بعد قصة الرسومات الكاريكاتيرية وما أثارته من ردود أفعال مفرطة ومتشنّجة، تأتي قصة الشاب الأفغاني عبدالرحمن الذي تحوّل منذ ستة عشر عاما إلى المسيحية لتضيف المزيد من المتاعب للمسلمين ولتشوّه صورة دينهم اكثر.
الأوربيّون والأمريكيون غاضبون من حكم القضاء الأفغاني بإعدام الشاب تنفيذا لـ "حدّ الردّة"، على اعتبار أن في ذلك انتهاكا لأحد حقوق الإنسان الأساسية وهو حقّه في الاعتقاد وحرّية الضمير.
والحقيقة انه لا يوجد من يشوّه صورة الإسلام ويسئ إليه اكثر من المسلمين أنفسهم.
وفضلا عن أن القرآن الكريم واضح في انه "لا إكراه في الدين"، فإن ما وصلت إليه البشرية على مدى قرون طويلة من قوانين وحقوق تكفل للإنسان حرّيته في الدين والمعتقد، كل ذلك يبطل دعاوى هؤلاء الذين لا يوجد في قواميسهم وفي تفكيرهم سوى كلمات القتل وسفك الدماء وقطع الأيدي وقهر الإنسان والتنكيل به تحت غطاء الدفاع عن الدين والغيرة عليه.
قال لي صديقي "الكافر" الذي طالما حاولت إقناعه بأن الإسلام دين رحمة وتسامح وسلام: كل يوم تثبتون للعالم أن دينكم بالغ الضعف والهشاشة وأنكم شعوب انفعالية تثور وتغضب لاتفه الأسباب. بالأمس تظاهرتم وكسّرتم السيارات واحرقتم السفارات بسبب بضع رسومات هزيلة. واليوم تريدون قتل إنسان لم يرتكب جناية ولم يسئ إلى أحد، وكل جريمته انه أراد أن يغيّر دينه وهو ما يفعله المسيحي واليهودي والبوذي واتباع كافة الأديان بكل حرّية وهدوء ودون ضوضاء أو شوشرة. والنتيجة هي هذا الغضب العالمي العارم وهذه التغطية الإعلامية الواسعة التي لا أظن إلا أنها ستسلط المزيد من الأضواء على الجوانب المعتمة من دينكم وثقافتكم وستصمكم انتم والإسلام بالإجرام والهمجية.
قلت: الإسلام برئ من هذا الذي يجري. والقرآن واضح اشدّ الوضوح في انه لا إكراه في الدين وأن الإيمان من عدمه مسألة تتعلق بالحرّية الفردية وانه لا يمكن ولا يجوز التدخّل في قناعات الناس الشخصية أو محاسبتهم على علاقتهم بربّهم.
قال: أريد أن اعرف لماذا يريدون قتل هذا المسكين؟ هل تلك عقوبة له على تصرّفه أم أنها محاولة لثني غيره عن تكرار ما فعله؟
قلت: ربّما يكون السبب الثاني هو الأرجح. لكن اعتقد لو أن هذه القضية حدثت في بلد إسلامي آخر لكانت الأمور مختلفة كثيرا. اقصد أن الحكم على هذه القضية يختلف من مجتمع مسلم لاخر تبعا لنوعية القوانين وطبيعة الثقافة السائدة.
وما يسمّى بحدّ الردة أمر مختلف عليه كثيرا بين علماء المسلمين. فهناك مشايخ ومفكّرون إسلاميون بارزون لا يقولون به مثل القرضاوي وهناك من قالوا انه باطل ولا يعتدّ به مثل محمد شحرور واحمد صبحي منصور وحسن الترابي.
قال: ما تسمّونه حدّ الردّة مناقض للعقل ومصادم لحقوق الإنسان كما انه يصوّر الإسلام في حالة خوف دائم من احتمال ترك اتباعه له. إن الغاية من قتل المرتدّ هي في النهاية إبقاء السيطرة على الجموع ومسخ إرادتهم وشلّ تفكيرهم من خلال بثّ الرعب والهلع في نفوسهم. انه صراع بين الحرية من جهة وقوى الظلام والاستعباد من جهة أخرى".
قلت: في القرآن آيات كثيرة تمجّد الحرية وتشيد باختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم.
قال: المفارقة الفاقعة في قضية عبدالرحمن هي أن من جاءوا وحرّروا أفغانستان من قرود طالبان وفئران تورا بورا وإرهابهم يدينون بنفس الدين الذي تعتبرونه مجلبة للعار وسببا كافيا لقتل من يعتنقه مع أنكم تزعمون أن محمدا أخو المسيح.
قلت: دعنا نصلي للرب بأن يوفّق الحكومة الأفغانية لايجاد مخرج من هذه المشكلة وان يتم إنقاذ حياة ذلك المسكين في النهاية إما بتهريبه للخارج أو اتهامه بالجنون. والحل الأول هو الأفضل دون شك فالشيخ المدعو عبدالرؤوف واتباعه ما يزالون يصرخون ويولولون منذ الأمس مهدّدين بقتل عبدالرحمن وتمزيقه إربا إن هو خرج من المحكمة حيّا.
على كل، اصلح الله حالنا ورحم من قال:
ما دمتَ محتـرماً حقّي فأنت أخـي
آمنــتَ بالله أم آمـنـتَ بالحجـر ِ
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .