الافتتان بالأماكن الغامضة شغل عقول البشر منذ آلاف السنين. الشعوب القديمة كانت تضع علامات على الأماكن التي تعتبرها خاصّة وتستحقّ أن يتذكّرها الناس، وكأن في هذا إشارة إلى أن شيئا ما مقدّسا واستثنائيّا حدث هنا، وأن عليك أن تأتي إلى المكان لتغيّر نفسك وتتذكّر بأن البشر جميعهم مترابطون داخل وخارج الزمان والمكان.
وغالبا فإن هذه الأماكن توحي بالارتباط بالروح العظيمة "أو الله" وبالعالم الآخر وبأولئك الذين عاشوا قبلنا على هذه الأرض.
سكّان أوربّا القدماء كانوا يعتقدون بوجود فتحات في سطح الأرض يستخدمها ساكنو العالم الآخر للتنقّل ما بين العوالم. وفي ثقافات الشعوب القديمة، كانت الأبواب والعتبات والجسور وغيرها من المنافذ ترتبط بحرّاس أو حُجّاب مهمّتهم مساعدة الناس في العبور إلى أمكنة أخرى.
كان القدماء يحسّون، بعمق، بهذه الأماكن. وكانوا عندما يزورونها يشعرون بالسعادة والرهبة، وبعد أن يغادروها يعاودهم الحنين إليها فيزورونها مجدّدا، ومع كلّ زيارة يشعرون بخصوصية المكان وبكونه مختلفا.
الأماكن الشفّافة بالمفهوم التقليدي توجد غالبا في أماكن عليها علامات مثل الأبنية الحجرية التي نصبها أقوام منذ أزمنة قديمة جدّا، مثل تلك التي في انجلترا وايرلندا وتركيا واليونان والبيرو والمكسيك غيرها.
الحجارة نفسها هي علامات على الحدود بين المعلوم والمجهول، مثلما أن الغسق والفجر يمثّلان علامتين على تحوّل النهار إلى ليل أو العكس.
والأماكن الشفّافة لا تقتصر على المعابد والأديرة والأضرحة القديمة ولا على المناطق الأثرية في قلب الصحراء من قبيل تلك تحدّث عنها صاحبنا. بل يمكنك أيضا أن تجد لمحة من شفافية عندما تنظر إلى جبل مضيء في الليل، أو عندما تتذوّق ثمار فاكهة تنمو في البرّية، أو عندما تراقب السماء في ليلة يزيّنها قمر كامل وترصّعها النجوم، أو عندما تشرب من نبع ماء بارد وصافٍ أو من نافورة مخبّأة بعيدا عن الأعين.
وطبعا الكثيرون منّا يعرفون ما للماء من سمات تحوّلية وخصائص تأمّلية، ويفهمون أيضا العلاقة الأزلية بين الضوء والعتمة. أمّا القمر فلطالما نُظر إليه باعتباره منفذا من الدنيويّ والمؤقّت إلى الخالد والأبديّ. والفكرة هنا هي أنه، وأيّا ما كان إدراكك للعالم الآخر، فإن المكان الشفّاف هو الذي يربطك بذلك العالم.
الأماكن الشفّافة تمنحك إحساسا بالماضي وانه ما يزال حاضرا في المكان. وهي مرتبطة أكثر بالطبيعة الفطرية. كما أن إمكانية السيطرة عليها أقلّ، وما لا يمكن التنبّؤ به فيها يصبح وسيلة استكشاف.
والمكان الشفّاف لا تكتشفه بمجرّد انتقالك إلى حالة من التأمّل أو النشوة الروحية. المكّان نفسه شفّاف بطبيعته، ما يتيح للتأمّل أن يصبح أكثر قوّة وعمقا. وغالبا فإن ما يحدّد أنه شفّاف قد يكون طبيعة الظلال أو الضوء أو الصمت أو نوعية الأصوات فيه.
والمتصوّفة يطلقون على هذه الحالة "الإشراق" أو "النورانية". ووظيفتها أنها تجعلك أكثر وعيا بالقناع الشفّاف الفاصل ما بين الواقع الظاهريّ وعالم الخفاء أو الغيب.
والمكان الشفّاف ليس بالضرورة مكانا هادئا ولا حتى جميلا، رغم انه قد يكون كذلك أحيانا. وهناك من هذه الأماكن ما قد يثير في النفس الرهبة والخشوع، مثل المعابد القديمة التي يقصدها الناس للتعبّد والصلاة.
