:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، نوفمبر 28، 2013

شخصيّات في الرسم: سالومي

سالومي (أو شالوميت بالعبرية) هي واحدة من العديد من "النساء الشرّيرات" في تاريخ الفن. كانت ابنة لزوجة هيرود الذي كان ملكا على الجليل وحيفا في القرن الأوّل الميلادي. وكثيرا ما يأتي ذكر هذه المرأة، أي سالومي، مقرونا بحادثة قتل القدّيس يوحنّا المعمدان.
كان الملك هيرود متردّدا في قتل يوحنّا خوفا من ردود فعل الناس. وكان يوحنّا قد استنكر زواج هيرود من زوجة أخيه هيروديا، أي والدة سالومي. لذا قرّر هيرود الغاضب أن يُلقي بالقدّيس في السجن.
زوجة هيرود الجديدة والمثيرة للجدل كانت تريد يوحنّا ميّتا. وقد أتيحت لها فرصة مثالية لفعل ذلك خلال حفلة عيد ميلاد هيرود التي جمع فيها وزراءه وأركان حكمه. وتوسّلت الأمّ إلى ابنتها الجميلة سالومي كي تحاول التأثير على هيرود من خلال رقصها أمام الضيوف.
ويقال إن سالومي لم تكن قد بلغت سنّ المراهقة عندما أدّت أمام هيرود رقصة الأقنعة السبعة المشهورة. وقد وقع الملك تحت سحر حركاتها المغرية، لدرجة انه عرض عليها وعدا بمكافأة. فطلبت أن يُسلّم لها رأس يوحنّا المعمدان على طبق. كان هذا طلبا دمويّا، خاصّة أنها عبّرت عنه أثناء حفل عشاء. كانت سالومي، مثل أمّها، تريد القدّيس ميّتا. ومن المؤكّد أن غضب أمّها كان دافعا لها لأن تطلب ذلك الطلب الغريب والقاسي.
وكان واضحا أن سالومي تمكّنت من السيطرة على هيرود في لحظة لم يكن يستطيع فيها رفض طلبها. وكان التنفيذ فوريّا، ما بعث السرور والارتياح في قلب أمّها.
قصّة سالومي، الشابّة الجميلة والواثقة، وردت تفاصيلها في كتاب العهد الجديد. لكن المرأة لم تُمنح اسما إلا بعد أن أشير إلى حكايتها في الآثار المكتوبة لليهود.
قصّة سالومي ألهمت أعمالا مسرحية وسينمائية كثيرة، بالإضافة إلى تأثيرها في الأوبرا والباليه والرسم. الفنّانون الكلاسيكيون مثل بيتر بول روبنز وكارافاجيو وتيشيان وغويدو ريني صوّروا سالومي الفاتنة وهي ترقص. وفي العصر الحديث رسم القصّة فنّانون مثل أوبري بيردسلي وغوستاف كليمت واوديلون ريدون وغوستاف مورو وفرانز فون ستاك وروبيرت هنري وآخرين.
روبنز، مثلا، رسم لوحته حفلة هيرود في آخر عشر سنوات من حياته. موديل سالومي في اللوحة كانت زوجته ذات الستّة عشر عاما التي تزوّجها بعد وفاة زوجته الأولى. وقد رسم اللحظة التي تُقدّم فيها سالومي إلى هيرود رأس يوحنّا على طبق من الفضّة. هيرود الزائغ العينين ينتفض رعبا بينما ترتسم على وجه هيروديا ابتسامة خفيفة وهي تراقب ردّ فعله.
الرسّام الفرنسي هنري رينو (1843 – 1871) أظهر موهبة واعدة في بداية اشتغاله بالرسم. وقد توجّه إلى المغرب ليركب الموجة الاستشراقية، ورسم صورا استُقبلت استقبالا حسنا في صالون باريس. صورته عن سالومي المغرية وذات الشعر الداكن مع طبقها الفضّي رسمها عام 1870 واعتُبرت واحدة من أفضل لوحاته.
ومثل زميله الانطباعي الفرنسي فريدريك بازيل، تطوّع رينو في الجيش الفرنسي، وحارب بشجاعة خلال الحرب الفرنسية البروسية. لكنّّه واجه مصيرا مشابها لمصير بازيل، إذ قُتل في ميدان المعركة وعمره لا يتجاوز الثامنة والعشرين.


