:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، يونيو 12، 2005

يوميات ماليزية - 9

قبل ستّة وثلاثين عاما نشر كاتب من أهل الملايو كتابا يتحدّث فيه عن اوجه العجز والقصور في عقلية الملاويين.
كان الكتاب ذا طابع هجومي وكان يتضمن نقدا شديدا وقاسيا لطريقة تفكير أهل الملايو وركونهم إلى الكسل والتراخي ورضاهم بالأعمال الدنيا والأكثر جهدا كالصيد والزراعة فيما غيرهم يسيطرون على التجارة والاقتصاد وهما عصب الحياة ومفتاح النفوذ.
وانتهى الكاتب إلى أن على أهل الملايو أن يغيّروا أسلوب تفكيرهم وان يشرعوا في عملية اختبار لذواتهم وهويتهم (Soul Searching)، وان يتبنوا التفكير النقدي الذي يبصرهم بعيوبهم لكي يتغلبوا على واقعهم ويؤسّسوا لانفسهم وجودا في عالم المستقبل.
وهذه الأيام يثار الحديث مرة ثانية عن ذلك الكتاب وعن الجدل الذي صاحبه. وقد دعا بعض الكتّاب على صفحات الصحف إلى إعادة الاعتبار لمؤلفه الذي اتهم وقتها بالتنكّر لقومه والإمعان في جلد الذات.
بعض الكتاب الاعتذاريين قالوا إن المؤلف استخدم أسلوب جلد الذات لتنبيه أهل الملايو لكي يصحوا من غفلتهم ويغيّروا واقعهم ويلتمسوا لانفسهم مكانا افضل يليق بثقافتهم وتاريخهم.
اليوم وبعد ستّ وثلاثين سنة على نشر ذلك الكتاب، لا بدّ وان الملاويين يشعرون بالكثير من الرضا والفخر بعد كل هذه التحوّلات السياسية والحضارية التي حقّقوها لبلدهم طوال العقود الثلاثة الماضية.
فهناك نخبة سياسية مستنيرة وواعية قادت البلاد باتجاه الديمقراطية والحداثة وحافظت على وحدة البلد واستطاعت صوغ علاقات من الاخوة والتسامح مع بقية الأطياف التي تشكّل النسيج الاجتماعي والاثني والثقافي لماليزيا.
كان بروز مهاتير محمد أحد مظاهر التغيير الذي طرأ على العقلية الملاوية، وبنفس القدر يمكن القول إن رئيس الوزراء الحالي عبدالله بدوي هو الآخر أحد تجليات هذا التحوّل الكبير في حياة أهل الملايو.
عبدالله بدوي تبنّى فور توليه منصبه برنامجا اسماه الإسلام الحضاري، أو (Hadhari Islam) كما يسمّونه هنا، والبرنامج يؤكد على مبادئ محددة أهمها التسامح والتنوع والتعدّدية واستيعاب الآخر المختلف.
من تنكو عبدالرحمن أول رئيس للوزراء بعد الاستقلال (1957) إلى تون عبدالرزاق ومرورا بمهاتير وعبدالله بدوي، استطاع شعب الملايو بالتعاون مع القوميات الأخرى تحقيق ما يشبه المعجزة في هذا البلد الذي يضمّ مزيجا من الأجناس والأديان واللغات والتقاليد.
ومع ذلك عاش الجميع ولقرون طويلة في مناخ من التسامح والوفاق بعيدا عن التناحر والصراعات.