:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، ديسمبر 17، 2016

كرمنجان: ملكة الجبال


قيرغيزستان هي إحدى جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت محكومة من روسيا. مساحتها تعادل مساحة انجلترا واسكوتلندا معا. لكن سكّانها لا يتجاوز عددهم الستّة ملايين نسمة.
والقيرغيز، تاريخيّا، هم شعب من البدو الرحّل كانوا يعتمدون التاريخ الشفهيّ لقرون. لكن في أوساط المتعلّمين منهم، ظلّ الخطّ العربي هو المستخدم منذ بدايات القرن الماضي.
وكثيرا ما يستخدم القيرغيز كلمة ملحمة في أحاديثهم، وأشهر ملاحمهم اسمها "ملحمة مناز" على اسم احد أبطالهم القوميين، وعمر هذه الملحمة أكثر من ألف عام وتتألّف من نصف مليون سطر.
لكن هناك ملحمة أخرى يعتزّ بها القيرغيز كثيرا، بطلتها امرأة صعدت من النسيان فجأة لتصبح قوّة سياسية لعبت دورا مهمّا في توحيد قيرغيزستان في القرن التاسع عشر.
إسم هذه المرأة كرمنجان. وعنها وعن حياتها وكفاحها ظهر مؤخّرا هذا الفيلم الذي يوضّح لماذا ثقافة القيرغيز تزخر بالقصص الملحمية مثل أرضهم نفسها.
الفيلم يحكي قصّة هذه المرأة، كما انه يصوّر آسيا الصغرى كمنطقة عانت من الاضطرابات على مرّ قرون وأنهكتها جيوش جنكيز خان ثمّ تيمورلنك بالإضافة إلى غيرهما من الغزاة.
في ذلك الوقت، كان القيرغيز منقسمين إلى أربعين قبيلة متنافرة في السهوب الواسعة وسلاسل الجبال النائية.
كانت كرمنجان امرأة ذكيّة، ويقال أنها كانت في شبابها تؤلّف أشعارا بالفارسية وتذيّلها باسم مستعار هو "زينات".
وقد ولدت هذه المرأة، واسمها الأصليّ ايلينا، لعائلة بسيطة تنتمي إلى قبيلة مونغوشي التي كانت معترفا بها من قبل الشعوب الثلاثة الأخرى، أي بخارى وكوكند وروسيا.
في طفولتها، لم تكن كرمنجان تختلف عن غيرها من الأطفال، إلى أن تنبّأ لها احد العرّافين بقدَر غامض وبأنها ستصبح زعيمة على شعبها.
وعندما بلغت مرحلة النضوج، طلب يدها من أهلها احد الزعماء القبليين هناك. لكن عندما أساء ذلك الزعيم معاملتها، هربت من الزواج الذي أكرهت عليه وعادت إلى منزلها جالبة "العار" على أسرتها المسلمة والمحافظة.
الزوج الذي أجبرت على الزواج منه يروي القرغيز قصصا كثيرة عن قسوته وتسلّطه، من قبيل انه كان يثقل كاهل الناس بالضرائب ويقتل خصومه بصلبهم وتسمميهم واختطافهم.
كان هروب كرمنجان من بيت الزوجية يُعدّ انتهاكا للقيم الأبوية والتقاليد العشائرية. كما أن قرارها التالي بأن تتزوّج من الرجل الذي كانت تحبّه كان، هو أيضا، تحدّيا للتقاليد القبلية الراسخة هناك منذ القدم.
استعادت كرمنجان اعتبارها عندما تزوّجها عليم بك، وهو زعيم قبليّ آخر كان يقاسمها الطموح بأن تتوحّد قبائل القيرغيز وتشكّل معا تحالفا يمكن أن يصدّ الغزاة الذين يهدّدون الحدود.
كان عليم بك حاكما على مقاطعة انديجان في خانة كوكند. وقد كان رجلا ذا نبل ومروءة، وكان يقف مع فكرة توحيد القيرغيز واستقلال خانة كوكند عن روسيا القيصرية.
كان عليم يعمل تحت لواء الأمير مظفّر الذي كان وقتها حاكما على خانة بخارى. وفي نفس الوقت كان يحكم خانة كوكند بما فيها خانة آلاي التي تنتمي إليها كرمنجان وقبيلتها.


