:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، أبريل 07، 2025

أصول التنّين


من الغريب أن التنّين هو الحيوان الوحيد، من بين اثني عشر كائنا في الأبراج الصينية، الذي لا وجود له. ولطالما حيّرت هذه الحقيقة العلماء الصينيين الذين تساءلوا دائما عن مصدر استلهام التنّين في الأدب والحياة.
في عهد أسرة هان الصينية، ارتبطت العديد من الآلهة وأنصاف الآلهة بالتنانين. وأحد أشهرها يقال له "التنّين المستجيب" الذي يقال أنه ساعد الإمبراطور الأصفر على هزم ملك آخر! كما يأتي ذكر العديد من الأبطال الأسطوريين الذين حُمل بهم بعد أن تزاوجت أمّهاتهم مع التنانين الإلهية.
كان يُعتقد أن التنّين له سلطة على المطر. والصلوات التي تستدعي التنانين لجلب المطر شائعة في النصوص الصينية. وأحد الكتب القديمة يصف صُنع تماثيل طينية للتنانين خلال فترة الجفاف وجَعْل الشباب والفتيان يسيرون ويرقصون بين التماثيل من أجل تشجيع التنانين على جلب المطر.
إحدى النظريات تقول إن التنّين تطوّر من الثعابين. ففي عام ١٩٤٦، تكهّن شاعر صيني بأن التنّين بدأ كنوع من الثعابين التي استخدمتها قبيلة قديمة كـ "طوطم". وبعد انتصار تلك القبيلة على قبائل أخرى في المعارك، كانت تدمج الطواطم الحيوانية للقبيلة المهزومة في طواطمها الخاصّة، ليتكوّن بعد ذلك مخلوق بأربع أرجل له رأس حصان وقرون غزال ومخالب كلب وحراشيف سمكة .
وقد دعمت السجلات الأثرية هذه النظرية، لا سيّما في موقع يقع بإحدى مقاطعات شمال الصين ويعود تاريخه إلى حوالي 4000 عام ويضمّ جدرانا ومرصدا فلكيّا ومقبرة. وقد اكتشف علماء الآثار في العديد من القبور الكبيرة ألواحا فخّارية على بعضها رسوم لمخلوقات ذات جباه بارزة وأنوف طويلة وألسنة وأنماط مخطّطة تشبه التنّين.
وفكرة أن التنّين مستوحى من الثعابين مقبولة على نطاق واسع بين عامّة الناس، بسبب جسمه الملتوي ولسانه الذي يشبه لسان الثعبان وافتقاره لأقدام. ومع ذلك، يفضّل عدد من المؤرّخين وعلماء الآثار البارزين مصدرا بديلا للثعابين، هو التماسيح. ففي عام ١٩٥٧، خصّص عالم حفريات صيني رائد فصلاً من أحد كتبه عن تطوّر التنّين..
وتعزّز نتائج في مجال علم آثار الحيوانات هذه النظرية، إذ تُظهِر أن سكّان الصين القديمة تفاعلوا مع التماسيح في مناطق جغرافية واسعة منذ أكثر من 8000 عام. وفي السنوات الأخيرة، عُثر على بقايا تماسيح في أكثر من 20 موقعا في الصين. وغالبا ما تكون عظام تماسيح نهر اليانغتسي المكتشفة في المواقع الأثرية مكسورة، ما يشير إلى أن الناس كانوا يأكلون لحومها. وفي بعض المناطق، استُخدمت جلودها لصنع الطبول.


بالإضافة إلى فرضيتي الثعبان والتمساح، هناك نظرية أخرى حول أصول التنّين، وهي هجين بين الاثنين. وتذهب هذه الفرضية الى أن صورة التنّين قد تشكّلت من خلال دمج سمات زواحف مختلفة كالتماسيح والسحالي والثعابين. كما تشير الى أن التنانين المبكّرة اكتسبت أجسامها وأنماطها من الثعبان، بينما اكتسبت رؤوسها وقرونها وحراشيفها ومخالبها من التمساح.
وهناك من يرى أن مفهوم التنانين ربّما نشأ من اكتشاف أحافير الديناصورات أو عظام الحيوانات الكبيرة التي عجز القدماء عن تفسيرها. عالم الأنثروبولوجيا ديفيد جونز افترض أن البشر ورثوا، كالقرود، ردود أفعال غريزية تجاه الثعابين والقطط الكبيرة والطيور الجارحة. واستشهد بدراسة وجدت أن ما يقرب من 39 شخصا من بين كلّ مائة يخافون من الثعابين، وأن التنانين تظهر في جميع الثقافات تقريبا بسبب خوف الإنسان الفطري من الثعابين والحيوانات الأخرى التي كانت تفترس أسلاف البشر.
وسواءً كانت الإجابة ثعابين أم تماسيح أم ديناصورات، فكلّ هذه ليست ما نعتبره اليوم تنّينا. وعلى الأرجح، استُلهم هذا المخلوق من مجموعة متنوّعة من الزواحف، لكن صورته تغيّرت مع مرور الوقت، إذ منحه الفنّانون سمات جديدة وقدرات غامضة وخارقة للطبيعة. وبذا أصبح التنّين طوطماً هجينا ودليلا على قدرة البشر على خلق معنى لأبسط الأشياء.
في القرن الخامس قبل الميلاد، ذكر المؤرّخ اليوناني هيرودوت في كتاب "التواريخ" أن غرب ليبيا كانت تسكنه ثعابين وحشية وأن الجزيرة العربية كانت موطنا للعديد من الثعابين الصغيرة المجنّحة التي تجتذبها الأشجار التي تنتج اللبان. كما أشار الى أن أجنحة الثعبان تشبه أجنحة الخفّاش، وأنه على عكس الأفاعي التي توجد في كلّ أرض، فإن الثعابين المجنّحة لا توجد إلا في الجزيرة العربية.
يقال إن التنانين كانت تسكن الكهوف المظلمة والبرك العميقة والبراري الجبلية وقيعان البحار والغابات المسكونة، وكلّها أماكن كانت محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأسلاف البشر الأوائل.
وفي أدب بلاد ما بين النهرين، هناك إشارات إلى التنانين ذات الشخصيات الخيّرة والشريرة. وفي الشعر السومري كثيرا ما يُقارن الملوك العظماء بالوحوش الافعوانية العلاقة. وفي الأدب الصوفي كتب جلال الدين الرومي في إحدى مثنوياته أن التنّين يرمز إلى الروح الحسّية والجشع والشهوة التي تحتاج إلى الإذلال في المعركة الروحية.
في الأدب الحديث تنتشر التنانين بوفرة، كما في رواية "الهوبيت" لتوكين ورواية "صراع العروش: أغنية الجليد والنار" لجورج مارتن. وقد أثّرت هذه الأعمال على المفاهيم الحديثة عن التنانين. وبشكل عام، لا يرتبط أصل التنانين بحدث أو ثقافة واحدة، بل هو مزيج غني منسوج من خيوط تاريخية وطبيعية وثقافية متنوّعة.

Credits
worldhistory.org