:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، يونيو 25، 2014

تأمّلات ماركوس اوريليوس

تخيّل أن يصبح فيلسوف حاكما أو امبراطورا على بلد ما، ما الذي سيحدث؟!
ماركوس اوريليوس كان امبراطورا حكم روما من عام 161 إلى عام 180م. وكان يشاركه الحكم امبراطور آخر يقال له لوسيوس إلى حين وفاة الأخير عام 169م.
كان اوريليوس الأخير في سلسلة من الحكّام الذين كانوا يسمّون بالأباطرة الخمسة الطيّبين. والمؤرّخون يعتبرونه احد أهمّ الفلاسفة الرواقيين. وما أن يُذكر اسمه حتى يتبادر إلى الذهن كتابه المشهور "التأمّلات"، وهو مجموعة من التمارين الفلسفية التي تُعنى بتحليل أحكام الإنسان على الأشياء ومحاولة استنباط فكرة أو منظور شامل عن الكون.
وفي الكتاب أيضا يتحدّث اوريليوس عن الخدمة والواجب وكيف يمكن للإنسان أن يحتفظ بالاتزان ورباطة الجأش وسط الصراع وذلك باتّباع الطبيعة كمصدر هداية وإلهام.
من منظور حديث، لا يمكن تصنيف ماركوس اوريليوس ضمن الصفّ الأوّل من الفلاسفة القدماء. وبالتأكيد هو ليس بمنزلة أفلاطون ولا أرسطو أو سقراط. لكن هذا لا يقلّل من مكانته كفيلسوف ولا من قيمة وأهمّية كتابه.
والذين أرّخوا لحياته قديما قالوا انه كان رواقيّا وأنه تتلمذ على يد ايبيكتيتوس. لكن في "التأمّلات" لا توجد إشارة واضحة على كونه رواقيّا. وربّما يوحي هذا بأنه ألّف الكتاب لنفسه ولم تكن تلك محاولة منه لتعريف نفسه للجمهور. لكن من الواضح أن الرجل كان منفتحا على الأفكار والتقاليد الفلسفية المختلفة في زمانه.
كتاب "التأمّلات" لا يقدّم نظريات فلسفية مثل تلك التي كتبها أرسطو مثلا. كما لا يمكن مقارنته بنظريات هيروكليس الرواقي الذي يقال انه كان معاصرا لماركوس. لكن هذا الكتاب يحتوي على بعض الاضاءات والحكم الفلسفية العميقة.
يقول اوريليوس مثلا:
  • كم من الوقت يمكن أن يوفّر الإنسان لو انه لا يهتمّ بما يفعله جاره أو فيمَ يفكّر.
  • لا تنظر إلى شيء على انه ميزة لك إذا كان ثمنها أن تنكث بوعودك وتفقد احترامك لنفسك.
  • الإنسان النبيل يقارن نفسه بمن هم اكبر منه. والإنسان الوضيع يقارن نفسه بمن هم اقلّ منه.
  • الموت يحرّر الإنسان من متطلّبات الحواسّ ومن الرغبات التي تستعبدنا ومن تقلّبات العقل ونزوات الجسد.
  • انظر إلى الماضي وتأمّل كم من الامبراطوريات التي صعدت ثم سقطت. ويمكنك بعد ذلك أن تتنبّأ بالمستقبل أيضا.
  • عندما تستيقظ في الصباح، فكّر في معنى وقيمة أن تكون على قيد الحياة. أن تفكّر يعني أن تستمتع وأن تحبّ.
  • أفضل أنواع الانتقام هي أن لا تتصرّف مثل الشخص الذي أساء إليك أو ألحق بك أذى.
  • غاية الحياة ليست في أن تكون في صفّ الأغلبية، ولكن في أن تهرب لتجد نفسك في النهاية في صفوف المجانين.
  • حاول أن تستمتع بحياتك. إن كانت هناك آلهة وهي عادلة فلن تهتمّ بما إذا كنت تقيّا أم لا، ولكنها سترحّب بك وترضى عنك بسبب الفضائل التي تحوزها. وإن كانت هناك آلهة وهي ليست عادلة فلا يجب أن تقدّسها من الأساس.
  • ليس الموت ما يجب أن يخشاه الإنسان، بل الخوف من أن لا يعيش حياته أبدا.
    المؤسف أن عهد ماركوس اوريليوس الذي دام عقدين اتسم باستمرار الحروب والصراعات. ولأنه رجل مثقّف وصاحب فكر إنساني كما تشي بذلك كتاباته، فقد كان يكره الحروب وسفك الدماء ويؤمن بالحوار بديلا عن المواجهة والقتال.
    غير انه لم ينسَ أيضا انه رجل سياسة وانه مسئول عن مصير بلد وأن عليه أحيانا أن يتخذ قرارات حازمة ومؤلمة. لذا تحتّم عليه مواجهة سلسلة من الغزوات على يد القبائل الجرمانية. كما اُجبر على أن يواجه ثورات وتمرّدات داخلية من قبل بعض قوّاده. وخلال حكمه، ألحق الهزيمة بالإمبراطورية البارثينية في الشرق واستولى على المدائن عام 164م.
    ومن المفارقات الغريبة أن اوريليوس ألّف كتاب "التأمّلات" عندما كان منهمكا في تسيير إحدى حملاته العسكرية ما بين عامي 170 و180م. كان من عادته أن يفوّض الكثير من صلاحياته لقائد جيشه بينما يصرف هو معظم وقته في الكتابة والتأمّل.
    يقول ماركوس اوريليوس في نهاية كتابه: سعادتك في الحياة تعتمد على نوعيّة أفكارك".
    ويمكن القول بلا مبالغة أن هذه العبارة تختزل كلّ ما يقوله ويردّده منظّرو تطوير الذات في كتبهم ومحاضراتهم هذه الأيّام.