:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، يونيو 13، 2005

يوميات ماليزية - 10

للعرب في كوالالمبور حضور لافت، على الرغم من أنّنا لاحظنا خلوّ أكشاك الصحف في كافة المناطق التي تجوّلنا فيها من الصحف العربية.
وكان من حسن الطالع أن ُنحرم ايضا من مشاهدة القنوات الفضائية العربية التي لا تبثّ عادةً سوى أنباء الكوارث وكلّ ما يجلب للإنسان الصداع والاكتئاب.
إرتحنا ولو إلى حين من تهويلات الجزيرة وبلاوي الزرقاوي وسحنة ارييل شارون!
في آخر يومين لنا في كوالالمبور، كان بالإمكان مشاهدة برامج قناتي السعودية وأبو ظبي.
بالمناسبة، في ماليزيا ثلاث قنوات تلفزيونية محلية تبثّ بلغة الملايو، وقناة للصينيين وأخرى للهنود. لكن بالإمكان أيضا مشاهدة بثّ أرضي لقناة ديسكفري الأمريكية وكذلك قناة ناشيونال جيوغرافيك التي تبثّ برامجها مترجمةً إلى لغة الملايو.
في شارع فوكيت بيتالينغ المزدحم عادةً بالمارّة والمتسوّقين خرج علينا من أحد المطاعم شاب سوري مرحّبا، وأقسم علينا بتناول القهوة في مطعمه.
حكى لنا عن مشوار الغربة الطويل الذي قاده في البداية إلى بلدان أمريكا اللاتينية ثم إلى الشرق الأوسط مرةً أخرى إلى أن حطّت به الرحال أخيرا في كوالالمبور التي بدأ فيها حياة جديدة.
تناولنا قهوتنا عنده وحلفت عليه بأخذ الأجرة فوافق بعد لأي وتمنّع.
وفي مكان آخر من نفس الشارع طلع علينا شابّان يمنيان دعيانا لزيارة محلّ العطورات الذي يملكانه فشكرناهما على كرمهما ووعدناهما بزيارة أخرى لم تتحقّق.
ثم قابلنا في أحد محلات السوبرماركت شخصا أفغانيا لفتتنا وسامته وأناقته البالغة.
قال انه يملك ذلك المحل وانه يعيش في ماليزيا منذ خمسة عشر عاما. ثم فوجئت به ودون سابق إنذار يشنّ هجوما عنيفا على حامد كرازاي واصفا إياه بالدمية والعنصري!
سألته: وما رأيك بطالبان؟ يبدو انك تحنّ إلى أيام كندهار وجحور تورابورا.
قال: لا والله. لا أعاد الله طالبان وسنينها! لكن يا أخي تصوّر انه لا يوجد أمن في البلاد حتى الآن باستثناء المنطقة التي تتواجد فيها مكاتب حكومة كرازاي. ثم إن الرجل قرّب منه جماعته وأفراد قبيلته وأبعد بقية القبائل والطوائف، وهذه ليست أفغانستان التي نحلم بها ونتطلع للعودة إليها لكي نبنيها ونسهم في نهضتها.
وفي بهو أحد الفنادق في منطقة تايمز اسكوير قابلنا يونس، وهو شاب إريتري على مستوى عال من الأخلاق والثقافة.
قال لنا انه يحضّر لدرجة الماجستير في علم الاجتماع بالجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور، لكنه يستغل ساعات فراغه في أداء بعض الأعمال مقابل أجر.
حدّثنا عن الجامعة التي يدرس بها فقال: يرأس الجامعة أستاذ سعودي فاضل هو الدكتور عبدالحميد أبو سليمان وهو رجل متفتّح العقل وواسع الأفق. والجامعة الإسلامية العالمية تتبنّى نظاما أكاديميا متحرّرا ومنفتحا إلى حدّ كبير، لدرجة أن مكتبتها تزخر بأمّهات الكتب عن الماركسية والوجودية وغيرهما من الأفكار والفلسفات المعاصرة. وهذه الكتب متاحة للجميع من أساتذة وطلبة علم وباحثين.
يونس ملمّ أيضا وبشكل كبير على ما يبدو بالأدب السعودي الحديث.
حدّثنا مطولا عن غازي القصيبي وسعد البازعي وعبدالله الغذّامي وعن كتابي الخطيئة والتكفير والمرأة واللغة.
ثم قال: عندكم أيضا كاتب متميّز يكتب القصة القصيرة بتمكّن ووعي اسمه عبده خال.
وأضاف: لو كان هذا الكاتب مصريا أو شاميا لكان اليوم يحظى بمكانة قريبة من مكانة يوسف إدريس أو عبدالسلام العجيلي، لكن يبدو أن إعلامكم مقصّر أو أن بيئتكم الثقافية لا تحتفي كثيرا بالمبدعين والمبرّزين.
قلت له وأنا أصافحه مودّعا: يا سيّدي، ليست بيئة الثقافة هي السبب.
السبب هو فكر التطرّف والهوس الديني الذي يحرّم الفنون ويدمغ كل صاحب فكر حرّ بالكفر والضلالة!