سم"، وهي قرية متحجّرة في برقة بليبيا. وساد اعتقاد أنها قد تكون مكان الغورغون أو الميدوسا في القصّة الكلاسيكية، أي المرأة التي كانت نظرتها المخيفة تحوّل كلّ من ينظر إليها إلى حجر.
وهذه القرية تظهر في كتب الرحلات القديمة التي يعود تاريخ أحدها إلى عام ١٥٩٤. وربّما كان رحّالة يُدعى "ديغبي" قد رآها عندما نشر قصّة رحلته الى مدينة متحجّرة في شمال أفريقيا. كانت "راس سم" آنذاك بلدة كبيرة ذات شكل دائري بشوارعها ومتاجرها وقصرها الذي يتوسّطها. وديغبي يصفها بقوله: كانت أشجار الزيتون والنخيل منتصبة في الأفنية، لكن الأشجار كانت قد تحوّلت إلى رماد. وكان هناك أيضا أشخاص في أوضاع مختلفة.
وبعض هؤلاء الأشخاص، قبل أن يتحجّروا، كانوا يمارسون تجارتهم ومهنهم في الأسواق أو يحملون الأقمشة والخبز بأيديهم، كما لو كانوا يريدون جذب المارّة. وكانت هناك نساء يرضِعن أطفالهن أو ينحنين على المواقد أو المعاجن. وفي قصر البلدة، كان رجل مستلقيا على سرير فاخر وحرّاس مسلّحون بالرماح والنبل يقفون عند الباب. كان سكّان القصر، وكذلك الرجال والنساء في الخارج، من نفس الحجر المزرقّ. وكانت رؤوس بعضهم مفقودة، بينما فقد آخرون ساقاً أو ذراعاً.
ويضيف: كانت هناك جمال وثيران وحمير وخيول وأغنام في السوق وطيور ضخمة تجثم على الجدران، وفي المنازل كلاب وقطط وحتى فئران. وكلّها، كأسيادها ومضيفيها، كانت في حالة تحجّر. أما العملات التي كانت قد جُلبت من هناك، فكانت تحمل رسم رأس حصان على أحد وجهيها، وبعض الحروف غير المعروفة على الوجه الآخر".
وقد أُرسل بعض الأشخاص إلى هناك للتأكّد من الأمر، لكن لم يعثروا على أثر لجدران أو مبان أو حيوانات أو أوان في الموقع الذي قيل إن البلدة كانت فيه. لكنهم عثروا على شيء واحد لم يستطع أحد تفسيره. كان اشبه ما يكون برغيف صغير من الخبز المتحجّر. كما عُثر على برك صغيرة من الماء الثقيل كشفت عنها الرياح. وقد يكون هذا هو السائل الذي تسبّب في عملية التحجّر.
أساطير الصحراء التقليدية تدور حول مدن شامخة غطّتها الرمال وحجبت معها حقائق وآثارا. لكن الصحراء عادةً لا تكشف عن أسرارها دفعة واحدة، بل بالتدريج وعلى مضض.
كان العرب يعتبرون الأماكن المهجورة والميّتة موطنا للأرواح الشرّيرة، فكانوا يسرعون الخطى كلّما مرّوا بأحدها. أما بدو آسيا الوسطى فيتحدّثون عن مدن فخمة محتها العواصف الرملية في ليلة خاطفة، وعن كنوز يمكن العثور عليها إذا ما حفر المرء بحثا عنها وحالفه شيء من الحظّ.
وإحدى الأساطير المشهورة تحكي عن مدينة صينية مندثرة، وعن مغامرين وأثرياء قدموا من أماكن عدّة للتنقيب بين أطلالها بحثا عن كنوز مطمورة. لكن في كل مرّة يحاولون فيها حفر الرمال، تهبّ ريح عنيفة، مثيرةً دوّامات من الدخان والضباب الكثيف الذي يجرف الطريق ويقذف بالعمّال إلى داخل الصحراء.