عندما تذهب إلى أماكن مثل مكّة أو القدس أو الفاتيكان مثلا، تحسّ أنك انتقلت قرونا إلى الوراء بلمح البصر. ثمّة قدسيّة لإيقاع الحياة في مثل هذه الأماكن. وكثيرا ما نسمع بعض الأشخاص وهم يتحدّثون عن رؤيتهم لطيف نبيّ أو قدّيس أو ملاك في هذا المعبد أو ذلك المزار.
في عالم الروايات الخيالية، يحاول الكاتب أو الروائي الدخول إلى عوالم مجهولة. ونفس الشيء ينطبق على الأماكن الشفّافة، فأنت من خلالها تعبر من عالم إلى آخر.
وفي بعض الخرافات والأساطير التي تختزنها الذاكرة الثقافية من زمن الطفولة، نستطيع أن نرى أمثلة على الأخطار والأعاجيب التي يمكن أن تواجهنا ونحن نعبر بعض الأمكنة، من وحوش وجان وأرواح ومخلوقات غريبة.. إلى آخره.
وهناك أساطير عن أناس مشوا عبر بعض الأماكن وقضوا ليالي وأيّاما مع الجان، ثم عادوا ليجدوا أن عشرات السنين انقضت من أعمارهم دون أن يشعروا. وهذه القصص، على غرابتها وصعوبة تصديقها، يُفترض أنها هي أيضا تحدث في أماكن شفافّة يتقاطع فيها عالمنا مع عوالم أخرى.
الروحانيون من جهتهم يتحدّثون عن طبقات متعدّدة للوجود: الطبقات السفلية لها بعد مادّي، والعلوية ذات بعد روحاني. لكنّها ليست أماكن متمايزة تماما، بل يفصل بينها حجُب رقيقة وشفّافة يُعبّر عنها في الأساطير القديمة بالضباب، وكلّ منها يعكس حالات ذهنية مختلفة ومستويات متباينة من الوعي.
وأخيرا، المكان الشفّاف له معنى مجازيّ يتمثّل في أهميّة أن ندرك أن جميع الأماكن يمكن أن تكون شفّافة، وأن نتدرّب على أن نجعل الأماكن الأخرى في حياتنا أكثر شفافية. وفي الواقع فإن في حياتنا أمكنة يمكننا أن نجد فيها عمقا بالارتباط أكثر مع الخالق، وبما يحفّزنا على المحبّة وعلى النيّة الخالصة والعمل الطيّب.
وغالبا فإن هذه الأماكن توحي بالارتباط بالروح العظيمة "أو الله" وبالعالم الآخر وبأولئك الذين عاشوا قبلنا على هذه الأرض.
سكّان أوربّا القدماء كانوا يعتقدون بوجود فتحات في سطح الأرض يستخدمها ساكنو العالم الآخر للتنقّل ما بين العوالم. وفي ثقافات الشعوب القديمة، كانت الأبواب والعتبات والجسور وغيرها من المنافذ ترتبط بحرّاس أو حُجّاب مهمّتهم مساعدة الناس في العبور إلى أمكنة أخرى.
كان القدماء يحسّون، بعمق، بهذه الأماكن. وكانوا عندما يزورونها يشعرون بالسعادة والرهبة، وبعد أن يغادروها يعاودهم الحنين إليها فيزورونها مجدّدا، ومع كلّ زيارة يشعرون بخصوصية المكان وبكونه مختلفا.
الأماكن الشفّافة بالمفهوم التقليدي توجد غالبا في أماكن عليها علامات مثل الأبنية الحجرية التي نصبها أقوام منذ أزمنة قديمة جدّا، مثل تلك التي في انجلترا وايرلندا وتركيا واليونان والبيرو والمكسيك غيرها.
الحجارة نفسها هي علامات على الحدود بين المعلوم والمجهول، مثلما أن الغسق والفجر يمثّلان علامتين على تحوّل النهار إلى ليل أو العكس.
والأماكن الشفّافة لا تقتصر على المعابد والأديرة والأضرحة القديمة ولا على المناطق الأثرية في قلب الصحراء من قبيل تلك تحدّث عنها صاحبنا. بل يمكنك أيضا أن تجد لمحة من شفافية عندما تنظر إلى جبل مضيء في الليل، أو عندما تتذوّق ثمار فاكهة تنمو في البرّية، أو عندما تراقب السماء في ليلة يزيّنها قمر كامل وترصّعها النجوم، أو عندما تشرب من نبع ماء بارد وصافٍ أو من نافورة مخبّأة بعيدا عن الأعين.