وقد بارك مظفّر فكرة عليم بك بتوحيد القبائل ووعده بأن يقف معه ويدعمه إلى أن يتحقّق ذلك الهدف. لكن ابن مظفّر الأكبر كان له رأي آخر، إذ كان يطمح بأن تبقى السلطة مركّزة في عائلته. لذا أرسل سرّا ودون علم والده مجموعة من المجرمين لتغتال عليم بك. وفعلا تمّ له ما أراد عندما تمكّن رجاله من قتل عليم بك أثناء صلاته بينما كان في طريقه لمصالحة قبائل الشمال وعقد سلام معها.
بعد مقتل عليم بك، سارع الأمير مظفّر لزيارة كرمنجان لتعزيتها بمقتل زوجها، ثم ابلغها قراره بتعيينها أميرة على منطقتها في خطوة غير مسبوقة لأنها اعترفت بامرأة، ولأوّل مرّة، كقائد وزعيم. كما بادر مظفّر للانتقام من قتلة صديقه عليم بك بمن فيهم ابنه الذي خطّط ودبّر تلك المؤامرة.
غير أن تعيين كرمنجان كحاكم جاء في توقيت سيّئ، فخانة كوكند كانت تمرّ آنذاك بفترة انحدار وضعف، بينما كان الجيش الروسيّ يشقّ طريقه إلى وسط آسيا.
وكانت بلاد المرأة، أي خانة آلاي، أوّل محطّة في طريق الجيش الغازي. وكان عليها أن تقرّر إمّا السلام أو خوض الحرب، فاختارت الخيار الأول حقنا لدماء شعبها وعائلتها.
قرار كرمنجان كان حكيما عندما أقنعت زعماء القيرغيز بألا يحاربوا أقوى جيش وقتها، لأن التصدّي لعدوّ يفوقهم عددا وعدّة لن يؤدّي إلا إلى إبادة شعبها وتدمير بلدها. كما أنها لم تحارب لإنقاذ ابنها من الإعدام، بل حضرت تنفيذ الحكم وفضّلت عدم التضحية بمستقبل قومها من اجل إنقاذ ابنها.
كان الروس قد حكموا بإعدام ابنها بعد أن قتل جنودا رُوسا بسبب إهانتهم لزوجته عندما قصّوا خصلات من شعرها أثناء بحثهم عن مفتاح لصندوق رفض هو أن يفتحه.
وكانت عظمة كرمنجان تكمن في أنها قدّمت مصالح الناس على مصلحتها الخاصّة. كما أن تضحيتها بولدها سهّلت أمامها مهمّة التفاوض على حكم ذاتيّ معقول يحافظ على وحدة القبائل. وقد اعتُبرت تلك الخطوة الأساس القوميّ الذي بُنيت عليه الدولة في ما بعد.
في الفيلم تُصوّر كرمنجان كزعيمة وطنية ومدافعة عن حقوق النساء. لكن عيب الفيلم انه يقفز من مرحلة لأخرى، سنواتٍ وأحيانا عقودا، دون أن يشير إلى مرور الزمن وما حدث أثناء تلك القفزات.
لكن المخرج استطاع الإمساك بالطبيعة الخضراء الجميلة لآسيا الوسطى وثقافة الناس هناك، من الملابس الزاهية إلى الأجواء والطقوس المرتبطة بالأعراس والمآتم وغيرها من المناسبات.
المشهد الذي يظهر في بداية الفيلم، أي المرأة التي تُرجم حتى الموت لخيانتها زوجها، يقول بعض النقّاد والمؤرّخين انه ليس من تقاليد القيرغيز. ولو حدث مثل هذا الشيء فإن قبيلة المرأة تذهب إلى الحرب ولا ترجم المرأة.
في الفيلم ومن وقت لآخر، تظهر لقطة لنمر متحفّز وسط الطبيعة. وهو يظهر في كلّ مرّة تستدعي فيها البطلة القوّة والعزيمة، كما انه رمز للحرّية والشجاعة، علاوة على أن بعض القيرغيز يظنّون أنهم ينحدرون من سلالة النمور.
من بين الرسائل المهمّة التي يتضمّنها الفيلم أن المرأة يمكن أن تكون زوجة وأمّا وزعيمة للشعب في الوقت نفسه.
لنتذكّر أن كرمنجان عاشت في نهاية القرن التاسع عشر، أي أنها تتفوّق، زمنيّا ومن حيث الأسبقية، على انديرا غاندي وبنازير بوتو وغيرهما من النساء اللاتي تسلّمن دفّة الحكم في بلدانهن.
وقد عاملها الروس باحترام، بل ولقّبوها بملكة شعب آلاي. كما أكبروا فيها قرارها بحقن دماء شعبها وقدّروا تسامحها مع الثقافات والأديان المختلفة في آسيا الوسطى.
في بعض مشاهد هذا الفيلم، كثيرا ما تمتزج الحقيقة بالخيال. لكن علينا أن نتذكّر أن قصّة كرمنجان ونضالها ودورها الكبير في توحيد بلدها ترك أثره بوضوح على مستقبل القرغيز. وليس مصادفة أن قيرغيزستان هي الدولة المسلمة الوحيدة في وسط آسيا التي انتخبت منذ سنوات رئيسا لها امرأة هي روزا اوتونبيفا.
يمكن مشاهدة الفيلم كاملا على هذا الرابط .