وهناك مقطع من نصّ هنديّ قديم يصف مدينة اندثرت قبل ألفي عام. كانت المدينة، واسمها أنورادابورا، مشهورة بمعابدها وقصورها التي لا تُحصى وبقبابها الذهبية التي تلمع تحت أشعّة الشمس. كانت شوارعها تمتلئ بالجنود المسلّحين بالأقواس والسهام، مع فيلة وخيول وعربات ومشعوذين وراقصين وموسيقيين من بلدان عديدة.
في مثل تلك الأراضي القديمة، ليس من المستبعد أن تختفي، ليس المدن فحسب، بل الدول أيضا، تحت الرمال. وقد استسلمت تلك المدن لمصيرها المحتوم بالتدريج، مع زحف الصحراء عليها عبر دورات متعاقبة من الجفاف وشحّ الأمطار.
لكن أحيانا كان الدمار يحدث بسرعة خرافية. وقد رأى أحد الرحّالة الرمال وهي تتصاعد فوق أسوار مدينة يزد الفارسية وتتدحرج في شوارعها. ولا بدّ أن هذا حدث في أزمنة منسيّة في المساحة الشاسعة المحيطة بصحراء لوب. والأساطير التي تتحدّث عن هذا كثيرة.
في صحراء غوبي في الصين، اكتُشفت إحدى هذه المدن التي كانت الرياح قد دفنتها تحت الرمال. حدث هذا قبل قرون لا تُحصى. وكانت المدينة ذات أسوار وجداول وبساتين وارفة الظلال. وكان في حدائقها وفرة من أشجار المشمش وأشجار التوت التي تتغذّى عليها دودة القزّ. وكانت هناك أسواق تعجّ بصخب الحرفيين. كان اسم المدينة "تكلا مكان"، الذي يعني "المكان الذي لا عودة منه".
وما وجده المستكشفون من بقاياها كان غابة ميّتة وآثارا تمتدّ لأميال. كانت أخشاب مئات المنازل لا تزال قائمة، وخشب الحور كان أبيض كالطباشير وهشّا كالزجاج. ووجدوا أيضا أجزاءً من صور جبسية لبوذا ولنساء بوجوه ذات ملامح آريّة وهنّ يصلّين، مع صور لقوارب تتمايل على أمواج بحار هامدة. وجميعها مرسومة بذوق جماليّ رفيع.
كان مستكشفو المدن المندثرة يتساءلون كلّما مرّوا بواحدة: في أيّ فترة كانت هذه المدينة الغامضة مأهولة؟ ومتى نضج آخر محصول من المشمش تحت الشمس؟ ومتى اصفرّت أوراق أشجار الحور الخضراء الحامضة في خريفها الأخير؟ ومتى سكت هدير طواحينها إلى الأبد؟ ومتى هجر أهلها اليائسون مساكنهم آخر مرّة ليبتلعها فم الصحراء الجائع؟ ومن هم الناس الذين عاشوا هنا؟ وما اللغة التي كانوا يتحدّثونها؟ ومن أين في البرّية جاء سكّانها المجهولون؟ وكم من الوقت ازدهرت مدينتهم، وإلى أين ذهبوا عندما رأوا أنه لم يعد بإمكانهم العثور على مسكن آمن داخل أسوارها؟!
وكان البدو المترحّلون يسألون أنفسهم أيضا بعض هذه الأسئلة الغريبة. ومن الإجابات التي ألهمتهم إيّاها خرافاتهم وخيالاتهم نُسجت أسطورة الصحراء.

