في نفس العام الذي نصبَ فيه كلود مونيه لأوّل مرّة حامل لوحاته في سافوي بلندن، كتب اوسكار وايلد مقالة قال فيها: يرى الناس الضباب، ليس لأن هناك ضباباً، بل لأن الشعراء والرسّامين علّموهم الجمال الغامض لمثل هذه التأثيرات. ربّما كان الضباب موجوداً منذ قرون في لندن، وأتجرّأ على القول أنه كان موجوداً بالفعل. ولكن لم يرَه أحد، ولهذا السبب لا نعرف عنه شيئاً. لم يكن موجوداً الى أن اخترعه الفن."
الناقد جوناثان جونز يذكر أن كلود مونيه، الرسّام الشغوف بالجمال، جاء إلى لندن في زيارات متكرّرة بين عامي 1899 و1901 "لتجربة القبح". ولم يسبق للرسّام في حياته أن استخدم فرشاته في رسم أيّ شيء غير جذّاب. كان ضوء المدينة في فجر القرن العشرين مليئا بالضباب الدّخاني ومسموما بالتلوّث الناجم عن الصناعات التي اكتظّت على ضفاف نهر التيمز. وكان مونيه قد زعم أنه يعشق ضوء لندن، لكن هذه اللوحات تثبت أنه فهم ما جعلها غريبة للغاية: الثروة الملوّثة لأوّل دولة صناعية في العالم.
لوحات مونيه عن لندن لا تحمل أيّ إحساس بالفكرة الانطباعية الكلاسيكية المتمثّلة في الترفيه الحضري. فبينما يرقص الباريسيون ويشربون ويتنزّهون في الفنّ الانطباعي، لا يبدو أن سكّان لندن الذين رسمهم مونيه لديهم أيّ وقت لذلك. فالعمّال يعبرون جسر واترلو بلا نهاية، في لوحة تلو الأخرى، أو يُنقلون في قطارات ركّاب تنفث الدخان داخل وخارج تشيرينغ كروس.
وإحدى أكثر لوحات مونيه هذه إثارةً للإعجاب هي لوحته بعنوان "جسر واترلو، تأثير ضوء الشمس في الضباب"، وهي تنويع على لوحته الأشهر "انطباع، شروق الشمس". في اللوحة نرى الشمس البرتقالية الساطعة ترسل خطوطاً حمراء متوهّجة تخترق التموّجات الخفيفة لنهر التيمز تحت ضباب برونزي غامض. وبينما يمكن تمييز أشكال القوارب والبشر، تتحوّل تفاصيل الحياة الحديثة إلى حلم صباحي ضبابي.
ذات يوم نجح مونيه في جعل المدينة الحديثة تبدو وكأنها جنّة. لكن لوحاته عن لندن توحي بجحيم حضري. ويتحوّل تكراره لنفس المناظر من فندقه إلى كابوس في حدّ ذاته. فكلّ منها يلتقط التباينات في الضوء. ولكن يا له من ضوء: لوحة متغيّرة من الأصفر والرمادي والأرجواني، مريضة وكئيبة، يتخلّلها دوماً الضباب والدخان.
الناقد جوناثان جونز يذكر أن كلود مونيه، الرسّام الشغوف بالجمال، جاء إلى لندن في زيارات متكرّرة بين عامي 1899 و1901 "لتجربة القبح". ولم يسبق للرسّام في حياته أن استخدم فرشاته في رسم أيّ شيء غير جذّاب. كان ضوء المدينة في فجر القرن العشرين مليئا بالضباب الدّخاني ومسموما بالتلوّث الناجم عن الصناعات التي اكتظّت على ضفاف نهر التيمز. وكان مونيه قد زعم أنه يعشق ضوء لندن، لكن هذه اللوحات تثبت أنه فهم ما جعلها غريبة للغاية: الثروة الملوّثة لأوّل دولة صناعية في العالم.
لوحات مونيه عن لندن لا تحمل أيّ إحساس بالفكرة الانطباعية الكلاسيكية المتمثّلة في الترفيه الحضري. فبينما يرقص الباريسيون ويشربون ويتنزّهون في الفنّ الانطباعي، لا يبدو أن سكّان لندن الذين رسمهم مونيه لديهم أيّ وقت لذلك. فالعمّال يعبرون جسر واترلو بلا نهاية، في لوحة تلو الأخرى، أو يُنقلون في قطارات ركّاب تنفث الدخان داخل وخارج تشيرينغ كروس.
وإحدى أكثر لوحات مونيه هذه إثارةً للإعجاب هي لوحته بعنوان "جسر واترلو، تأثير ضوء الشمس في الضباب"، وهي تنويع على لوحته الأشهر "انطباع، شروق الشمس". في اللوحة نرى الشمس البرتقالية الساطعة ترسل خطوطاً حمراء متوهّجة تخترق التموّجات الخفيفة لنهر التيمز تحت ضباب برونزي غامض. وبينما يمكن تمييز أشكال القوارب والبشر، تتحوّل تفاصيل الحياة الحديثة إلى حلم صباحي ضبابي.
ذات يوم نجح مونيه في جعل المدينة الحديثة تبدو وكأنها جنّة. لكن لوحاته عن لندن توحي بجحيم حضري. ويتحوّل تكراره لنفس المناظر من فندقه إلى كابوس في حدّ ذاته. فكلّ منها يلتقط التباينات في الضوء. ولكن يا له من ضوء: لوحة متغيّرة من الأصفر والرمادي والأرجواني، مريضة وكئيبة، يتخلّلها دوماً الضباب والدخان.
