شاهدتُ منذ أيام على إحدى الفضائيات الأجنبية فيلما عنوانه "موسى" يحكي قصّة حياة النبيّ موسى عليه السلام وكيف تمكّن من إنقاذ قومه واخراجهم من التيه وظلم الفرعون.
كان الفيلم ممتازا من ناحية الكتابة والإخراج كما كان الممثلون رائعين بكل معنى الكلمة.
الإخراج والتصوير في الفيلم مبهران وكانت هناك براعة استثنائية في تصوير ذلك الموقف الجليل عندما كلّم الربّ موسى فوق الجبل، كما برع مخرج الفيلم في تمثيل المشهد الذي يصوّر موسى وهو يتحدّى سحرة فرعون عندما ألقى عصاه فإذا بها تتحوّل إلى حيّة ضخمة تلتهم أفاعي السحرة وسط ذهول الفرعون وحاشيته.
ولم يكن تصوير منظر البحر وهو ينشقّ مفسحا لموسى وقومه فرصة الهرب من أذى فرعون بأقلّ جلالا ومهابة. ودهشت على وجه الخصوص وأنا أتساءل كيف أمكن لفريق عمل الفيلم أن يحشدوا كل ذلك العدد المهول من الناس، رجالا ونساءً واطفالا، في تلك البقعة الضيّقة المحصورة بين الماء واليابسة، وكيف تسنّى للفريق السيطرة على ذلك الحشد الكبير وتوجيههم والتحكّم في حركاتهم وانفعالاتهم بحيث يأتي أداؤهم بمثل تلك الدرجة العالية من التناغم والدّقة والإقناع.
لكن طبقا لدراسة جديدة قام بها عالما رياضيات روسيان، فإنّ معجزة افتراق البحر الأحمر ومن ثم تمكّن اليهود من الهرب من العبودية في مصر لم يتطلب اكثر من ليلة شديدة العواصف وجرف بحري ساعد موقعه الاستراتيجي على تحقّق المعجزة.
هذه الدراسة استغرقت ستة أشهر واعتمدت على نظريات اسحق نيوتن وعلى ما ورد في الإنجيل "سفر الخروج" عن قصّة المعجزة التي حدثت زمن النبيّ موسى.
يقول العالمان الروسيان نعوم فولتزينيغر والكسي اندروسوف اللذان اجريا الدراسة إن الجرف البحري الموجود في البحر الأحمر كان في الأزمنة الإنجيلية قريبا جدا من سطح الماء ويبدو أن سرعة الرياح في تلك الليلة المشهودة كانت حوالي 300 متر في الثانية.
وقد قطع اليهود (كانوا حوالي 60000) مسافة الكيلومترات السبعة التي تفصل ما بين الضفّتين في حوالي أربع ساعات. وبعد نصف ساعة من بلوغهم البرّ عاد المدّ مرّة أخرى إلى حالته الأولى بعد أن استجاب الله لدعاء موسى.
ويضيفان: هذه الأيام لا يمكن أن يتكرّر ذلك الحدث، فالحيد البحري لم يعد موجودا بعد أن أزيل من مكانه لتمكين السفن من العبور وبالنتيجة أصبحت المياه اكثر عمقا.
طبعا لم ينس العالمان اللذان يبدو من اسميهما انهما يهوديان أن يمجّدا اليهود "الذين كافأهم الله على قوّة إيمانهم بتخليصهم من عبودية المصريين وتحقيق حلمهم بالعودة إلى ارض الميعاد".
الجدير بالذكر أن حادثة افتراق البحر الأحمر شغلت الناس لزمن طويل، وكان الفيلسوف توما الاكويني الذي عاش في القرون الوسطى قد أكد احتمال وقوعها.
لو صحّت استنتاجات هذين العالمين، فإنها تؤكّد على أن الله عزّ وجلّ قادر على تسيير الأمور واجتراح المعجزات مهما بدا أنها صعبة أو مستحيلة التصوّر، لكنه يفعل ذلك وفقا لنواميس الكون وقوانين الطبيعة الثابتة.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .