لكن، وحسب تعبير عالم النفس روجر كروز، فإن العثور على شيء له معنى في مكتبة بورخيس الخيالية وذات المحتوى الهائل يشبه العثور على "إبرة في كومة من القشّ". فالناس الذين يبحثون في هذه الكتب عن ايّ معلومات تُفصّل مستقبل البشرية ومعنى الحياة، يكتشفون أن الغالبية العظمى من الكتب لا تحتوي إلا على مجموعات من الحروف التي لا معنى لها.
وطبقا لبورخيس، فإن الحقيقة موجودة هناك، ولكن كلّ الكذب الذي يمكن تصوّره موجود هناك أيضا. وكلّ ذلك ضمن كمية هائلة ولا يمكن تخيّلها من الهراء. وحتى بعد قرون من البحث، لا يُعثر إلا على بضع نِتَف من المعلومات ذات المغزى. وحتى في هذه الحالة، لا توجد طريقة لتحديد ما إذا كانت هذه النصوص المتماسكة حقائق أم أكاذيب.
ويشير كروز الى أن بعض مؤلّفي روايات الخيال العلمي اليوم يشاركون بورخيس نبوءته المتشائمة عن الانترنت، فيتخيّلون مستقبلا قريبا تصبح فيه الشبكة العالمية ملوّثة بالمعلومات المضلّلة والإعلانات المزعجة لدرجة أنها تصبح غير قابلة للاستخدام إلى حدّ كبير. ولتجاوز هذه المشكلة يلجأ بعض الناس للاشتراك في خدمة الأخبار والمعلومات التي توفّرها بعض المواقع الاخبارية التي تُختار باعتبارها جديرة بالثقة.
لكن المشكلة هي أن الأثرياء وحدهم هم من يستطيعون تحمّل تكاليف مثل تلك الخدمات المتخصّصة التي توفّر معلومات دقيقة وموثوقة، بينما يُترك معظم البشر لاستهلاك محتوى منخفض الجودة وغير منتظم عبر الإنترنت. ويتّفق كروز مع من يعتبرون الإنترنت أحد الإنجازات العظيمة للبشرية. ولكن مثل أيّ مورد آخر، من المهم التفكير بجديّة في كيفية صيانته وإدارته، حتى لا ينتهي بنا الأمر إلى مواجهة الرؤية الديستوبية التي تَخيّلها بورخيس وغيره من الكتّاب.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
اللوحة تتميّز بالواقعية التفصيلية والدقّة في تصوير ملامح الوجه، حيث تمكن الفنّان من الإمساك بجمال وأناقة بولين من خلال ضربات الفرشاة الناعمة والدقيقة. كما أسهم استخدام تقنية الزيت في إظهار غنى الملمس والألوان وإضفاء واقعية أكبر على العمل.
رسم الفنّان الشخصية في وسط اللوحة، وهي تنظر مباشرة إلى المتلقّي بتعبيرات هادئة، لكن غامضة. وهي تظهر على خلفية داكنة، ما يؤكّد حضورها ويجعلها الموضوع المهيمن. كما استُخدم الضوء بمهارة كي يُبرز تفاصيل وجه المرأة وملابسها ويخلق شعورا بالعمق والحجم.
الألوان في هذه اللوحة تلعب دورا مهمّا، إذ استُخدم مزيج من الألوان الدافئة، مع درجات من اللون الذهبي والبنّي التي تُبرز بشرة المرأة الشاحبة وتسلّط الضوء على ملامح وجهها الدقيقة. وتتباين الألوان الزاهية لفستانها مع الخلفية الداكنة لتضفي لمسة من الحيوية والأناقة على العمل.
وعلى الرغم من أن اللوحة رُسمت في القرن السادس عشر، إلا أن هويّة الفنّان ظلّت دائما لغزا. ويشير بعض مؤرخّي الفن أنها ربما رُسمت من قبل أحد أفراد حاشية هنري الثامن، وهو ما يفسّر الدقّة والعناية التي صُوِّرت بها المرأة. وربّما يكون من رسمها أحد الفنّانين الهولنديين المهاجرين الى لندن آنذاك، لأن أعمالهم كانت الأكثر طلبا وإشادةً. ويقال أيضا أن اللوحة ربّما استُلهمت من صورة معاصرة لآن بولين لم تعد موجودة.