ويذكّر جونز بأنه سبق للفنّانين الفرنسيين أن رأوا لندن جحيماً. ففي كتاب "لندن: رحلة حجّ" المنشور عام 1872، يتأمّل الفنّان غوستاف دوريه الأحياء الفقيرة والمحرومة في المدينة ويرسم لها 180 نقشاً بمرافقة نصّ للكاتب وليام جيرولد. وفي باريس يصوّر الفنّانون المدينة باعتبارها مدينة للحواسّ. أما لندن فكانت "بمثابة الحفرة القذرة التي تختبئ فيها قسوة العالم الرأسمالي الجديد". فهل كان مونيه، الذي صوّر هذه المدينة، أي لندن، من فندقه، سائحاً يغرق في الضباب الدخاني؟!"
كان مونيه يرسم ما يراه، ومعظم ما يراه كان عبارة عن ضباب. والأشكال الغامضة للحافلات والأشخاص والقطارات تكافح لتصبح حقيقية، لكي تُرى. يتسلّل الدخان إلى عينيه ويصبح الضوء المشوّه ذو الألوان الغريبة شيئا في حدّ ذاته بدلاً من أن يكون وسيلة لإضاءة الأشياء. والمدينة غير الحقيقية تغيّر فنّه، حيث يفقد طريقه في ضبابها.
في لندن، في "مبنى البرلمان" وفي "عمود ضوء الشمس في الضباب"، لا يوجد شيء حقيقي. فضوء الشمس ينقسم من كرة ذهبية مكسورة إلى شعاع لا نهائي من اللون الوردي والبنفسجي، تضيء الضباب من الداخل، قبل أن تتفجّر في شظايا على نهر التيمز. وصورة ويستمنستر الزرقاء تطفو في الضباب المشعّ، إنها قلعة دراكيولا أو مجموعة من دور الأوبرا.
وإذا كان الرسّام قد ألمح إلى فاغنر في "انطباع، شروق الشمس"، فها هو ذا يكمل دورة "الخاتم" ويملأ السماء الضبابية والمياه المخدّرة بألحان غامضة تعلو ببطء. ثم هناك الشيء الأكثر غرابة. فالبرلمان في لوحة مونيه لا يقف على أرض صلبة. بل إن موجات الطلاء تكتسح جوانبه وكأنه سفينة في بحر. كما أنه لا يوجد أعلى ولا أسفل، فالانعكاسات الأرجوانية في النهر تعكس الأبراج القوطية.
كانت الفترة الأخيرة من حياة مونيه واحدة من أكثر الفترات تألّقا في تاريخ الفن. وكانت زنابق الماء التي رسمها تنعي قتلى الحرب العالمية الأولى وتُلهم الانطباعية التجريدية. ولوحاته هذه تشير بقوّة الى أن كلّ شيء بدأ هنا. فهي تتيح لك رؤية اللحظة التي تَحوّل فيها فنّان عظيم إلى حداثيّ عظيم. وكان ضوء لندن القذر هو الذي ساعده على رؤية ما وراء المرئي.
كان مونيه يرسم ما يراه، ومعظم ما يراه كان عبارة عن ضباب. والأشكال الغامضة للحافلات والأشخاص والقطارات تكافح لتصبح حقيقية، لكي تُرى. يتسلّل الدخان إلى عينيه ويصبح الضوء المشوّه ذو الألوان الغريبة شيئا في حدّ ذاته بدلاً من أن يكون وسيلة لإضاءة الأشياء. والمدينة غير الحقيقية تغيّر فنّه، حيث يفقد طريقه في ضبابها.
في لندن، في "مبنى البرلمان" وفي "عمود ضوء الشمس في الضباب"، لا يوجد شيء حقيقي. فضوء الشمس ينقسم من كرة ذهبية مكسورة إلى شعاع لا نهائي من اللون الوردي والبنفسجي، تضيء الضباب من الداخل، قبل أن تتفجّر في شظايا على نهر التيمز. وصورة ويستمنستر الزرقاء تطفو في الضباب المشعّ، إنها قلعة دراكيولا أو مجموعة من دور الأوبرا.
وإذا كان الرسّام قد ألمح إلى فاغنر في "انطباع، شروق الشمس"، فها هو ذا يكمل دورة "الخاتم" ويملأ السماء الضبابية والمياه المخدّرة بألحان غامضة تعلو ببطء. ثم هناك الشيء الأكثر غرابة. فالبرلمان في لوحة مونيه لا يقف على أرض صلبة. بل إن موجات الطلاء تكتسح جوانبه وكأنه سفينة في بحر. كما أنه لا يوجد أعلى ولا أسفل، فالانعكاسات الأرجوانية في النهر تعكس الأبراج القوطية.
كانت الفترة الأخيرة من حياة مونيه واحدة من أكثر الفترات تألّقا في تاريخ الفن. وكانت زنابق الماء التي رسمها تنعي قتلى الحرب العالمية الأولى وتُلهم الانطباعية التجريدية. ولوحاته هذه تشير بقوّة الى أن كلّ شيء بدأ هنا. فهي تتيح لك رؤية اللحظة التي تَحوّل فيها فنّان عظيم إلى حداثيّ عظيم. وكان ضوء لندن القذر هو الذي ساعده على رؤية ما وراء المرئي.
Credits
claude-monet.com
bbc.co.uk
claude-monet.com
bbc.co.uk