وطبعا الكثيرون منّا يعرفون ما للماء من سمات تحوّلية وخصائص تأمّلية، ويفهمون أيضا العلاقة الأزلية بين الضوء والعتمة. أمّا القمر فلطالما نُظر إليه باعتباره منفذا من الدنيويّ والمؤقّت إلى الخالد والأبديّ. والفكرة هنا هي أنه، وأيّا ما كان إدراكك للعالم الآخر، فإن المكان الشفّاف هو الذي يربطك بذلك العالم.
الأماكن الشفّافة تمنحك إحساسا بالماضي وانه ما يزال حاضرا في المكان. وهي مرتبطة أكثر بالطبيعة الفطرية. كما أن إمكانية السيطرة عليها أقلّ، وما لا يمكن التنبّؤ به فيها يصبح وسيلة استكشاف.
والمكان الشفّاف لا تكتشفه بمجرّد انتقالك إلى حالة من التأمّل أو النشوة الروحية. المكّان نفسه شفّاف بطبيعته، ما يتيح للتأمّل أن يصبح أكثر قوّة وعمقا. وغالبا فإن ما يحدّد أنه شفّاف قد يكون طبيعة الظلال أو الضوء أو الصمت أو نوعية الأصوات فيه.
والمتصوّفة يطلقون على هذه الحالة "الإشراق" أو "النورانية". ووظيفتها أنها تجعلك أكثر وعيا بالقناع الشفّاف الفاصل ما بين الواقع الظاهريّ وعالم الخفاء أو الغيب.
والمكان الشفّاف ليس بالضرورة مكانا هادئا ولا حتى جميلا، رغم انه قد يكون كذلك أحيانا. وهناك من هذه الأماكن ما قد يثير في النفس الرهبة والخشوع، مثل المعابد القديمة التي يقصدها الناس للتعبّد والصلاة.
عندما تذهب إلى أماكن مثل مكّة أو القدس أو الفاتيكان مثلا، تحسّ أنك انتقلت قرونا إلى الوراء بلمح البصر. ثمّة قدسيّة لإيقاع الحياة في مثل هذه الأماكن. وكثيرا ما نسمع بعض الأشخاص وهم يتحدّثون عن رؤيتهم لطيف نبيّ أو قدّيس أو ملاك في هذا المعبد أو ذلك المزار.
في عالم الروايات الخيالية، يحاول الكاتب أو الروائي الدخول إلى عوالم مجهولة. ونفس الشيء ينطبق على الأماكن الشفّافة، فأنت من خلالها تعبر من عالم إلى آخر.
وفي بعض الخرافات والأساطير التي تختزنها الذاكرة الثقافية من زمن الطفولة، نستطيع أن نرى أمثلة على الأخطار والأعاجيب التي يمكن أن تواجهنا ونحن نعبر بعض الأمكنة، من وحوش وجان وأرواح ومخلوقات غريبة.. إلى آخره.
وهناك أساطير عن أناس مشوا عبر بعض الأماكن وقضوا ليالي وأيّاما مع الجان، ثم عادوا ليجدوا أن عشرات السنين انقضت من أعمارهم دون أن يشعروا. وهذه القصص، على غرابتها وصعوبة تصديقها، يُفترض أنها هي أيضا تحدث في أماكن شفافّة يتقاطع فيها عالمنا مع عوالم أخرى.
الروحانيون من جهتهم يتحدّثون عن طبقات متعدّدة للوجود: الطبقات السفلية لها بعد مادّي، والعلوية ذات بعد روحاني. لكنّها ليست أماكن متمايزة تماما، بل يفصل بينها حجُب رقيقة وشفّافة يُعبّر عنها في الأساطير القديمة بالضباب، وكلّ منها يعكس حالات ذهنية مختلفة ومستويات متباينة من الوعي.
وأخيرا، المكان الشفّاف له معنى مجازيّ يتمثّل في أهميّة أن ندرك أن جميع الأماكن يمكن أن تكون شفّافة، وأن نتدرّب على أن نجعل الأماكن الأخرى في حياتنا أكثر شفافية. وفي الواقع فإن في حياتنا أمكنة يمكننا أن نجد فيها عمقا بالارتباط أكثر مع الخالق، وبما يحفّزنا على المحبّة وعلى النيّة الخالصة والعمل الطيّب.
Credits
patheos.com
onbeing.org
patheos.com
onbeing.org