توصف آن بولين بأنها كانت ذات عنق طويل وفم صغير وعيون سوداء وجميلة. ويفترض بعض مؤرّخي الفن أن الصورة قد تكون رُسمت لها قبيل إعدامها، ما يضيف إليها عنصرا من الحزن والمأساة.
في مايو 1536، أدينت آن بولين بشكل مثير للجدل بتهمة الخيانة. وسُجنت في برج لندن في نفس المنزل الملكي الذي كانت تنتظر فيها تتويجها قبل ثلاث سنوات. وحُدّد موعد إعدامها في الثامن عشر من نفس الشهر. وفي فجر ذلك اليوم، أدلت آن باعترافها الأخير واحتفلت بالقدّاس وجهّزت نفسها للموت. ويقال إن آخر ما نطقت به قبل إعدامها بالسيف قولها: سمعت أن الجلاد بارع، ورقبتي صغيرة".
وفي نفس اليوم، وبينما كانت المدافع تعلن موتها، انطلق هنري الثامن بالقارب في مياه التيمز لزيارة خطيبته الجديدة جين سيمور. وأعلن عن نيّته الزواج منها. وفي صباح اليوم التالي عُقدت خطبة الزوجين رسميّا. ونجحت جين سيمور في تحقيق ما فشلت فيه ملكات هنري الأخريات، وهو إنجاب الابن الذي طال انتظاره. لكنها توفّيت في الليلة التالية بسبب مضاعفات ما بعد الولادة، عن 28 عاما.
❉ ❉ ❉
وبدأت الفتاة تتجمّد ببطء من شدّة البرودة. وأصبح الموت وشيكا. واستسلمت لفكرة أنه لا توجد فرصة لبقائها على قيد الحياة. وفجأة وبشكل غير متوقّع تماما، فُتح الباب. وبعد أن تجاوزت الفتاة الصدمة وتمالكت نفسها، سألت الحارس عن السبب الذي دعاه لأن يأتي إلى المخزن بعد انصراف الجميع، فقال: أنا أعمل هنا كحارس أمن منذ أكثر من 30 عاما، ونادرا ما يأتي إليّ شخص كلّ صباح ويقول لي صباح الخير، وعندما يغادر في المساء يلقي عليّ تحية الوداع".
وأضاف: كان معظم الموظّفين يتصرّفون معي وكأنهم لا يرونني. لكنكِ كنتِ الشخص الوحيد الذي يحرص على أن يراني ويسلّم عليّ بابتسامة لطيفة كلّ يوم. وقد فعلتِ ذلك هذا الصباح أيضا. ولكن بعد الظهر لم أسمع كلمة مساء الخير منك، ففهمت أنك لم تخرجي بعد، وبدأت أبحث عنكِ".
والعبرة من هذه القصّة هي انه بقدر ما تُحسن الى الآخرين، بقدر ما يعود عليك ذلك بالخير أضعافا وأن "من يفعل الخير لا يعدم جوازيه".
❉ ❉ ❉
لذا عندما يتعلّق الأمر بمسألة البريّة، أو ما كانت عليه الأرض في الأصل قبل أن نخربّها، فإننا نحاول الحفاظ على نقاء هذه الأرض كما أرادها الله لرفاهيتنا الروحية والنفسية. إننا ننتمي إلى الأرض ولا يمكننا فصل أنفسنا عنها. وعندما تفصل نفسك عن الأرض، فإنك تقطع جذورك. والذين يقطعون جذورهم تصبح أرواحهم ضائعة. والعالم مليء بهؤلاء، وهم يبحثون بشكل يائس عن شيء يتمسّكون به".
Credits
thehistorypress.co.uk
listeningpointfoundation.org
thehistorypress.co.uk
listeningpointfoundation.org