الرسّام الرمزيّ الفرنسيّ غوستاف مورو (1826 - 1898) كان، على ما يبدو، مفتونا برسم النساء الشرّيرات. وقد رسم عدّة صور لسالومي عام 1875. ويقال إن صُوَره لها ألهمت اوسكار وايلد كتابة مسرحيّته سالومي عام 1891. وكان وايلد قد كتب المسرحية في البداية باللغة الفرنسية، لأن إنجلترا آنذاك لم تكن تسمح بإعادة تمثيل قصص الإنجيل أدبيّا أو فنّيا.
في لوحة مورو المسمّاة الظهور "أو التجلّي"، يصوّر الفنّان الحادثة بعد انتهاء الجريمة. الرسّام استخدم الألوان المائية ورسم جسد المرأة بنغمات لونية غنيّة وتمكّن من إيصال التفاصيل المعقّدة لجسدها المرصّع بالجواهر ولخلفية المشهد الفخم.
في اللوحة يقف الجلاد صامتا، يداه على مقبض سيفه الطويل المبقّع بالدم. والرأس المقطوع للقدّيس يقطر دما. والعينان الشبحيّتان ترمقان الراقصة بصمت بينما تنهمر منهما الدموع. الفم مشوّه ومفتوح، والعنق يكتسي لونا قرمزيا، والوجه مطوّق بهالة من الفسيفساء.
التفاتة سالومي نحو الجدار حيث يظهر الرأس المقطوع تشلّ حركتها وتصيب يديها وأصابعها بالتشنّج. هي متكشفة تقريبا. وفي ذروة حماسها للرقص يسقط خمارها. رأس القدّيس يشتعل وينزف بينما الدم يسيل على أطراف لحيته وشعره. سالومي فقط هي التي ترى الرأس. والدتها هيروديا لا يشغلها سوى أنها انتقمت أخيرا. هيرود أيضا لا يرى الرأس، بل يبدو مائلا بجسده قليلا إلى الأمام وواضعا يديه على ركبتيه وقد أخبله عري المرأة المشبعة بروائح البخور والمُرّ.
الرسّام الأمريكي روبرت هنري (1865-1929) كان القوّة الخلاقة التي وحّدت مجموعة من ثمانية فنّانين شكّلوا في ما بعد ما عُرف بمدرسة آشكان للرسم الواقعي.
في عام 1909، رسم هنري أكثر من لوحة لسالومي، مع لمسة هزلية. سالومي ذات الخمار والتي ترتدي ملابس مطرّزة تبدو واثقة وهي تخطو إلى الأمام بساقين عاريتين وكأنها تؤكّد مقدرتها على جعل الرجال ينصاعون لأوامرها ويفعلون ما تريده.
الرسّامة الأمريكية المولد ايلا بيل (1846-1922) درست في باريس مع الأكاديميّ الفرنسيّ جان بول لوران. أعمال بيل ليست معروفة على نطاق واسع. لكن لوحتها عن سالومي كانت ثمرة مجهود رائع. وهي، أي اللوحة، تمثّل وجهة نظر فنّانة أنثى في موضوع ظلّ على الدوام مقتصرا تناوله على الرسّامين الرجال.
سالومي، كما رسمتها بيل، لها شعر فضفاض يطاول خصرها، بينما تكشف عن جزء من ثديها. ومن خلال تعبيرات الوجه، فإن بيل توحي بقوّة سالومي أكثر من كونها مغرية أو ذات جاذبيّة أنثوية.
الرسّام الرمزيّ الألمانيّ فرانز فون ستاك (1863-1928) تمكّن من الجمع بين الحسّي والمقدّس في لوحته عن سالومي التي رسمها عام 1906. سالومي فون ستاك تبدو نصف عارية، مع فم واسع ومفترس يتناقض مع حركات يدها المثيرة. وهي ترقص أمام سماء مرصّعة بالنجوم، في حين يظهر عبد حاملا رأس يوحنّا المعمدان على طبق. رأس القدّيس يحيط به شعاع من نور، في إشارة إلى أنه على الرغم من انه أصبح الآن جثّة هامدة، إلا أن إرثه كرجل مقدّس سوف يعيش إلى الأبد.
ولعلّ أفضل ختام للموضوع هو سماع بعض الموسيقى ذات الصلة. المؤلّف الموسيقيّ الألمانيّ ريشارد شتراوس ألّف أوبرا سالومي التي يعتبرها الكثيرون أشهر عمل موسيقيّ عن القصّة. على هذا الرابط مقطع من تلك الأوبرا عنوانه رقصة الأقنعة السبعة.

موضوع ذو صلة: كليوباترا في الرسم