Credits
hollywoodreporter.com

الأحد، ديسمبر 11، 2016

عالم رائع

كم أننا، نحن البشر، محظوظون بأن نكون جزءا من هذا العالم الرائع الذي نتقاسم العيش فيه مع ملايين المخلوقات الجميلة الأشكال والألوان.
هذا الطائر "فوق" ذو الألوان الزاهية والمتناغمة هو احد الطيور التي طالما أثارت اهتمام وفضول العلماء. اسمه الوروار، سريع الحركة وبارع في المناورة، تذكّرنا إيّاه إحدى أغاني فيروز المشهورة، آكل للعسل، وله صوت جميل، ويعيش في ثلاث قارّات، غالبا في الغابات وبالقرب من منابع المياه.
والوروار طائر غير عاديّ وطيرانه أشبه ما يكون بالمعجزة. ويمكن القول انه ثمرة للخطّ التطوّري بين ما كان يُعتبر ذات يوم زواحف، وبين مجموعة من الديناصورات آكلة اللحوم، وهي نوع من الوحوش ذوات الأقدام التي كانت موجودة على الأرض منذ ملايين السنين عندما كان البشر مجرّد ومضة سريعة في تاريخ التطوّر.
وفي الواقع، فإن كلّ الطيور هي سليلة الديناصورات! أي أن رحلة الديناصور لم تنته قبل 65 مليون سنة، بل تسلّلت بعض من جيناته من خلال المحرقة التي نجمت عن النيزك الذي ضرب الأرض آنذاك.
وهذه الجينات ما تزال تعيش وتتنفّس بيننا. ولو نظرت خارج نافذتك ليلا، فهناك احتمال أن ترى واحدا من أحفاد الديناصورات وهو يرفع صوته بالنقيق في مكان غير بعيد منك.
ولو بحثت في محرك غوغل عن "الأركيوبتركس"، فستكتشف ما اكتشفه علماء الحفريات في سبعينات القرن التاسع عشر، من أن خليّة صغيرة على شجرة الحياة التطوّرية يمكنها أن تحافظ على استمرارية الحياة دهوراً طويلة.
كلّ ما هو على الأرض من مخلوقات تدلّ على عظمة الخالق ومعجزة الخلق. وبين كلّ هذه الأعداد المهولة من النباتات والحيوانات والطيور التي تزيّن سطح وسماء هذا الكوكب الصغير، فإننا نحن البشر لسنا أكثر من جزء صغير وسريع الزوال من متاهة الحياة المعقّدة هذه.
في عام 1981 كتب العالم ريتشارد دوكينز يقول: كلّ شيء على هذه الأرض يناسب مكانه تماما. ومثل لعبة ضخمة، فإن كلّ شيء مصمّم للحياة. الشمس تشرق ثم تغيب، والهواء مُعدّ للتنفّس، والمياه تدعم الحياة، والأشجار تنمو، والمطر يهطل، وما ارتفع شيء إلى فوق إلا وعاد إلى أسفل".
من الصعب أن نصدّق كم نحن محظوظون بأن نأوي إلى النوم على أصوات أوركسترا من نقيق الضفادع ونستيقظ على أصوات جوقة من العصافير المغرّدة. وعندما ينتهي اجلنا على الأرض، فإننا نتمنّى لكلّ إنسان يعيش على وجه هذا الكوكب، بمن فيهم أبناؤنا وأحفادنا، أن يشعروا بنفس هذه البهجة التي لا تُوصف وأن يقدّروها حقّ قدرها.
إن أكثر من يقدّر هذه المنحة العظيمة هم الشعراء والكتّاب والفنّانون والنحّاتون والمغنّون والفلاسفة الذين يفهمون ما فهمته ريتشيل كارسون عندما أشارت ذات مرّة إلى أن الإحساس بالدهشة لا يقلّ أهمّية عن إحساسك بأنك تعرف".
إن الأشخاص الحالمين هم أولئك الذين يخطّطون حياتهم بحيث يعيشون دون أن يفسدوا أو يدمّروا الثرة الطبيعية للأرض، مقابل تلك الفئة من البشر الذين يعتقدون أن البشرية يمكن لها البقاء على قيد الحياة، بغضّ النظر عن حالة التدمير التي تتعرّض لها الغابات والأنهار والهواء.
ولو توقّف الإنسان عن التسبّب في مزيد من الأضرار للبيئة، فإن حالة الانقراض الوشيك التي تهدّد الكثير من الطيور والمخلوقات يمكن وقفها، فالطبيعة تعيد بناء نفسها تلقائيا من خلال نظم الإصلاح الذاتيّ التي تتولّى المهمّة.
وما سيحدث بعد ذلك هو أن الأنواع المتضائلة ستتكاثر، والغابات ستتجدّد، والأنهار والبحيرات ستطهّر نفسها. وبعد ذلك لن يمضي وقت طويل حتى تصبح المناطق المتضرّرة من عالمنا الرائع، ومرّة أخرى، ملاذات آمنة للحياة.

Credits
sanctuaryasia.com