Credits
talesfromthedesert.com
chinaxiantour.com

الخميس، مايو 22، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • في مرحلة ما من حياة أيّ إنسان، قد يرغب في التخفّف من وظيفة مملّة أو علاقة سامّة أو التخلّي عن عالم غالباً ما نفقد فيه السيطرة على ما يحدث لنا. ربّما لهذه الأسباب، أصبحت الثقافة المعاصرة مهووسة بفكرة تجاوز حدود هذا العالم بحثاً عن هواء نقيّ ومنعش من عالم آخر. وسواءً تحقّقَ ذلك عن طريق كبسولة حمراء أو خزانة ملابس سرّية أو مرآة أو حتى جُحر أرنب، فإن ذلك لا يهمّ حقّا، فقد نقبل به.
    وهناك لحظات نقف فيها أمام الأبواب، أحيانا نُمسك بمقبض غير مناسب، أو بمزلاج صدئ، أو نرى مجرّد ثقب مفتاح معوّج. الأبواب العالية والغامضة التي تلوح في الأفق فوقنا تثير فينا تأمّلات كثيرة وتُطلق العنان لدوّامة من الأسئلة. وقد استُخدمت الأبواب في العديد من القصص كمنافذ إلى عوالم من الدهشة والانبهار.
    فكّر مليّا فيما تعلّمته، وفي الأسئلة التي كانت تراودك حول عالمك. وستدرك أن الإجابات كانت متناثرة على طول درب الحياة. في قصّة "أليس في بلاد العجائب"، كانت هناك أبواب في جميع أنحاء القاعة، لكنها كانت جميعها مغلقة. وعندما كانت أليس تنزل من جانب واحد وتصعد من الجانب الآخر، محاولةً فتح كلّ باب، مشت حزينة في المنتصف وهي تتساءل إن كانت ستتمكّن من الخروج مرّة أخرى.
    ثم فتحتْ باباً ووجدت أنه يؤدّي إلى ممرّ صغير لا يختلف كثيرا عن جحر الفأر، فانحنت ونظرت على طول الممرّ ولمحت أجمل حديقة رأتها عيناها على الإطلاق. كانت تتوق للخروج من تلك القاعة المظلمة والتجوّل بين أحواض الزهور الزاهية والنوافير الباردة، لكنها لم تتمكّن حتى من إخراج رأسها. ولم يكن هناك فائدة من الانتظار عند الباب الصغير، لذا عادت إلى الطاولة على أمل أن تجد مفتاحا آخر.
    يقول مورفيوس لـ نيو في فيلم "ميتريكس": تناول الحبّة الزرقاء وتنتهي القصّة، أو تناول الحبّة الحمراء وتبقى في بلاد العجائب، وسأريك مدى عمق جُحر الأرنب". لم يكن "نيو" يعرف ذاته الحقيقية الأصغر سنّاً، بل كان عالقا في فخّ المصفوفة.
    نحن و"أليس" نبحث عن الأطفال المحاصرين داخل أنفسنا؛ عن استعارات تفتح لنا أبوابا الى عوالم تثير فضولنا ودهشتنا وتمنحنا قدرا أفضل من السلام والحرّية.
  • ❉ ❉ ❉


  • في القطعة التي فوق، تدوّي الموسيقى لأكثر من ثلاث دقائق قبل أن يدخل البيانو. روح بيتهوڤن المضطربة والعنيفة تومض عبر النوتة الموسيقية، بينما يتجادل البيانو والأوركسترا ذهابا وإيابا بقوّة. تهاجم الموسيقى ثم تتراجع؛ حوار قلق ومظلم بين صوتين يتناوبان على التقدّم والتراجع. يقول ناقد موسيقي: يتجلّى الضيق الروحي العميق لبيتهوڤن وتركيزه الكبير على العاطفة بشكل جيّد هنا. إستمع إلى جون غاردينر وتفسيره الجريء لهذه القطعة بمشاركة البيانيست روبرت ليڤِن الذي يعزف بيتهوفن كما ينبغي أن يكون: مثل "كلب غاضب يُمسك بعظمة"، على حدّ وصف أحد الكتّاب!
  • ❉ ❉ ❉

  • في الثقافة اليابانية، ترمز زهرة الكرَز أو "ساكورا" إلى قصر الحياة. هذه الأزهار الرقيقة تتفتّح لفترة وجيزة كلّ ربيع، لتذكّرنا بأن الحياة ليست دائمة أو أبدية ولتشجّعنا على تقدير الحاضر أكثر.
    ومنذ القرن الثامن، ارتبطت أزهار الكرز في اليابان بفكرة تركّز على جمال الحياة الزائل. فالأشياء لا تدوم للأبد، وهو ما يذكّرنا بأهمية العيش والاحتفاء بكلّ لحظة.
    واليوم عندما يقال لشخص أنه يتبنّى "عقلية ساكورا" فإن معناه هو أن الشخص يبحث عن السعادة في اللحظات العابرة، حتى في خضمّ فوضى الحياة. وتُظهر بعض الأبحاث أن اليقظة الذهنية، أي التركيز على الحاضر، يمكن أن تخفّف القلق والاكتئاب وتخفض ضغط الدم وتحسّن النوم. وعندما تركّز على الحاضر ستشعر بتحسّن وسعادة أكبر.
    تخيّل أنك تواجه موعدا نهائيا لا سبيل الى تفويته، فبدلا من القلق بشأن نتيجة الموعد، تتوقّف لتناول كأس من القهوة، مستمتعا بالرائحة والطعم. هذه اللحظة القصيرة من اليقظة الذهنية تنعشك وتعزّز دافعيّتك وتحسّن إنتاجيّتك.
    إن العيش بـ "عقلية ساكورا" أو أزهار الكرَز يساعدك على تقدير لحظات الحياة العابرة، ومن ثم يجلب لك المزيد من السعادة ويجعلك تركّز بشكل أكبر على الحاضر.
  • ❉ ❉ ❉

