:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، مارس 11، 2019

لينين: الوجه الآخر

كان فلاديمير لينين وما يزال شخصية مثيرة للجدل في روسيا وخارجها. بعض المؤرّخين وصفوا حكمه بالشموليّ وبالدولة البوليسية. والبعض الأخر وصفوه بديكتاتورية الحزب الواحد. وهناك من يمتدحه لأنه عدّل النظرية الماركسية بحيث جعلها تناسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية في روسيا.
وبعض كبار مثقّفي اليسار في العالم اليوم مثل فريدريك جيمسون وسلافوي جيجيك يدعون إلى استلهام روح لينين الثورية وغير المهادنة في حلّ مشاكل العالم المعاصر.
السلطات السوفياتية لم يكن من مصلحتها أن يعرف الناس شيئا عن الجانب المظلم في شخصية لينين. كان هو مهندس الثورة البلشفية وأوّل رئيس للبلاد. وشخصيّته مرتبطة جدّا بالثورة لدرجة أن اهتماماته الثقافية الواسعة كان يتمّ تجاهلها غالبا.
يقال أن لينين كان حريصا على أن يكون منسجما مع مبادئه. وهذا الشعور تحوّل إلى صلابة لا تلين أثناء الحرب الأهلية، فحارب المؤسّسات والأشخاص الذين كانوا يمثّلونها حتى لو استدعى الأمر تصفيتهم. وكان يعتبر أن هذا ضرورة مؤسفة ويجب تجنّبها قدر الإمكان في ظروف معيّنة.
كما كان يكره المثقّفين ويحبّ صحبة البسطاء. وأثناء الحرب الأهلية (1918 - 1921) شدّد قبضته على السلطة وقضى على أحزاب المعارضة، كما أمّم البنوك والمصانع ووزّع الأراضي على الفلاحين.
منتقدو لينين يقولون إن ثورة عام 1917 كانت جزءا من انتقام شخصيّ وانه أراد من خلالها أن يثأر لموت شقيقه الذي اُعدم في سنّ العشرين بسبب ما قيل عن تورّطه في مؤامرة لاغتيال القيصر، أي أن دافع لينين للثورة كان شخصيّا وليس سياسيّا أو أيديولوجيّا.
وجزء من أسطورته يتمثّل في انه كان شخصا باردا ومنطقيّا. وقد أراد أن يدمّر كلّ شيء ويبدأ من جديد.
والجانب الآخر من شخصيّته يشير إلى انه كان شخصا يضجّ بالحياة ويتمتّع بروح دعابة عالية. كان يستمتع بالرماية وصيد السمك ولعب الشطرنج ويقرأ لبوشكين وتولستوي.
ولد فلاديمير لينين في بلدة سيمبريسك على ضفاف نهر الفولغا عام 1870. كان الابن الثاني لزوجين مثقّفين كانا يحبّان الفنون والأدب.
والده كان مفتّش مدرسة، وقد تمّت ترقيته إلى سلك النبلاء مكافأة له على خدمته للدولة. وكان يمتلك مكتبة كبيرة تضمّ العديد من الكتب لتي تشهد على حبّه للأدب الكلاسيكيّ الفرنسيّ، خاصّة أعمال هوغو وموليير وبلزاك.
أمّا والدة لينين فتنحدر من عائلة ألمانية مرموقة. وكانت الأمّ تهتمّ بالأدب الألمانيّ، خاصّة أشعار هايني وشيللر. لكنّها أيضا كانت تملك نسخة من الأعمال الكاملة لشكسبير وكتاب "تاريخ الثورة الفرنسية" بلغته الأصلية.
كما كانت الأمّ تحبّ الموسيقى. وقد زرعت هذا الحبّ في أطفالها بتعليمهم العزف على البيانو. وأظهر لينين نفسه حبّا للموسيقى في عمر مبكّر. وكان يعزف البيانو مع شقيقته. ولطالما حضرا معا حفلات للأوبرا في قازان وسانت بطرسبيرغ أثناء دراستهما الجامعية.
كما كان أيضا قارئا مواظبا للأدب وأعمال الإغريق والرومان مثل شيشرون واوفيد وهوميروس وغيرهم، بالإضافة إلى كتب الأدب الكلاسيكيّ مثل شعر بوشكين وروايات غونتشاروف وتورغينيف.
الكاتب مكسيم غوركي يتذكّر أمسية في موسكو كان لينين خلالها يستمع إلى سوناتا بيتهوفن للبيانو رقم 23 والمعروفة بـ باشيناتا بعزف البيانيست الروسيّ ايساي دوبروفين.


