:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، أغسطس 10، 2017

تكبيليك: سُلطان القلوب


من الأشياء الجميلة التي اكتشفتها في أوّل عهدي بالانترنت موسيقى الفنّان التركيّ عمر فاروق تكبيليك. عذوبة ألحانه وأناقة توزيعه الموسيقيّ ومزجه الرائع بين الموسيقى العربية والتركية والفارسية واليونانية والاسبانية، بل وحتى موسيقى الجاز الأمريكيّ، هي من أهمّ سمات موسيقاه.
في تلك الفترة، لم يكن تكبيليك قد اصدر سوى ألبوم أو اثنين، وأتذكّر أن عنوان أحدهما "ألِف"، وهو عنوان جميل وذو دلالة خاصّة، فالألِف هو أوّل حروف الأبجدية العربية، كما انه أوّل أحرف لفظ الجلالة "الله".
وفي السنوات التالية وحتى الآن، أصدر العديد من المجموعات الموسيقية التي يربو عددها اليوم على السبع.
في معظم صوره على الانترنت، يظهر تكبيليك وهو يعزف على الناي. وهو يتعامل مع هذه الآلة بطريقة ناعمة وحالمة. وقد تعلّم عزف الناي وهو في سنّ الثامنة، وفي الثانية عشرة أصبح يعزفه بحرفيّة. كما تلقّى دروسا على يد أشهر الموسيقيين الأتراك، مثل عصمت سيرال وأورهان كنج بيه وهو عازف وتريات وأحد ابرز ممثّلي الموسيقى المسمّاة بالأرابيسك.
وما من شكّ في أن تكبيليك هو احد الموسيقيين الروّاد الذين أسهموا في نشر موسيقى الشرق في البلدان الغربية. كما أن استخدامه للعود والزورنا والقانون والباجلاما والناي ببراعة، أسهم في انتشار وشعبية هذه الآلات الشرقية في الغرب.
ولد عمر فاروق تكبيليك عام 1950 في بلدة اضنة التركية القريبة من الحدود مع سوريا لأب تركيّ وأمّ مصرية. والمعروف أن هذه المدينة ظلّت دائما نقطة اتصال على الحدود بين الإمبراطورية الرومانية وعالم الشرق. لذا كان هناك على الدوام امتزاج ثقافيّ، بالإضافة إلى أن اضنة مشهورة بكثرة الموسيقيّين فيها.
ومنذ صغره اعتاد تكبيليك الاستماع إلى أغاني التراث الصوفيّ. وهو ما يزال يتذكّر كيف كان يستلقي على العشب في مروج الأناضول وهو طفل بينما كان يرعى الغنم ويعزف الناي.
وارتباط عمر فاروق بالتراث الصوفيّ واضح في أعماله. وهو يرى أن الروحانية والموسيقى عنصران متلازمان. "المتصوّفة يؤمنون بالوحدانية، وأينما نظر الصوفيّ فإنه يرى الله. وبالنسبة لي، الموسيقى نوع من العبادة وطريقة للاتصال بالخالق عزّ وجلّ".


في سنوات طفولته، أرسله والده للدراسة في مدرسة دينية. وبعد سبع سنوات تخرّج وعُيّن إمام مسجد. لكن شغفه بالموسيقى أنساه كلّ شيء. "لقد باركني الله في اللحظة المناسبة عندما بدأت الأشياء تتّضح لي، وما كنت اطمح به حقّقه ربّي لي في النهاية".
كانت الموسيقى تصدح في منزل والديه المتديّنين . "كان أبي يستمع إلى إذاعة القاهرة من مذياعه الصغير، وكان على دراية بكافّة أنواع المقامات الموسيقية".
وعندما انتقل عمر إلى اسطنبول، قابل هناك بعض دراويش المولوية، وهي طريقة صوفية قديمة ومشهورة في تركيا. وقد راقته كثيرا طريقة مزجهم للشعر والموسيقى والرقص، وكان لذلك تأثير كبير عليه من الناحية الوجدانية والموسيقية. "إن الله هو أعظم عازف على الإطلاق، وموسيقاه تتردّد في كلّ زاوية من أرجاء هذا الكون، ونحن نسمعها في كلّ حين، وفي النهاية ما نحن سوى نفحة من روح الله".
سجّل تكبيليك وأدّى ألحانه مع موسيقيين آخرين مشهورين، مثل نصرت فاتح علي خان وسيمون شاهين وعابدة برفين. كما تعرّف في الولايات المتحدة، حيث يعيش اليوم، إلى الموسيقيّ والعازف الأمريكيّ برايان كين.
كان كين وقتها يبحث عن موسيقيين كي يشاركوه في تأليف الموسيقى التصويرية لفيلم عن حياة سليمان القانونيّ. وكان تكبيليك في ذلك الوقت يعزف مع فرقة تُدعى "السلاطين". وقد كان عمله في ذلك الفيلم ناجحا جدّا واستمرّ تعاونه مع كين منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
يقول تكبيليك ردّا على سؤال عن هويّة موسيقاه: في الأساس موسيقاي تأتي من بلاد الهلال الخصيب. لكن هذه الأيّام لا توجد حدود، وأنا اعزف موسيقى من تركيا إلى المغرب. الموسيقى عابرة للقوميات، وأنا لا اشعر أنني انتمي إلى بلد معيّن ولا أفتخر بجنسية محدّدة. اشكر بلدي تركيا للأشياء التي منحتني إيّاها، لكني لست موسيقيّا تركيّا".
ويضيف: احمد الله على أن كلّ إنسان يستمع إلى موسيقاي يتماهي معها ويشعر انه ينتمي إليها. إننا جميعا بشر وأبناء آدم، والمشتركات التي تجمعنا كثيرة جدّا. ولا يجب أن ننسى أن البشر مصنوعون من إيقاع ونغم، ونحن نبحث عن التناغم في كلّ شيء".

Credits
omarfaruktekbilek.com