  • أصبحت الإنترنت، بالنسبة لمعظمنا، بمثابة ثقب دُوديّ شديد السُمّية ومسبّب للقلق والحرمان من النوم ولتآكل الخصوصية ومشتّت للعمل ومليء بالإعلانات ومضيِّع للوقت. والحقيقة هي أننا ببساطة لسنا منافسين لخوارزميات الإدمان التي تحكم شبكة الإنترنت الآن. فنحن ضعفاء للغاية أمامها، والإنترنت عموما أقوى منّا.
    فهل نحلم بابتكار تجربة إنترنت مدى الحياة، ممتعة وخاصّة ومنخفضة القلق ومحكومة بالوقت وخالية من الإعلانات وبأقلّ قدر من التتبّع وتسهم فعليّا في تحقيق أهدافنا الحياتية؟ هل من الممكن جعل الإنترنت أداة وليست لعبة؟!
  • ❉ ❉ ❉

  • من أقوال سيدهارتا غوتاما: لا تتغافل عن الأعمال الصالحة الصغيرة، ظانّا أنها لا تجدي نفعا؛ فحتى قطرات الماء الضئيلة قد تملأ في النهاية وعاءً ضخما. ولا تتغافل عن الأعمال السيّئة لمجرّد صغرها؛ فمهما كانت الشرارة صغيرة فإنها قد تحرق كومة قشّ ضخمة.
    ولا تصدّق أيّ شيء لمجرّد سماعه أو لأن كثيرين قالوه أو أشاعوه. ولا تصدّق أيّ شيء لمجرّد أنه موجود في كتبك الدينية. ولا تصدّق أيّ شيء بناءً على سلطة معلّميك وشيوخك. ولا تصدّق التقاليد لكونها متوارثة عبر الأجيال. لكن عندما تجد أن شيئا ما يتّفق مع العقل ويفيد الجميع فاقبله والتزم به.

  • Credits
    sakuramindandtherapy.com
    suite101.com
    lvbeethoven.com

    الثلاثاء، مايو 20، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • كان "وانغ وي" (699 - 761) شاعرا وموسيقيّا ورسّاما صينيّا. ويُعدّ من أبرز رجال الفنون والآداب في عصره. واشتهر بموهبته المزدوجة كشاعر طبيعة ورسّام مناظر طبيعية. وقد وصف أديب من عصره نتاجه بأنه "لوحات داخل قصائد". وعُرف بشكل خاص بأشعاره عن الجبال والجداول والأنهار وغابات الخيزران. والعديد من قصائده تصوّر مشاهد للماء والضباب مع حضور بشريّ ضئيل.
    في الأسطر التالية بعض مفردات وصور من عالم "وانغ وي" الشعري..
    ◦ كان الطقس هادئا وصافياً، لذا قرّرت التجوّل في سفح الجبل، استرحتُ في معبد قديم وتناولتُ العشاء مع بعض النُسّاك هناك. وبعد العشاء عدت إلى البيت مرّة أخرى. اتّجهت شمالا، وعبرت النهر الذي انعكس فوق مياهه ضوء القمر الصافي بحافّة مبهرة.
    ◦ عندما تقدّمَ الليل كثيرا، تسلّقتُ أحد التلال ورأيت نور القمر يعلو ويهبط بفعل أمواج النهر المتدافعة. وعلى الجبل البارد، كانت الأضواء تتلألأ من بعيد ثم تختفي. وفي ممرّ عميق خلف الغابة، نبح كلب في البرد ثم أطلق صرخة شرسة كذئب.
    ◦ كانت أصوات القرويين وهم يطحنون الذرة ليلاً تملأ الفجوات بين الرنّات البطيئة للجرس البعيد. أفكّر كثيرا في الأيّام الخوالي، كيف كنّا نسير يداً بيد، ونؤلّف القصائد أثناء مشينا في مسارات ملتوية على ضفاف الجداول الصافية.
    ◦ يجب أن ننتظر قدوم الربيع، حتى تنبت الأعشاب وتُزهِر الأشجار. وبعد ذلك، عندما نتجوّل معا في التلال، سنرى سمك السلمون المرقّط وهو يقفز بخفّة في الجدول، والنوارس البيضاء تفرد أجنحتها، والندى يتساقط على الطحلب الأخضر. وفي الصباح سنسمع صرخات الكروان في حقول الشعير.
    ◦ العديد من الرهبان مختبئون على هذا الجبل، يردّدون السوترا ويتأمّلون معا. والرجال على أسوار المدينة البعيدة ينظرون نحو القمم، ولا يرون إلا السحب البيضاء التي تحجب السماء. في منتصف حياتي، انغمستُ في فلسفة الطاو، ثم انتقلتُ للعيش عند سفح الجبل الجنوبي. وعندما أشعر بالسعادة، أسير وحدي بين التلال.
    ◦ متّكئاً لوحدي بين أشجار الخيزران، أعزف على القيثارة مردّدا أغنية بصوت خفيض جدّا، بحيث لا يستطيع أحد سماعه سوى رفيقي القمر الساطع. لا يوجد أثر لإنسان في هذا الجبل المنعزل، ومع ذلك تنتشر الأصوات الخافتة في الهواء.
    ◦ عندما أصل إلى منبع النهر، أجلس لأستريح وأراقب الضباب وهو يتصاعد. أعرف في أعماق قلبي ما هو خيّر وجميل. أحيانا أحتاج إلى حطّاب عتيق لنتحدّث ونضحك معا، فننسى أن وقت العودة إلى البيت قد حان! يوماً بعد يوم، لا يسعنا إلا أن نكبر. وعاما بعد عام، لا يملك الربيع إلا أن يبدو أصغر سنّاً. هيّا بنا نستمتع بكأس نبيذنا اليوم، ولا نكترث بالزهور المتساقطة!
  • ❉ ❉ ❉