وقد عبّر لينين عن إعجابه الشديد بتلك الموسيقى بقوله: لا اعرف شيئا أفضل من باشيناتا. يا لها من موسيقى مذهلة صاغها إنسان خارق. إنني استمع إليها كلّ يوم وهي تشعرني دائما بالكبرياء. وقد يكون من السذاجة الطفولية أن تعتقد أن البشر يمكن أن يصنعوا مثل هذه المعجزات".
وأضاف: لا استطيع سماع الموسيقى دائما لأنها تؤثّر على أعصابي. ومع ذلك استغرب كيف أن البشر الذين يعيشون في هذا الجحيم القذر، أي الأرض، يمكن أن يخلقوا مثل هذا الجمال. هذه الأيّام لو ربّتَ على رأس إنسان فقد يردّ عليك بقضم يدك".
وختم لينين ملاحظته تلك بقوله: ولهذا السبب يجب أن تُضرب الرؤوس الصغيرة بلا رحمة، رغم أنني من حيث المبدأ ضدّ ممارسة أيّ عنف على البشر، ويا لها من مهمّة صعبة وشيطانية في آن".
هل كان لينين يقصد أن الموسيقى رغم جمالها تصرفه عمّا يعتبره نضالا من اجل العدالة في تلك المرحلة؟ اغلب الظنّ انه لم يكن يقصد أن السياسة أهمّ من الموسيقى والفنون. فقد كان يؤكّد دائما على أهمية الثقافة من اجل حياة كاملة وذات معنى، بل وأوصى رفاقه بأن يتفهّموا الفنون البورجوازية وألا يرفضوها. وكان يرى انه من دون عدالة اقتصادية فإن الاستمتاع بالفنون يصبح مجرّد ترف لا تنعم به سوى النخبة أو الطبقة المرفّهة فقط.
في الذكرى المئوية الأولى لانهيار الإمبراطورية الروسية وقيام الثورة البلشفية، امتنعت جميع محطّات التلفزة الروسية عن إحياء المناسبة بناءً على قرار من الكرملين.
وبالتالي لم يُذكر اسم لينين ولا أيّ من رفاقه في التغطية الإعلامية. وقد وجّه الرئيس فلاديمير بوتين مستشاريه بأن من غير الضروريّ الاحتفال بذكرى الثورة، فروسيا ليست بحاجة إلى ثورات بقدر ما تحتاج إلى الأمن والاستقرار.
وبوتين يرى أن انهيار الإمبراطورية لا يعدو كونه مجرّد حدث تاريخيّ ضئيل الأهمّية. والإمبراطورية التي في ذهنه ليست نسخة مصغّرة من إمبراطورية نيكولا الثاني، بل إمبراطورية افتراضية تتضمّن بعض سمات الاتحاد السوفياتي والكنيسة الأرثوذوكسية الروسية، بالإضافة إلى أفكار السيادة والشعبوية وجوزيف ستالين والانتصار في الحرب العالمية الثانية ورحلة يوري غاغارين إلى الفضاء وقصور كاثرين العظيمة.
أما أساس إمبراطورية بوتين فمبنيّ على عظمة روسيا الكامنة والمستندة إلى فكرة أن هذا بلد يجب أن يخشاه الآخرون ويحترموه. وليس في أيديولوجيا الإمبراطورية اليوم شيء من الثقافة العظيمة (تولستوي ودستويفسكي والآخرون) أو المجتمع المدنيّ الحقيقيّ. المهم هو إمبراطورية روسية منتصرة، وأيّ شيء لا يتساوق مع هذه الصورة يمكن استبعاده.
ومن منظور بوتين فإن ثورة 1917 هي أسوأ حدث بالنسبة للدعاية الرسمية الروسية. كما أن قصّة سقوط الإمبراطورية لا تتضمّن أيّة شخصية يمكن لبوتين أن يتماهى معها. فهو ليس ستالين الذي قاد البلاد إلى النصر في الحرب وإن بثمن باهظ، كما انه ليس نيكولا الثاني الذي تنازل عن عرشه وسلّم إمبراطورية، وليس لينين الثوريّ الذي دمّر إمبراطورية.
وبوتين لا يخفي كراهيته للينين مشيرا إلى انه الرجل الذي وضع قنبلة موقوتة تحت سرير روسيا.
الإعلام الروسيّ بدوره مملوء بنظريات المؤامرة. فثورة فبراير التي أسقطت القيصر نيكولاي الثاني كانت برعاية وتخطيط من الانجليز. وثورة أكتوبر التي جلبت البلاشفة إلى السلطة موّلها الألمان الذين سهّلوا للينين مهمّة العودة إلى روسيا للمساعدة في إنهاء الحرب العالمية الأولى.

Credits
history.com