  • قصّة معبّرة رواها أحد مستشاري بابا الفاتيكان الراحل فرانسيس. قال إنه بعد انتخابه بفترة وجيزة، زار البابا مجمّع الخطّاطين البابويين، الذين تتمثّل مهمّتهم في كتابة المراسيم والقرارات البابوية بخطّ اليد على ورق فاخر من الرقّ الأصلي. وبعض هؤلاء الفنّانين ينحدرون من عائلات عريقة عملت في هذه المهنة منذ ثلاثة أو أربعة أجيال. وهم فخورون بعملهم.
    وبعد أن شرح كبير الخطّاطين للبابا العملية الشاقّة لإنتاج أحد هذه الكنوز من الخطوط والتي سيوقّعها البابا بنفسه في النهاية، سأل فرانسيس ببراءة وبأسلوب غير دبلوماسي عن السبب الذي يمنع إنتاج هذه الوثائق باستخدام الحاسب الآلي والطابعة. ففي النهاية، سيوفّر ذلك الكثير من الوقت والجهد، بل وحتى المال.
    وأوضح الخطّاطون لفرانسيس أن كتابة هذه الوثائق بخطّ اليد وبكلّ الاحترام الواجب تضمن فرادتها وأصالتها. وتساءلوا لماذا قد يرغب الفاتيكان في التخلّي عن هذا الفنّ الخالد والتوقّف عن إبداع تلك التحف الرائعة من الخطّ؟
    وأجاب البابا بخجل: نقطة جيّدة".
    واحتفظ الخطّاطون بوظائفهم.
    تُظهر هذه الحكاية أن ما اعتُبر تصرّفا غير موفّق كان في الواقع صراحةً بريئة من جانب فرانسيس. فقد عبّر البابا السابق عن رأيه بوضوح، حتى عندما كانت عيناه هما اللتان تُعبّران عن كلّ شيء، وهو ما كان يحدث كثيرا.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • جورجيو دي تشيريكو رسّام إيطالي يُعتبر من روّاد الحركة الطليعية. اشتهر بلوحاته الميتافيزيقية التي أبدعها في مطلع القرن العشرين وبتوظيفه عناصر معمارية فيها. وعلى الرغم من انه يصعب أحيانا فهم لوحاته، إلا أنها تثير الحواسّ. وهو يعرّف الميتافيزيقيا بأنها لغز، أي أنها مجهولة وبعيدة عن العقل والمنطق. ومع ذلك، فهي تكشف عن شعور، وأصل هذا الشعور هو العمارة.
    واللوحات هي مزيج من العناصر المعمارية، كالشارع والساحة والمبنى والجدار. وهو يضع العمارة في صميم الميتافيزيقيا، لأن المعماريّ يُنشئ نظاما هندسيّا في الطبيعة وينعكس هذا في الفن. كان يعتقد أن الأشكال والأرقام المعمارية تُضفي معنى شعريّا على لوحاته. وهكذا، تصبح هذه العناصر في صوره أكثر وضوحا وأهمية.
    استلهم دي تشيريكو في أعماله العديد من الموارد، وأهمّها تجاربه وذكرياته الشخصية. ويمكن في بعضها رؤية آثار العمارة الإيطالية. وهو يستخدم أشكالا متكرّرة ويمارس ألعاب الظلّ ويضع منحوتات في ساحات تشبه تلك المنتشرة في مدن مثل تورينو وفلورنسا.
  • ❉ ❉ ❉

  • يتساءل الأديب الأمريكي "ري برادبيري" مؤلّف الرواية الخيالية "فهرنهايت 451" عمّن هو الكاتب. ويجيب: كثيرا ما أوجّه هذا السؤال للناس، وعادةً ما يجيبون: هو من نشرَ كتبا أو مقالات أو من يكسب عيشه من الكتابة". لكنّي لا أتّفق معهم. أعتقد أن من يكتب يوميّا وينظر إلى واقع الحياة من منظور الأدب والكلمات هو كاتب. وإذا سعى شخص ما بصدق إلى فهم جوهر المسألة واستخلاص الحقيقة من تعقيدات هذا العالم وتعقيداتنا نحن البشر من خلال الكتابة، فهو كاتب برأيي. المسألة تتعلّق بموقف وأسلوب حياة، وليس بكيفية دفع الفواتير أو توفّر موهبة استثنائية.
    ويضيف: إذا كنت تريد أن تكتب وأن تخلق، ينبغي أن تكون أنبل أحمق بعثه الله على الإطلاق. يجب عليك أن تكتب في كلّ يوم من أيّام حياتك، وأن تقرأ كتبا كثيرة، غبيّة ورائعة معا، ثم تتركها تتصارع داخل رأسك. ويجب أن تختفي في المكتبات وتتسلّق الرفوف كتسلّقك للسلالم، لتتنفّس رائحة الكتب كما تستنشق العطور وترتدي الكتب مثل القبّعات على رأسك. وهذا يعني في النهاية، أن تحبّ كلّ يوم طوال العشرين ألف يوم القادمة. ومن هذا الحبّ، تعيد بناء عالم جديد".

  • Credits
    fondazionedechirico.org/en
    raybradbury.com
    allpoetry.com

    الأحد، مايو 18، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • ذات مرّة، أعلن الفنّان الهولندي ثيو فان دوسبيرغ أن الفنّ "قد سمّم حياتنا". وقال صديقه ومواطنه الرسّام بيت موندريان: إذا ألغينا الفنّ فلن يفتقده أحد". وأثناء الحرب العالمية الأولى، أعلن الشاعر الروسي ماياكوفسكي أن الفنّ قد مات بالفعل. وكتب: وَجد الفنّ نفسه في قاع الحياة، كان ضعيفا ولم يستطع الدفاع عن نفسه".
    وقال ألبيرتو جياكوميتي، أحد أهمّ نحّاتي القرن العشرين :إننا نبالغ في تقدير أهمية الفنّ، مع ان أغلبية الأحياء مستغنون عنه تماما". ومن جهته دعا أندريه بريتون زعيم السورياليين إلى إنهاء الفنّ والأدب. كان بريتون يعمل طبيبا نفسيّا يعالج الجنود المصابين بصدمات نفسية. وقد جعلته تلك التجربة يائسا من قدرة أيّ نوع من الفنّ على تعويض كلّ الأهوال والفظائع التي رآها خلال الحرب. ومع ذلك، فإن هذا هو بالضبط دور الفنّ في حياتنا. فإذا مررتَ بظروف سيّئة مثلا، فإنك تريح نفسك بالفنّ وبه تخفّف من غضبك وشعورك بالإحباط.
    يقول الكاتب مورغان فالكونر إن الدعوات المبكّرة لإنهاء الفنّ لم تحقّق أهدافها. ولم تكن البدائل المقترحة دائما قابلة للتطبيق. وكان بريتون قد اقترح المشي في المدينة كشكل جديد من النشاط الشعري الذي يمكن ان يتولّد عن اللقاءات العابرة والأفكار الجانبية التي قد يثيرها المشي.
    قد تبدو الدعوة إلى القضاء على الفنّ هدفا للفلاسفة المتطرّفين أو الظلاميين المتعصّبين، رغم أن إمكانيات الفنّ العديدة يمكن أن تساعدنا على رؤية العالم بشكل أفضل وتوفّر لنا صحبة مميّزة. الكاتبة الأمريكية توني موريسون عبّرت عن هذه الجزئية ببلاغة عندما قالت: إن العالم مصاب بكدمات وجروح كثيرة. صحيح أنه لا ينبغي تجاهل آلامه، لكن من الضروري أيضا رفض الاستسلام لشروره ونواقصه. ففي أحيان كثيرة يمكن أن تقود الفوضى الى المعرفة، بل وحتى إلى الحكمة. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن التأثير النفسي والجمالي للفنّ".
  • ❉ ❉ ❉



    ❉ ❉ ❉

  • لم يكن جورج أورويل فيلسوفا ولا منظّرا إيديولوجيا، لأنه لم يتبنَّ قطّ فلسفة خاصّة به. لكنه لم يكن مجرّد مؤلّف، لأن المقالات والروايات التي كتبها تتّسم جميعها بالعمق السياسي والتحليلي وتكشف عن الإخفاقات المنهجية التي تعيب الثقافة الإنسانية.
    وعلى الرغم من شهرة رواية اورويل "1984"، إلا أنها ليست بالرواية الممتعة أو الجذّابة، وفيها أطلق الكاتب تحذيرات حادّة وحصيفة بشأن مستقبل مروّع محتمل للبشرية. كان أورويل أشبه ما يكون بالفأر الذي يحاول إخبار الفئران الأخرى بالهاوية التي تنتظرهم، فيتجاهلونه أثناء اندفاعهم المتهوّر وقصير النظر إلى الأمام.
    كما تتحدّث الرواية عن زمن آتٍ تستطيع فيه الحكومة أو "الأخ الأكبر" مراقبة كلّ تصرّفاتك والتلاعب بها وغسل أدمغة الأفراد وتلقينهم أفكارا معيّنة لدرجة أنهم يقومون ببقية أعمال المراقبة لصالح الحكومة.
    وتُعدّ "1984" رواية مهمّة لعدّة أسباب، فهي تقدّم صورة مرعبة لنظام شمولي يستخدم المراقبة المتطرّفة والدعاية والتلاعب النفسي، كما أنها تحذّر من مخاطر السلطة الحكومية غير المقيّدة وتآكل الحريّات الفردية.
    كما تتحدّث عن فكرة "اللغة الجديدة" المصمّمة للحدّ من نطاق الفكر، وعن العلاقة بين اللغة والسلطة، في إشارة إلى أن التحكّم في اللغة يمكن أن يتحكّم في كيفية تفكير الناس. وتشير الرواية الى أنه إذا تمكّنتَ من التحكّم فيما يستطيع الناس قوله، فإنك بذلك تتحكّم فيما يستطيعون التفكير فيه. ولا يتعلّق الأمر بإجبار الناس على الخضوع، ولكنه بحسب اورويل يتعلّق أكثر باستخدام اللغة لحمل الناس على التحكّم بأنفسهم.
    كان لهذه الرواية تأثير عميق على الأدب والسياسة والثقافة الشعبية. وقد صارت عبارات، مثل "الأخ الأكبر" و"الجهل قوّة" و"الكذبة التي تُروى ألف مرّة لا تظلّ كذبة" التي ابتكرها اورويل، رمزا للرقابة الحكومية المتطفّلة والممارسات القمعية وفقدان الخصوصية في المجتمع الحديث.
    وموضوعات "1984" ما يزال لها صدى قويّ في سياق اليوم، وهي بمثابة قصّة تحذيرية حول هشاشة الديمقراطية والحرّيات الشخصية، حيث أصبحت القضايا المتعلّقة بتكنولوجيا المراقبة والتضليل والاستبداد منتشرة بشكل متزايد. وتظلّ الرواية نصّا بالغ الأهمية لفهم ديناميكيات القوّة والسيطرة والمقاومة، ما يجعلها عملا أدبيّا خالدا وذا صلة مستمرّة بالواقع الانساني.
  • ❉ ❉ ❉

  • توصف الاقتباسات بأنها جوهر الحكمة وخلاصة الفكر. وهي جمل موجزة ومكثّفة وملهِمة وسهلة التذكّر. ومشاركتها مع الآخرين دليل على أن المقتبس يحبّ القراءة وينشر الفائدة والإيجابية وإعمال العقل. وكالعادة، ومن وقت لآخر، أضع هنا بعض الاقتباسات التي قرأتها هنا أو هناك وأثارت اهتمامي أو إعجابي، راجياً أن تُعجب القارئ.

    ◦ في يوم من الأيّام، كانت لديّ موهبة. كنتُ أستطيع أن أصنع من الكلمات حُبّا، كما يصنع الخزّاف أكواباً من الطين، حُبّا يشيّد إمبراطورية، يربط بين قلبين مهما كانت الصعاب. بستّة بنسات للسطر، كنت أستطيع أن أثير شغبا في دير. لكن الآن، فقدتُ موهبتي، أشعر وكأن ريشتي قد انكسرت وخيالي قد جفّ وذكائي قد تلاشى. جيفري يوجينيدس

    ◦ عندما يُطبّق الاتصال اللاسلكي بشكل مثالي، ستتحوّل الأرض بأكملها إلى دماغ ضخم، وهي كذلك بالفعل، فكلّ شيء فيها عبارة عن جسيمات حقيقية ومتناغمة، وسنتمكّن من التواصل مع بعضنا البعض قريبا، بغضّ النظر عن المسافة. ليس هذا فحسب، بل من خلال التلفزيون والهاتف، سنرى ونسمع بعضنا البعض بوضوح كما لو كنّا وجها لوجه، رغم مسافات آلاف الأميال. وستكون الأجهزة التي تحقّق كلّ هذا بسيطة للغاية مقارنة بهواتفنا الحالية. وسيتمكّن أيّ شخص من حمل هاتف واحد في جيب سترته. نيكولا تسلا، 1926

    ◦ تمتلك الكلاب حاسّة شمّ أفضل من الانسان وخلايا عصبية أكثر. وعندما يجلس كلب بجانب النهر وأنفه يرتجف فرحا، فمعنى هذا أنه يستنشق عوالم من الروائح التي لا نستطيع نحن البشر حتى تخيّلها. لذا عليك أن تُرضي كلبك بتركه يشمّ كلّ نبتة او شجرة، وحاول أن تأخذه معك في رحلة شمّ مرّة واحدة على الأقلّ أسبوعيا. نظنّ نحن البشر أننا نعرف الكثير، لكن الحقيقة أننا لا نكاد نعرف شيئا. فهذه المخلوقات البرّية البسيطة تُذكّرنا بوجود أحاسيس وعوالم أخرى لا يمكن حتى أن نحلم بها برغم كلّ فلسفاتنا وادّعاءاتنا. إدوارد يونغ

    ◦ يعتقد معظم الناس أن الظِلال تتبع الكائنات أو الأشياء أو تسبقها أو تحيط بها. والحقيقة هي أن الظِلال تحيط أيضا بالكلمات والأفكار والرغبات والأفعال والدوافع والذكريات. إيلي ويزل

    ◦ إملأ وعاءك حتى الحافّة وسوف ينسكب. استمرّ في شحذ سكّينك وسوف يكلّ. إبحث عن المال والأمان ولن يرتاح قلبك أبدا. اهتم برضا الناس وستصبح أسيرهم. قم بعملك ثم انسحب: هذا هو الطريق الوحيد إلى السكينة وراحة البال. لاو تزو

    ◦ في السنوات الأخيرة، انتشرت العناصر المنقوشة في العمارة. ومن خلال العديد من الدراسات، اتضح أن الجمهور يفضّل العمارة ذات الطابع الزخرفي. وكثيرا ما يربط الناس الزخرفة بالجمال والدفء والثراء الثقافي. فالمباني التي تتميّز بعناصر زخرفية تثير مشاعر أقوى وتخلق شعورا بالهويّة والانتماء للمكان. وفي البيئات الحضرية، تسهم هذه المباني ذات الطابع الجمالي في تحسين صحّة السكّان بشكل عام وتعزّز ارتباطهم بمحيطهم. والعمارة بدون زخارف وتفاصيل معبّرة تشبه الموسيقى بدون نغمات عالية. وقريبا ستتيح التقنيات الجديدة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التعبير بشكل أكثر ثراءً وتفصيلاً عن الهندسة المعمارية الزخرفية، بحيث تذكّرنا بالمباني المصنوعة يدويّا في عصري الفنّ الجديد والآرت ديكو. اندي شو

    ◦ ذات مرّة، فكّرت في الكلمات الأخيرة التي سأقولها قبيل موتي. وبعد لحظات، خطرت لي هذه الكلمات:
    تغيّرت الفصول وتساقطت أزهار الكرز مرارا واختفت الرياح الآن. ويمكن للمرء أن يجد سلامه مع نموّ الطحالب على الحجارة. أتمنّى أن أكون مشرقا مثل النجوم أو ضوء القمر، وأن تكون السماء صافية عندما أغنّي تهويدتي الأخيرة. سايجيو

  • Credits
    philosophytalk.org
    orwellfoundation.com